مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1956 إلى آخر يناير سنة 1957) - صـ 399

(46)
جلسة 26 من يناير سنة 1957

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل - المستشارين.

القضية رقم 904 لسنة 2 القضائية

طعن - الطعون في قرارات اللجان القضائية وأحكام المحاكم الإدارية قبل العمل بقانون مجلس الدولة الجديد رقم 165 لسنة 1955 - استمرار الاختصاص في شأنها لمحكمة القضاء الإداري - محل ذلك أن يكون الطعن أمامها شاملاً النزاع برمته - اقتصار الطعن أمام محكمة القضاء الإداري على مسألة فرعية غير متصلة بالموضوع - اختصاص المحكمة الإدارية بنظر الموضوع إذا كانت هي المختصة بنظره، أو أصبحت مختصة طبقاً لنصوص القانون الجديد.
إن ما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من أن الطعون في القرارات والأحكام الصادرة من اللجان القضائية أو المحاكم الإدارية قبل العمل بهذا القانون تظل من اختصاص محكمة القضاء الإداري إلى أن يتم الفصل فيها، إنما محله أن يكون الطعن المرفوع أمامها يشمل النزاع برمته ونقل إليها موضوع المنازعة الإدارية ذاته، إلغاء كان أو غير إلغاء، أما لو كان قرار اللجنة القضائي أو حكم المحكمة الإدارية قد اقتصر على الفصل في مسألة فرعية غير متصلة بالموضوع، كمسألة الاختصاص، فإن المحكمة الإدارية تكون هي المختصة بنظر موضوع المنازعة إذا كانت هي المختصة بنظره أو أصبح ذلك من اختصاصها بالقانون رقم 165 لسنة 1955، دون أن يؤثر في ذلك رفع الطعن أمام محكمة القضاء الإداري المقصور على المسألة الفرعية المتعلقة بالاختصاص.


إجراءات الطعن

في 21 من مارس 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية للرياسة ووزارات الداخلية والخارجية والعدل في 22 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 715 لسنة 2 القضائية المرفوعة من السيد/ محمود السعيد حسن ضد وزارة العدل، والقاضي: "بعدم اختصاصها بنظرها؛ باعتبار أنها طعن في قرار صادر من اللجنة القضائية فتظل من اختصاص محكمة القضاء الإداري إلى أن يتم الفصل فيها". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء باختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى، وإعادتها إليها لتفصل فيها من جديد". وأعلن الطعن إلى الجهة الإدارية في 2 من يوليه سنة 1956 وإلى المدعى في 10 منه، ثم عين لنظره جلسة 29 من ديسمبر سنة 1956 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، وأرجئ النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، في أن المدعى قدم تظلماً للجنة القضائية لرياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل قيد برقم 627 لسنة 1 القضائية طلب فيه الحكم بإلغاء القرار الصادر من رئيس محكمة الزقازيق الابتدائية الوطنية في 4 من يناير سنة 1953 بنقله من وظيفة كاتب أول بمحكمة أبو كبير الوطنية إلى وظيفة كاتب بمحكمة بندر الزقازيق وكذلك إلغاء الجزاء الذي وقع عليه بخصم سبعة أيام من مرتبه عن شهر فبراير سنة 1953 على أثر شكاواه العديدة التي قدمها عن القرار الصادر بنقله، وقد دفعت الوزارة بعدم اختصاص اللجنة بنظر التظلم، إذ أن اختصاصها قد ورد على سبيل الحصر بالمادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 160 لسنة 1952 الخاص بإنشاء لجان قضائية بالوزارات، فقررت اللجنة بجلستها المنعقدة في 8 من إبريل سنة 1953 قبول هذا الدفع وعدم اختصاصها بنظر التظلم. ولما أخطرته اللجنة بهذا القرار تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية بمحكمة القضاء الإداري في 8 من إبريل سنة 1953 بطلب المعافاة رقم 484 لسنة 7 القضائية طالباً إعفاءه من رسوم الدعوى وإلغاء قرار اللجنة القضائية سالف الذكر والقرارين الصادرين من رئيس محكمة الزقازيق