مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1161

(122)
جلسة 2 من يوليه سنة 1960

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وعضوية السادة سيد إبراهيم الديواني وعلي بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

القضية رقم 386 لسنة 4 القضائية

( أ ) اختصاص - تفويض في الاختصاص - حق الوزير ووكيل الوزارة الدائم في إنابة وكيل الوزارة أو الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح في بعض اختصاصات الوكيل الدائم - قاصر على الاختصاصات التي خولها المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 لوكيل الوزارة الدائم دون سواها - نتيجة ذلك: عدم جواز هذه الإنابة في سلطة التأديب - تفويض رؤساء الفروع في بعض اختصاصات رؤساء المصالح استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانونين رقمي 224 لسنة 1953 و67 لسنة 1956 - شموله للاختصاصات الأصلية المقررة لرؤساء المصالح وللاختصاصات المفوض فيها هؤلاء من الوزير والوكيل الدائم بما في ذلك سلطة توقيع عقوبات تأديبية معينة - أساس ذلك.
(ب) اختصاص - تفويض في الاختصاص - حظر إنابة غير وكيل الوزارة المساعد في اختصاصات وكيل الوزارة - لا يحول دون تنظيم الإنابة في ممارسة اختصاص رئيس المصلحة بقواعد خاصة يعمل بها ولو خالفت قانون الموظفين العام - تطبيق ذلك على تفويض رئيس فرع في اختصاصات تأديبية لرئيس المصلحة.
(جـ) موظف - نقل - عدم خضوع قرارات النقل المكاني لولاية القضاء الإداري - تطبيق ذلك على قرار بنقل الطاعن من العمل بقطارات الركاب إلى عمل بقطارات البضاعة.
1 - إن القانون رقم 224 لسنة 1953 استحدث حكمين يتلاقيان في الحكمة التي تنتظمها وهي التوسع في تعميم نظام اللامركزية المنشود، إذ اقتصرت المادة 14 منه على تخويل وكيل الوزارة الدائم الحق في أن يعهد ببعض اختصاصاته إلى من يجوز أن يقوم مقامه عند غيابه وهو أقدم وكلاء الوزارة أو أقدم مديري المصالح أو الإدارات على حسب الأحوال، ثم عدلت فيما بعد بالقانون رقم 542 لسنة 1953 ثم بالقانون رقم 67 لسنة 1956، فأجازت - طبقاً لتعديلها بالقانون الأخير - للوكيل الدائم أن يعهد ببعض اختصاصاته إلى وكلاء الوزارة أو وكلائها المساعدين أو رؤساء المصالح، بينما ظل الأمر على حاله في الوزارات التي ليس بها وكيل وزارة دائم. فرأى المشرع أن يفوض الوزير في مثل هذه الوزارات في أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة للوكيل الدائم بمقتضى المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 إلى وكلاء الوزارة أو الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح، أما الوزارات التي بها وكيل وزارة دائم فلم تكن بحاجة إلى مثل هذا النص ما دام حق هذا الوكيل في إنابة أقدم الوكلاء أو الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح ثابتاً له بالمادة 14 من المرسوم بقانون سالف الذكر معدلة بالقانون رقم 542 لسنة 1953 ثم بالقانون رقم 67 لسنة 1956 على ما سلف البيان. وواضح من صريح النص المتقدم الوارد في الفقرة الأولى من المادة الأولى في كل من القانون رقم 224 لسنة 1953 ورقم 67 لسنة 1956، أن إنابة الوزير في هذا المقام لوكلاء الوزارة أو الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح، وكذلك إنابة وكيل الوزارة الدائم لهؤلاء إنما تنصب كلتاهما على الاختصاصات التي خولها المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 لوكيل الوزارة الدائم دون سواها، ومن ثم يتحدد نطاق هذه الإنابة بتلك الاختصاصات التي هي أصلاً جانب من اختصاصات الوزير فلا يجاوزها إلى اختصاصات الوزير الأخرى أو إلى اختصاصات وكيل الوزارة العادي أو رؤساء المصالح، وليس من بين اختصاصات الوكيل الدائم الواردة في المرسوم بقانون المشار إليه سلطة التأديب، لا بالنسبة إلى الموظفين المعينين على وظائف دائمة الذين نظمت قواعد تأديبهم المواد من 84 إلى 106 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ولا بالنسبة إلى المستخدمين الخارجين عن الهيئة الذين تحكم تأديبهم المادتان 128، 121 من القانون المذكور. وعلى خلاف حكم الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 224 لسنة 1953 الذي اقتصر على تناول حالة الوزارات التي ليس بها وكيل وزارة دائم، وحصر الإنابة في الاختصاصات المخولة لهذا الوكيل الدائم دون سواها، وعلى النقيض من حكم الفقرة الأولى من القانون رقم 67 لسنة 1956 الذي قيد الإنابة بالاختصاصات المقررة للمنيب وهو وكيل الوزارة الدائم، على خلاف هذين الحكمين، جاء حكم الفقرة الثانية من المادة الأولى لكلا القانونين رقمي 224 لسنة 1953 و67 لسنة 1956 عاماً ومطلقاً في أجازة تفويض رؤساء الفروع في بعض اختصاصات رؤساء المصالح، فأباح القانون رقم 224 لسنة 1953 للوزير، كما أباح القانون رقم 67 لسنة 1956 للوكيل الدائم، إنابة رؤساء الفروع عن رؤساء المصالح في بعض اختصاصات هؤلاء الأخيرين، سواء أكانت هذه الاختصاصات مسندة إلى المذكورين من الوزير إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 224 لسنة 1953 سالف الذكر في وزارة ليس بها وكيل دائم، أم معهوداً بها إليهم من وكيل الوزارة الدائم بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 14 من المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 المعدلة بالقانون رقم 67 لسنة 1956، حيث ينتهي عندهم التفويض الذي خوله القانون للوكيل الدائم، أم كانت اختصاصات أصلية مقررة لهم مباشرة من القانون. وتدخل في هذه الاختصاصات سلطة توقيع عقوبات تأديبية معينة في حدود النصاب الذي نص عليه القانون ومنها حق خصم الراتب عن مدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً بالنسبة إلى الموظفين الداخلين في الهيئة، وهو الحق الذي يتلقاه رئيس المصلحة مباشرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وتؤكد ثبوته لمدير عام مصلحة السكك الحديدية بالذات المادة الثانية من القانون رقم 104 لسنة 1949 معدلاً بالقانون رقم 10 لسنة 1953.
