أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 759

جلسة 13 من يونيه سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صلاح الدين الرشيدي، ومحمد صفوت القاضي، والسيد محمد مصري شرعان، ومحمد عبد الحميد صادق.

(159)
الطعن رقم 176 لسنة 47 القضائية

(1) قبض. تفتيش. "التفتيش بغير إذن". دفوع "الدفع. ببطلان القبض والتفتيش". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان القبض والتفتيش. من الدفوع القانونية التي تختلط بالواقع وتقتضي تحقيقاً موضوعياً. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره.
(2) تحقيق. "إجراءات التحقيق". "بطلان التحقيق". نيابة عسكرية. إجراءات. "إجراءات التحقيق". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل من الأسباب".
تعييب التحقيق الابتدائي أمام محكمة النقض. غير جائز.
(3) قضاء عسكري. اختصاص. "اختصاص ولائي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق النيابة العسكرية في تقرير ما إذا كانت الجريمة تدخل في اختصاصها من عدمه. بغير معقب.
(4) إجراءات. "إجراءات المحاكمة". إثبات. "بوجه عام". أحداث. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
دفاع المتهم أن سنه يقل عن ثماني عشرة سنة. دون دليل. تنازله عن هذا الدفاع. دفاع قانوني ظاهر البطلان. لا يستوجب رداً.
(5) سرقة. قصد جنائي. جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالتحدث عن نية السرقة. متى انتهت إلى توافر أركان جريمة الشروع فيها.
(6) سرقة. قتل عمد. قصد جنائي. "القصد الاحتمالي". إثبات. "شهود". "خبرة". اشتراك.
اتفاق الطاعن وآخرين على السرقة. وقوع جريمة قتل من الآخرين حال تنفيذ السرقة. مساءلة الطاعن عنها كنتيجة لقصده الاحتمالي. صحيح. نفي الطاعن إسهامه في القتل. غير مجد. أساس ذلك؟
(7، 8) إجراءات. "إجراءات المحاكمة". إثبات. "شهود". "قرائن". محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
(7) حق المحكمة في أن تحيل في إيراد أقوال الشهود إلى أقوال شاهد معين. ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
(8) استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة. حق لمحكمة الموضوع.
(9) إثبات. "بوجه عام". "قرائن". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم اشتراط كون الدليل صريحاً دالاً بذاته على الواقعة المراد إثباتها. كفاية أن يكون ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما يتكشف من الظروف والقرائن.
(10) إثبات. "اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
خطأ المحكمة في تسمية أقوال المتهم اعترافاً. لا ينال من سلامة الحكم. طالما لم يرتب عليه وحدة الأثر القانوني للاعتراف.
(11) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم على آخر. ولو كانت واردة بمحضر الشرطة. متى اطمأنت إلى صدقها.
(12) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما بالظروف والأمارات المحيطة بالدعوى. استخلاص ذلك. موضوعي.
(13) إثبات. "اعتراف". محضر الجلسة. إجراءات. "إجراءات المحاكمة". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إكراه.
الدفع بأن الاعتراف كان نتيجة إكراه. غير جائز لأول مرة أمام محكمة النقض.
1- من المقرر أن الدفع ببطلان القبض والتفتيش إنما هو من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يكن قد دفع به أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم تحمل مقوماته نظراً لأنه يقتضي تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة.
2- من المقرر أن تعييب التحقيق الابتدائي أمام محكمة النقض غير جائز ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن بطلان تحقيقات النيابة العسكرية يكون في غير محله.
3- لما كانت النيابة العسكرية قد قررت عدم اختصاصها بالواقعة وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن النيابة العسكرية هي صاحبة القول الفصل الذي لا تعقيب عليه فيما إذا كانت الجريمة تدخل في اختصاصها وبالتالي في اختصاص القضاء العسكري ومن ثم يكون النعي على الحكم بأنه صدر من جهة غير مختصة ولائياً بإصداره على غير سند من القانون.
