أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 586

جلسة 13 من أبريل سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوي، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، ومصطفى الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(140)
الطعن رقم 233 لسنة 40 القضائية

(أ، ب، ج، د، هـ، و) دخان. تبغ. مسئولية جنائية. "المسئولية المفترضة". قصد جنائي. أسباب الإباحة. موانع العقاب. إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
( أ ) عدم صحة القول بالمسئولية المفترضة. إلا إذا نص عليها الشارع صراحة. أو كان استخلاصها سائغاً من نصوص القانون. إذ الأصل ثبوت القصد ثبوتاً فعلياً.
(ب) عدم مساءلة الشخص. شريكاً كان أو فاعلاً. إلا بقيامه بالفعل أو الامتناع المحرم قانوناً. افتراض المسئولية. استثناء. قصره في الحدود التي نص عليها القانون فحسب.
(ج) إحراز الدخان المخلوط أو المغشوش جريمة في حق الصانع له. أساسها المسئولية المفترضة، لا يستطيع دفعها في حالة ثبوت الغش. عدم امتداد هذه المسئولية على حالة استنبات التبغ أو زراعته محلياً المعتبرة تهريباً في حكم القانون رقم 92 لسنة 1964 مساءلة من يستنبت التبغ أو يزرعه محلياً وفق القواعد العامة في المسئولية الجنائية.
افتراض مساءلة صانع الدخان المخلوط أو المغشوش. أساسه القانون 74 لسنة 1933
(د) جريمة استنبات التبغ أو زراعته. عمديه. يتحقق القصد فيها من تعمد ارتكاب الفعل المؤثم.
(هـ) قيام المسئولية المفترضة على الدوام. ما لم يدفعها سبب من أسباب الإباحة أو موانع العقاب أو المسئولية.
(و) تقدير القصد الجنائي. موضوعي. ما دام سائغاً.
1 - الأصل أن القصد الجنائي من أركان الجريمة فيجب أن يكون ثبوته فعلياً، ولا يصح القول بالمسئولية الفرضية إلا إذا نص عليها الشارع صراحة، أو كان استخلاصها سائغاً عن طريق استقراء نصوص القانون وتفسيرها بما يتفق وصحيح القواعد والأصول المقررة في هذا الشأن.
2 - من المقرر في التشريعات الجنائية الحديثة، أن الإنسان لا يسأل بصفته فاعلاً أو شريكاً إلا عما يكون لنشاطه دخل في وقوعه من الأعمال التي نص القانون على تجريمها سواء أكان ذلك بالقيام بالفعل أو الامتناع الذي يجرمه القانون، ولا مجال للمسئولية المفترضة في العقاب إلا استثناء وفي الحدود التي نص عليها القانون، ويجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عبارتها فوق ما تحتمل.
3 - لئن كان المشرع قد جعل مجرد إحراز الدخان المخلوط أو المغشوش جريمة معاقب عليها في حق الصانع فأنشأ في حقه نوعاً من المسئولية الفرضية مبنية على افتراض قانوني بتوافر القصد الجنائي لديه، فلا يستطيع هذا دفع مسئوليته في حالة ثبوت الغش أو الخلط، إذ القانون يلزمه بواجب الإشراف الفعلي على ما يصنعه، إلا أن القول بهذه المسئولية لا ينسحب على حالة استنبات التبغ أو زراعته محلياً التي عدها الشارع تهريباً بمقتضى الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964، ذلك لأن نصوص هذا القانون لم يرد فيها ما يفيد الخروج عن الأحكام العامة في المسئولية الجنائية باعتناق نظرية المسئولية المفترضة في حق من يستنبت التبغ أو يزرعه محلياً، ولو شاء أن يقيمها لنص على ذلك كما هو الحال في المادة السابعة من القانون رقم 74 لسنة 1933 بتنظيم زراعة الدخان وتجارته، ولا يقدح في ذلك ورود حالة إحراز الدخان المخلوط أو المغشوش ضمن أحوال التهريب في المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 ذلك لأن القول بالمسئولية الفرضية بالنسبة للصانع في هذه الحالة لا تستند إلى هذا القانون الأخير إنما يجد أساسه في المادة السابعة من القانون رقم 74 لسنة 1933، يؤكد هذا النظر نص عبارة الشارع التي وردت في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 إذ اعتبر تهريباً استنبات التبغ أو زراعته محلياً، والمفهوم اللغوي لهذه العبارة أن تتجه الإرادة إلى إحداث الزرع.
4 - إن جريمة استنبات التبغ أو زراعته جريمة عمدية يتحقق القصد الجنائي فيها متى تعمد الجاني ارتكاب الفعل المنهي عنه بالصورة التي حددها القانون واتجاه إرادته إلى استنبات التبغ أو زراعته وعلمه أنه يحدثه بغير حق.
5 - إن المسئولية الفرضية تقوم على الدوام، ما لم يدحضها سبب من أسباب الإباحة أو موانع العقاب أو المسئولية.