2 - لا وجه للتحدي بامتناع تفويض رؤساء الفروع في مباشرة بعض الاختصاصات التأديبية الموكولة إلى رؤساء المصالح بحجة أن المادة 133 مكرراً من قانون موظفي الدولة لم تبح إسناد اختصاص وكيل الوزارة التأديبي فيما يتعلق بالموظفين والمستخدمين - إلى غير وكيلها المساعد دون من عداه، لا وجه لذلك لأن المادة 133 مكرراً المستحدثة بالقانون رقم 142 لسنة 1953، والتي تنص على أنه "يجوز للوزير أن يعهد لوكيل الوزارة المساعد بالاختصاصات المخولة لوكيل الوزارة طبقاً لأحكام هذا القانون". لا شأن لها بتوزيع بعض اختصاصات رئيس المصلحة الأصلية على رؤساء الفروع من جانب الوزير أو وكيل الوزارة الدائم، ذلك أن حظر إنابة غير وكيل الوزارة المساعد في اختصاصات وكيل الوزارة لا يحول دون تنظيم الإنابة في ممارسة اختصاص رئيس المصلحة بقواعد منسقة في تشريع خاص، كالقانونين رقم 224 لسنة 1953 ورقم 67 لسنة 1956 وعندئذ يتحتم النزول على مقتضى هذه القواعد حتى لو خالفت الأحكام الواردة في قانون الموظفين العام إعمالاً للأصل المسلم من أن الخاص يقيد العام والعكس، ومع ذلك فليس فيما ورد في القانونين المشار إليهما ما يتعارض مع حكم المادة 133 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951، إذ أن لكل من الحكمين مجالاً يجري فيه على وجه الاستقلال، وليس ثمت مانع من أن ينظم تشريع لاحق حدود هذه الإنابة تنظيماً يباح بمقتضاه للوزير أو للوكيل الدائم أن يفوض كلاهما رؤساء الفروع في بعض الاختصاصات المخولة لرؤساء المصالح، وخاصة إذا كانت هذه الاختصاصات أصيلة بمقتضى القوانين بحسبانهم سلطات تأديب، وليس يخفي أن ما عبرت به المادة 85 من قانون موظفي الدولة من سلطة وكيل الوزارة ورئيس المصلحة في إيقاع الجزاءات التأديبية الواردة فيها كل في دائرة اختصاصه، يستفاد منه أن وكيل الوزارة ورئيس المصلحة غير متداخلين في هذا الاختصاص التأديبي، فإذا أمتنع إفراغ اختصاص وكيل الوزارة التأديبي على غير وكيل الوزارة المساعد وفقاً للمادة 133 مكرراً من قانون موظفي الدولة، فإن هذا الحكم لا يعدو أن يكون متفقاً مع طبائع الأشياء التي تقضي بتخصيص وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد بدائرة من الاختصاص التأديبي يختلف عن دائرة رئيس المصلحة في هذا الشأن، وإذن فليس ما يتعارض مع هذا التخصيص أن يملك كل من الوزير ووكيل الوزارة الدائم بموجب تشريع لاحق إنابة رؤساء الفروع في شطر مما نيط برؤساء المصالح من اختصاصات تأديبية، هي أصيلة فيهم على كل حال وليست منحدرة إليهم من سلطات أعلى منهم بأداة التفويض، إذ لا يملك الوزير بموجب القانون رقم 224 لسنة 1953 ولا وكيل الوزارة الدائم بمقتضى القانون رقم 67 لسنة 1956 أن يعهد أيهما إلى رئيس المصلحة بغير الاختصاصات المخولة للوكيل الدائم والمحددة حصراً في المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 وليس منها سلطة التأديب لا بالنسبة إلى الموظفين المعينين على وظائف دائمة، ولا بالنسبة إلى غيرهم من المستخدمين الخارجين عن الهيئة، بل لا موجب البتة لأن يعهد إلى رئيس المصلحة ببعض اختصاصات وكيل الوزارة التأديبية، ما دام لا يهم رئيس المصلحة أن تفرغ عليه هذه الولاية بالنسبة إلى موظفين غير خاضعين في الأصل لاختصاصه الرياسي، كما أن البداهة العقلية تقضي بأن لا يناب مدير عام مصلحة السكك الحديدية - بوصفه رئيس مصلحة - فيما هو ثابت له أصلاً من ولاية التأديب على الموظفين التابعين له، إذ لا حاجة به إلى مثل هذه الإنابة.
وينبني على ما سلف إيضاحه لزوم القول بصحة القرار رقم 357 لسنة 1956 الصادر من وكيل وزارة المواصلات الدائم في 21 من مارس سنة 1956 بإنابة رؤساء الفروع ومنهم المفتش العام للحركة والبضائع الذي أصدر القرار التأديبي مثار المنازعة - في شطر من الاختصاص التأديبي المنوط بمدير عام مصلحة السكك الحديدية بحكم القوانين وهو المتعلق بالموظفين لغاية الدرجة الرابعة، ومنهم المطعون لصالحه - إعمالاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 14 من المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 معدلة بالقانون رقم 67 لسنة 1956 النافذ اعتباراً من 26 من فبراير سنة 1956، وترتيباً على ما تقدم يكون القرار التأديبي الذي اتخذه المفتش العام للحركة والبضائع في 27 من مارس سنة 1956 بمجازاة المطعون لصالحه بالخصم من مرتبه لمدة عشرة أيام صادراً من مختص في حدود القوانين والقرار المنفذ لها.
