مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1177

(123)
جلسة 2 من يوليه سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل وعبد المنعم سالم مشهور وحسني جورجي المستشارين.

القضية رقم 760 لسنة 4 القضائية

( أ ) موظف - فصل الموظف بغير الطريق التأديبي - هو حق أصيل لمجلس الوزراء يستند في أساسه إلى الأوامر العالية والقوانين المتتابعة ومن بينها نص المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - لا يكون هذا الحق مشروعاً إلا إذا وقع بباعث من المصلحة العامة واستند إلى أسباب خاصة قائمة بذات الموظف.
(ب) موظف - رجال السلك السياسي - اختيارهم - يراعى فيه توافر شروط خاصة قد لا تتطلب في غيرهم من الموظفين باعتبارهم ممثلين للدولة في المحيط الدولي.
(ج) موظف - رجال السلك السياسي - فصلهم استناداً إلى تخلف أحد العناصر المتطلبة لاستمرارهم في الوظيفة - جائز.
1 - أن حق مجلس الوزراء في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هو حق أصيل يستند في أساسه إلى الأوامر العالية والقوانين المتتابعة التي تناولت النص عليه، وقد رددته المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بالنص على أن من أسباب انتهاء خدمة الموظف العزل أو الإحالة إلى المعاش بقرار تأديبي وكذلك الفصل بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء. وثبوت هذا الحق لمجلس الوزراء معناه تفرد الحكومة, وهي التي عينت الموظف، بتقدير صلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة والاستمرار في تولي عملها، بيد أن هذا الحق لا يكون مشروعاً إلا إذا وقع الفصل بباعث من المصلحة العامة واستند إلى أسباب خاصة قائمة بذات الموظف، لأن الموظفين هم عمال المرافق العامة ولزم أن يكون للحكومة الحرية في اختيار من ترى منهم الصلاحية خصوصاً لشغل مناصب السلك السياسي وفصل من تراه منهم أصبح غير صالح لذلك، وهذا من الملائمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة.
2 - ليس من شك في أنه يجب أن تتوافر في رجال السلك السياسي من الصفات ما لا يتطلب في غيرهم من موظفي الدولة وذلك باعتبارهم ممثلين للدولة في المحيط الدولي مما يوجب التدقيق في اختيارهم على الوجه الذي يؤهلهم بحق لتولي مهام وظائفهم حتى يؤدوها على خير وجه ويمثلون بلادهم أصدق تمثيل.
3 - إذا كانت التقارير السرية المقدمة في حق المدعي تبين أنه لم يحز من حيث المستوى اللائق لمثل تلك الوظيفة على الدرجة التي تؤهله للبقاء فيها، ومن ثم يكون القرار الصادر بفصله بالطريق التأديبي مع إضافة سنتين إلى مدة خدمته وصرف الفرق بين المرتب والمعاش طبقاً للمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد قام على ما يبرره وبباعث من المصلحة العامة.