4- إذا كان المدافع عن الطاعن أثار بجلسة المحاكمة أن الطاعن كان سنه يقل عن ثمانية عشر عاماً وقت الحادث دون أن يقدم الدليل على ذلك ثم أثبت تنازله عن التمسك بهذا الدفع وإذ كان هذا الدفع القانوني ظاهر البطلان فلا حرج على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه ويكون ما يثيره الطاعن بشأنه على غير أساس.
5- إن ما يثيره الطاعن من انتفاء نية السرقة لديه مردود ذلك أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد خلص في بيان كاف إلى توافر أركان جريمة الشروع في السرقة وتوافر الدليل عليها فلا يعيبه عدم تحدثه صراحة عن نية السرقة.
6- لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل استناداً إلى تقرير الصفة التشريحية وأقوال الشهود على أن....... وهو أحد الجناة في الحادث قد قتل بعيارين ناريين أحدهما أطلق من المدفع الرشاش الذي كان يحمله المحكوم عليه الأول والمقذوف الثاني أطلق من بندقية الخفير...... وأن كلاً من العيارين قد ساهم بقدر متساو في إحداث الوفاة بالإضافة إلى أن كلاً من الإصابتين منفردة وحدها قد تؤدي إلى الوفاة، فإن الجدل بعد ذلك فيما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن بالجرائم المسندة إليه بما فيها جناية القتل التي كانت نتيجة محتملة لمساهمته في جناية الشروع في السرقة، إنما ينحل إلى جدل موضوعي مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
7- لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، ولما كان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم من أقوال الشاهد التي أحال إليها الحكم لها معينها الصحيح في الأوراق فإن نعيه في هذا الصدد يكون في غير محله.
8- من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصهاً سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
9- لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً و دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
10- لا يقدح في سلامة الحكم خطأ المحكمة في تسمية أقوال المتهم اعترافاً طالما أن المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف.
11- لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم على متهم آخر ولو كانت واردة في محضر الشرطة متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع ولو عدل عنها في مراحل التحقيق الأخرى، ومن ثم فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في إحالته في إيراد أقوال بعض شهود الإثبات على أقوال الشاهد......، وفى تعويله في قضائه بالإدانة عن جريمة قتل....... وغيرها على ما استخلصه من أقوال الشهود وما قرره المحكوم عليهم – عدا الأول – من أقوال تفيد ارتكابها الجرائم التي دانهم بها الحكم جميعاً.
12– من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
13- لما كان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثالث أو المدافع عنه قد دفع أي منهما بأن الاعتراف المنسوب إليه قد صدر منه نتيجة إكراه وقع عليه أثناء التحقيق معه، فلا يقبل منه أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من...... و(2)...... وشهرته... (3)....... (الطاعن الأول) و(4)...... و(5)....... (الطاعن الثاني) و(6)....... (الطاعن الثالث) بأنهم (أولاً قتلوا عمداً مع سبق الإصرار....... بأن عقدوا قصدهم على القتل وأعدوا لذلك سلاحاً نارياً من شأنه القتل (مدفع رشاش) وأطلق عليه أولهم أعيرة نارية قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته.وكان ذلك نتيجة محتملة بالنسبة للمتهمين من الثاني إلى السادس وقد تقدمت هذه الجناية جناية أخرى. (أولاً) هي أنهم في الزمان والمكان سالفى الذكر ارتكبوا الجناية المبينة الوصف. (ثانياً) المتهمون من الأول إلى السادس شرعوا عمداً ومع سبق الإصرار في قتل....... بأن عقدوا قصدهم على قتله وأعدوا لهذا الغرض سلاحين ناريين من شأنهما القتل وما أن ظفروا به حتى أطلق عليه المتهمان الأول والسادس أعيرة نارية قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج وكان القصد من هذه الجناية هو ارتكاب جنحة هي أنهم في الزمان والمكان سالفى الذكر شرعوا في سرقة الحديد المبين الوصف والقيمة بالتحقيقات والمملوك لشركة أطلس من مكان مسكون وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو مقاومة رجال الحراسة لهم واضطرارهم للفرار. (ثالثاً) المتهم الأول حاز بغير ترخيص سلاحاً نارياً "مدفعاً رشاشاً" (رابعاً). المتهم الرابع. أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً (مدفعاً رشاشاً) (خامساً). (المتهم الأول) حاز والمتهم الرابع ذخائر مما يستعمل في السلاح الناري سالف الذكر بدون ترخيص. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً للثالث والخامس والسادس وغيابياً للباقين عملاً بالمادتين 134/ 1 و2 و43 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و2 و6 و26/ 2 – 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقم 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1968 والبند ب من القسم الأول والقسم الثاني من الجدول رقم 3 الملحق مع تطبيق المادتين 32/ 2 و170 عقوبات بمعاقبة كل من...... و...... وشهرته...... و...... و....... (الطاعن الأول) و...... و...... (الطاعن الثاني) و......... (الطاعن الثالث) بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة عما أسند إليهم ومصادرة السلاح والذخيرة المضبوطة. فطعن المحكوم عليهم الثالث والخامس والسادس في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم القتل والشروع فيه والشروع في السرقة ليلاً مع حمل سلاح بالإكراه وبطريق الكسر وإحراز أسلحة وذخيرة دون ترخيص، قد شابه الخطأ في القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم لم يفطن إلى أن إجراءات القبض على الطاعن تمت باطلة لأنها أجريت بدون إذن من النيابة العامة ولم يكن في حالة من حالات التلبس كما أن تحقيقات النيابة العسكرية وقعت باطلة لعدم اختصاصها وقد أعرضت المحكمة عما أثاره المدافع عن الطاعن من أنه كان حدثاً وقت وقوع الجريمة مما يجعل المحكمة غير مختصة وفضلاً عن ذلك فقد تم تجنيده وقت محاكمته مما يجعل المحكمة العسكرية هي المختصة بمحاكمته، هذا فضلاً عن أنه لم يكن هناك اتفاق سابق بين الطاعن والمتهمين على أية صورة توفر فكرة المساهمة الجنائية ولم يتحدث الحكم عن النية الخاصة لدى الطاعن من جريمة السرقة هذا إلى أن تقرير الصفة التشريحية أثبت أن قتل "أحد الجناة" كان برصاص الخفير الخاص – دون المتهمين – وهو الأمر الذي لم تعرض له المحكمة كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله: "إنه بينما كان الخفير الخصوصي...... وزملاؤه...... و....... و....... يقومون بحراسة منشآت شركة أطلس بضاحية الهاكسيتب حيث وضعت كميات من حديد التسليح وذلك في منتصف ليلة 2 ديسمبر سنة 1967 حضر إلى موقع حراستهم...... و...... وشهرته...... و....... و....... وشهرته...... و...... و...... و...... وآخرين بقصد سرقة حديد التسليح مدججين بأسلحة نارية أطلقوا منها عدة أعيرة لتهديد الخفراء القائمين على الحراسة وإذ أسرع......... إلى حجرته المعدة لسكنه للاحتماء بها اقتحموا بابها بكسره، ولما أطلق الخفير المذكور عليهم أعيرة نارية من بندقيته الخرطوش ليمنعهم من تنفيذ مأربهم عاجلوه بأعيرة نارية من أسلحتهم بقصد قتله فأصيب في ساعده الأيسر وساقه اليمنى بعيارين وأسعف بالعلاج بينما أخطأه عيار ثالث وأصاب...... في صدره فقضى نحبه وفر الجناة ولكن تحريات الرائد...... أكدت مقارفتهم للحادث وتم القبض على....... في اليوم التالي بمكان الحادث مصاباً في ساقيه وقبض على....... و....... والأول منهما مصاب في ركبته اليسرى والثاني مصاب في فخذه وتبين أن إصابات الجميع حدثت من طلقات خرطوش واعترف...... و....... و...... و...... و....... بالتوجه سوياً إلى مكان الحادث بقصد سرقة الحديد يصحبهم....... الذي كان يحمل مدفعاً رشاشاً و....... الذي كان يحمل البندقية البلجيكي المضبوطة هي وطلقاتها مع جثته في مكان الحادث وأن الأخيرين أطلقا النار من سلاحيهما صوب الخفير...... وقام........ الشهير....... بإرشاد النقيبين...... و....... عن مكان المدفع الرشاش الذي وجد مدفوناً في الرمال بالقرب من مكان الحادث." وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه....... وباقي شهود الإثبات ومن اعترافات المحكوم عليهم من الثاني إلى السادس ومما ثبت من تقرير الصفة التشريحية والتقارير الطبية الشرعية والابتدائية وتحريات الشرطة وهى أدلة كافية وسائغة لا يجادل الطاعن في أن لها مأخذها الصحيح وتؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وكان من المقرر أن الدفع ببطلان القبض والتفتيش إنما هو من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يكن قد دفع به أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم تحمل مقوماته نظراً لأنه يقتضى تحقيقاً تنأ عنه وظيفة هذه المحكمة. ولما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان القبض والتفتيش وكانت مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام ذلك البطلان فإنه لا يقبل منه لأول مرة أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تعييب التحقيق الابتدائي أمام محكمة النقض غير جائز فإن ما يثيره الطاعن بشان بطلان تحقيقات النيابة العسكرية يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الثابت من المفردات أن النيابة العسكرية قررت عدم اختصاصها بالواقعة وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن النيابة العسكرية هي صاحبة القول الفصل الذي لا تعقيب عليه فيما إذا كانت الجريمة تدخل في اختصاصها وبالتالي في اختصاص القضاء العسكري ومن ثم يكون النعي على الحكم بأنه صدر من جهة غير مختصة ولائياً بإصداره على غير سند من القانون لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة المفردات أن الطاعن قرر أكثر من مرة بمحاضر ضبط الواقعة وبالتحقيقات أنه تجاوز السابعة والعشرين من عمره، وإذ كان المدافع عنه بعد أن أثار بجلسة المحاكمة أن الطاعن كان سنه يقل عن ثمانية عشر عاماً وقت الحادث دون أن يقدم الدليل على ذلك ثم أثبت تنازله عن التمسك بهذا الدفع وإذ كان هذا الدفع القانوني ظاهر البطلان فلا حرج على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه ويكون ما يثيره الطاعن بشأنه على غير أساس. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من انتفاء نية السرقة لديه مردوداً، ذلك أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد خلص في بيان كاف إلى توافر أركان جريمة الشروع في السرقة وتوافر الدليل عليها فلا يعيبه عدم تحدثه صراحة عن نية السرقة. لما كان ذلك، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد دلل استناداً إلى تقرير الصفة التشريحية وأقوال الشهود على أن...... وهو أحد الجناة في الحادث قد قتل بعيارين ناريين أحدهما أطلق من المدفع الرشاش المضبوط والذي كان يحمله المحكوم عليه الأول والمقذوف الثاني أطلق من بندقية الخفير...... وأن كلاً من العيارين قد ساهم بقدر متساو في إحداث الوفاة بالإضافة إلى أن كلاً من الإصابتين منفردة وحدها قد تؤدي إلى الوفاة، فإن الجدل بعد ذلك فيما انتهى إليه الحكم من إدانة الطاعن بالجرائم المسندة إليه بما فيها جناية القتل التي كانت نتيجة محتملة لمساهمته في جناية الشروع في السرقة، إنما ينحل إلى جدل موضوعي مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
(ثانياً) الطعن المقدم من الطاعنين الثاني والثالث.
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد شابه القصور في التسبيب والبطلان والخطأ في القانون والفساد في الاستدلال، ذلك أن المحكمة لم تسأل الطاعن الثالث عن التهمة المسندة إليه ولم تتل أقوال الشهود الغائبين بجلسة المحاكمة، كما أن الحكم لم يورد مضمون أقوال الشهود...... و....... و....... الذين عول على أقوالهم في الإدانة وأحال في ذلك على ما أورده من أقوال الشاهد....... مع أن أقواله هو وباقي الشهود لم تسند اتهاما للطاعنين، وفضلاً عن ذلك فقد قررت المحكمة أن كلاً من المحكوم عليهم قد اعترف على الآخر في حين أن ذلك لا يصدق في حق الطاعنين، كما دانهما الحكم بجناية قتل...... بناء على أدلة ليس لها صداها في الأوراق، وجاء قاصراً في بيان نية القتل وفى رده على الدفع بوقوع إكراه على الطاعن الثاني، كما أغفل الحكم الإكراه الذي وقع على الطاعن الثالث........، وتناقض في وصف جريمة الشروع في السرقة المسندة إليها إذ اعتبرها جنحة في موضع منه ثم اعتبرها جناية في موضع آخر.
