أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 753

جلسة 12 من يونيه سنة 1977

برياسة السيد المستشار: محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ويعيش محمد رشدي، ومحمد وهبه، ومحمد وجدي عبد الصمد.

(158)
الطعن رقم 289 لسنة 47 القضائية

(1) إثبات. "شهادة". إجراءات. "إجراءات المحاكمة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
وجوب سماع شهود الواقعة. ولو لم يذكروا بقائمة الشهود أو يعلنهم المتهم.
نزول الدفاع عن طلب. لا يمنعه من العودة إلى التمسك به. ما دامت المرافعة دائرة. مخالفة ذلك. إخلال بحق الدفاع.
(2) إثبات. "شهادة" حكم. "بيانات التسبيب". "تسبيبه. تسبيب معيب".
وجوب إيراد شهادة كل شاهد على حدة. متى وجد خلاف في أقوالهم عن الواقعة الواحدة أو كان كل منهم قد شهد على واقعة غير تلك التي شهد عليها غيره.
1- من المقرر في قضاء هذه المحكمة – إنه يتعين إجابة الدفاع إلى طلب سماع شهود الواقعة ولو لم يرد لهم ذكر في قائمة شهود الإثبات أو يقيم المتهم بإعلانهم، وإن حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يخوله إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق – طالما كان باب المرافعة مفتوحاً – ولا يسلبه نزوله بادئ الأمر عن طلب معين منها، حقه في العدول عن ذلك النزول والعودة إلى التمسك بهذا الطلب ما دامت المرافعة لم تزل دائرة. وإذ كان البين من محاضر جلسات المحاكمة إنه و إن تنازل المحامي المنتدب – بعد سماع اثنين من الشهود بجلسة المرافعة الأخيرة – عن سماع باقي الشهود الحاضرين بالجلسة، إلا أن محامياً حضر بعد ذلك بتلك الجلسة عن أحد المحامين الموكلين عن الطاعن وترافع في الدعوى على أساس تمسكه بالدفاع المبدى بجلسة سابقة ممن هو حاضر عنه، وهو يحوى فيما يحويه طلب سماع ثلاثة شهود هم شرطيان وخفير من قوة النقطة، التي شاهد رئيسها وشرطي آخر الواقعة إثر إنتقالهما إلى مكانها – ولقد سبق للمحكمة أن استجابت بالجلسة السابقة إلى ذلك الطلب، بعد ما تبينت أنه أثبت في دفتر أحوال النقطة انتقال هؤلاء الشهود الثلاثة كذلك إلى مكان الحادث في الوقت ذاته وإن لم يسألوا من قبل، فأمرت بإعلانهم، لما كان ذلك وكانت المحكمة – رغم حضورهم بجلسة المرافعة الأخيرة – قد أصدرت حكمها المطعون فيه بإدانة الطاعن دون سماعهم، فإن حكمها يكون مقاماً على إجراءات باطلة لإخلاله بحق الطاعن في الدفاع.
2- من المقرر أنه إذا وجد خلاف في أقوال الشهود عن الواقعة الواحدة أو كان كل منهم قد شهد على واقعة غير التي شهد عليها غيره فإنه يجب لسلامة الحكم بالإدانة إيراد شهادة كل شاهد على حدة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل........ و...... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك آلة حادة "سكينة" وما أن ظفر به حتى انقض عليه وضربه بالسكين بيسار فروة الرأس والخد الأيسر وذبحه من رقبته قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات، فقرر ذلك وادعى ورثة القتيل مدنياً قبل المتهم بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات المنصورة قررت بتاريخ 13 ديسمبر سنة 1976 إرسال أوراق الدعوى إلى مفتي الجمهورية لإبداء رأيه فيها وحددت للنطق بالحكم جلسة 12 يناير سنة 1977 وبهذه الجلسة قضت حضورياً وبإجماع الآراء بإعدام المتهم شنقاً وإلزامه بأن يؤدي إلى المدعين بالحقوق المدنية مبلغ خمسة آلاف جنيه يوزع بينهم طبقاً للفريضة الشرعية والمصروفات المدنية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. وقد عرضت النيابة العامة القضية على هذه المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم.