3 - أن نقل المطعون لصالحه من العمل بقطارات الركاب إلى عمل بقطارات البضاعة تنحية له عن الاتصال بالجمهور، هو من الملاءمات المتعلقة بصالح العمل المتروكة لتقدير الإدارة. وهو باعتباره من قرارات النقل المكاني يخرج حتماً عن ولاية القضاء الإداري.


إجراءات الطعن

في 3 من إبريل سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 386 لسنة 4 ق في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 4 من فبراير سنة 1958 في الدعوى رقم 10 لسنة 4 القضائية المقامة من السيد/ محمد عبد الرحمن إسماعيل ضد مصلحة السكك الحديدية، والقاضي "برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مفتش الحركة بتوقيع الجزاء التأديبي مع إلزام المدعى عليها بالمصروفات" وقد أعلن هذا الطعن إلى الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية في 8 من مايو سنة 1958 وإلى المطعون لصالحه في 13 من مايو سنة 1958، وفي أول أغسطس سنة 1958 أبلغ الخصوم بجلسة 28 من نوفمبر سنة 1959 المحددة لنظر الطعن أما دائرة فحص الطعون التي أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا، وحددت له جلسة 16 من يناير سنة 1960 للمرافعة، وفي هذه الجلسة سمعت هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون لصالحه السيد/ محمد عبد الرحمن إسماعيل أقام الدعوى رقم 10 لسنة 4 القضائية، ضد مصلحة السكك الحديدية، أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 4 من أكتوبر سنة 1956، بناءً على قرار لجنة المساعدة القضائية الصادر لصالحه في 13 من سبتمبر سنة 1956 في طلب الإعفاء رقم 893 لسنة 3 القضائية بقبول هذا الطلب - طالباً فيها الحكم له "بإلغاء القرار الصادر من السيد وكيل عموم الحركة بالقباري في 9 من إبريل سنة 1956 فيما قضى به من خصم عشرة أيام من راتبه، وتنزيله لقطارات البضائع لمدة سنة من 27 من أكتوبر سنة 1955 وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصاريف" وقال شرحاً لدعواه أنه نسب إليه تبريراً للجزاء المتوقع عليه أنه تواطأ مع زميله السيد/ إبراهيم حسين مصطفى الكمساري في يوم 4 من أكتوبر سنة 1955 بالقطار رقم 266 على ترك أحد المرشدين بدون تذكرة من الضبعة لفوكة إعفاء له من دفع ثمنها بقصد التلاعب، وأنه تسامح في وجود ثلاثة ركاب من الأعراب بدون تذاكر سفر، وكانوا قاصدين مرسى مطروح، دون أن يتخذ حيالهم أي إجراء لضبطهم، كما تسامح في وجود ستة صناديق كازوزة زيادة على المسموح بنقله مجاناً بوساطة متعهد البوفيه بالقطار، وهذا القرار التأديبي الذي نسب إليه المخالفات المذكورة ينعى عليه بالعيبين الآتيين: (الأول) أنه مخالف للقانون لصدوره من وكيل عموم الحركة بالقباري مع إنه غير مختص باتخاذه. (الثاني) أنه مشوب بعيب الانحراف بالسلطة إذ نسب إليه مخالفات لا تتفق مع الواقع. فبالنسبة إلى ما عزى إليه من ترك أحد المرشدين بدون تذكرة، يلاحظ أن الأمر لم يكن تركاً، وإنما كان هو إمهال له حتى يخرج نقوده، وخلال فترة الإمهال اضطر الطالب إلى مباشرة عمله مع بقية الركاب، وأما عن ترك ثلاثة ركاب بدون تذاكر فإن الذي وقع هو أن القائم بالضبط أمر ثلاثة من الأعراب الواقفين على رصيف المحطة بالصعود إلى القطار تحت تهديد مسدسه كما أمرهم بأن يدلوا بشهادات أملاها عليهم، فالواقعة ملفقة على حد قوله. أما بالنسبة لتجاوز أحد العساكر محطة الضبعة بدون حق فمن المحتمل أن يكون الطالب لم ينتبه إلى تجاوزه بسبب استغراقه في العمل مع بقية الركاب وعلى ذلك فلم يثبت أصلاً أن الطالب كان يهدف إلى إصابة غرض غير مشروع. أما عن وجود صناديق الكازوزة الستة، فإنه من المعلوم أن الكمساري منعه من مراجعة بيانات متعهد البوفيه اشتغاله بعمله مع الركاب، فالمخالفات المنسوبة إليه لا تعدو أن تكون إما غير صحيحة، أو من الأمور المتسامح فيها بالنسبة لعمل الكمساري المرهق على خط الصحراء الغربية، ثم ختم عريضته بقوله أنه يحق له بناء على ما تقدم أن يطلب إلغاء القرار التأديبي الصادر من السيد وكيل عموم الحركة، في 9 من إبريل سنة 1956، فيما تضمنه من خصم عشرة أيام من راتبه مع تنزيله لقطارات البضاعة لمدة سنة تبدأ من 27 من أكتوبر سنة 1955 وما يترتب على ذلك من آثار. وأضاف إلى ما تقدم أنه تظلم من القرار المذكور إلى السيد وزير المواصلات في 17 من مايو سنة 1956، ولما لم يجب إلى هذا التظلم ضمناً قدم طلب الإعفاء في الرسوم القضائية إلى لجنة المساعدة القضائية، في 22 من يوليه سنة 1956، وقد قبل طلب الإعفاء بناء على قرار أصدرته هذه اللجنة في 13 من سبتمبر سنة 1956، وعلى أثر ذلك أقام الدعوى الحالية بإيداع عريضتها في 4 من أكتوبر سنة 1956 على ما سلف الإيضاح، وقد ردت المصلحة على الدعوى قائلة: أن المدعي قد تواطأ مع زميل له يدعى إبراهيم حسين مصطفى على ترك ركاب بدون تذاكر، كما تواطأ مع زميله المذكور على ترك أحد المرشدين بدون تذكرة بقصد جر مغنم له وراء ذلك. وأنه لم يكتشف تجاوز أحد