مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1189

(125)
جلسة 2 من يوليه سنة 1960

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة سيد إبراهيم الديواني وعادل شعبان وعلي بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

القضية رقم 482 لسنة 5 القضائية

( أ ) موظف - التقرير السري السنوي - نقل الموظف إلى جهة غير التي قضى فيها الجزء الغالب من السنة - لا يحول دون وضع هذه الجهة التقرير السري السنوي عنه - أساس ذلك - مثال.
(ب) موظف - التقرير السري السنوي - التدرج المنصوص عليه في المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في وضع التقرير السري السنوي - لا محل لإعماله في التقرير عن سكرتير خاص لوكيل وزارة مساعد - وكيل الوزارة المساعد يجمع في هذه الحالة بين صفة الرئيس المباشر والمدير المحلي ورئيس المصلحة - مثال.
1 - لا اعتداد بما ذهب إليه الحكمان المطعون فيهما من أنه لم يكن لمصلحة الضرائب التي نقل إليها المطعون عليه الأول أن تضع التقرير السنوي لإعماله في سنة 1953 لأنه لم يكن ضمن موظفيها في هذه السنة حتى تلمس كفايته عن قرب، ويكون التقرير بعيداً عن الهوى والرغبة الملحة في ترقيته، لا اعتداد بذلك لأن الأصل أن رؤساء الموظف سواء في الجهة التي قضى فيها الجزء الغالب من السنة أو الجهة المنقول إليها لا يعتمدون في تكوين عقيدتهم عن كفاية الموظف على مجرد المعلومات الشخصية فقط، بل يعتمدون أيضاً على ما هو ثابت في الأوراق، وقد ثبت للمصلحة كفاية المطعون عليه الأول في عمله بها منذ نقله إليها من هيئة البريد في 13 من ديسمبر سنة 1953، وقامت ترقيته بالاختيار على أساس هذه الكفاية، ومن ثم فليس من المستساغ القول بضرورة أن تستند هذه الترقية التي تمت في مصلحة الضرائب في نوفمبر سنة 1954 على التقرير السنوي لإعماله في سنة 1953، التي كان في أثنائها موظفاً في هيئة البريد.
2 - إذا كان الثابت من الأوراق أن المطعون عليه كان يعمل سكرتيراً خاصاً للسيد وكيل وزارة التجارة المساعد لشئون الشركات، كما أوضحت مصلحة الضرائب بكتابها المؤرخ 25 من فبراير سنة 1959 أنه كان يعمل رئيساً لمكتب السيد وكيل الوزارة المذكورة، وبهذه المثابة يكون سيادته هو المختص بعمل التقرير السري عنه، وقد قام بذلك فعلاً بصفته الرئيس المباشر والمدير المحلي ورئيس المصلحة، لأنه كان سكرتيراً خاصاً له ورئيساً لمكتبه كما سلف إيضاحه، ولذلك فلا وجه لما تطلبه الحكم المطعون فيه من ضرورة استيفاء التدرج الذي نصت عليه المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة، وقد كان هذا النص قبل تعديله بالقانون رقم 73 لسنة 1957 كما يأتي: "يقدم التقرير السنوي السري عن الموظف من رئيسه المباشر، ثم يعرض على المدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما، ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتسجيل التقدير، إذا لم تؤثر الملاحظات في الدرجة العامة لتقدير الكفاية، وإلا فيكون للجنة تقدير الكفاية التي يستحقها الموظف، ويكون تقديرها نهائياً".