الابتدائية الوطنية بنقله وخصم سبعة أيام من مرتبه. وقد قررت لجنة المساعدة القضائية في 24 من فبراير سنة 1954 قبول طلب إعفائه من رسوم الدعوى. وفي 14 من إبريل سنة 1954 أقام المدعي دعواه أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة قال فيها إنه بتاريخ 4 من يناير 1953 صدر قرار من رئيس محكمة الزقازيق بنقله من وظيفة كاتب أول محكمة أبي كبير إلى وظيفة كاتب بمحكمة بندر الزقازيق وأن نقله على هذه الصورة وتنزيله من وظيفته بقرار لم يستند في أسبابه إلا على أن هذا النقل "لصالح العمل" يعتبر مهدداً لمركزه الأدبي ومؤثراً على مستقبله، وفضلاً عن ذلك فإن رئيس المحكمة أصدره بعد أن رقي مستشاراً بالمرسوم الصادر في أول يناير سنة 1953 والمنشور في الوقائع المصرية في نفس اليوم في العدد (1) مكرراً فيكون قراره وقع باطلاً؛ لأنه صدر ممن لا يملك إصداره، فضلاً عن هذا النقل ينطوي على إساءة استعمال السلطة؛ إذ لم يصدر منه ما يستحق من أجله تنزيل درجته. ولما تظلم من هذا القرار لرياسة المحكمة في 9 من يناير سنة 1953 لم يتلق رداً على تظلمه ولم تحقق شكواه فتظلم مباشرة لوزارة العدل شاكياً تصرف الرؤساء الكتابيين بمحكمة الزقازيق وانتزاعهم توقيع السيد رئيس المحكمة على قرار النقل بعد تعيينه مستشاراً وانهماكه في توديع زملائه من القضاء ومرءوسيه من الموظفين فأضمر له هؤلاء الرؤساء السوء فنسبوا إليه تهمة هو منها براء وهي تهمة الإهمال في الإشراف على أعمال الكتبة بمحكمة أبي كبير واستصدروا قراراً من رئيس المحكمة في 16 من فبراير سنة 1953 بخصم سبعة أيام من مرتبه، ثم ذكر أن سبق أن تقدم إلى اللجنة القضائية لوزارة العدل في 18 من فبراير سنة 1953 متظلماً من القرارين السالفى الذكر؛ إذ أن القرار الأول الصادر بالنقل قرار باطل فضلاً عن أنه مشوب بإساءة استعمال السلطة، كما أن القرار الثاني الخاص بتوقيع الجزاء قد صدر أيضاً مشوبا بالانحراف بالسلطة، فنظرت اللجنة هذا التظلم ولكنها لم تخطره بتاريخ الجلسة المحددة لنظره وفقط أخطرته بقرارها الصادر بعدم اختصاصها. وطلب المدعي في صحيفة دعواه الحكم بإلغاء قرار اللجنة القضائية المشار إليه والحكم بإلغاء قراري نقله ومجازاته، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 16 من يوليه سنة 1955 صدر قرار السيد رئيس محكمة القضاء الإداري بإحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية المختصة؛ وذلك عملاً بنص المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وفي 16 من يناير سنة 1956 - أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة الإدارية - قدم المدعي مذكرة تنازل فيها مؤقتاً عن طلبه الخاص بإلغاء قرار اللجنة القضائية الصادر بعدم الاختصاص، وطلب الحكم بإلغاء قراري رئيس محكمة الزقازيق الوطنية الصادرين في 4 من يناير سنة 1953 و16 من مارس سنة 1953 المشار إليهما باعتبار أن هذا الطلب الأخير يدخل في اختصاص المحكمة، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 22 من يناير سنة 1956 حكمت المحكمة الإدارية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة بنظرها. وقد أسست المحكمة قضاءها على أن مفاد نص المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة أن هذه الدعوى تظل من اختصاص محكمة القضاء الإداري بعد صدور هذا القانون؛ لأن موضوعها طعن في قرار صادر من اللجنة القضائية وهذا النوع من الدعاوى لا يدخل في اختصاص المحاكم الإدارية بمقتضى أحكام القانون المشار إليه، يؤيد ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور من أنه "غني عن البيان أن الطعون في القرارات الصادرة من اللجان القضائية أو من المحاكم الإدارية قبل العمل بهذا القانون تظل من اختصاص محكمة القضاء الإداري إلى أن يتم الفصل فيها".