عساكر الحدود من الركاب لمحطة الضبعة بدون تذكرة، وكان قاصداً مرسى مطروح، وقد حصلت الأجرة المستحقة عن هذا التجاوز، وأخيراً فإنه مسئول عن إهماله في التحقق من عدم تجاوز متعهد البوفيه بالقطار للكمية المسموح بها من صناديق المياه الغازية، الأمر الذي أفضى إلى ضبط ستة صناديق أكثر من المقرر عند المتعهد المذكور وقالت أن التحقيقات الإدارية اللازمة أسفرت عن إدانة المدعي هو وزميله ولما أوصت الأقسام بمجازاة كل منهما بخصم عشرة أيام من مرتبه ورفعت توصيتها إلى السيد المفتش العام للحركة قرر في 9 من إبريل سنة 1956 بمجازاة المدعي وزميله المشار إليه بخصم عشرة أيام من مرتبه كل منهما، وبتشغيل كل منهما بقطارات البضاعة لمدة سنة، وهذا الجزاء مستمد من أوراق التحقيق بعد سماع أقوال كل منهما وتحقيق دفاعه طبقاً للطريق الذي رسمته المادة 85 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951، وأنه صدر من مختص باتخاذه وهو السيد المهندس المفتش العام للحركة، بمقتضى السلطة المخولة له بالقرار الوزاري رقم 357 بتاريخ 21 من مارس سنة 1956، وبجلسة 4 من فبراير سنة 1958 حكمت المحكمة الإدارية "برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات" وأقامت قضاءها على أن نطاق المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 يتسع لاختصاص الوكيل الدائم بالمسائل التأديبية، ويكون القانون رقم 224 لسنة 1953 في شأن إضافة مادة جديدة تقضي بجواز إنابة الوزير للوكلاء أو لمساعديهم أو لرؤساء المصالح باختصاصات الوكيل الدائم، مما يحمل معه الغرض بأن تتضمن هذه الإنابة المسائل التأديبية، وما بال المدعي ينعى على هذه الإنابة، مع أن وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة يملك هذا الاختصاص أصلاً طبقاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 دون تفويض، ويكون النص على تفويض رئيس الفرع في بعض اختصاصات رئيس المصلحة المقرر بمقتضى أي قانون لاحق للقانون رقم 210 لسنة 1951 متضمناً هذه الحقوق التي لرئيس المصلحة طبقاً لهذا القانون الأخير، وإذا جاز القول بأن الشق الأول من المادة الأولى من القانون رقم 224 لسنة 1953 يتحدد بنطاق اختصاصات وكيل الوزارة الدائم، فإن الفقرة الثانية الخاصة بإنابة الوزير لرؤساء الفروع في اختصاصات رؤساء المصالح، جاء عاماً مطلقاً سواء كان هذا الاختصاص مستمداً من المادة 14 من المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952، أو المادة 14 مكرراً أو مستمداً مباشرة من القانون" وعلى "أن الثابت أن وزير المواصلات قد أصدر القرار رقم 357 لسنة 1956 متضمناً تخويل رؤساء الفروع سلطة رئيس المصلحة فيما يتعلق بالمادة 85 من قانون موظفي الدولة، وذلك بالنسبة إلى الموظفين لغاية الدرجة الرابعة، والمدعي منهم" وعلى أنه قد "ثبت في التحقيقات الإدارية التي أجريت مع المدعي صحة ما نسب إليه من أفعال، وأنه استهان بها المدعي إلى جانب ما عهد إليه من مسئوليات".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه "طبقاً للمبدأ الذي وضعته المحكمة الإدارية العليا يتضح من صريح نصوص القانونين رقم 137 لسنة 1952 و224 لسنة 1953 أن إنابة الوزير لوكلاء الوزراء أو الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح، وكذا إنابة وكيل الوزارة الدائم لهؤلاء أي تنصب كلتاهما على الاختصاصات التي خولها المرسوم بقانون رقم 137 لوكيل الوزارة الدائم دون سواها، ومن ثم يتحدد نطاق هذه الإنابة بتلك الاختصاصات التي هي أصلاً جانب من اختصاصات الوزير، فلا يجاوزها إلى اختصاصات الوزير الأخرى أو إلى اختصاصات وكيل الوزارة العادي أو رؤساء المصالح وليس من بين اختصاصات الوكيل الدائم الواردة في المرسوم بقانون المشار إليه سلطة التأديب لا بالنسبة إلى الموظفين المعينين على وظائف دائمة، الذين نظمت قواعد تأديبهم في المواد 84 إلى 106 في القانون رقم 210 لسنة 1951، ولا بالنسبة إلى المستخدمين الخارجين عن الهيئة، الذين تحكم تأديبهم المادتان 128، 129 من القانون المذكور، ولا فيما يتعلق بعمال اليومية، الذين يخضعون لكادر العمال، والذين تسري على الملحقين منهم بخدمة مصلحة السكك الحديدية أحكام القانون رقم 104 لسنة 1949، وإذا صح اعتبار اختصاصات وكيل الوزارة الدائم شاملة أيضاً لاختصاصات وكيل الوزارة العادي عند عدم وجود هذا الأخير، وكانت تتضمن بهذه المثابة سلطة التأديب، فإن هذه السلطة لا يجوز إعمالها في حق عمال مصلحة السكك الحديدية الذين يخضعون في تأديبهم لمدير عام المصلحة" وعلى أنه "طبقاً لهذا المبدأ يكون القرار الصادر من وزير المواصلات في أول مارس سنة 1956 بتفويض مفتش عام الحركة اختصاصات مدير عام مصلحة السكك الحديدية فيما يتعلق بالمادة 85 من قانون موظفي الدولة وذلك بالنسبة للموظفين لغاية الدرجة الرابعة قد خالف القانون، ويكون القرار الصادر من المفتش العام بتوقيع الجزاء التأديبي على المدعي قد صدر من غير مختص".