إجراءات الطعن

في يوم 12 من مارس سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضتي الطعن في الحكمين الصادرين من المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة، بجلسة 12 من يناير سنة 1959 في القضية رقم 451، والقضية رقم 480 لسنة 2 ق، والقاضيين "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر في 13 من نوفمبر سنة 1954 بإجراء ترقيات إلى الدرجة الخامسة الكتابية بالاختيار، فيما تضمنه من تخطي المدعيين في الترقية إلى هذه الدرجة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب الواردة في عريضة طعنه الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفض الدعوى مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات"، وقد أعلن الطعن للحكومة في الدعوى الأولى في 31 من مارس سنة 1959، وللمدعي في 28 منه، وأعلن الطعن في الدعوى الثانية للحكومة في 7 من يونيه سنة 1959 وللمدعي في 23 منه، وعين لنظر الأول جلسة 24 من أكتوبر سنة 1959 أمام هيئة فحص الطعون، وأحيل للمرافعة لجلسة 23 من يناير سنة 1960 وتأجل لجلسة 5 من مارس سنة 1960، وعين لنظر الثاني جلسة 14 من فبراير سنة 1960 أمام هيئة فحص الطعون وأحيل للمرافعة لجلسة 5 من مارس سنة 1960، وفي هذه الجلسة قررت المحكمة ضم الطعنين لبعضهما ليصدر حكم واحد فيهما، وتأجلت لجلسة 26 من مارس سنة 1960 ثم لجلسة 21 من مايو سنة 1960 للسبب المبين بالمحضر بعد أن سمعت ما رأت سماعه من إيضاحات، وأرجئ إصدار الحكم لجلسة 18 من يونيه سنة 1960، ورخصت في تقديم مذكرات في أسبوعين، ثم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي الأول أقام الدعوى رقم 451 لسنة 2 القضائية، بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 2 من يوليه سنة 1955 يطلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر في 31 من نوفمبر سنة 1954 بإجراء ترقيات إلى الدرجة الخامسة الكتابية فيما، تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى هذه الدرجة في نسبة الاختيار مع إلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال شرحاً لدعواه أنه التحق بخدمة وزارة الزراعة في وظيفة كتابية من الدرجة الثامنة اعتباراً من 4 سبتمبر سنة 1933، وكان حاصلاً على شهادة الدراسة الثانوية قسم ثان في دور مايو سنة 1933، وفي سنة 1936 تولى وظيفة السكرتير الإداري لفرع أبحاث قصب السكر. وفي سنة 1943 عين كاتباً أول لقسم التجارب الزراعية. وفي سنة 1945 رقي إلى الدرجة السابعة، وفي سنة 1950 عين رئيساً لإدارة السكرتارية بمصلحة الزراعة، وفي 31 من يناير سنة 1951 وقع عليه الاختيار لأن ينقل إلى مصلحة الضرائب بدرجته، وأسندت إليه وظيفة رئيس قسم الملفات بإدارة المحفوظات بالمصلحة. ورقي إلى الدرجة السادسة الكتابية بالأقدمية المطلقة في إبريل سنة 1951، وفي سبتمبر سنة 1951 عمل بوظيفة رئيس المخازن. وفي 8 من أكتوبر سنة 1953 ندب للقيام بالأعمال الإدارية في مؤسسة مديرية التحرير. ثم استندت إليه رئاسة قسمي المستخدمين والمخازن بتاريخ 7 من ديسمبر سنة 1953، وقد علم أن الوزارة أجرت في شهر نوفمبر سنة 1954 حركة ترقيات من الدرجة السادسة الكتابية إلى الدرجة الخامسة الكتابية، تناولت ثلاثين موظفاً، ثمانية وعشرون منهم بالأقدمية المطلقة، والاثنان الباقيان بالاختيار، ويلاحظ أن الوزارة لم تراع النسبة المخصصة للاختيار وهى 25%، كما أن استعمالها للاختيار لم يكن بريئاً من الغرض، لأن الموظفين اللذين أصابهما الاختيار كانت الترقية بالأقدمية ممتنعة عليهما، حيث كانا منقولين حديثاً إلى المصلحة أحدهما من مصلح البريد والآخر من وزارة التجارة والصناعة، ولم يكن جائزاً ترقيتهما في نسبة الأقدمية المطلقة قبل أن يمضي على نقل كل منهما سنة طبقاً لحكم المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وإذا كانت النية مبيتة على ترقيتهما، فقد رقيا بالاختيار في ظروف تنبئ عن سوء