أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الحادية والأربعون - صـ 259

جلسة أول فبراير سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ محمد رفيق البسطويسى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعبد اللطيف أبو النيل وعمار ابراهيم واحمد جمال عبد اللطيف.

(45)
الطعن رقم 22432 لسنة 59 القضائية

(1) اختلاس. جريمة "اركانها". موظفون عموميون. قصد جنائى.
عبث الموظف العام بما يؤتمن عليه بمقتضى وظيفته بالتصرف فيه بنية اضاعته على ربه. مؤثم بالمادة 112 عقوبات.
(2) موظفون عموميون. إثبات "بوجه عام". إختلاس. جريمة "اركانها". قانون " تفسيره".
مجرد وجود عجز فى حساب الموظف العمومى. لا يمكن ان يكون بذاته دليلا على حصول الاختلاس. علة ذلك ؟
(3) إثبات "بوجه عام".
وجوب أن يكون الدليل الذى يعول عليه الحكم مؤديا إلى ما رتبه عليه من نتائج. من غير تعسف فى الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق.
(4) حكم "بيانات التسبيب".
وجوب بناء الاحكام الجنائية على الجزم واليقين لا الظن والاحتمال.
(5) حكم "بيانات حكم الادانة" "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع "الاخلال بحق الدفاع. ما يوفره". نقض "اسباب الطعن. ما يقبل منها" اختلاس.
وجوب اشتمال حكم الإدانة على الأسباب التى بنى عليها والإ كان باطلا. المادة 310 إجراءات.
المراد بالتسبيب المعتبر؟
افراغ الحكم فى عبارات عامة معماة أو وضعه فى صورة مجملة مجهلة لا يحقق غرض الشارع من ايجاب تسبيب الاحكام.
إدانة الطاعن بجريمة الاختلاس لمجرد وجود عجز فى حسابه دون التعرض لدفاعه بأن العجز يرجع إلى فساد العبوات وتلفها اثناء التحميل. قصور.
1 - إن القانون قد فرض العقاب فى المادة 112 من قانون العقوبات على عبث الموظف بما يؤتمن عليه مما يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته بشرط انصراف نيته - باعتباره حائزا له - إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له , وهو معني مركب من فعل مادي ـ هو التصرف فى المال - ومن عامل معنوى يقترن به هو نية اضاعة المال على ربه.
2 - من المقرر أن مجرد وجود عجز فى حساب الموظف العمومى لا يمكن أن يكون بذاته دليلا على حصول الاختلاس بما يتضمنه من اضافة المال الى ذمة المختلس بنية اضاعته على ربه لجواز أن يكون ذلك ناشئا من خطأ فى العمليات الحسابية او لسبب آخر.
3 - من المقرر كذلك فى اصول الاستدلال، أن يكون الدليل الذى يعول عليه الحكم، مؤديا إلى ما رتبه عليه من نتائج، من غير تعسف فى الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق.
4 - إن الاحكام فى المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال والفروض والاعتبارات المجردة.
5 - لما كان الشارع يوجب فى المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل كل حكم بالادانة على الاسباب التى بنى عليها، والإ كان باطلا، والمراد بالتسبيب المعتبر، تحديد الاسانيد والحجج المبنى عليها والمنتجة هى له، سواء من حيث الواقع أو القانون، ولكى يحقق الغرض منه يجب أن يكون فى بيان مفصل جلى، بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضى به، اما افراغ الحكم فى عبارات عامة معماة او وضعه فى صورة مجملة، فلا يتحقق به مراد الشارع من ايجاب تسبيب الاحكام، ولا يمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار اثباتها فى الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - على ما تفصح عنه مدوناته - قد دان الطاعن بجريمة الاختلاس لمجرد وجود عجز فى حسابه، دون أن يورد من الأدلة والقرائن ما يظاهر الادعاء بأن الطاعن تصرف فى المال المدعى اختلاسه، تصرف المالك فى ملكه بقصد اضاعته على ربه، ودون أن يعرض البته لدفاعه بأن العجز فى الدقيق محل الاتهام - ان وجد - إنما يرجع إلى فساد عبوات الدقيق وتلفها اثناء التحميل، وهو دفاع، يعد فى صورة الدعوى المطروحة، دفاعا جوهريا لتعلقه بالركن المادى للجريمة التى دين الطاعن بها، ومن شأنه، لو صح، أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد التفت عن هذا الدفاع ولم