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى ملف خدمة المطعون لصالحه السيد/ محمد عبد الرحمن إسماعيل، أنه معين كمساري درجة ثانية بقطارات الركاب, وأنه حصل على الدرجة الثامنة بماهية قدرها 84 ج في السنة اعتباراً من 15 من إبريل سنة 1937 ثم على السابعة الشخصية اعتباراً من 17 من مارس سنة 1953، وبمقتضى القرار رقم 275 بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1954 الصادر من مدير عام السكك الحديدية بترقية بعض مفتشي التذاكر والكمسارية تخطى في الترقية إلى الدرجة السابعة الفنية المخصصة لوظيفة كمساري درجة أولى، وبرر هذا التخطي في ذات القرار بأن مرجعه إلى مجازاة المطعون لصالحه في 2 من أكتوبر سنة 1954 بخصم عشرة أيام من راتبه، بسبب ضبط ست سيدات بدون تذاكر في القطار الذي كان يعمل فيه بتاريخ 22 من أغسطس سنة 1954، وأن التحقيق أثبت سوء نيته بقصد الحصول على منفعة، ثم تخطى مرة ثانية في الترقية إلى الدرجة السابعة الفنية (144/ 204) المخصصة لموظف كمساري أولى بموجب القرار رقم 249 الصادر من مدير عام السكك الحديدية في 13 من نوفمبر سنة 1955 لتقديم تقريرين متتاليين عنه بدرجة ضعيف، ولما فوجئ بالتفتيش على عمله في يوم 4 من أكتوبر سنة 1955 ولوحظت عليه المخالفات العديدة المشار إليها في صحيفة دعواه، أجرى معه تحقيق مفصل سمعت فيه أقواله، وأعقبه تقرير رفعته إدارة أقسام الحركة في 4 من مارس سنة 1956، لخصت فيه نتيجة ما أسفر عنه هذا التحقيق من مخالفات ثبتت قبل كل من المطعون لصالحه وزميله إبراهيم حسين مصطفى وأوصت بمجازاة كل منهما بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه مع نقله إلى وظيفة كسماري بالبضائع لمدة سنة. وفي 19 من مارس سنة 1956 أرسل وكيل عموم الحركة بالقباري كتاباًً إلى السيد مفتش عام الحركة والبضائع بالقاهرة، يبلغه فيه بأنه قد استخرجت للمطعون لصالحه قسيمة جزاء رقم 9563 بخصم عشرة أيام جزاء من استحقاقه، مع تنزيله للعمل بقطارات البضاعة لمدة سنة ابتداء من 27 من أكتوبر سنة 1955، وطلب اعتماد هذا الجزاء. وفي 27 من مارس سنة 1956 أرسل السيد مفتش عام الحركة والبضائع كتاباً إلى مراقب عام المستخدمين والعمال يبلغه بأنه قد "جازينا كلاً من إبراهيم حسين مصطفى ومحمد عبد الرحمن إسماعيل (المطعون لصالحه) بخصم عشرة أيام من مرتبه لإدانته في هذا الموضوع مع تشغيلهما بالبضائع لمدة سنة، ومازلنا في انتظار اعتماد السيد المدير العام للجزاء"، وقد رد مراقب عام المستخدمين على هذا الكتاب بطلب إجراء اللازم طبقاً للقرار الوزاري رقم 357 الصادر بتاريخ 21 من مارس سنة 1956، وقد أجاب المفتش العام للحركة والبضائع على هذا الطلب بكتابه رقم 507/ 2487 المؤرخ 9 من إبريل سنة 1956 "بأن الجزاء الذي توقع على المشار إليهما أعتمد من السيد المهندس المفتش العام بموجب السلطة المخولة له بمقتضى القرار الوزاري رقم 357 الصادر في 21 من مارس سنة 1956"، ومن ذلك يتبين أن المفتش العام هو الذي أوقع الجزاء بالمطعون لصالحه في 27 من مارس سنة 1956 في حدود اختصاصه المرسوم بالقرار الوزاري آنف الذكر بناء على اقتراح وكيل عموم الحركة بالقباري، وإن سمى تصرفه اعتماداً للجزاء بمقتضى الكتاب الذي وجهه في 9 إبريل سنة 1956 إلى مراقب عام المستخدمين كما سلف الإيضاح.
ومن حيث إن المطعون لصالحه باعتباره من المستخدمين الداخلين في الهيئة الشاغلين لوظيفة دائمة (الثامنة) بمصلحة السكك الحديدية، والذين عولجت أوضاعهم في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة في بابه الأول في المواد من 1 إلى 116، يخضع للاختصاص التأديبي لمدير عام مصلحة السكك الحديدية حسبما حددته المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 آنف الذكر.