استعمال السلطة. فتقدم بتظلم للسيد وزير المالية في 24 من مارس سنة 1955، وإلى السيد المدير العام لمصلحة الضرائب في 29 من مارس سنة 1955، وعندما صدر القانون رقم 165 لسنة 1955 ورسم للمتظلم إجراءات معينة حددها قرار مجلس الوزراء المؤرخ 6 من إبريل سنة 1955، فتقدم بتظلم في 18 من مايو سنة 1955، وطعن على ترقية السيدين مبارك محمد علي حجير المنقول من مصلحة البريد في 14 من ديسمبر سنة 1953، وسعيد عثمان صالح المنقول من وزارة التجارة والصناعة في 7 من يوليه سنة 1954، فتلقى من مكتب السيد وزير المالية في 7 من يوليه سنة 1955 رداً على التظلم الأول، ولكنه لم يتلق رداً على التظلم الثاني، ويستطرد المدعي بأن استعمال الوزارة لحقها في الاختيار بترقية المذكورين قد وقع مشوباً بعيب الانحراف وسوء استعمال السلطة، فعندما اتجهت رغبة وزارة المالية إلى ترقية السيد مبارك محمد علي حجير بالأقدمية بعثت إلى مصلحة البريد بخطاب بتاريخ 28 من إبريل سنة 1954 طلبت فيه التقرير السري عن أعماله في سنة 1953، فأرسلت إليها مصلحة البريد التقرير المذكور، فإذا به يقدر كفايته بدرجة 84% فرأت الوزارة أن تضرب صفحاً عنه، وتضع لسيادته تقريراً في يوليو سنة 1954، خلافاً للمادة 30 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وكان طبيعياً أن تقدر أعماله بمائة درجة حتى تكون مسوغة لترقيته بالاختيار، لأنه يمت بصلة القرابة إلى بعض ذوي النفوذ في مصلحة الضرائب، ولذلك نقل إلى مصلحة الضرائب ليتمكن من الحصول على أجازة الليسانس، وقد حصل عليها ثم رقي إلى الدرجة الخامسة الكتابية، ثم حولت درجته إلى الكادر الفني، كما رقي السيد سعيد عثمان صالح، ولم يكن قد مضى على نقله إلى مصلحة الضرائب سوى أربعة شهور، ولم يكن قد زاول من الأعمال الإدارية إلا عمل سكرتير لأحد كبار الموظفين السابقين بمصلحة الضرائب فيكون قرار الترقية الصادر في 13 من نوفمبر سنة 1954 قد وقع مخالفاً للقانون مشوباً بعيب الانحراف وسوء استعمال السلطة فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة في نسبة الاختيار.
وأقام المدعي الثاني الدعوى رقم 480 لسنة 2 ق بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 19 من سبتمبر سنة 1955 يطلب الحكم "أصلياً بإلغاء القرارين الصادرين في 13 من نوفمبر سنة 1954 و29 من مارس سنة 1955 فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة الكتابية المخصصة لوظيفته وهي وكيل إدارة السكرتارية والمخازن. واحتياطياً: إلغاء القرار الصادر في 31 من نوفمبر سنة 1954 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى إحدى الدرجات الخامسة المرقى إليها على أساس الاختيار مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقال شرحاً لدعواه أنه حاصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية قسم ثان سنة 1932 وعين في 25 من ديسمبر سنة 1932 بمصلحة المساحة في الدرجة الثامنة، ثم نقل إلى مصلحة الضرائب في أول فبراير سنة 1947 ورقي إلى الدرجة السابعة تنسيقاً اعتباراً من أول مايو سنة 1946، ثم إلى الدرجة السادسة بالاختيار للكفاية اعتباراً من 8 من يوليه سنة 1950 ونظراً لما بذله من مجهود عين وكيلاً لإدارة السكرتارية والمخازن اعتباراً من 5 من إبريل سنة 1951، وهي وظيفة مخصص لها في ميزانية المصلحة الدرجة الخامسة الكتابية، وقد حصل على ليسانس الحقوق سنة 1954 وبتاريخ 13 من نوفمبر سنة 1954 صدر قرار وزاري تضمن ترقية بعض موظفي المصلحة للدرجة الخامسة الكتابية، وأغفلت مركزه القانوني. فالمادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 تقضي بمنح الدرجة المخصصة للوظيفة لمن يقوم بعملها فعلاً. وتكون المصلحة قد شغلت الدرجة المخصصة لوظيفته بموظف آخر لم يتعلق حقه بهذه الدرجة بمقتضى القانون، وهذا يتعارض مع أحكام قانون ربط الميزانية وقانون التوظف، وقال فيما يتعلق بالطلب الاحتياطي بما لا يخرج عما قاله المدعي الأول.