6 - من المقرر قانوناً أن توافر ركن القصد الجنائي، مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية التي تنأى عن رقابة محكمة النقض، متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 7 يوليو سنة 1968 بدائرة أبو حماد محافظة الشرقية: زرع دخاناً ممنوع زراعته بالبلاد بدون تصريح. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2 و3 من القانون رقم 92 لسنة 1964 وادعت مصلحة الجمارك مدنياً قبل المتهم بمبلغ 2400 ج على سبيل التعويض. ومحكمة أبو حماد الجزئية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم وفي الدعوى المدنية برفضها وألزمت رافعها المصاريف ومبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنفت المدعية بالحقوق المدنية الحكم ومحكمة الزقازيق الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت في الاستئناف حضورياً بقبوله شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعنت مصلحة الجمارك في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن - المقدم من مصلحة الجمارك - أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية قبله من تهمة زراعة التبغ بدون تصريح قد أخطأ في تطبيق القانون، وشابه الفساد في الاستدلال، ذلك بأنه أسس قضاءه على انتفاء القصد الجنائي لديه مع أن المشرع عندما اعتبر استنبات التبغ أو زراعته تهريباً، أنشأ نوعاً من المسئولية الفرضية مبنية على افتراض قانوني بتوافر القصد الجنائي لدى الفاعل، كما هو الحال بالنسبة للصانع عند إحرازه دخاناً مغشوشاً أو مخلوطاً، كما أن الحكم المطعون فيه استدل على انتفاء القصد الجنائي لدى الطاعن بما لا يسيغ ذلك، كل هذا مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه بالحكم المطعون فيه قال تعقيباً على بيانه لواقعة الدعوى وتسبباً لقضائه بالبراءة ورفض الدعوى المدنية قبل المطعون ضده ما نصه "وحيث إنه بعد كل ما تقدم فإن المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ تنص على أنه تعتبر تهريباً (أولاً) استنبات التبغ أو زراعته محلياً ومن ثم فإن المشرع جعل مناط التأثيم أن يتوافر القصد الجنائي وهو علم المتهم بأن ما يقوم بزراعته أو استنباته هو شجيرات الدخان فإذا تخلف هذا الركن فإن الواقعة تكون بمنأى عن التأثيم. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق انتفاء هذا القصد لدى المتهم وأن الظاهر في الأوراق يؤكد أن بذور شجيرات الدخان كانت مختلطة ببذور النباتات التي كانت قائمة في الأرض كما شهد وكيل مكافحة التفتيش بالجلسة أن شجيرات الدخان كانت غير منتظمة في الزراعة القائمة وأنه لا يعرف عددها البامية ولا يصح ما قرره هذا الشاهد أنه يمكن التفرقة بين بذور التيل والبامية وبين بذور الدخان إذ أن الثابت أن الشاهد استطرد مقرراً أن بذور التبغ متشابهة مع بذور بعض الحشائش فإذا أضفنا إلى ذلك أن تحريات ضابط المباحث على أن المتهم هو الذي قام بزراعة التبغ لا تصلح أن تكون دليلاً على أن المتهم قصد زرع التبغ بأرضه إذ أنها مجرد أقوال من مصدر سري لم يفصح عنه حتى يمكن التأكد من جديته ومن ثم يتعين طرحها جانباً وفي النهاية فإن المشرع لو قصد إلى ذلك وهدف إلى تأثيم وجود شجيرات التبغ في أرض الحائز للأرض الزراعية أو المالك لها لنص على ذلك صراحة كما فعل في باقي الفقرات وفي المادة الثانية إذ عاقب مجرد الحائز للتبغ المغشوش أو لبذورها أو نقلها كما في حيازة هذه البذور أو التبغ المغشوش من إمكان السيطرة الفعلية الكاملة عليها أما الحائز للأرض الزراعية فإنه يصعب تصور أن حيازته تكون كاملة ويكون في مقدوره أن يمنع أي شخص مار بأرضه أن يلقي فيها في غفلة منه بعض بذور التبغ وسط زراعته فتنبت شجيرات دخان دون علم منه فيستحق العقاب ومن ثم فإن الواقعة على النحو المتقدم تكون قد فقدت أحد أركانها ويتعين براءة المتهم". لما كان ذلك، وكانت المادة السادسة من القانون رقم 74 لسنة 1933 الخاص بتنظيم صناعة الدخان وتجارته قد نصت على معاقبة كل صانع أو تاجر أو صاحب حانوت أو مخزن يحرز دخاناً مغشوشاً بالعقوبات المقررة في المادة الخامسة ثم نصت المادة السابعة من ذات القانون على أنه لا عقاب على من لم يكن صانعاً وأحرز دخاناً مغشوشاً أو مخلوطاً إذا أثبت حسن نيته، وإذ صدر القانون رقم 92 لسنة 1964 في شأن تهريب التبغ، عددت المادة الثانية منه الحالات التي تعتبر تهريباً وأولاها "استنبات التبغ وزراعته محلياً". كما تضمنت الفقرة الثالثة من ذات المادة حالة غش التبغ أو تداوله أو حيازته أو نقله أو خلطه على غير ما يسمح به القانون وهذه الحالة الأخيرة تشابه تلك المنصوص عليها في المادة السادسة من القانون رقم 74 لسنة 1933. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الشارع بنص المادة السابعة من القانون رقم 4 لسنة 1933 قد جعل مجرد إحراز الدخان المخلوط أو المغشوش جريمة معاقب عليها في حق الصانع وأنشأ نوعاً من المسئولية الفرضية مبنية على افتراض قانوني بتوافر القصد الجنائي لدى الفاعل إذا كان صانعاً، فلا يستطيع هذا دفع مسئوليته في حالة ثبوت الغش أو الخلط إذ القانون يلزمه بواجب الإشراف الفعلي على ما يصنعه. والقاعدة أن المسئولية الفرضية تقوم على الدوام ما لم يدحضها سبب من أسباب الإباحة أو موانع العقاب أو المسئولية. والأصل أن القصد الجنائي من أركان الجريمة فيجب أن يكون ثبوته فعلياً. ولا يصح القول بالمسئولية الفرضية إلا إذا نص عليها الشارع صراحة، أو كان استخلاصها سائغاً عن طريق استقراء نصوص القانون وتفسيرها بما يتفق وصحيح القواعد والأصول المقررة في هذا الشأن إذ من المقرر في التشريعات الجنائية الحديثة أن الإنسان لا يسأل بصفته فاعلاً أو شريكاً إلا عما يكون لنشاطه دخل في وقوعه من الأعمال التي نص القانون على تجريمها سواء أكان ذلك بالقيام بالفعل أو الامتناع الذي يجرمه القانون ولا مجال للمسئولية المفترضة في العقاب إلا استثناء وفي الحدود التي نص عليها القانون، ويجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه وإن كان الشارع قد جعل مجرد إحراز الدخان المخلوط أو المغشوش جريمة معاقب عليها في حق الصانع فأنشأ في حقه نوعاً من المسئولية الفرضية، إلا أن القول بهذه المسئولية لا ينسحب على حالة استنبات التبغ أو زراعته محلياً التي عدها الشارع تهريباً بمقتضى الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964، ذلك لأن نصوص هذا القانون لم يرد فيها ما يفيد الخروج من الأحكام العامة في المسئولية الجنائية باعتناق نظرية المسئولية المفترضة في حق من يستنبت التبغ أو يزرعه محلياً، ولو شاء أن يقيمها لنص على ذلك كما هو الحال في المادة السابعة من القانون رقم 74 لسنة 1933 بتنظيم صناعة الدخان وتجارته. ولا يقدح في ذلك ورود حالة إحراز الدخان المخلوط أو المغشوش ضمن أحوال التهريب في المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964، ذلك لأن القول بالمسئولية الفرضية بالنسبة للصانع في هذه الحالة لا يستند إلى هذا القانون الأخير وإنما يجد أساسه في المادة السابعة من القانون رقم 74 لسنة 1933 يؤكد هذا النظر نص عبارة الشارع التي وردت في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 إذ اعتبر تهريباً استنبات التبغ أو زراعته محلياً والمفهوم اللغوي لهذه العبارة أن تتجه الإرادة إلى إحداث الزرع. ويبين مما تقدم أن جريمة استنبات التبغ أو زراعته جريمة عمدية يتحقق القصد الجنائي فيها متى تعمد الجاني ارتكاب الفعل المنهي عنه بالصورة التي حددها القانون واتجاه إرادته إلى استنبات التبغ أو زراعته وعلمه بأنه يحدثه بغير حق. لما كان ذلك، فإن ما تقول به الطاعنة من افتراض المسئولية في حالة استنبات التبغ أو زراعته يكون غير سديد ولا أساس له في صحيح القانون وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن الوجه الأول يكون على غير أساس ويتعين رفضه. لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً أن توافر ركن القصد الجنائي مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع التقديرية التي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن المحكمة - في حدود ما هو مقرر لها من حق في وزن عناصر الدعوى وأدلتها - قد أخذت بدفاع المطعون ضده من انتفاء القصد الجنائي لديه، وكان ما دلل به الحكم في شأن عدم توافر القصد الجنائي لدى المطعون ضده على النحو الذي تقدم بيانه هو تدليل سائغ يستقيم به قضاؤه إذ أن تحريات الشرطة لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً أساسياً على قيام القصد الجنائي في حق المطعون ضده ولأن من سلطة محكمة الموضوع أن تأخذ من أي بينة أو قرينة ترتاح إليها دليلاً لحكمها. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون مجرد جدل موضوعي ويكون الطعن برمته على غير أساس متعين الرفض موضوعاً.