مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 384

(45)
جلسة 26 من يناير سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 903 لسنة 2 القضائية

( أ ) عقد العمل الفردي - الموظفون والمستخدمون والعمال والصناع - منهم من تكون علاقته بالدولة علاقة تنظيمية عامة تدخل في نطاق القانون العام، ومنهم من تكون علاقته بها علاقة عقد عمل فردي تندرج في نطاق القانون الخاص.
(ب) عقد العمل - عدم سريان قانون عقد العمل الفردي إلا على العلاقات القائمة على أساس عقد عمل رضائي بالمعنى المفهوم في فقه القانون الخاص - دليل ذلك.
(جـ) عقد العمل - عدم سريان قانون عقد العمل الفردي على مستخدمي وعمال الحكومة الذين تربطهم بالحكومة علاقة لائحية - أساس ذلك.
(د) عقد العمل - بعض أوجه الخلاف بين القواعد المقررة في قانون عقد العمل الفردي وتلك المقررة بالقوانين واللوائح المنظمة لشئون المستخدمين والعمال.
(هـ) عقد العمل - نص المادة 50 من قانون عقد العمل الفردي - قصر سريانه على الشروط والاتفاقات العقدية دون النصوص التنظيمية الواردة في لوائح أو قوانين خاصة.
1 - إن الدولة في قيامها على المرافق العامة وتسييرها تلجأ إلى استخدام وسائل وأدوات عدة متنوعة، وتقوم بينها وبين ذوي الشأن علاقات قانونية تختلف في طبيعتها وتكييفها بحسب الظروف والأحوال، منها ما يدخل في روابط القانون العام ومنها ما يندرج في روابط القانون الخاص، ومن بين تلك الوسائل والأدوات الموظفون الداخلون في الهيئة والمستخدمون الخارجون عنها والعمال الصناع، ومن هؤلاء من تكون علاقتهم بالدولة علاقة تنظيمية عامة تحكمها القوانين واللوائح، فتدخل بهذه المثابة في نطاق القانون العام، ومنهم من تكون علاقته بالدولة عقد عمل فردي، فتندرج على هذا التكييف في نطاق القانون الخاص.
2 - إن مجال تطبيق قانون عقد العمل الفردي لا يكون إلا إذا كانت العلاقة قائمة على أساس عقد عمل رضائي بالمعنى المفهوم في فقه القانون الخاص وليست خاضعة لتنظيم لائحي، وذلك بصريح نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي التي قضت بأن "تسري أحكام هذا القانون على العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يشتغل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه في مقابل أجر..". وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن هذا العقد أنه "يشترط لانعقاده ما اشترط توافره في جميع العقود الرضائية من رضا ومحل سبب". ومن ثم فلا وجه لاستنباط حكم مخالف من الفقرة "هـ" من تلك المادة وهي التي نصت على عدم سريان أحكام القانون المشار إليه على "موظفي ومستخدمي الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الداخلين في الهيئة" استنباطاً على أساس القياس بمفهوم المخالفة وهو من أضعف أوجه القياس وقد يدحضه وجه أقوى كقياس العلة الظاهرة، كما أن من المسلمات في تأويل القوانين وتفسيرها أن مدلول النص على مقتضى قصد الشارع إنما يجليه عند الإبهام ويحدده أو يخصصه عند الإطلاق سائر النصوص وعبارات القانون الأخرى، وبوجه خاص تلك التي تضمن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها السياسة التشريعية للقانون. وإذا صح أن المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 أوردت عبارة انبهمت فيها في تحديد هذا المعنى بشبهة من الإطلاق بغير انضباط، وجب استجلاء هذا المعنى وتحديده وضبطه بعباراتها الأخرى وبمراعاة وجوب التزام مدلول النصوص الأساسية في هذا القانون التي تتضمن المبادئ الجوهرية