وبجلسة 12 من يناير سنة 1959 صدر الحكمان المطعون فيهما، قاضيين "برفض الدفع بعدم قبول الدعوي شكلاً وبقبولها، وفى الموضوع بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 31 من نوفمبر سنة 1954 بإجراء ترقيات إلى الدرجة الخامسة الكتابية بالاختيار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى هذه الدرجة مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة المصروفات".
وقد أقام الحكمان المطعون فيهما قضاءهما على أنه لا خلاف في أن ترقية المطعون عليهما السيدين محمد مبارك علي حجير وسعيد عثمان صالح قد تمت بالاختيار للكفاية، وأن ترتيبهما في كشف الأقدمية قبل المطعون فيه كان الثاني والثالث على التوالي، وأن الأول معين بتاريخ 28 من أكتوبر سنة 1947 في الدرجة السادسة ونقل من هيئة البريد بتاريخ 13 من يونيه سنة 1953، والثاني عين بتاريخ 21 من مايو سنة 1939 وحصل على الدرجة السادسة في 9 من نوفمبر سنة 1947، ونقل من وزارة التجارة في 7 من يوليه سنة 1954، ولما كان القانون رقم 210 لسنة 1951 قد وضع معايير للترقية بالاختيار فالتقارير السنوية تضبط كفاية الموظف بالأرقام الحسابية، وهي تعرض على الرؤساء حتى يستقر بها المطاف إلى لجنة شئون الموظفين وبالتالي، فإن جهة الإدارة تلتزم بمراعاة الضوابط والتزام حدودها.
ولما كانت المادة 15 من المرسوم الصادر باللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 تنص على أنه "إذا كان الموظف مندوباً للقيام بعمل وظيفة أخرى لمدة لا تزيد على ستة أشهر في الوزارة أو المصلحة ذاتها أو في وزارة أو مصلحة أخرى، أعد رئيسه المباشر في الوظيفة المندوب للقيام بعملها مذكرة بملاحظاته عنه في مدة ندبه ويرسلها للرئيس المباشر للموظف في وظيفته الأصلية ليعتمد عليها في إعداد تقريرها السنوي عنه، فإذا زادت مدة الندب على ستة أشهر أعد الرئيس المباشر في الوظيفة المندوب للقيام بعملها التقرير السنوي، والذي يرسل إلى الجهة المندوب منها الموظف، لا رفاقه بملف خدمته، وذلك بالاسترشاد بمذكرة يعدها الرئيس الأصلي عن المدة المكملة للسنة"، وأنه ولئن كان هذا النص قد ورد في شأن الانتداب، إلا أن حكمه واجب الإتباع في حالة النقل لإتحاد الحكمة في الحالتين، وهى أن يكون التقرير السنوي مرآة صادقة لأعمال الموظف وكفاءته خلال السنة، وأن يشترك في تقدير هذه الكفاية كل من الجهات التي عمل بها.
وبالاطلاع على محضر لجنة شئون الموظفين بمصلحة الضرائب بتاريخ 10 من نوفمبر سنة 1954 و11 من نوفمبر سنة 1954 يبين أن اللجنة وافقت على ترقية محمد مبارك علي حجير وسعيد عثمان صالح بالاختيار إلى الدرجة الخامسة الكتابية. وذلك نظراً لعدم استكمالها فترة السنة المنصوص عنها في المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وقد صدر القرار الوزاري بتاريخ 31 من نوفمبر سنة 1954 بالموافقة على ما قررته اللجنة، ولما كان الأول منقولاً من هيئة البريد بتاريخ 13 من ديسمبر سنة 1953، فلم يكن لمصلحة الضرائب أن تضع التقرير السنوي عن أعماله لسنة 1953، لأنه لم يكن في هذه الفترة من بين موظفيها حتى تلمس كفايته عن قرب، ويكون التقرير بعيداً عن الهوى وعن الرغبة الملحة في الترقية حسبما ظهر من محضر لجنة شئون الموظفين المشار إليه، وأما عن التقرير السري المطعون عليه الثاني، فإنه بالإطلاع على أصل التقرير السري يبين أنه لم يعرض على المدير المحلي ولا على رئيس المصلحة، وقد أشر عليه بأنه عرض على لجنة شئون الموظفين