المحكمة

من حيث إن الطعن المقدم من المحكوم عليه قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن النيابة العامة عرضت القضية على هذه المحكمة، طبقاً للمادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، مشفوعة بمذكرة برأيها في الحكم المطعون فيه – الصادر حضورياً بإعدام الطاعن – طلبت فيها إقرار الحكم.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة قتل عمد مع سبق الإصرار، قد شابه إخلال بحق الدفاع وخطأ في الإسناد وقصور وتناقض في التسبيب. ذلك بأن الحاضر عن أحد المحامين الموكلين قد عاد – بعد تنازل المحامي المنتدب عن سماع الشهود الحاضرين – فتمسك بالدفاع الذي سبق إبداؤه ممن هو حاضر عنه، وهو طلب سماع ثلاثة شهود – هم شرطيان وخفير من قوة النقطة، أثبت في دفتر أحوالها انتقالهم إلى مكان الحادث مع رئيس النقطة والشرطي اللذين شاهدا الواقعة – غير أن المحكمة، بالرغم من سبق استجابتها إلى ذلك الطلب وحضور الشهود الثلاثة سالفي الذكر الذين لم يسألوا من قبل، لم تسمع شهادتهم. ثم إن الحكم اعتمد في إثبات توافر ظرف سبق الإصرار على أدلة منها شهادة كل من شقيق المجني عليه وأحد أعمامه بمضمون ما شهد به صاحب مقهى من أن الطاعن كان قد توعد فيه المجني عليه بالاعتداء في الليلة السابقة على الحادث، في حين أن الثابت من التحقيق أن شقيق المجني عليه وعمه المذكورين قد سمعا فحسب بواقعة الوعيد هذه خلافاً لصاحب المقهى الذي حضرها بنفسه ومن ثم فما كان للحكم أن يحيل في بيان أقوالهما إلى ما أورده من أقواله. ومنها التماس الطاعن للمجني عليه في المكان الذي اعتاد التواجد به، وهو محض افتراض من الحكم يخالف الثابت بالأوراق إذ قرر عم المجني عليه – الذي وقع الحادث أمام محله – في التحقيق أن المجني عليه كان حاضراً عنده مصادفة وقت الحادث، ومنها ارتكاب الطاعن الحادث فور مباغتته للمجني عليه – حينما هب من نومه لدفع الاعتداء عن عمه – دون وقوع مشادة أو مناقشة بين المجني عليه وبين الطاعن، وهو تصوير يتعارض ما أثبته الحكم على لسان رئيس النقطة من أنه أبلغ بقيام مشاجرة من بين أفرادها كل من الطاعن والمجني عليه ثم انتقل إلى مكانها وحينئذ وقعت الواقعة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن خلافاً استحكم بين عائلتي الطاعن والمجني عليه حول تجارة الجلود، حسبما سطر في شكوى إدارية من قبل وقوع الحادث بعام ونصف، ثم حدث أن دخل الطاعن – في الليلة السابقة على الحادث – مقهى كان المجني عليه جالساً فيه ووقف له الرواد عدا المجني عليه، فوقعت بينهما مشادة انتهت بأن توعده الطاعن بالإيذاء وفى ظهر اليوم التالي توجه شقيق الطاعن وابن شقيقه إلى محل الجلود الخاص بأحد أعمام المجني عليه واعتديا عليه بالضرب، فاستغاث بالمجني عليه الذي كان نائماً على مقربة منه – وإذ هب المجني عليه من نومه لدفع الاعتداء عنه، إذا بالطاعن يقبل نحو المجني عليه شاهراً سكيناً ففر منه خارج المحل بيد أن الطاعن أدركه وطعنه بالسكين في صدغه الأيسر ثم أمسكه من كتفه الأيمن بيده اليسرى وهو يشرف على السقوط – وذبحه من رقبته من الأمام ذبح الشاه على مرأى من عمه المذكور، ورئيس النقطة والشرطي اللذين كانا قد انتقلا إلى مكان الواقعة فور إبلاغ أولهما بقيام المشاجرة بين كافة الأطراف المشار إليهم، وساق الحكم على ثبوت الواقعة – على هذه الصورة – أدلة مستمدة من شهادة رئيس النقطة والشرطي وعم المجني عليه سالفي الذكر، ومن تقرير الصفة التشريحية. ومن أقوال صاحب المقهى – الذي حضر المشادة التي وقعت بين الطاعن والمجني عليه بمقهاه في الليلة السابقة على الحادث وانتهت بتوعد الطاعن للمجني عليه بالإيذاء – وكذلك من أقوال شقيق المجني عليه وعم آخر له أثبت الحكم أنهما شهدا بمضمون ما شهد به صاحب المقهى. ثم عرض الحكم إلى تصوير الطاعن الذي أشهد عليه شاهدين لم يؤيداه فيه – فأطرحه، واستظهر بعد ذلك نية القتل، وأخيراً تحدث عن سبق الإصرار بقوله: "وحيث إن ظرف سبق الإصرار متوافر في حق المتهم – الطاعن – من ثبوت الخلاف السابق الذي سطرته تحقيقات الشكوى الإدارية المقدمة من المجني عليه ضد المتهم وعائلته، ومن