التي تقوم عليها سياسته التشريعية، وهي صريحة في تحديد نطاق تطبيقه حسبما تقدم. على أن ما جاء بالمذكرة المشار إليها، من أن من بين الطوائف التي لا تسري عليها أحكام القانون المذكور "موظفو ومستخدمو الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الداخلون في الهيئة لأنهم يخضعون لأحكام القوانين واللوائح التي تنظم ما بينهم وبين الحكومة" إنما هو تأكيد للأصل المسلم من أن علة إخراج هؤلاء من أحكامه هي أن الرابطة التي تقوم بينهم وبين الحكومة أو الأشخاص الإدارية الأخرى والمراكز التي تنشأ لهم بسبب هذه الرابطة إنما تخضع لتنظيم لائحي؛ لانفرادها بطبيعة متميزة نظمتها الدولة تنظيماً خاصاً يتسق مع المصلحة العامة بما يكفل حسن سير المرافق، وهو تنظيم لا يتلاءم مع طبيعة عقد العمل الفردي؛ ذلك أن المرافق العامة لا يتسنى لها أن تحقق الغرض المنشود منها إذا كانت خاضعة لقواعد القانون الخاص؛ ومن ثم كان الأصل فيها هو التنظيم اللائحي، وكان عقد العمل الفردي هو الاستثناء. ويبين من استظهار نصوص قانون عقد العمل الفردي أن قصد الشارع فيه لم ينصرف إلى أن يخضع لأحكامه مستخدمي الحكومة وعمالها الذين تحكم علاقتهم بها قواعد تنظيمية عامة، فإذا جاء بعد ذلك في المذكرة الإيضاحية عبارة "أما عمال ومستخدمو الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الخارجون عن الهيئة فإن المشروع يسري عليهم وينتفعون بأحكامه"، وكانت هذه الفئة تشمل من تحكمه قواعد تنظيمية عامة ومن يحكمه عقد عمل فردي، وجب أن يتحدد معناها ويتخصص بذات العلة التي أفصحت عنها من قبل بالنسبة للفريق الأول تأكيداً لإخراجهم من نطاق تطبيق هذا المرسوم بقانون، وهي لأنهم يخضعون لأحكام القوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بينهم وبين الحكومة، فوجب استصحاب هذه العلة عند تحديد معنى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية بالنسبة إلى الفريق الثاني وهم الخارجون عن الهيئة وتخصيص المقصود منها بالفئة من هذا الفريق التي لا تكون العلاقة بينها وبين الحكومة علاقة تنظيمية عامة بل علاقة عقد عمل فردي.
3 - إن المشرع قد استهدف بقانون عقد العمل الفردي تنظيم شئون العمال وبيان حقوقهم وواجباتهم ورعاية مصالحهم وحمايتهم صحياً ومالياً ودرء الحيف والاستغلال عنهم من أرباب الأعمال، وأنه أسند رقابة هذا كله إلى وزارة الشئون الاجتماعية ونصبها قوامة على تنفيذه. وهذه الحكمة التي قام عليها كل من القانون رقم 41 لسنة 1944 والمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 على التوالي ليست قائمة بالنسبة إلى المستخدمين والعمال الحكوميين ممن يخضعون لأحكام القوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بينهم وبين الحكومة وتكفل لهم الرعاية والحماية التي إنما وضع تشريع عقد العمل الفردي من أجل ضمانها لمن لا تشملهم هذه القوانين. وقد فرضت في هذا التشريع رقابة الحكومة تأكيداً لاحترام نصوصه، الأمر الذي لا محل له في علاقة الحكومة بمستخدميها وعمالها. ومن ثم فإن مجال تطبيق أحكام قانون عقد العمل الفردي يتحدد بالحكمة التي قام عليها هذا القانون والهدف الذي تغياه وهما تنظيم شئون العمال - عدا من استثناهم صراحة - ممن لا تحكم علاقتهم برب العمل قواعد لائحية، ولو كان رب العمل هو الحكومة في الحالات التي تكون طبيعة العلاقة القائمة فيها بين العامل والحكومة عقدية وليست لائحية، وكذا حماية من لم تشمله من هؤلاء العمال حماية القوانين واللوائح المنظمة لعلاقتهم بالحكومة.