ومن حيث إنه لتبيين حدود هذا الاختصاص التأديبي المسند إلى مدير عام المصلحة المذكور، يتعين الرجوع إلى صيغة المادة 85 المشار إليها معدلة بالقانون رقم 620 لسنة 1955 المعمول به اعتباراً من 18 من ديسمبر سنة 1955، وهو آخر تعديل تشريعي تناول هذه المادة قبل صدور القرار التأديبي - وكانت هذه الصيغة على الوجه الآتي: لوكيل الوزارة أو لرئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه، توقيع عقوبتي الإنذار والخصم من المرتب عن مدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً في السنة الواحدة، بعد سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه، ويكون قراره في ذلك مسبباً...... وللوزير في الأحوال المنصوص عليها في المادة 4 من القانون رقم 480 لسنة 1954 الخاص بإنشاء النيابة الإدارية سلطة توقيع العقوبات المشار إليها في الفقرة الأولى، كما يكون له سلطة إلغاء القرار الصادر من وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة أو تعديل العقوبة المتوقعة بتشديدها أو خفضها، وذلك خلال شهر من تاريخ إصدار القرار، وله إذا ما ألغى القرار إحالة الموظف إلى مجلس التأديب خلال هذا الميعاد. أما العقوبات الأخرى فلا يجوز توقيعها إلا بقرار من مجلس التأديب، وذلك مع عدم الإخلال بحكم المادة 44....". ولقد كان إضفاء الاختصاص التأديبي على رئيس المصلحة ووكيل الوزارة كل في دائرة اختصاصه بدأ مقرراً بالمادة 85 صيغتها الأولى الواردة في القانون رقم 210 لسنة 1951، كما جاء بالقانون رقم 104 الصادر في 3 من أغسطس سنة 1949 باختصاصات مجلس إدارة السكك الحديدية والتلغرافات والتليفونات والمعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1953 مؤكداً إناطة هذا الاختصاص بمدير عام مصلحة السكك الحديدية بالنسبة للموظفين والمستخدمين الداخلين في هيئة العمال والمؤقتين، فنص في مادته الثانية على أن "يقوم المدير العام تحت إشراف وزير المواصلات بإدارة السكك الحديدية والتلغرافات والتليفونات وتصريف شئونها الاعتيادية وذلك مع مراعاة أحكام هذا القانون، وله على الأخص أن يبت ضمن حدود القوانين واللوائح في المسائل الآتية وهي: 1 - فيما يتعلق بالموظفين والمستخدمين الداخلين في هيئة العمال والمؤقتين: أ).. ب).. ج) جميع المسائل الأخرى كالعلاوات القانونية والإجازات والعقوبات وغيرهاً" - ويؤخذ من هذه النصوص أن المدير العام لمصلحة السكك الحديدية، بوصفه رئيس مصلحة له اختصاص تأديبي أصيل مستمد من القوانين - ومقيد بالحدود التي نصت عليها المادة 85 من قانون موظفي الدولة بالنسبة إلى كافة موظفي ومستخدمي مصلحة السكك الحديدية الداخلين في هيئة العمال - ومنهم المدعي، وأن من هذا شأنه لا يفتقر مطلقاً إلى أن يعهد إليه باختصاص تأديبي منوط بوكيل الوزارة، لأن اختصاص هذا الوكيل لا يعفيه في قليل أو كثير، فقد افترضت المادة 85 آنفة الذكر بالنسبة إلى ولاية التأديب المحددة التي نظمتها أن يباشرها وكيل الوزارة ورئيس المصلحة "كل في دائرة اختصاصه"، وإيقاع العقوبة التأديبية المطعون فيها لا شك داخل في اختصاص رئيس المصلحة التأديبي الأصيل.
ومن حيث إن القانون رقم 224 لسنة 1953 الصادر بإضافة حكم إلى المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 بنظام وكلاء الوزارات الدائمين نص في مادته الأولى على أن "تضاف إلى المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 المشار إليه مادة جديدة برقم 14 مكرراً بالنص الآتي:
"في الوزارات التي ليس بها وكيل وزارة دائم يجوز للوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة بهذا القانون للوكيل الدائم إلى وكلاء الوزارة أو الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح.
ويجوز للوزير أن يعهد ببعض اختصاصات رؤساء المصالح إلى رؤساء الفروع".
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه "نظراً إلى أن بعض الوزارات ليس لها وكيل وزارة دائم فإن الاتجاه الذي تسير فيه الحكومة من تفرغ الوزير للشئون العامة دون المسائل الإدارية العادية وتعميم نظام اللامركزية يقتضي أن يخول الوزير حق إنابة وكلاء الوزارة أو وكلائها المساعدين أو رؤساء المصالح في بعض اختصاصاته التي خولها القانون للوكيل الدائم. كما يخول التعديل للوزير من إنابة رؤساء الفروع عن رؤساء المصالح في بعض اختصاصاتهم، ولو كان في وزارة بها وكيل دائم" ثم جاء القانون رقم 67 لسنة 1956 المعمول به اعتباراً من 22 من فبراير سنة 1956 فنص في مادته الأولى على أن "يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة 14 من المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 المشار إليه النص الآتي: "وللوكيل الدائم أن يعهد ببعض اختصاصاته إلى وكلاء الوزارة أو وكلائها المساعدين أو رؤساء المصالح، كما يجوز له أن يعهد ببعض اختصاصات رؤساء المصالح إلى رؤساء الفروع [(1)].