النزاع السابق ليلة الحادث بينه وبين المجني عليه وتوعده بالإيذاء لهذا الأخير، والتماسه له في المكان الذي اعتاد التواجد به وارتكابه الحادث فور مشاهدته للمجني عليه دون وقوع مشادة أو مناقشة بينهما وقرار المجني عليه من أمامه عند مباغتة المتهم له". لما كان ذلك وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة – أنه يتعين إجابة الدفاع إلى طلب سماع شهود الواقعة ولو لم يرد لهم ذكر في قائمة شهود الإثبات أو يقيم المتهم بإعلانهم، وأن حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يخوله إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق – طالما كان باب المرافعة مفتوحاً – ولا يسلبه نزوله بادئ الأمر عن طلب معين منها، حقه في العدول عن ذلك النزول والعودة إلى التمسك بهذا الطلب ما دامت المرافعة لم تزل دائرة. وإذ كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أنه وإن تنازل المحامي المنتدب – بعد سماع اثنين من الشهود بجلسة المرافعة الأخيرة – عن سماع باقي الشهود الحاضرين بالجلسة، إلا أن محامياً حضر بعد ذلك بتلك الجلسة عن أحد المحامين الموكلين من الطاعن وترافع في الدعوى على أساس تمسكه بالدفاع المبدى بجلسة سابقة ممن هو حاضر عنه، وهو يحوي فيما يحويه طلب سماع ثلاثة شهود – هم شرطيان وخفير من قوة النقطة، التي شهد رئيسها وشرطي آخر الواقعة اثر انتقالهما إلى مكانها ولقد سبق للمحكمة أن استجابت بالجلسة السابقة إلى ذلك الطلب، بعد ما تبينت أنه أثبت في دفتر أحوال النقطة انتقال هؤلاء الشهود الثلاثة كذلك إلى مكان الحادث في الوقت ذاته وإن لم يسألوا من قبل، فأمرت بإعلانهم. لما كان ذلك وكانت المحكمة – رغم حضورهم بجلسة المرافعة الأخيرة – قد أصدرت حكمها المطعون فيه بإدانة الطاعن دون سماعهم، فإن حكمها هذا يكون مقاماً على إجراءات باطلة لإخلاله بحق الطاعن في الدفاع. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد شاب الحكم – في تدليله على سبق الإصرار – عيوب (أولها) أنه إذ اعتمد أساساً – على ما يبين من العرض السابق – في إثبات هذا الظرف على واقعة توعد الطاعن للمجني عليه في المقهى بالإيذاء في الليلة السابقة على الحادث، قد أحال في بيان أقوال شقيق المجني عليه وأحد أعمامه – في خصوص هذه الواقعة – إلى ما أورده من أقوال صاحب المقهى الذي حضرها بنفسه، في حين أن الثابت من المفردات المضمومة أن شقيق المجني عليه وعمه المذكورين قد قررا في التحقيق أنهما سمعا فحسب بواقعة الوعيد هذه دون أن يحضراها. ومن ثم فإن الحكم إذ أحال في بيان أقوالهما السابقة إلى ما أورده من أقوال صاحب المقهى وهو شاهد رؤية في خصوص تلك الواقعة، يكون – علاوة على خطئه في الإسناد – مشوباً بالقصور لما هو مقرر من أنه إذا وجد خلاف في أقوال الشهود عن الواقعة الواحدة أو كان كل منهم قد شهد على واقعة غير التي شهد عليها غيره فإنه يجب لسلامة الحكم بالإدانة إيراد شهادة كل شاهد على حدة، (وثانيهما) أن ما قاله الحكم من التماس الطاعن للمجني عليه في المكان الذي اعتاد التواجد به لا يرتد إلى أصول ثابتة في الأوراق. بل إن البين من التحقيق أن عم المجني عليه – الذي وقع الحادث أمام محله – قد قرر أن المجني عليه كان حاضراً عنده مصادفة وقت الحادث، (وثالثها) أن ما استخلصه الحكم من ارتكاب الطاعن الحادث فور مباغتته للمجني عليه – حينما هب من نومه لدفع الاعتداء عن عمه – دون وقوع مشادة أو مناقشة بين المجني عليه وبين الطاعن، وإن كان له سنده من شهادة عم المجني عليه المذكور التي فصلها الحكم، إلا أنه يتعارض مع ما أثبته الحكم على لسان رئيس النقطة من أنه أبلغ بأن الطاعن والمجني عليه كانا من بين أفراد المشاجرة أصلاً، فلما انتقل إلى مكانها وقعت حينئذ الواقعة. ومن ثم فقد كان على الحكم وقد نقل عن رئيس النقطة اشتراك كل من الطاعن والمجني عليه من قبل في المشاجرة – أن يوفق بين ذلك وبين تصويره للواقعة بمباغتة الطاعن للمجني عليه حين هب من نومه للذود من عمه، أما وهو لم يفعل فإنه يكون مشوباً بالتناقض في التسبيب، لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.