4 - إن قانون عقد العمل الفردي لو طبق على العلاقات التنظيمية العامة بالنسبة إلى مستخدمي الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الخارجين عن الهيئة والعمال والصناع الذين تنظم توظيفهم قواعد لائحية لاضطرب دولاب العمل الحكومي وتزعزعت المراكز القانونية وانقلبت الأوضاع بما يفضي إلى الإضرار بحسن سير العمل بالمرافق العامة، الأمر الذي يجب تنزيه الشارع عن أن يكون قد قصد إلى التردي فيه؛ وآية ذلك مثلاً أن الإجازات الاعتيادية بالنسبة إلى طوائف الموظفين والعمال غير الخاضعين لقانون عقد العمل الفردي ليست حقاً مقرراً، بل منحة من الدولة يجوز أن تحرمهم منها إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، أما بالنسبة إلى العمال الذين يسري عليهم القانون المذكور فهي حق لازم لا يجوز لرب العمل حرمان العامل منه إطلاقاً. كما أن نظام التأديب ونوع الجزاء والهيئة التي توقعه وسلطتها والأثر الذي يترتب عليه كل ذلك يختلف في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والقوانين واللوائح الأخرى عنه في ظل المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي. هذا إلى أن التشريعات الخاصة بمستخدمي الحكومة وعمالها لم تتضمن ما يلزم جهة الإدارة بتهيئة وسائل علاج خاصة أو صرف أدوية لهم بخلاف الحال في قانون عقد العمل الفردي، وتتعدد أوجه التباين عدا ذلك فيما يختص بسير العمل والإشراف عليه وسلطة صاحب العمل إزاء العامل وما إلى ذلك من فروق أخرى ولاسيما فيما يتعلق بنظام المكافآت التي لا تستحق للعمال الحكوميين طبقاً لأحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1910 إلا في أحوال ثلاثة هي: العاهة والمرض وكبر السن دون الاستقالة وبشرط طلبها في مدى ستة أشهر من تاريخ انتهاء الحق في مرتب الوظيفة، بينما تستحق بحسب قانون عقد العمل الفردي بصفة حتمية للعامل، إلا في أحوال معينة، دون اشتراط المطالبة بها في مدة محددة.
5 - إن ما نصت عليه المادة 50 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 من أنه "يقع باطلاً كل شرط في عقد العمل يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابقاً على العمل به ما لم يكن الشرط أكثر فائدة للعامل" إنما أريد به الشروط والاتفاقات العقدية لا النصوص التنظيمية الواردة في لوائح أو قوانين خاصة، ولاسيما أن المرسوم بقانون المذكور لم يتناول بالإلغاء الصريح إلا القانون رقم 41 لسنة 1944 الخاص بعقد العمل الفردي الذي نص على إلغائه في المادة 55 منه دون سواه.


إجراءات الطعن

في 21 من مارس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 903 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 21 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 327 لسنة 2 القضائية المقامة من عبد الحليم محمد العريان ضد وزارة الشئون البلدية والقروية، القاضي: "برفض دعوى المدعي، وإلزامه بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي لتسوية مكافأته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي وبإلزام المدعي عليها بالمصروفات". وقد أعلنت صحيفة هذا الطعن إلى الحكومة في أول يوليه سنة 1956 وإلى المطعون لصالحه في 21 منه، وعين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 8 من ديسمبر سنة 1956، وأبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة جلسة 8 من ديسمبر سنة 1956، وأبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 327 لسنة 2 القضائية أمام المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقرية والأوقاف بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 24 من مارس سنة 1955، بعد أن حصل على قرار بإعفائه من الرسوم القضائية، ذكر فيها أنه عين سنة 1928 في وظيفة ملاحظ طرق بمجلس بلدي المحلة الكبرى في الدرجة التاسعة الكتابية الخارجة عن هيئة العمال، ولما انتهت مدة خدمته ببلوغه سن الخامسة والستين في 22 من أغسطس سنة 1954 صرفت له مكافأة قدرها 82 جنيهاً مع أنه يستحق مكافأة أكبر بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 الخاص بعقد العمل الفردي. وقد ردت الوزارة على ذلك بأن المدعي لا يفيد من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952؛ لأن هذا المرسوم بقانون نص في الفقرة "هـ" من المادة الأولى منه على عدم سريان أحكامه على مستخدمي وعمال المجالس البلدية والقروية. وبجلسة 21 من يناير سنة 1956 قضت المحكمة الإدارية برفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات؛ وأقامت قضاءها على أن المرسوم بقانون سالف الذكر قد وضع أصلاً لتنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال؛ إذ نصت المادة الأولى منه على أن أحكامه تسري على العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يشتغل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه في مقابل أجر، كما أن مذكرته الإيضاحية أبانت في هذا الخصوص أن طرفي العقد هما العامل وصاحب العمل يتعهد الأول بتأدية العمل والثاني بدفع الأجر ويشترط لانعقاده ما اشترط توافره في جميع العقود الرضائية من رضا ومحل وسبب. وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن هذا التشريع يحكم في الأصل العلاقة العقدية فقط ولا يسري بطبيعة الحال على العلاقة اللائحية أو أية علاقة أخرى غير عقدية؛ ومن ثم فإن سريانه على الموظفين والمستخدمين الخارجين عن الهيئة هو في الحقيقة استثناء من الأصل العام، وهذا الاستثناء لا يجوز التوسع فيه، بل يجب أن يقدر بقدره في أضيق الحدود، وذلك بإعمال أحكام قانون عقد العمل الفردي فيما لم تنظمه القوانين واللوائح الخاصة بالموظفين التي هي تنظيم خاص لهذه الطائفة، أما المرسوم بقانون الصادر في شأن عقد العمل الفردي فهو تنظيم عام مجاله العمال لا الموظفون، ومن المقرر أن القانون الخاص لا ينسخ أو يعدل القانون العام، بل تسري النصوص الخاصة وتكمل فقط بالتشريع العام في الحالات التي يسكت عنها القانون الخاص، هذا إلى أن المرسوم بقانون المشار إليه لم يرد به نص صريح يقضي بإلغاء ما يتعارض مع أحكامه من نصوص القانون رقم 210 لسنة 1951، كما أنه لم يشتمل على تنظيم جديد يمكن أن يحل محل الأحكام الواردة بهذا القانون حتى يمكن القول بأنه تضمن إلغاء ضمنياً، وكل ما جاء به في هذا الصدد هو إلغاء القانون رقم 41 لسنة 1944 الخاص بعقد العمل الفردي، دون النص على إلغاء أي قانون آخر يتعارض مع أحكامه؛ ومن ثم فإن القوانين الخاصة بالموظفين هي التي تسري في هذا الخصوص دون المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952، وعليه فإنه يتعين تسوية مكافأة المدعي عن مدة خدمته على أساس أحكام قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909، ولا يغير من ذلك ما نصت عليه المادة 50 من القانون رقم 317 لسنة 1952 من أنه "يقع باطلاً كل شرط في عقد العمل يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابقاً على العمل به ما لم يكن الشرط أكثر فائدة للعامل".
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 21 من مارس سنة 1956 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي لتسوية مكافأته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي، وبإلزام المدعى عليها بالمصروفات". وأسس الطعن على أن القانون المشار إليه اعتبر المستخدمين الخارجين عن الهيئة عمالاً في حكمه وذلك بنص الفقرة "هـ" من المادة الأولى منه، فلا يعتد إذن في شأن هذه الطائفة بأي نص سابق جرى على خلاف أحكامه ما لم يكن أكثر فائدة للمستخدم عملاً بنص المادة 50 منه، ولا محل للاجتهاد مع وجود النص الذي لا مناص من إعماله ولو كان في ذلك ما يتنافر مع بعض تنظيمات الوظيفة العامة؛ إذ أن دفع هذا التنافر هو من شأن المشرع، الأمر الذي لا حيلة للقاضي فيه، وبهذه المثابة يكون طلب المدعي تسوية مكافأته وفقاً لأحكام القانون المذكور في محله، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضي برفض دعواه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه وقامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون لصالحه التحق بخدمة مجلس بلدي المحلة الكبرى في 19 من سبتمبر سنة 1928 كموظف مؤقت بمرتب قدره 500 م و2 ج شهرياً، ونقل في أول نوفمبر سنة 1929 إلى وظيفة مساعد ملاحظ طرق خارج هيئة العمال بمرتب قدره ثلاثة جنيهات شهرياً، ومنح الدرجة التاسعة الإدارية بمرتب قدره أربعة جنيهات شهرياً اعتباراً من أول مايو سنة 1940، ثم عين ملاحظ طرق في الدرجة عينها خارج هيئة العمال وظل فيها إلى أن أحيل إلى المعاش لبلوغه السن القانونية في 22 من أغسطس سنة 1954، وأن مدة خدمته بلغت 3 يوم و11 شهر و25 سنة، وصرف له مبلغ 606 م و82 ج وهو جملة المكافأة التي يستحقها عن مدة خدمته هذه بالتطبيق لأحكام قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 وتبلغ 500 م و76 ج مضافة إليها الإعانة التي يستحقها عن مدة خدمته الزائدة عن 24 سنة طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1944 وقدرها 106 م و6 ج. وقد قدم التماساً في 3 من أكتوبر سنة 1954 إلى كل من الوزارة والمجلس البلدي طالباً حساب مكافأته على أساس أحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952، فلما لم يجب إلى طلبه أقام دعواه الحالية.