وحيث إنه لما كان البين من الاطلاع على محاضر الجلسات أن المحكمة سألت الطاعن الثالث عن الاتهام المنسوب إليه فأنكره ثم تنازل الدفاع عن الطاعنين عن سماع من لم يحضر من شهود الإثبات اكتفاء بأقوالهم بالتحقيقات. لما كان ذلك، وكان القانون لا يوجب إثبات نص شهادة الشهود الغائبين أو قدر معين منها في محضر جلسة المحاكمة ولا أن يتلوها رئيس المحكمة، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، ولما كان الطاعن لا ينازع في أن ما أورده الحكم من أقوال الشاهد..... التي أحال إليها الحكم لها معينها الصحيح في الأوراق، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، كما أنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً ودالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، وأنه لا يقدح في سلامة الحكم خطأ المحكمة في تسمية أقوال المتهم اعترافاً طالما أن المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم على متهم آخر ولو كانت واردة في محضر الشرطة متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع ولو عدل عنها في مراحل التحقيق الأخرى، ومن ثم فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في إحالته في إيراد أقوال بعض شهود الإثبات على أقوال الشاهد...... وفي تعويله في قضائه بالإدانة عن جريمة قتل...... وغيرها على ما استخلصه من أقوال الشهود وما قرره المحكوم عليهم – عدا الأول – من أقوال تفيد ارتكابهم الجرائم التي دانهم بها الحكم جميعاً، وبذلك تنحل هذه الأوجه من النعي إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعنين (وباقي المتهمين) بقوله "وعن نية القتل فإن ما أضمره المتهم الأول في نفسه نحو إزهاق روح الخفير...... وكان خبئ صدره كشف عنه استعماله سلاحاً قاتلاً بطبيعته "مدفع رشاش" وتوجيهه عند إطلاق النار منه صوب مواضع قاتلة من جسم المجني عليه بغرض التخلص منه عندما تصدى له ولزملائه مدافعاً عن المال الذي يقوم بحراسته، وهذه الإرادة ذاتها – إرادة إزهاق روح الخفير...... تنسحب أيضاً إلى قتل....... رغم كونه زميلاً للمتهم الأول في مقارفة الحادث إذ بات مؤكداً للمحكمة أن وفاته حدثت من عيار ثالث أطلقه المتهم الأول على الخفير...... بنية قتله فأخطأه وأصاب زميله سالف الذكر". وإذ كان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام نية القتل هو مما يكفي ويسوغ به الاستدلال عليها، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة قد خلصت في استدلال سائغ إلى سلامة الدليل المستمد من أقوال الطاعن الثاني لما ارتأته من مطابقته للحقيقة والواقع الذي استظهرته من باقي عناصر الدعوى وأدلتها ومن خلوه مما يشوبه وصدوره منه عن طواعية واختيار، فإن ما يثيره الطاعن من مجادلة في هذا الشأن تنحل بدورها إلى جدل موضوعي في سلطة المحكمة في تقدير الأدلة مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن الثالث أو المدافع عنه قد دفع أي منهما بأن الاعتراف المنسوب إليه قد صدر منه نتيجة إكراه وقع عليه أثناء التحقيق معه، فلا يقبل منه أن يثير هذا لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن ما أورده في صدره وأشار إليه الطاعنان إنما هو وصف التهمة كما أوردته النيابة، أما ما انتهى إليه الحكم في عجزه فهو صورة الواقعة على ما استقر عليه وجدان المحكمة وذلك وفق حقها في تمحيص الواقعة بجميع كيوفها وأوصافها، ولما كان الطاعنان لم ينعيا - في ذلك – إلا ما قالوا به من تناقض فقط وكان هذا الذي جاء به الحكم خلواً من التناقض فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.