إجراءات الطعن

في 24 من يوليه سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 760 لسنة 4 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 11 من يونيه سنة 1958 في الدعوى رقم 3913 لسنة 9 ق المقامة من محمد خالد غازي ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، القاضي "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من مجلس الوزراء في 20 من إبريل سنة 1955 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى الإدارة في 5، 11 من أغسطس سنة 1958 وإلى المطعون عليه في 13 منه وعين لنظر الطعن جلسة 28 من مارس سنة 1959.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام هذه الدعوى بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 27 من أغسطس سنة 1955 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في 20 من إبريل سنة 1955 بإحالته إلى المعاش مع ضم سنتين إلى مدة خدمته وصرف الفروق بين الماهية والمعاش المستحق مشاهرة خلال هاتين السنتين وإلزام المعلن إليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال المدعي بياناً لدعواه أنه تلقى كتاباً من وكيل وزارة الخارجية في 13 من يونيه سنة 1955 تخبره فيه بأن مجلس الوزراء وافق في 20 من إبريل سنة 1955 على ترقيته مستشاراً من الدرجة الثانية كما وافق في نفس الوقت على إحالته إلى المعاش وأنه تقدم إلى السيد وزير الخارجية في 18 من يونيه سنة 1955 بتظلم استعرض فيه تاريخ حياته الوظيفية، مبرزاً تقدير رؤسائه له مع الإشارة إلى إنتاجه في آخر أيامه بالوزارة إذ أضطلع بإعداد الجانب الأكبر من المسائل المدرجة بجدول أعمال مؤتمر باندونج، وأنه تلقى في 6 من يوليه سنة 1955 رد نائب وزير الخارجية برفض تظلمه. وانتهى المدعي إلى أن قرار مجلس الوزراء المطعون فيه لا يستند إلى أسباب متصلة بالصالح العام ومن ثم فهو يطعن عليه بمخالفة القانون لانعدام أسبابه المشروعة كما يطعن بإساءة استعمال السلطة لأن مبناه الواقعي هو التحكم، كما تقدم المدعي في 17 من مايو سنة 1956 بطلب احتياطي هو إلزام المدعي عليهما متضامنين بأن يدفعا إليه مبلغ عشرين ألفاً من الجنيهات تعويضاً عن القرار المشار إليه، كما تقدم المدعي في 6 من إبريل سنة 1957 بمذكرة جاء فيها أن القرار المطعون فيه مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة وآية ذلك أنه صدر في 20 من إبريل سنة 1955 ولكنه لم ينفذ إلا في 13 من يونيه سنة 1955 وإن هذا يدل على تخلف الأسباب الملحة للفصل غير التأديبي تحقيقاً للصالح العام، وإلى أن وزير الخارجية أصدر قراراً في 5 من مايو سنة 1955 بمنحه علاوة اعتيادية اعتباراً من أول مايو سنة 1955 وأن هذا يدل على تجاهل وزارة الخارجية للقرار المطعون فيه الصادر في 20 من إبريل سنة 1955 وأنه ظل يقبض هذه العلاوة ستة شهور حتى ألغتها الوزارة وأن ملف خدمته خلل مما يشينه أو يفيد إخلاله بالتزاماته أو توقيع أي جزاء عليه وأن القانونين رقمي 181 لسنة 1952، 600 لسنة 1953 لم يعرفا إليه سبيلاً.
وفي 11 من يونيه سنة 1958 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها "بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من مجلس الوزراء في 20 من إبريل سنة 1955 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة".
وأقامت قضاءها على أنه ولئن كانت المبادئ المقررة أن القرار الإداري إذا لم يشتمل على ذكر الأسباب التي استند إليها يفترض فيه أنه صدر مبنياً على سبب صحيح يبرره مستهدفاً الصالح العام، وأن هذه القرينة التي تصحب كل قرار إداري لم تذكر أسبابه تبقى قائمة، إلى أن يثبت المدعي أن القرار المطعون فيه قام على غير سبب أو أن الأسباب التي بنى عليها هذا القرار فعلاً أسباب غير صحيحة أو أنها لا تبرره أو أن القرار لم يستهدف الصالح العام، لئن كان ذلك، إلا أنه لا ريب أن للمحكمة كامل السلطان في تقدير الدليل الذي يقدمه المدعي في هذا الصدد ولها مطالبة الإدارة ببيان المبررات التي بني عليها القرار المطعون فيه، فإذا ما قدم المدعي قرائن يدلل بها على أن القرار المطعون فيه لم يبن على أسباب تجعله قائماً على أساس المصلحة العامة وأصرت الإدارة على الامتناع عن التعرض لنقض هذه القرائن، فإن للمحكمة أن تقدر اقتناع الإدارة وأن تعقب عليه بما تستنتجه من أوراق الدعوى وأنه على ضوء ما تقدم استبان للمحكمة من الإطلاع على ملف خدمة المدعي الأصلي والسري والإداري وملف زيارة الشخصيات الإندونيسية البارزة لمصر وغيرها من الأوراق والمستندات، أن المدعي يتمتع بالكفاية في عمله وأنه حسن السمعة والسلوك والمظهر، ناجح في اتصالاته السياسية والاجتماعية وأنه صالح لوظيفة تبعاً لذلك، ولم تقم المحكمة وزناً لما احتواه ملف خدمته السري من خطاب يجرحه هو والسيدة حرمه وتقرير سري سنوي مقدم عنه من لجنة شئون الموظفين في أول فبراير سنة 1954 يتضمن تقدير كفايته بدرجة ضعيف وعللت اطراح خطاب التجريح بأنه وليد ضغينة يحملها له الوزير المفوض في جاكرتا وقتذاك وهو السيد/ محمود بدري الشيتي وأن التقرير السري وضع دون الرجوع إلى الرئيس المباشر.