ومن حيث إن وجوه الرأي قد تفرقت فيما يتعلق بتطبيق المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي على مستخدمي الحكومة وعمالها ثلاثة مذاهب: (الأول) يرى أن قانون عقد العمل الفردي يسري في حق مستخدمي الحكومة وعمالها إذا كان أكثر فائدة لهم من القوانين المالية، ويستند في ذلك إلى أن المادة الأولى من هذا المرسوم بقانون نصت على استبعاد فئات معينة من نطاق تطبيقه، وبتحديد هذه الفئات على سبيل الحصر يكون ما عداها داخلاً في هذا النطاق. ولما كانت الفقرة "هـ" من هذه المادة تنص على أنه لا تسري أحكام هذا القانون على "موظفي ومستخدمي الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الداخلين في الهيئة"، فإنه يؤخذ من مفهوم المخالفة لهذا النص أن القانون المشار إليه يسري على المستخدمين الخارجين عن الهيئة والعمال فينتفعون من أحكامه كما أفصحت عن ذلك مذكرته الإيضاحية، وذلك متى كان أكثر فائدة لهم، كما يستفاد هذا من المادة 50 منه التي نصت على أنه "يقع باطلاً كل شرط في عقد العمل يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابقاً على العمل به ما لم يكن الشرط أكثر فائدة للعامل". و(الثاني) يرى أن نطاق سريان أحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 يتحدد بالحالات التي تقوم فيها علاقة عقدية فقط، وهي التي تنشأ من عقد العمل الذي هو عقد رضائي وبالنسبة إلى جميع العمال عدا من استثنى منهم، بمعنى أنه يجب التفرقة بين الدائرة التي يسري فيها ذلك المرسوم بقانون وبين الأشخاص الذين يفيدون من أحكامه، فيتعين التثبت أولاً من أن العلاقة عقدية ثم التحقق بعد ذلك من أن طرفي العقد هما صاحب عمل وعامل ممن يسري عليهم القانون المشار إليه. فإذا انتفت العلاقة العقدية استبعد تطبيق هذا القانون. ولما كانت رابطة المستخدم أو العامل بالحكومة هي رابطة لائحية تنظمها القوانين واللوائح المعمول بها في هذا الشأن، وذلك لحكمة تتعلق بالصالح العام للدولة الذي يعلو على صالح الأفراد، فإن المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 لا يسري على مستخدمي الحكومة وعمالها إذا كانت طبيعة العلاقة القائمة بينهم وبين الحكومة لائحية لا عقدية ولا مجال للعمل في شأن مستخدمي الحكومة وعمالها بالقواعد المعامل بها مستخدمو الشركات والمؤسسات وعمالها لتباين نشاط كل منهم. و(الثالث) يري أنه بعد صدور المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي أصبحت الأحكام الواردة في هذا المرسوم بقانون وكذا تلك الواردة بالمواد 117 وما بعدها من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة وما إليها من قواعد تنظيمية أخرى خاصة بالموظفين العموميين هي التي تنظم شئون المستخدمين الخارجين عن الهيئة. كما أن أحكام المرسوم بقانون سالف الذكر وقواعد كادر العمال واللائحة المالية هي التي أصبحت تنظم شئون عمال اليومية الحكوميين. فإذا كانت المسألة الخاصة بالمستخدم أو العامل قد نظمها المرسوم بقانون المشار إليه وحده ولم يرد في شأنها تنظيم آخر كان هذا المرسوم بقانون هو الواجب التطبيق بمفهوم المخالفة من الفقرة "هـ" من المادة الأولى منه. وإذا كانت المسألة لم يرد به في شأنها تنظيم أصلاً ونظمتها القوانين واللوائح الخاصة بالمستخدمين والعمال كانت هذه الأخيرة هي الواجبة التطبيق، أما إذا كانت قد ورد في شأنها تنظيمان مختلفان أحدهما في القانون المذكور والآخر في القوانين واللوائح والقرارات التنظيمية