بجلسة 21 من سبتمبر سنة 1954، وسجلت درجة الكفاية بالمخالفة لنص المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 579 لسنة 1953، والتي أوجبت عرض التقرير السري على المدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما ثم عرضها على لجنة شئون الموظفين لتسجيل التقدير. ولما كان التقريران السريان قد اتسما على هذا النحو بالبطلان، وكما أنه ليس هناك أي مطعن على كفاية المدعيين، فإن القرار المطعون فيه إذ تخطاهما في الترقية إلى الدرجة الخامسة بالاختيار يكون قد لحق به سبب من أسباب الإلغاء، كما أنه فيما يختص بالمدعي الثاني فضلاً عما تقدم قد جاء بميزانية الدولة عن عام 1954/ 1955 لمصلحة الضرائب - الأقسام العامة (الوظائف الكتابية) 17 درجة خامسة لرؤساء ووكلاء إدارات ومفتشون إداريون وموظفون و56 درجة سادسة ومبين أمامها "موظفون" وقد بينت مصلح الضرائب بالحافظة المودعة بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1958 أن وظائف وكلاء الإدارات بها ثلاث درجات أمام الدرجة الخامسة الكتابية اعتباراً من ميزانية 1951/ 1952 حتى 1957/ 1958، وأن المدعي يشغل وظيفة وكيل إدارة السكرتارية والمخازن بموجب قرار السيد المدير العام للمصلحة بتاريخ 7 من إبريل سنة 1951 وقد رأت لجنة شئون الموظفين بجلستها المنعقدة بتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1953 - بناء على الطلب المقدم من المدعي بالتماس حجز درجة خامسة لحين تمضية المدة القانونية لجواز الترقية في 8 من يوليه سنة 1954 - النظر في أمر حجز درجة له عند خلو أول درجة خامسة مخصصة مستقبلاً لعدم استحقاقه الترقية الآن.... وهذا يثبت أن المصلحة قد وقع اختيارها على المدعي لشغل وظيفة وكيل إدارة السكرتارية والمخازن، وقام بأعبائها منذ 7 من إبريل سنة 1951 إلى الآن، وأثبتت صلاحيته لشغلها، فكان عليها - بعد أن استوفى شروط الترقية إلى الدرجة الخامسة التي أدرجت عليها وظيفته، خاصة وأنه ليس بالميزانية وظائف وكلاء إدارات بالدرجة السادسة - أن تقوم بترقيته إلى هذه الدرجة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الواردة به.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون عليه الأول - محمد مبارك علي حجير - نقل إلى مصلحة الضرائب من هيئة البريد في 13 من ديسمبر سنة 1953، وأن المطعون عليه الثاني - سعيد عثمان صالح نقل إلى مصلحة الضرائب من وزارة التجارة في 7 من يوليه سنة 1954، وكان ترتيبهما في كشف أقدمية الدرجة السادسة الكتابية بالمصلحة المذكورة الثاني والثالث على التوالي - وفي شهر نوفمبر سنة 1954 أجرت المصلحة حركة ترقيات إلى الدرجة الخامسة الكتابية لشغل 17 درجة خالية فرشحت المصلحة المطعون عليهما للترقية إلى الدرجة الخامسة بالاختيار وذلك نظراً لعدم مضي سنة كاملة عليهما بالمصلحة المذكورة بعد نقلهما إليها، وقد اعتمدت لجنة شئون الموظفين بالمصلحة بالنسبة للمطعون عليه الأول على تقديرها لعمله بها منذ نقله إليها في ديسمبر سنة 1953 وقد قدرته بمائة في المائة، ولم ترجع إلى التقرير السنوي لعمله في هيئة البريد خلال عام 1953، لأن هذا التقرير فقد بعد إرساله من هيئة البريد إلى المصلحة. ولم يكن هناك صورة أخرى يمكن الرجوع إليها، واستندت بالنسبة إلى المطعون عليه الثاني على تقريره بوزارة التجارة الصادر من السيد محيى الدين عابدين وكيل الوزارة المساعد وقتئذ، وقد قدره بمائة في المائة، وكان يعمل سكرتيراً خاصاً لسيادته.