ومن حيث إنه ظاهر مما تقدم أن القانون رقم 224 لسنة 1953 استحدث حكمين يتلاقيان في الحكمة التي تنتظمهما وهى التوسع في تعميم نظام اللامركزية المنشود، إذ اقتصرت هذه المادة الأخيرة على تخويل وكيل الوزارة الدائم الحق في أن يعهد ببعض اختصاصاته إلى من يجوز أن يقوم مقامه عند غيابه وهو أقدم وكلاء الوزارة أو أقدم مديري المصالح أو الإدارات على حسب الأحوال، ثم عدلت فيما بعد بالقانون رقم 542 لسنة 1953 ثم بالقانون رقم 67 لسنة 1956. فأجازت طبقاً لتعديلها بالقانون الأخير - للوكيل الدائم أن يعهد ببعض اختصاصاته إلى وكلاء الوزارة أو وكلائها المساعدين أو رؤساء المصالح، بينما ظل الأمر على حاله في الوزارات التي ليس بها وكيل وزارة دائم. فرأى المشرع أن يفوض الوزير في مثل هذه الوزارات في أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة للوكيل الدائم بمقتضى المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 إلى وكلاء الوزارة أو الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح. أما الوزارات التي بها وكيل وزارة دائم فلم تكن بحاجة إلى مثل هذا النص ما دام حق هذا الوكيل في إنابة أقدم الوكلاء أو الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح ثابتاً له بالمادة 14 من المرسوم بقانون سالف الذكر معدلة بالقانون رقم 542 لسنة 1953 ثم بالقانون رقم 67 لسنة 1956 على ما سلف البيان. وواضح من صريح النص المتقدم الوارد في الفقرة الأولى من المادة الأولى في كل من القانون رقم 224 لسنة 1953 ورقم 67 لسنة 1956، أن إنابة الوزير في هذا المقام لوكلاء الوزارة أو الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح وكذلك إنابة وكيل الوزارة الدائم لهؤلاء إنما تنصب كلتاهما على الاختصاصات التي خولها المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 لوكيل الوزارة الدائم دون سواها ومن ثم يتحدد نطاق هذه الإنابة بتلك الاختصاصات التي هي أصلاً جانب من اختصاصات الوزير فلا يجاوزها إلى اختصاصات الوزير الأخرى أو إلى اختصاصات وكيل الوزارة العادي أو رؤساء المصالح. وليس من بين اختصاصات الوكيل الدائم الواردة في المرسوم بقانون المشار إليه سلطة التأديب، لا بالنسبة إلى الموظفين المعينين على وظائف دائمة الذين نظمت قواعد تأديبهم المواد من 84 إلى 106 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ولا بالنسبة إلى المستخدمين الخارجين عن الهيئة الذين تحكم تأديبهم المادتان 128، 121 من القانون المذكور. وعلى خلاف حكم الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 224 لسنة 1953 الذي اقتصر على تناول حالة الوزارات التي ليس بها وكيل وزارة دائم وحصر الإنابة في الاختصاصات المخولة لهذا الوكيل الدائم دون سواها وعلى النقيض من حكم الفقرة الأولى في المادة الأولى من القانون رقم 67 لسنة 56 الذي قيد الإنابة بالاختصاصات المقررة للمنيب وهو وكيل الوزارة الدائم، على خلاف هذين الحكمين، جاء حكم الفقرة الثانية من المادة الأولى لكلاً القانونين رقم 224 لسنة 1953 و67 لسنة 1956 عاماً ومطلقاً في إجازة تفويض رؤساء الفروع في بعض اختصاصات رؤساء المصالح، فأباح القانون رقم 224 لسنة 1953 للوزير، كما أباح القانون رقم 67 لسنة 1956 للوكيل الدائم، إنابة رؤساء الفروع عن رؤساء المصالح في بعض اختصاصات هؤلاء الأخيرين، سواء أكانت هذه الاختصاصات مسندة إلى المذكورين من الوزير إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 224 لسنة 1953 سالف الذكر في وزارة ليس بها وكيل دائم، أو معهوداً بها إليهم من وكيل الوزارة الدائم بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 14 من المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 المعدلة بالقانون رقم 67 لسنة 1956 حيث ينتهي عندهم التفويض الذي خوله القانون للوكيل الدائم، أم كانت اختصاصات أصيلة مقررة لهم مباشرة من القانون. وتدخل في هذه الاختصاصات سلطة توقيع عقوبات تأديبية معينة في حدود النصاب الذي نص عليه القانون ومنها حق خصم الراتب عن مدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً بالنسبة إلى الموظفين الداخلين في الهيئة، وهو الحق الذي يتلقاه رئيس المصلحة مباشرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وتؤكد ثبوته لمدير عام مصلحة السكك الحديدية بالذات المادة الثانية من القانون رقم 104 لسنة 1949 معدلاً بالقانون رقم 10 لسنة 1953. وإعمالاً لهذا التعديل التشريعي المنظم للتفويض والحاصل بالقانون رقم 67 لسنة 1956, صدر قرار وكيل وزارة المواصلات الدائم رقم 357 لسنة 1956 في 21 من مارس سنة 1956 ناصاً في الفقرة (ب) من مادته الثالثة على أن يعهد إلى رؤساء الفروع المشار إليهم في صدر المادة المذكورة ومن بينهم المفتش العام للحركة والبضائع الذي وقع جزاء الخصم من مرتب المطعون لصالحه عن مدة عشرة أيام "بالسلطة المخولة لرئيس المصلحة بالمادة 85 من قانون نظام موظفي الدولة وذلك بالنسبة للموظفين لغاية الدرجة الرابعة".