المتعلقة بالمستخدمين والعمال فإن هذا القانون يعتبر هو القانون العام في شأن العمال، أما القوانين واللوائح والقرارات التنظيمية الأخرى فتعتبر قوانين خاصة قصد بها تنظيم علاقة مستخدمي الحكومة وعمالها بالإدارة، ومن ثم فإنها لا تسري على غير العاملين بالحكومة. وإذا وجد تعارض بينها وبين أحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 طبقت دونه أخذاً بقاعدة أن القانون العام لا يقيد الخاص وأن العكس صحيح. ولا وجه للاحتجاج بأن المادة 50 من هذا المرسوم بقانون تضمنت نسخاً للأحكام المخالفة له الواردة في القوانين المتعلقة بالموظفين ما لم تكن أكثر فائدة للمستخدم أو العامل الحكومي؛ لأن هذا القول ينبني عليه إيجاد قانون ثالث هو القانون الأصلح للمستخدم أو العامل الأمر الذي لا يتسق والأصول التشريعية والذي لا يمكن الأخذ به في صدد بيان القانون الواجب التطبيق في حالة وجود قانونين أحدهما خاص والآخر عام، وإنما ينصرف مدلول هذه المادة إلى إلغاء ما يخالف أحكام قانون عقد العمل الفردي من نصوص وردت في قوانين عامة سابقة عليه دون ما ورد منها في قوانين خاصة.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن الدولة في قيامها على المرافق العامة وتسييرها تلجأ إلى استخدام وسائل وأدوات عدة متنوعة، وتقوم بينها وبين ذوي الشأن علاقات قانونية تختلف في طبيعتها وتكيفها بحسب الظروف والأحوال، منها ما يدخل في روابط القانون العام، ومنها ما يندرج في روابط القانون الخاص، ومن بين تلك الوسائل والأدوات الموظفون الداخلون في الهيئة والمستخدمون الخارجون عنها والعمال والصناع، ومن هؤلاء من تكون علاقتهم بالدولة علاقة تنظيمية عامة تحكمها القوانين واللوائح فتدخل بهذه المثابة في نطاق القانون العام، ومنهم من تكون علاقته بالدولة عقد عمل فردي فتندرج على هذا التكيف في نطاق القانون الخاص.
ومن حيث إن مجال تطبيق قانون العمل الفردي لا يكون إلا إذا كانت العلاقة قائمة على أساس عقد عمل رضائي بالمعنى المفهوم في فقه القانون الخاص وليست خاضعة لتنظيم لائحي؛ وذلك بصريح نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي التي قضت بأن "تسري أحكام هذا القانون على العقد الذي يتعهد بمقتضاه عامل بأن يشتغل تحت إدارة صاحب العمل أو إشرافه في مقابل أجر..". وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن هذا العقد أنه "يشترط لانعقاده ما يشترط توافره في جميع العقود رضائية من رضا ومحل وسبب".
ومن حيث إنه لا وجه، والحالة هذه، لاستنباط حكم مخالف من الفقرة "هـ" من تلك المادة وهي التي نصت على عدم سريان أحكام القانون المشار إليه على "موظفي ومستخدمي الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الداخلين في الهيئة" استنباطاً على أساس القياس بمفهوم المخالفة وهو من أضعف أوجه القياس وقد يدحضه وجه أقوى كقياس العلة الظاهرة. كما أن من المسلمات في تأويل القوانين وتفسيرها أن مدلول النص على مقتضى قصد الشارع إنما يجليه عند الإبهام ويحدده أو يخصصه عند الإطلاق سائر النصوص وعبارات القانون الأخرى، وبوجه خاص تلك التي تتضمن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها السياسة التشريعية للقانون. ولا جدال في أن المادة الأولى سالفة الذكر إنما عنت في تطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 العلاقة التي تعتبر في التكييف القانوني عقد عمل فردي أي التي مصدرها عقد رضائي في نطاق القانون