مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1214

(127)
جلسة 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وعضوية السادة علي بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمود محمد إبراهيم وحسني جورجي المستشارين.

القضية رقم 10 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - تسريحه - مركز الموظف قانوني عام - الوظيفة تكليف للقائم بها يتطلب صلاحية الموظف للنهوض به، وبقاؤه في الوظيفة رهين بهذه الصلاحية - حق الإدارة في تسريحه حق أصيل، مرده: إلى النصوص الدستورية الخاصة بوجوب هيمنة الحكومة على تسيير المرافق العامة بما يحقق المصلحة العامة، وإلى النصوص التشريعية المقررة لهذا الحق - قرارها بالتسريح صحيح ما دام قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة ولم يستهدف سوى المصلحة العامة - عبء إثبات هذا العيب يقع على الموظف المسرح.
(ب) موظف - قرار إداري - التسريح غير التأديبي - أسبابه - إنفراد الإدارة بتقدير خطورتها - لا يلزم أن يكون الموظف قد ارتكب ذنباً إدارياً محدداً - اعتبار القرار قائماً على سببه باستناده إلى وقائع صحيحة مستمدة من أصول لها وجود ثابت في الأوراق تؤدي إلى هذه النتيجة مادياً أو قانوناً - رقابة القضاء الإداري تنحصر في التحقق مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً، ومن أصول موجودة، ومن مدى صحة تكييف الوقائع التي قام عليها ركن السبب في القرار - أساس ذلك.
1 - أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، فمركز الموظف هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت، ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني لمقتضيات المصلحة العامة تحقيقاً لحسن سير تلك المرافق، ذلك أن الوظيفة العامة هي مجموعة من الاختصاصات يتولاها الموظف لصالح المرفق العام، ويعهد بها إليه ليساهم في شئونه في سبيل تحقيق الأغراض المنشودة منه للمصلحة العامة التي تقوم الدولة على رعايتها، وتقليد الوظيفة العامة هو إسناد اختصاصاتها إلى الموظف الذي يولاها، وليس خلقاً لها. ولما كانت الوظيفة تكليفاً للقائم بها كأصل دستوري مسلم، وهذا التكليف يتطلب من الموظف أن يكون صالحاً للنهوض به، فإن بقاءه في الوظيفة رهين بهذه الصلاحية، وهذا أمر يخضع لتقدير الحكومة القوامة على تسيير المرافق العامة، فتسرح من تراه أصبح غير صالح لذلك دون الاحتجاج بأن له أصل حق في البقاء في الوظيفة، ما دام ذلك قد تم لأسباب تبرره بالشروط والأوضاع التي قررها القانون وبغير إساءة استعمال السلطة، وحق الحكومة في تسريح الموظفين هو حق أصيل لا شبهة فيه، مرده من جهة إلى النصوص الدستورية الخاصة بوجوب هيمنة الحكومة على تسيير المرافق العامة على الوجه الذي يحقق المصلحة العامة، ومن جهة أخرى النصوص التشريعية المقررة لهذا الحق. ولما كان الموظفون هم عمال المرافق العامة فلزم أن تكون للحكومة الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لهذا الغرض، وتسريح من ترى فقدانه لهذه الصلاحية أو للقدرة على النهوض بأعباء الوظيفة العامة ومسئولياتها، وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة، ولم تستهدف سوى المصلحة العامة. ويقع عبء إثبات سوء استعمال السلطة على الموظف المسرح.