ومن جهة أخرى فإن تنازل المدعي عن طلبه الخاص بإلغاء قرار اللجنة القضائية لعدم الاختصاص يجب أن يقدم أصلا إلى المحكمة المختصة بنظر الدعوى لتقضي فيه ما تراه، كما وأن طلبه إلغاء قراري رئيس المحكمة الصادرين في 4 من يناير و16 من فبراير سنة 1953 لا تنظره المحكمة إلا إذا قدم إليها أو أحيل عليها طبقاً للأحكام المنصوص عليها في القانون رقم 165 لسنة 1955.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن القرارين المطعون فيهما هما من القرارات التأديبية التي لم يكن يخضع الطعن عليها قضائياً للإجراءات المرسومة في المرسوم بقانون رقم 160 لسنة 1952 في شأن الطلبات المنصوص عليها في المادة الثانية منه التي لا يجوز رفع المنازعة بشأنها إلى محكمة القضاء الإداري إلا بطريق الطعن في القرار الصادر فيها من اللجنة القضائية وهي بهذه المثابة من الدعاوى التي يقبل رفعها إلى القضاء الإداري مباشرة دون حاجة لاتخاذ هذا الإجراء؛ ولذلك فإن المدعي إذ لجأ إلى محكمة القضاء الإداري يكون قد عمد في الحقيقة، رغم ما صور عليه دعواه من أنها طعن قرار اللجنة القضائية التي نفضت يدها عن نظر موضوعها، إلى عرض النزاع ابتداء على المحكمة المختصة بالفصل فيه. ولما كان المدعي لا يعتبر من موظفي الفئة العالية الداخلين في الهيئة فإن هذه الدعوى تعتبر من اختصاص المحاكم الإدارية بعد صدور القانون رقم 165 لسنة 1955، وإذ كانت وقت صدوره غير مهيأة للفصل فيها فإنه يتعين طبقاً لنص المادة 73 منه إحالتها بقرار من رئيس المحكمة المنظورة أمامها إلى المحكمة الإدارية المختصة وهو الأمر الذي اتخذ في شأنها بالفعل، وكان لزاماً على المحكمة الإدارية أن تتصدى فتفصل فيها، وإذ قضت - خلافاً لما تقدم - بعدم اختصاصها بنظرها، فإن حكمها يكون قد صدر مخالفاً للقانون ويتعين القضاء بإلغائه، وباختصاص المحكمة الإدارية بنظر الدعوى، وبإعادتها إليها لتفصل فيها من جديد.