الخاص. كما أن المقرر أن العلاقة التنظيمية العامة لا تدخل في هذا النطاق العقدي، بل تتميز بتكييفها المستقل كرابطة من روابط القانون العام مصدرها القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن. فلا مندوحة إزاء هذا من أن يتحدد مدلول الفقرة "هـ" المتقدم ذكرها بهذا الأصل الواضح التحديد في صدر المادة الأولى من القانون، وأن تفهم سائر أحكام هذا القانون عند التأويل والتطبيق على هذا الأساس. أما الاستنباط بمفهوم المخالفة انتزاعاً من الفقرة "هـ" المشار إليها فلا يستقيم وذلك الأصل المحدد المعالم. ومجمل القول في هذا أن قانون عقد العمل الفردي في مجال علاقة الحكومة بالغير إنما يتحدد مجال تطبيقه حيثما تكون العلاقة علاقة عقد عمل فردي أي مصدرها عقد رضائي كأداة قد تلجأ إليها الدولة في تسييرها للمرافق العامة في نطاق القانون الخاص فلا ينسحب إلى علاقات تدخل في نطاق القانون العام تنظمها القوانين واللوائح. وإذا صح أن المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 أوردت عبارة انبهمت فيها في تحديد هذا المعنى بشبهة من الإطلاق بغير انضباط وجب استجلاء هذا المعنى وتحديده وضبطه بعباراتها الأخرى وبمراعاة وجوب التزام مدلول النصوص الأساسية في هذا القانون التي تتضمن المبادئ الجوهرية التي تقوم عليها سياسته التشريعية وهي صريحة في تحديد نطاق تطبيقه حسبما تقدم. على أن ما جاء بالمذكرة المشار إليها من أن من بين الطوائف التي لا تسري عليها أحكام القانون المذكور "موظفو ومستخدمو الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الداخلون في الهيئة لأنهم يخضعون لأحكام القوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بينهم وبين الحكومة" إنما هو تأكيد للأصل المسلم من أن علة إخراج هؤلاء من أحكامه هي أن الرابطة التي تقوم بينهم وبين الحكومة أو الأشخاص الإدارية الأخرى والمراكز التي تنشأ لهم بسبب هذه الرابطة إنما تخضع لتنظيم لائحي لانفرادها بطبيعة متميزة نظمتها الدولة تنظيماً خاصاً يتسق مع المصلحة العامة بما يكفل حسن سير المرافق، وهو تنظيم لا يتلاءم مع طبيعة عقد العمل الفردي؛ ذلك أن المرافق العامة لا يتسنى لها أن تحقق الغرض المنشود منها إذا كانت خاضعة لقواعد القانون الخاص؛ ومن ثم كان الأصل فيها هو التنظيم اللائحي وكان عقد العمل الفردي هو الاستثناء. ويبين من استظهار نصوص قانون عقد العمل الفردي أن قصد الشارع فيه لم ينصرف قط إلى أن يخضع لأحكامه مستخدمي الحكومة وعمالها الذين تحكم علاقتهم بها قواعد تنظيمية عامة، فإذا جاءت بعد ذلك في المذكرة الإيضاحية عبارة "أما عمال ومستخدمو الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الخارجون عن الهيئة فإن المشروع يسري عليهم وينتفعون بأحكامه" وكانت هذه الفئة تشمل من تحكمه قواعد تنظيمية عامة ومن يحكمه عقد عمل فردي، وجب أن يتحدد معناها ويتخصص بذات العلة التي أفصحت عنها من قبل بالنسبة للفريق الأول تأكيداً لإخراجهم من نطاق تطبيق هذا المرسوم بقانون وهي لأنهم يخضعون لأحكام القوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بينهم وبين الحكومة، فوجب استصحاب هذه العلة عند تحديد معنى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية بالنسبة إلى الفريق الثاني وهم الخارجون عن الهيئة وتخصيص المقصود منها بالفئة من هذا الفريق التي لا تكون العلاقة بينها وبين الحكومة علاقة تنظيمية عامة، بل علاقة عقد عمل فردي.