ومن حيث إنه لا اعتداد بما ذهب إليه الحكمان المطعون فيهما من أنه لم يكن لمصلحة الضرائب التي نقل إليها المطعون عليه الأول. أن تضع التقرير السنوي لأعماله في سنة 1953 لأنه لم يكن ضمن موظفيها في هذه السنة حتى تلمس كفايته عن قرب ويكون التقرير بعيداً عن الهوى والرغبة الملحة في ترقيته، لا اعتداد بذلك، لأن الأصل أن رؤساء الموظف سواء في الجهة التي قضى فيها الجزء الغالب من السنة أو الجهة المنقول إليها لا يعتمدون في تكوين عقيدتيهم عن كفاية الموظف على مجرد المعلومات الشخصية فقط بل يعتمدون أيضاً على ما هو ثابت في الأوراق، وقد ثبت للمصلحة كفاية المطعون عليه الأول في عمله بها منذ نقله إليها من هيئة البريد في 13 من ديسمبر سنة 1953 وقامت ترقيته بالاختيار على أساس هذه الكفاية، ومن ثم فليس من المستساغ القول بضرورة أن تستند هذه الترقية التي تمت في مصلحة الضرائب في نوفمبر سنة 1954 على التقرير السنوي لإعماله في سنة 1953 التي كان في أثنائها موظفاً في هيئة البريد، وأما عن التقرير السنوي للمطعون عليه الثاني، فإن الثابت من الأوراق أنه كان يعمل سكرتيراً خاصاً للسيد وكيل وزارة التجارة المساعد لشئون الشركات كما أوضحت مصلحة الضرائب بكتابها المؤرخ 25 من فبراير سنة 1959 أنه كان يعمل رئيساً لمكتب السيد وكيل الوزارة المذكور وبهذه المثابة يكون سيادته هو المختص بعمل التقرير السري عنه وقد قام بذلك فعلاً بصفته الرئيس المباشر والمدير المحلي ورئيس المصلحة لأنه كان سكرتيراً خاصاً له ورئيساً لمكتبه كما سلف إيضاحه، ولذلك فلا وجه لما تطلبه الحكم المطعون فيه من ضرورة استيفاء التدرج الذي نصت عليه المادة 31 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة وقد كان هذا النص قبل تعديله بالقانون رقم 73 لسنة 1957 كما يأتي: "يقدم التقرير السنوي السري عن الموظف من رئيسه المباشر ثم يعرض على المدير المحلي للإدارة فرئيس المصلحة لإبداء ملاحظاتهما ثم يعرض بعد ذلك على لجنة شئون الموظفين لتسجيل التقدير إذا لم تؤثر الملاحظات في الدرجة العامة لتقدير الكفاية وإلا فيكون للجنة تقدير الكفاية التي يستحقها الموظف ويكون تقديرها نهائياً". وقد اعتمدت اللجنة فعلاً تقدير السيد وكيل الوزارة المساعد للكفاية، وهو 100% كما قدرت المطعون عليه الأول بمائة في المائة، وهذا التقدير نهائي كما تقدم.
ومن حيث إنه فيما يختص بما انتهى إليه الحكم المطعون فيه الصادر في الدعوى رقم 480 لسنة 5 القضائية المرفوعة من المدعي الثاني، من أن شغله لوظيفة وكيل إدارة السكرتيرية والمخازن اعتباراً من إبريل سنة 1951 يجعل أمره محلاً لإعمال حكم المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة لأن هذه الوظيفة مقرر لها الدرجة الخامسة فإن قضاء هذه المحكمة [(1)] قد أستقر على أن تحديد ميزانية الدولة للوظائف المختلفة وتعيين درجاتها وتوزيعها في كل وزارة أو مصلحة إنما يقوم على أساس من المصلحة العامة وفقاً لاحتياجات المرافق وكفالة لانتظام سيرها على الوجه الأمثل، غير أنه يبين من النظرة الفاحصة للميزانية أن من الوظائف ما هو متميز بطبيعته بما يقتضي - بحسب تخصيص الميزانية له - تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة بحيث لا يقوم أفراد المرشحين بحسب دورهم في الأقدمية بعضهم مقام البعض الآخر في هذا الشأن ومنها ما ليس متميزاً بطبيعته بهذا التمييز الخاص مما لا مندوحة معه من مراعاة هذا الفارق الطبيعي عند إجراء الترقية حتى بالنسبة لما يجب أن يتم منها بالأقدمية بالتطبيق للمواد 38 و39 و40 من قانون نظام موظفي الدولة، ذلك أن إعمال الأقدمية في الترقية على إطلاقه لا يكون بداية إلا في النوع الثاني من الوظائف، أما بالنسبة للنوع الأول فلا يمكن إعمال الأقدمية على إطلاقها وإلا كان ذلك متعارضاً مع وجهة المصلحة العامة الذي قصدت إليه الميزانية من وراء هذا التخصيص، بل تجد الأقدمية حدها الطبيعي في إعمال أثرها بين المرشحين الذين يتوافر فيهم التأهيل الخاص والصلاحية المعينة اللذان يتطلبهما تخصيص الميزانية للوظائف فلا يرقى مثلاً مهندس حيث تتطلب الوظيفة قانونياً أو يرقى كيمائي حيث تتطلب الوظيفة مهندساً أو مجرد مهندس حيث تتطلب تخصيصاً في فرع معين من الهندسة وهكذا ولو انتظمتهم جميعاً أقدمية مشتركة في وحدة إدارية قائمة بذاتها في خصوص الترقية، وكل ذلك مرده إلى طبائع الأشياء لتحقيق الغرض الذي استهدفته الميزانية من تمييز الوظائف هذا التمييز الخاص.