2 - إذا ثبت أن إنهاء خدمة الموظف كان بسبب الاستغناء عنه لعجزه وعدم صلاحيته للبقاء في وظيفته العامة لأسباب قدرت خطورتها جهة الإدارة التي تنفرد بهذا التقدير، وبما يمكن ترتيبه عليه من آثار، كعدم الرضا عن عمله أو عدم إنتاجه أو رداءة صحيفة خدمته أو شذوذ مسلكه الخلقي أو عدم قدرته على الاستمرار في القيام بأعباء وظيفته المتصلة بتعليم النشء وتهذيبهم وتثقيف عقولهم، أو إخلاله بواجبات وظيفته واستهتاره بها، أو بالسلوك السوي المتطلب من القائم عليها، أو استهانته بكرامتها أو بمقتضياتها أو بأصول النزاهة والشرف وحسن السمعة أو ما إلى ذلك - ورأت أن المصلحة العامة تقضي بإقصائه عن وظيفته، وكان لهذه الأسباب أصل ثابت في الأوراق يشهد به ملف خدمته وترويه صحيفة جزاءاته، فإن هذا التسريح غير التأديبي لا يستلزم أن يكون الموظف قد ارتكب ذنباً إدارياً محدداً بالفعل، بل يقع صحيحاً بريئاً من العيب الموجب لإلغاء القرار الصادر به، ويعتبر قائماً على سببه المبرر له قانوناً متى استند إلى وقائع صحيحة مستمدة من أصول لها وجود ثابت في الأوراق، وكانت تلك الوقائع تنتج هذه النتيجة مادياً أو قانوناً، ذلك أن القرار الإداري سواء أكان لازماً تسبيبه كإجراء شكلي أم لم يكن هذا التسبيب لازماً، يجب أن يقوم على سبب يبرره صدقاً وحقاً، أي في الواقع وفي القانون، وذلك كركن من أركان انعقاده، باعتبار القرار تصرفاً قانونياً، ولا يقوم أي تصرف قانوني بغير سببه المشروع، والسبب في القرار الإداري هو حال واقعية أو قانونية تحمل الإدارة على التدخل بقصد إحداث أثر قانوني هو محل القرار ابتغاء وجه الصالح العام الذي هو غاية القرار. والأصل أن يحمل القرار على الصحة، كما يفترض فيه ابتداء قيامه على سبب صحيح، وذلك كله حتى يقوم الدليل على عكسه، ورقابة القضاء الإداري لقيام السبب المسوغ لتسريح الموظف والتحقق من مدى مطابقة أو عدم مطابقة هذا السبب للقانون لا تعني أن يحل القضاء المذكور نفسه محل الجهة الإدارية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من دلائل وبيانات وقرائن وأحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية التي تكون ركن السبب في قرار التسريح أو أن يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار. بل إن الإدارة حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها، وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها. كما أنها حرة في تقدير خطورة السبب وتقدير مدى ما ترتبه عليه من أثر، ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها أو اقتناعها في شيء من هذا، وإنما الرقابة التي لهذا القضاء تجد حدها الطبيعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً أم لا. ويتوقف على وجود هذه الأصول أمر انتزاعها من غير أصول موجودة، وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار من هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة تكييف الوقائع بفرض وجودها مادياً أو خطأ هذا التكييف، يتوقف على هذا كله قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته للقانون أو فقدان هذا الركن ومخالفة القرار للقانون.


المحكمة

من حيث إن هذه المحكمة بعد أن فصلت في حكمها السابق الصادر في 26 من نيسان (إبريل) سنة 1960 [(1)] إجراءات الطعن، وعناصر المنازعة، وأوجه الدفوع والدفاع من الجانبين، حكمت "بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبجواز سماع الدعوى، وقبل الفصل في موضوع الطعن باستيفاء ما هو مبين بأسباب حكمها المذكور خلال شهرين، ورخصت في الإطلاع وتقديم مذكرات خلال الشهر التالي، وعينت لنظر الطعن جلسة 6 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960"، ذلك أن المدعي نعى على القرار المطعون فيه، صدوره بباعث من إساءة استعمال السلطة، بمقولة إن السبب الحقيقي في صرفه من الخدمة إنما يرجع إلى خصومة بينه وبين مفتش الرياضيات الذي أخذته العزة بالإثم عندما أثبت المدعي جهل هذا المفتش وجابهه بخطئه من الوجهة العلمية، فتملكه الحقد وغلبته شهوة الانتقام وعمل على تدبير الأسباب التي انتهت بتسريحه في التقارير التي رفعها إلى الجهات المختصة، ولذا