ومن حيث إنه مما يقطع في صحة هذا النظر كون المشرع قد استهدف بقانون عقد العمل الفردي تنظيم شئون العمال وبيان حقوقهم وواجباتهم ورعاية مصالحهم وحمايته صحياً ومالياً ودرء الحيف والاستغلال عنهم من أرباب الأعمال، وأنه أسند رقابة هذا كله إلى وزارة الشئون الاجتماعية ونصبها قوامة على تنفيذه. وهذه الحكمة التي قام عليها كل من القانون رقم 41 لسنة 1944 والمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 على التوالي ليست قائمة بالنسبة إلى المستخدمين والعمال الحكوميين ممن يخضعون لأحكام القوانين واللوائح التي تنظم العلاقة بينهم وبين الحكومة وتكفل لهم الرعاية والحماية التي إنما وضع تشريع عقد العمل الفردي من أجل ضمانها لمن لا تشملهم هذه القوانين. وقد فرضت في هذا التشريع رقابة الحكومة تأكيداً لاحترام نصوصه الأمر الذي لا محل له في علاقة الحكومة بمستخدميها وعمالها. ومن ثم فإن مجال تطبيق أحكام قانون عقد العمل الفردي يتحدد بالحكمة التي قام عليها هذا القانون والهدف الذي تغياه وهما تنظيم شئون العمال - عدا من استثناهم صراحة - ممن لا تحكم علاقتهم برب العمل قواعد لائحية، ولو كان رب العمل هو الحكومة في الحالات التي تكون طبيعة العلاقة القائمة فيها بين العامل والحكومة عقدية وليست لائحية. وكذا حماية من لم تشمله من هؤلاء العمال حماية القوانين واللوائح المنظمة لعلاقتهم بالحكومة.
ومن حيث إنه مما يزيد ما تقدم تأكيداً ووضوحاً أن قانون عقد العمل الفردي لو طبق على العلاقات التنظيمية العامة بالنسبة إلى مستخدمي الحكومة ومجالس المديريات والمجالس البلدية والقروية الخارجين عن الهيئة والعمال والصناع الذين تنظم توظيفهم قواعد لائحية لاضطراب دولاب العمل الحكومي وتزعزعت المراكز القانونية وانقلبت الأوضاع بما يفضي إلى الإضرار بحسن سير العمل بالمرافق العامة، الأمر الذي يجب تنزيه الشارع عن أن يكون قد قصد إلى التردي فيه؛ وآية ذلك مثلاً أن الإجازات الاعتيادية بالنسبة إلى طوائف الموظفين والعمال غير الخاضعين لقانون عقد العمل الفردي ليست حقاً مقرراً، بل منحة من الدولة يجوز أن تحرمهم منها إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، أما بالنسبة إلى العمال الذين يسري عليهم القانون المذكور فهي حق لازم لا يجوز لرب العمل حرمان العامل منه إطلاقاً. كما أن نظام التأديب ونوع الجزاء والهيئة التي توقعه وسلطتها والأثر الذي يترتب عليه كل ذلك يختلف في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والقوانين واللوائح الأخرى عنه في ظل الرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي. هذا إلى أن التشريعات الخاصة بمستخدمي الحكومة وعمالها لم تتضمن ما يلزم جهة الإدارة بتهيئة وسائل علاج خاصة أو صرف أدوية لهم بخلاف الحال في قانون عقد العمل الفردي. وتتعدد أوجه التباين عدا ذلك فيما يختص بسير العمل والإشراف عليه وسلطة صاحب العمل إزاء العامل وما إلى ذلك من فروق أخرى ولاسيما فيما يتعلق بنظام المكافآت التي لا تستحق للعمال الحكوميين طبقاً لأحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1910 إلا في أحوال ثلاثة هي العاهة والمرض وكبر السن دون الاستقالة وبشرط طلبها في مدى ستة أشهر من تاريخ انتهاء الحق في مرتب الوظيفة بينما تستحق بحسب قانون عقد العمل الفردي بصفة حتمية للعامل إلا في أحوال معينة دون اشتراط المطالبة بها في مدة محددة.
ومن حيث إن ما نصت عليه المادة 50 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 من أنه "يقع باطلاً كل شرط في عقد العمل يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابقاً على العمل به ما لم يكن الشرط أكثر فائدة للعامل" إنما أريد به الشروط والاتفاقات العقدية لا النصوص التنظيمية الواردة في لوائح أو قوانين خاصة، ولاسيما أن المرسوم بقانون المذكور لم يتناول بالإلغاء الصريح إلا القانون رقم 41 لسنة 1944 الخاص بعقد العمل الفردي الذي نص على إلغائه في المادة 55 منه دون سواه.
ومن حيث إنه كانت مكافأة المدعي عن مدة خدمته قد سويت وفقاً لأحكام قانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909، كما قدرت إعانته الزائدة عن هذه المكافأة على أساس ما قضى به قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من ديسمبر سنة 1944، فإنه لا يكون على حق فيما يطلبه من تسوية مكافأته طبقاًَ لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعواه يكون قد صادف الصواب، ويكون الطعن في هذا الحكم في غير محله متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.