ومن حيث إنه لا وجه للتحدي بامتناع تفويض رؤساء الفروع في مباشرة بعض الاختصاصات التأديبية الموكولة إلى رؤساء المصالح بحجة أن المادة 133 مكرراً من قانون موظفي الدولة لم تبح إسناد اختصاص وكيل الوزارة التأديبي فيما يتعلق بالموظفين والمستخدمين - إلى غير وكيلها المساعد دون من عداه، لا وجه لذلك لأن المادة 133 مكرراً المستحدثة بالقانون رقم 142 لسنة 1953 والتي تنص على أنه "يجوز للوزير أن يعهد لوكيل الوزارة المساعد بالاختصاصات المخولة لوكيل الوزارة طبقاً لأحكام هذا القانون" لا شأن لها بتوزيع بعض اختصاصات رئيس المصلحة الأصيلة على رؤساء الفروع من جانب الوزير أو وكيل الوزارة الدائم، ذلك أن حظر إنابة غير وكيل الوزارة المساعد في اختصاصات وكيل الوزارة، لا يحول دون تنظيم الإنابة في ممارسة اختصاص رئيس المصلحة بقواعد منسقة في تشريع خاص كالقانونين رقم 224 لسنة 1953 ورقم 67 لسنة 1956، وعندئذ يتحتم النزول على مقتضى هذه القواعد حتى لو خالفت الأحكام الواردة في قانون الموظفين العام إعمالاً للأصل المسلم من أن الخاص يقيد العام ولا عكس، ومع ذلك فليس فيما ورد في القانونين المشار إليهما ما يتعارض مع حكم المادة 133 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951، إذ أن لكل من الحكمين مجالاً يجري فيه على وجه الاستقلال وليس ثمت مانع من أن ينظم تشريع لاحق حدود هذه الإنابة تنظيماً يباح بمقتضاه للوزير أو للوكيل الدائم أن يفوض كلاهما رؤساء الفروع في بعض الاختصاصات المخولة لرؤساء المصالح، وخاصة إذا كانت هذه الاختصاصات أصيلة بمقتضى القوانين بحسبانهم سلطات تأديب. وليس يخفى أن ما عبرت به المادة 85 من قانون موظفي الدولة من سلطة وكيل الوزارة ورئيس المصلحة في إيقاع الجزاءات التأديبية الواردة فيها كل في دائرة اختصاصه، يستفاد منه أن وكيل الوزارة ورئيس المصلحة غير متداخلين في هذا الاختصاص التأديبي، فإذا امتنع إفراغ اختصاص وكيل الوزارة التأديبي على غير وكيل الوزارة المساعد وفقاً للمادة 133 مكرراً من قانون موظفي الدولة، فإن هذا الحكم لا يعدو أن يكون متفقاً مع طبائع الأشياء التي تقضي بتخصيص وكيل الوزارة أو الوكيل المساعد بدائرة من الاختصاص التأديبي يختلف عن دائرة رئيس المصلحة في هذا الشأن وإذن فليس مما يتعارض مع هذا التخصيص أن يملك كل من الوزير ووكيل الوزارة الدائم بموجب تشريع لاحق إنابة رؤساء الفروع في شطر مما نيط برؤساء المصالح من اختصاصات تأديبية هي أصيلة فيهم على كل حال وليست منحدرة إليهم من سلطات أعلى منهم بأداة التفويض. إذ لا يملك الوزير بموجب القانون رقم 224 لسنة 1953 ولا وكيل الوزارة الدائم بمقتضى القانون رقم 67 لسنة 1956 أن يعهد أيهما إلى رئيس المصلحة بغير الاختصاصات المخولة للوكيل الدائم والمحددة حصراً في المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 وليس منها سلطة التأديب لا بالنسبة إلى الموظفين المعينين على وظائف دائمة، ولا بالنسبة إلى غيرهم من المستخدمين الخارجين عن الهيئة، بل لا موجب البتة لأن يعهد إلى رئيس المصلحة ببعض اختصاصات وكيل الوزارة التأديبية، ما دام لا يهم رئيس المصلحة أن تفرغ عليه هذه الولاية بالنسبة إلى موظفين غير خاضعين في الأصل لاختصاصه الرياسي، كما أن البداهة العقلية تقضي بأن لا يناب مدير عام مصلحة السكك الحديدية - بوصفه رئيس مصلحة - فيما هو ثابت له أصلاً من ولاية التأديب على الموظفين التابعين له إذ لا حاجة به إلى مثل هذه الإنابة.
ومن حيث إنه ينبني على ما سلف إيضاحه لزوم القول بصحة القرار رقم 357 لسنة 1956 الصادر من وكيل وزارة المواصلات الدائم في 21 من مارس سنة 1956 بإنابة رؤساء الفروع - ومنهم المفتش العام للحركة والبضائع الذي أصدر القرار التأديبي مثار المنازعة - في شطر من الاختصاص التأديبي المنوط بمدير عام مصلحة السكك الحديدية بحكم القوانين وهو المتعلق بالموظفين لغاية الدرجة الرابعة ومنهم المطعون لصالحه - إعمالاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 14 من المرسوم بقانون رقم 137 لسنة 1952 معدلة بالقانون رقم 67 لسنة 1956 النافذ اعتباراً من 26 من فبراير سنة 1956. وترتيباً على ما تقدم، يكون القرار التأديبي، الذي اتخذه المفتش العام للحركة والبضائع في 27 من مارس سنة 1956 بمجازاة المطعون لصالحه بالخصم من مرتبه لمدة عشرة أيام، صادراً من مختص في حدود القوانين والقرار المنفذ لها. أما نقل المطعون لصالحه إلى عمل بقطارات البضاعة، تنحية له عن الاتصال بالجمهور فهو من الملائمات المتعلقة بصالح العمل المتروكة لتقدير الإدارة، وهو باعتباره من قرارات النقل المكاني يخرج حتماً عن ولاية القضاء الإداري.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة على هدى الأوراق أن القرار التأديبي مثار المنازعة قد استمد كيانه من أصول ثابتة في التحقيق. ذلك أن المخالفات المعزوة إلى المطعون لصالحه كانت موضوع تحقيق إداري مفصل سمعت خلاله أقواله وحقق فيه دفاعه وقد استبان منه أن للقرار المذكور أساساً من الواقع يبرر إصداره فقد اعترف المطعون لصالحه بأنه ترك عسكري الحدود نائماً بدون تذكرة سفر لأنه يخشى بأسه، كما أخبر بأنه لا يدري شيئاً من أمر التعليمات التي تحظر الزيادة في صناديق المياه الغازية المسموح لمتعهد البوفيه بنقلها في القطار، ثم أقر بأنه لم يلحظ وجود المرشد إلا ساعة أن فاجأه رجال المباحث بالتفتيش وأخيراً سجلت عليه صحيفة دعواه تسليمه بما نسب إليه من مخالفات وإن علل ذلك بأنه كان قد صرفه عن التنبيه لها صارف العمل، وهو اعتذار لا يمحوها.
ومن حيث إنه وقد ثبت من الأوراق أن القرار التأديبي لم يصدر من وكيل عموم الحركة بالقباري كما زعم المطعون لصالح بغير حق، بل صدر في 27 من مارس سنة 1956 من المفتش العام للحركة والبضائع بخصم عشرة أيام من مرتب المدعي، فإنه يكون صادراً ممن يملك إصداره قانوناً في حدود اختصاصه ومستنداً إلى أسباب مبررة له استخلصت استخلاصاً سائغاً من الأوراق، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى قد أصاب الحق في قضائه والطعن على غير أساس من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.


[(1)] الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 185 لسنة 1 ق في 3 من ديسمبر سنة 1955 المنشور بمجموعة السنة الأولى العدد الأول ص 213.