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ومركز الموظف في ظلها مركز قانوني عام يجوز للحكومة تغييره في أي وقت، وذلك أن تعيين الموظف أياً كانت أداته لا يخلق الوظيفة ولن يرتب له عليها حقاً يقابل في مجال القانون الخاص حق الملكية بل الوظيفة العامة تكليف للقائم بها، وهذا التكليف يقتضي أن يكون الموظف قادراً على حمل أعبائه ضماناً لحسن سير الإدارة الحكومية، فبقاؤه في الوظيفة رهين بهذا المناط وهو استمرار صلاحيته للنهوض بأعبائها، وهو أمر يخضع أساساً لتقدير الحكومة القوامة على تسيير المرافق العامة فتفصل من تراه أصبح غير صالح دون احتجاج منه فإن له أصل حق في البقاء في الوظيفة، ولذا فقد نصت المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 على أن تنتهي خدمة الموظف لأحد الأسباب الموضحة بها ومنها الفصل بأمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء - فالحكم يسلم بأن هذا الحق الأصيل إذ تمارسه الحكومة إنما تمارسه تحقيقاً للصالح العام إذ لا توجد بينها وبين الموظف من الخصومة ما يحملها على تنحيته وإقصائه أضراراً به، ومن ثم كان المفروض أن القرارات الإدارية غير المسببة بما فيها قرار العزل، صحيحة متوخية أهداف القانون ويقع على عاتق إلغاء أي منها إقامة الدليل القاطع على أنها صدرت بدافع من الغرض والهوى وفي إثبات هذا الدافع لا يكفي القول بأن ملف المدعي برئ مما يشينه في كفايته أو سمعته، وقد تناول الحكم ما جاء في ملف المدعي السري من تلقي السفارة خطاباً يجرح المدعي ومن وجود تقرير سري بدرجة ضعيف مما يعزز ما تجمع لدى الإدارة من مصادرها الخاصة وأدى إلى صدور القرار المطعون فيه. ثم أشار الطعن إلى الحكم الصادر من هذه المحكمة في الطعن رقم 59 لسنة 4 القضائية بجلسة 12 من يوليه سنة 1958 وأنه ما دام المدعي لم يقدم دليلاً مقنعاً على أن القرار المطعون فيه لم يستهدف الصالح العام وأنه كان متسماً بالانحراف والهوى فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعكس ذلك يكون قد خالف القانون ويتعين الطعن فيه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن حق مجلس الوزراء في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هو حق أصيل يستند في أساسه إلى الأوامر العالية والقوانين المتتابعة التي تناولت النص عليه، وقد رددته المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بالنص على أن من أسباب انتهاء خدمة الموظف العزل أو الإحالة إلى المعاش بقرار تأديبي وكذلك الفصل بمرسوم أو أمر جمهوري أو بقرار خاص من مجلس الوزراء. وثبوت هذا الحق لمجلس الوزراء معناه تفرد الحكومة، وهي التي عينت الموظف، بتقدير صلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة والاستمرار في تولي عملها، بيد أن هذا الحق لا يكون مشروعاً إلا إذا وقع الفصل بباعث من المصلحة العامة واستند إلى أسباب خاصة قائمة بذات الموظف، ذلك أن الموظفين هم عمال المرافق العامة ولزم أن يكون للحكومة الحرية في اختيار من ترى منهم الصلاحية خصوصاً لشغل مناصب السلك السياسي وفصل من تراه منهم أصبح غير صالح لذلك، وهذا من الملائمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها، ما دام قرارها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن رجال السلك الدبلوماسي يجب أن تتوافر فيهم من الصفات ما لا يتطلب في غيرهم من موظفي الدولة وذلك باعتبارهم ممثلين لها في المحيط الدولي مما يوجب التدقيق في اختيارهم على الوجه الذي يؤهلهم بحق لتولي مهام وظائفهم حتى يؤدوها على خير وجه ويمثلون بلادهم أصدق تمثيل. ويبين من الأوراق وبخاصة من التقارير السرية المقدمة في حق المدعي أنه لم يجز من حيث المستوي اللائق لمثل تلك الوظيفة على الدرجة التي تؤهله للبقاء فيها، ومن ثم يكون القرار الصادر بفصله بغير الطريق التأديبي مع إضافة سنتين إلى مدة خدمته وصرف الفرق من المرتب والمعاش طبقاً للمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد قام على ما يبرره وبباعث من المصلحة العامة، ويكون الحكم المطعون فيه والحالة هذه قد جاء مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.