يسقطه حقه ولم يعن بتمحيصه بلوغا إلى غاية الامر فيه، فإنه ولما تقدم، يكون مشوبا بالقصور فى التسبيب فوق اخلاله بحق الدفاع، بما يبطله ويوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته موظفا عاما ومن الامناء على الودائع (مندوب استلام وتوزيع بشركة الاهرام للمجمعات الاستهلاكية احدى وحدات القطاع العام) اختلس البضائع المبينة بالأوراق البالغ قيمتها 1712 جنيها والمملوكة للجهة سالفة الذكر والمسلملة اليه بسبب وظيفته وصفته. وأحالته إلى محكمة امن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد رقم 112/ 1، 2، 118، 118 مكررا، 119/ب, 199/ هـ من قانون العقوبات مع اعمال المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبته بالحبس لمدة ثلاثة سنوات وتغريمه مبلغ 1712 جنيها وعزله من وظيفته.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض........ الخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الاختلاس قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والاخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه اتخذ من مجرد وجود عجز فى عهدته دليلا على الاختلاس، وبالرغم من ان دفاعه قام على أن ذلك العجز - ان وجد - مرجعه فساد عبوات الدقيق وتلفها اثناء التحميل ودون أن يعنى باستظهار اركان الجريمة التى دانه بها، مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إنه لما كان القانون قد فرض العقاب فى المادة 112 من قانون العقوبات على عبث الموظف بما يؤتمن عليه مما يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته بشرط انصراف نيته - باعتباره حائزا له - إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له , وهو معني مركب من فعل مادي ـ هو التصرف في المال - ومن عامل معنوى يقترن به هو نية اضاعة المال على ربه، وكان من المقرر أن مجرد وجود عجز فى حساب الموظف العمومى لا يمكن أن يكون بذاته دليلا على حصول الاختلاس بما يتضمنه من اضافة المال إلى ذمة المختلس بنية اضاعته على ربه لجواز أن يكون ذلك ناشئا من خطأ فى العمليات الحسابية أو لسبب اخر، وكان من المقرر كذلك فى اصول الاستدلال، أن يكون الدليل الذى يعول عليه الحكم، مؤديا إلى ما رتبه عليه من نتائج، من غير تعسف فى الاستنتاج ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق، وكانت الاحكام فى المواد الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال والفروض والاعتبارات المجردة، وكان الشارع يوجب فى المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل كل حكم بالإدانة على الاسباب التى بنى عليها، وإلا كان باطلا، والمراد بالتسبيب المعتبر، تحديد الاسانيد والحجج المبنى عليها والمنتجة هى له، سواء من حيث الواقع أو القانون، ولكى يحقق الغرض منه يجب أن يكون فى بيان مفصل جلى، بحيث يستطاع الوقوف على مسوغات ما قضى به، اما افراغ الحكم فى عبارات عامة معماة أو وضعه فى صورة مجملة، فلا يتحقق به مراد الشارع من ايجاب تسبيب الاحكام، ولا يمكن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة كما صار اثباتها فى الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - على ما تفصح عنه مدوناته - قد دان الطاعن بجريمة الاختلاس لمجرد وجود عجز فى حسابه، دون أن يورد من الأدلة والقرائن ما يظاهر الادعاء بأن الطاعن تصرف فى المال المدعى اختلاسه، تصرف المالك فى ملكه بقصد اضاعته على ربه، ودون أن يعرض البته لدفاعه بأن العجز فى الدقيق محل الاتهام - ان وجد - إنما يرجع إلى فساد عبوات الدقيق وتلفها اثناء التحميل، وهو دفاع، يعد فى صورة الدعوى المطروحة، دفاعا جوهريا لتعلقه بالركن المادى للجريمة التى دين الطاعن بها، ومن شأنه، لو صح، أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد التفت عن هذا الدفاع ولم يسقطه حقه ولم يعن بتمحيصه بلوغا الى غاية الامر فيه، فإنه ولما تقدم، يكون مشوبا بالقصور فى التسبيب فوق اخلاله بحق الدفاع، بما يبطله ويوجب نقضه. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بغيرحاجة لبحث سائر اوجه الطعن.