ومن حيث إنه يبين من الإطلاع على ميزانية الدولة لعام 1954/ 1955 لمصلحة الضرائب - الأقسام العامة (الوظائف الكتابية) أنها تضمنت 17 درجة خامسة لرؤساء ووكلا إدارات ومفتشين إداريين وموظفين - ولم ترد وظائف وكلاء بالدرجة السادسة - وقد أوضحت مصلحة الضرائب في 27 من ديسمبر سنة 1958 أن وظائف وكلاء الإدارات بها عددها ثلاث أدرجت أمام الدرجة الخامسة الكتابية اعتباراً من ميزانية 1951/ 1952.
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن وظيفة وكيل إدارة ليست من الوظائف المتميزة بطبيعتها التي تتطلب فيمن يشغلها تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة بحيث لا يقوم أفراد المرشحين بحسب دورهم في الأقدمية بعضهم مقام البعض الآخر في هذا الشأن، ومن ثم فلا تثريب على جهة الإدارة عند إجرائها الترقية إلى الدرجة الخامسة الكتابية أن ترقى إليها من يسبق المدعي في ترتيب أقدمية الدرجة السادسة الكتابة أو من يقوم عليه الاختيار لكفايته للترقية إلى الدرجة المذكورة في النسب وبالشروط المبينة في المادتين 39، 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة وقد بان من الأوراق أن ترتيب المطعون عليهما في كشف أقدمية الدرجة السادسة الثاني والثالث على التوالي، وأن تقديرهما السنوي 100% وقد رقيا بالاختيار للكفاية لعدم قضائهما سنة في مصلحة الضرائب بعد نقلهما إليها، في حين أن ترتيب أقدمية المدعي الثاني هو الخامس والسبعون ويسبقه في ترتيب الأقدمية كل من السيدين محمد كامل فراج وترتيبه 52، ومحمد عز الدين سالم الملا - وترتيبه 69، وقد حصلا على تقدير 100% كما أن ترتيب أقدمية المدعي الأول هو الحادي عشر بعد المائة ويسبقه في ذلك فضلاً عن السادة المتقدم ذكرهم، السيد عبد المنعم عبد اللطيف طلبة وتقديره 100% كذلك. وقد رقي هؤلاء جميعاً - بما في ذلك المدعيان - إلى الدرجة الخامسة الكتابية بعد ذلك في تواريخ مختلفة ثم نقل السيد الملا إلى وزارة الخزانة المركزية وتوفى السيد محمد كامل فرج في سنة 1960 إلى رحمة الله.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرار الصادر في 13 من نوفمبر سنة 1954 بإجراء ترقيات إلى الدرجة الخامسة الكتابية بالاختيار فيما تضمنه من تخطي المدعيين في الترقية إلى هذه الدرجة مع ما يترتب على ذلك من آثار، ويكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين إلغاؤه والقضاء برفض الدعويين وإلزام كل مدع بمصروفات دعواه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى موضوعهما بإلغاء الحكمين المطعون فيهما وبرفض الدعويين وبإلزام كل من المدعيين بمصروفات دعواه.


[(1)] الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 968 لسنة 2 ق في 30 من يونيه سنة 1956 المنشور بمجموعة السنة الأولى - العدد الثالث - ص 989.