ارتأت المحكمة قبل الفصل في موضوع الطعن ضرورة تحرى مبلغ هذا الدفاع من الصحة، وبيان السبب الحقيقي لفصل المدعي من الخدمة إزاء ما ادعاه، مع إيداع اضبارة خدمته التي لم تقدمها الجهة الإدارية، وكذا جميع التقارير المقدمة في حقه خلال مدة خدمته بما فيها التقارير التي قدمها مفتش الرياضيات الذي يعنيه، وما قد يكون هناك من أوراق أخرى تتصل بأسباب صرفه من الخدمة - وقد أودعت الجهة الإدارية في 9 من تموز (يوليه) سنة 1960 اضبارة الطاعن مع التقارير التفتيشية، وخلاصة من سجله مشفوعة ببيان سبب صرفه من الخدمة. وقد أبلغ الطرفان بميعاد الجلسة المذكورة التي عينت لنظر موضوع الطعن. وبعد أن سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر، أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات تكميلية خلال أربعة أيام. وقد أودع الطاعن في 8 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 مذكرة بملاحظاته مع حافظة بمستنداته.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من خلاصة سجل المدعي أنه التحق بخدمة وزارة المعارف في 11 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1930، وأنه عوقب بحسم عشرة أيام من راتبه لتخلفه عن المدرسة دون إذن في عام 1939، وبحسم خمسة أيام من راتبه لتركه المدرسة في ساعات العمل دون إذن في عام 1940، وبحسم ستة أيام من راتبه لتخلفه عن موعد عودته إلى الوظيفة في عام 1942، وبحسم يوم واحد من راتبه لتخلفه عن حضور الدرس في الوقت المعين في عام 1942، وأنذر بوجوب الالتحاق بوظيفته في عام 1944 وكفت يده عن العمل في 31 من تموز (يوليه) سنة 1945، ثم أحيل إلى اللجنة التأديبية لارتكابه جرم الاستهتار بالدوام الرسمي والأنظمة وتصنعه لمرض وسوء سلوكه ولإقامة دعوى عليه بإغرائه فتاة قاصراً وضبط مومس في داره، وقد حكمت عليه اللجنة التأديبية في 9 من أيار (مايو) سنة 1946 بعقوبة التنزيل درجة واحدة، ثم ميز الحكم فأنزلت العقوبة إلى الحسم 10% لمدة عشرة أشهر. وسرح من الخدمة في عهد الزعيم حسني الزعيم في أول أيار (مايو) سنة 1949، ثم أعيد إليها في 30 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1950، وكفت يده عن العمل في 4 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1951 لإقامة دعوى عليه بسبب تحرشه بخادمته القاصر القاطنة في داره وأحيل إلى محكمة الجنايات فبرأته لعدم كفاية الأدلة، ثم أحيل إلى مجلس التأديب الذي قرر عدم مسئوليته مسلكياً لبراءته في محكمة الجنايات، وسرح من الخدمة في 7 من نيسان (إبريل) سنة 1953 بالاستناد إلى المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي، فأقام دعوى على وزارة المعارف بطلب إبطال مرسوم تسريحه، إلا أن محكمة التمييز ردت على دعواه بحكمها رقم 69/ 103 الصادر في 23 من حزيران (يونيه) سنة 1935.
ومن حيث إن المدعي أودع في 8 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960، بعد حجز الطعن للحكم، مذكرة تكميلية مشفوعة بحافظة مستندات، قال فيها أنه يستدل بأقوال شهود سماهم، على أن تقرير مفتش الرياضيات ضده، إنما كان نتيجة دوافع انتقامية كامنة في نفس المفتش عن سابق تصور وتصميم ظلماً وحقداً وافتراء، وأنه إذا كان تسريحه من الخدمة بسبب سبق إحالته إلى القضاء وإلى لجنة التأديب، فقد برئ من ذلك قضائياً ومسلكياً بأحكام حازت قوة القضية المقضية، ولا تجوز محاكمة الشخص من أجل ذات الفعل مرتين، ولا سيما إذا كانت العقوبة قد سقطت بالتقادم، وكان قد أعيد إلى الخدمة بعد ذلك، وقامت الجهة الإدارية بترفيعه من تلقاء نفسها مرتين على التوالي لجدارته واستحقاقه، وإذا كان التسريح راجعاً إلى المعلومات التي جمعت في حقه عن المدة التالية لإعادته إلى الخدمة بالمرسوم رقم 697 الصادر في 15 من آيار (مايو) سنة 1954، فإن ترفيعاته المستمرة وزيادة راتبه خلال هذه المدة أكبر دليل على دحض حجة الإدارة في هذا التسريح، وعلى تجاوزها حدود السلطة، أما إذا كان تسريحه معزواً إلى كلاً الأمرين معاً، فإنه يكون قائماً على متناقضات يستحيل التوفيق بينها أو تحققها في آن واحد. ومن ثم فإنه يتعين إبطال القرار المطعون فيه، والقضاء للمدعي بطلباته.