ومن حيث إنه يبين من استظهار أحكام المرسوم بقانون رقم 160 لسنة 1952 بإنشاء وتنظيم لجان قضائية في الوزارات للنظر في المنازعات الخاصة بموظفي الدولة والقانون رقم 147 لسنة 1954 بإنشاء وتنظيم محاكم إدارية في الوزارات للنظر في المنازعات الخاصة بالموظفين والمستخدمين أن اللجان والمحاكم المذكورة لم تكن مختصة بنظر الطعون الخاصة بالقرارات التأديبية التي من قبيل القرارين المطعون فيهما، بل كان يجب رفع المنازعة في شأنهما إلى محكمة القضاء الإداري مباشرة، إلا أنه في 29 من مارس سنة 1955 صدر القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة وجعل هذه المنازعة من اختصاص المحاكم الإدارية فنص في الفقرة الأولى من المادة 13 على اختصاص المحاكم الإدارية بصفة نهائية بالفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود ثالثاً ورابعاً (وهي الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية) وخامساً من المادة (8) عدا ما يتعلق منها بالموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية أو الضباط وفي طلبات التعويض المترتبة عليها، وبذلك أصبحت المحاكم الإدارية مختصة بالنظر في المنازعات الخاصة بالطلبات المنوه عنها التي يقدمها الموظفون من غير الداخليين في الهيئة من الفئة العالية أو الضباط. كما أورد في المادة 73 منه حكماً وقتياً بأن جميع الدعاوى المنظورة وقت صدوره أمام محكمة القضاء الإداري وأصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية والعكس تحال بحالتها إلى المحكمة المختصة بقرار من رئيس المحكمة المنظورة أمامها الدعوى واستثنت من ذلك حالة ما إذا كانت الدعوى مهيأة للفصل فيها.
ومن حيث إن الأصل في القوانين المعدلة للاختصاص أن يسري حكمها على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات طبقاً لما نصت عليه المادة الأولى بند (1) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ما لم يكن تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى.
ومن حيث إنه ولئن كانت محكمة القضاء الإداري مختصة بنظر طلبات إلغاء القرارات التأديبية أياً كانت فئة الموظفين الصادرة في شأنهم هذه القرارات وذلك بالتطبيق للقانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة إلا أنه بعد نفاذ القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة أصبح اختصاصها بإلغاء هذه القرارات رهناً بأن تكون في شأن موظفين من الفئة العالية أو الضباط أما من عدا هؤلاء فقد أصبحت المحاكم الإدارية لوزارات الحكومة ومصالحها مختصة بنظرها بمقتضى هذا القانون بعد أن لم يكن لها مثل هذا الاختصاص بالتطبيق للقانون رقم 147 لسنة 1954، وقد أوردت المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955 حكماً وقتياً ينظم إحالة القضايا التي تغير الاختصاص في شأنها بين جهات القضاء وجاء به أن "جميع القضايا المنظورة الآن أمام محكمة القضاء الإداري وأصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية والعكس تحال بحالتها إلى المحكمة المختصة بقرار من رئيس المحكمة المنظورة أمامها الدعوى ما لم تكن مهيأة للفصل فيها" وعلى مقتضى ذلك أصدر رئيس محكمة القضاء الإداري قراره بإحالة القضية إلى المحكمة الإدارية المختصة، فما كان يجوز لهذه المحكمة أن تحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى بمقولة إنها طعن في قرار صادر من اللجنة القضائية استناداً إلى ما ورد في المذكرة الإيضاحية من "أن الطعون في القرارات والأحكام الصادرة من اللجان القضائية أو المحاكم الإدارية قبل العمل بهذا القانون تظل من اختصاص محكمة القضاء الإداري إلى أن يتم الفصل فيها"؛ ذلك أن محل استمرار محكمة القضاء الإداري بنظر مثل هذه الطعون لو كان الطعن المرفوع أمامها يشمل النزاع برمته ونقل إليها موضوع المنازعة الإدارية ذاته، إلغاء كان أو غير إلغاء، أما لو كان قرار اللجنة القضائية أو حكم المحكمة الإدارية قد اقتصر على الفصل في مسألة فرعية غير متصلة بالموضوع كمسألة الاختصاص فإن المحكمة الإدارية تكون هي المختصة بنظر موضوع المنازعة إذا كانت هي المختصة بنظره أو أصبح ذلك من اختصاصها بالقانون رقم 165 لسنة 1955، دون أن يؤثر في ذلك رفع الطعن أمام محكمة القضاء الإداري المقصور على المسألة الفرعية المتعلقة بالاختصاص. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه متعيناً إلغاؤه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباختصاص المحكمة الإدارية لشئون القصر ووزارات الداخلية والخارجية والعدل، وإحالتها إليها للفصل فيها.