أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 795

جلسة 2 من أكتوبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ومحمد محمد وهبه، وأحمد علي موسى، وأحمد طاهر خليل.

(166)
الطعن رقم 515 لسنة 47 القضائية

إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة.
كفاية الشك في صحة إسناد التهمة إلى المتهم. سنداً للبراءة. متى أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيرة.
الأصل عدم جواز مطالبة المحكمة بالأخذ بدليل دون آخر.
عدم التزام المحكمة عند القضاء بالبراءة. بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت. متى كانت قد ادخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات. مثال.
لما كان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل دون آخر، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد واقعة الدعوى على ما يبين من مدوناته على نحو يبين منه أن المحكمة محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام بما في ذلك الدليل المستمد من اعتراف المتهمة ثم أفصحت من بعد – عن عدم اطمئنانها إلى أدلة الثبوت للأسباب السائغة التي أوردتها والتي تكفي لحمل النتيجة التي خلصت إليها لما كان ذلك، فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه من سكوته عن مناقشة اعتراف المتهمة لا يكون له محل ولما هو مقرر كذلك من أن محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام أنها قد داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهمة، لما كان ما تقدم وكان الواضح من الحكم المطعون فيه أن المحكمة قضت ببراءة المطعون ضدها لأنها لم تطمئن إلى أن المادة المضبوطة مع المتهمة هي التي أجرى تحليلها وإلى تشككها في الدليل المستمد من تحليل المضبوطات ولم تقم قضاءها على بطلان إجراء التحريز لعدم قيام النيابة به كما جاء بوجه الطعن فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الوجه لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدها بأنها أحرزت جوهر مخدراً (حشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمتها بالمواد 1/ 1 و2 و7/ 1 و34/ أ و36 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 12 من الجدول المرفق، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمة ومصادرة الجوهر المخدر المضبوط. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدها من جريمة إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار استناداً إلى احتمال تغيير بالمادة المضبوطة والعبث بها لعدم قيام وكيل النيابة بتحريزها بنفسه وأنه عهد بذلك إلى الضابط الذي ظل محتفظاً بها إلى اليوم التالي قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم لم يعرض للدليل المستمد من اعتراف المطعون ضدها في تحقيق النيابة العامة بإحراز المخدر المضبوط بقصد الاتجار كما اشترط أن يتم تحريز المخدر المضبوط بمعرفة النيابة العامة أو تحت رقابتها على خلاف ما يتطلبه القانون إذ يجوز للنيابة العامة أن تندب أحد رجال الضبطية القضائية للقيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أورد واقعة الدعوى وأدلة الاتهام جميعها بما في ذلك الدليل المستمد من اعتراف المطعون ضدها في تحقيق النيابة، أشار إلى إصرار المتهمة على إنكار التهمة في مرحلة الإحالة وأمام المحكمة، وإلى بقاء المخدر المضبوط في حوزة الضابط حتى اليوم التالي للتحقيق الذي تولته النيابة بعيداً عن هيمنتها عليه انتهى الحكم إلى تقرير البيان الذي عول عليه في قضائه ببراءة المتهمة أخذاً بما ارتاحت إليه المحكمة من هذه الأدلة في قوله "وحيث إنه يبين مما سلف أن المواد التي ضبطت مع المتهمة لم يتم تحريزها بمعرفة وكيل النيابة المحقق فور انتهاء التحقيق وبخاتمه بل سلمها للضابط كي يقوم بتحريزها وتم هذا التحريز بعيداً عن رقابة ونظر وكيل النيابة إذ لم يذكر في المحضر أنه تم في حضوره فضلاً عن أن وكيل النيابة إذ أثبت في محضره المؤرخ 27/ 4/ 1975 أن الضابط حضر له في ذلك اليوم ومعه المواد المخدرة وقام وكيل النيابة بفض الحرز فإنه لم يبين كيف كانت المواد المخدرة محرزة ولا اسم صاحب الختم المحرزة به. وحيث إنه متى كان الأمر كذلك ولم يقم وكيل النيابة بالتحريز بنفسه وببصمة خاتمه أو بخاتم احتفظ به معه وعهد بالمخدر إلى الضابط الذي ظلت المضبوطات في حوزته وتحت هيمنته حتى اليوم التالي، فإن الأمر على هذا النحو لا ينتفي معه على وجه القطع احتمال تغيير المادة والعبث بالأشياء المضبوطة ووضع المخدر وتلوث الكيس بما لا يمكن معه الجزم يقيناً أن المادة التي أجرى تحليلها هي بذاتها التي تم ضبطها مع المتهمة وبالتالي تكون تهمة إحرازها للمخدر الذي أجرى تحليله محل شك ويتعين لذلك براءتها من هذه التهمة". لما كان ذلك، وكان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة ولا يصح مطالبته بالأخذ بدليل دون آخر، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد واقعة الدعوى على ما يبين من مدوناته على نحو يبين منه أن المحكمة محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام بما في ذلك الدليل المستمد من اعتراف المتهمة ثم أفصحت – من بعد – عن عدم اطمئنانها إلى أدلة الثبوت للأسباب السائغة التي أوردتها والتي تكفي لحمل النتيجة التي خلصت إليها. لما كان ذلك فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه من سكوته عن مناقشة اعتراف المتهمة لا يكون له محل، ولما هو مقرر كذلك، من أن محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الثبوت ما دام إنها قد داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات ولأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمناً إنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهمة، لما كان ما تقدم وكان الواضح من الحكم المطعون فيه أن المحكمة قضت ببراءة المطعون ضدها لأنها لا تطمئن إلى أن المادة المضبوطة مع المتهمة هي التي أجرى تحليلها وإلى تشككها في الدليل المستمد من تحليل المضبوطات ولم تقم قضاءها على بطلان إجراء التحريز لعدم قيام النيابة به كما جاء بوجه الطعن فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل وينحل إلى جدل موضوعي مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ومن ثم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.