ومن حيث إن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، فمركز الموظف هو مركز قانوني عام يجوز تغييره في أي وقت، ومرد ذلك إلى أن الموظفين هم عمال المرافق العامة، وبهذه المثابة يجب أن يخضع نظامهم القانوني لمقتضيات المصلحة العامة تحقيقاً لحسن سير تلك المرافق. ذلك أن الوظيفة العامة هي مجموعة من الاختصاصات يتولاها الموظف لصالح المرفق العام ويعهد بها إليه ليساهم في شئونه في سبيل تحقيق الأغراض المنشودة منه للمصلحة العامة التي تقوم الدولة على رعايتها. وتقليد الوظيفة العامة هو إسناد اختصاصها إلى الموظف الذي يولاها، وليس خلقاً لها. ولما كانت الوظيفة تكليفاً للقائم بها كأصل دستوري مسلم، وهذا التكليف يتطلب من الموظف أن يكون صالحاً للنهوض به، فإن بقاءه في الوظيفة رهين بهذه الصلاحية، وهذا أمر يخضع لتقدير الحكومة القوامة على تسيير المرافق العامة، فتسرح من تراه أصبح غير صالح لذلك دون الاحتجاج بأن له أصل حق في البقاء في الوظيفة، ما دام ذلك قد تم لأسباب تبرره بالشروط والأوضاع التي قررها القانون، وبغير إساءة استعمال السلطة، وحق الحكومة في تسريح الموظفين هو حق أصيل لا شبهة فيه، مرده من جهة إلى النصوص الدستورية الخاصة بوجوب هيمنة الحكومة على تسيير المرافق العامة على الوجه الذي يحقق المصلحة العامة، ومن جهة أخرى إلى النصوص التشريعية المقررة لهذا الحق. ولما كان الموظفون هم عمال المرافق العامة فلزم أن يكون للحكومة الحرية في اختيار من ترى فيهم الصلاحية لهذا الغرض، وتسريح من ترى فقدانه لهذه الصلاحية أو للقدرة على النهوض بأعباء الوظيفة العامة ومسئولياتها وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها، بلا معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة، ولم تستهدف سوى المصلحة العامة. ويقع عبء إثبات سوء استعمال السلطة على الموظف المسرح.
ومتى ثبت أن إنهاء خدمته كان بسبب الاستغناء عنه لعجزه وعدم صلاحيته البقاء في وظيفته العامة لأسباب قدرت خطورتها جهة الإدارة التي تنفرد بهذا التقدير وبما يمكن ترتيبه عليه من آثار، كعدم الرضا عن عمله أو عدم إنتاجه، أو رداءة صحيفة خدمته، أو شذوذ مسلكه، أو عدم قدرته على الاستمرار في القيام بأعباء وظيفته المتصلة بتعليم النشء وتهذيبهم وتثقيف عقولهم، أو إخلاله بواجبات وظيفته واستهتاره بها، أو بالسلوك السوي المتطلب من القائم عليها أو استهانته بكرامتها أو بمقتضياتها أو بأصول النزاهة والشرف وحسن السمعة، أو ما إلى ذلك، ورأت أن المصلحة العامة تقضي بإقصائه عن وظيفته، وكان لهذه الأسباب أصل ثابت في الأوراق يشهد به ملف خدمته وترويه صحيفة جزاءاته، فإن هذا التسريح غير التأديبي لا يستلزم أن يكون الموظف قد ارتكب ذنباً إدارياً محدداً بالفعل، بل يقع صحيحاً بريئاً من العيب الموجب لإلغاء القرار الصادر به، ويعتبر قائماً على سببه المبرر له قانوناً متى استند إلى وقائع صحيحة مستمدة من أصول لها وجود ثابت في الأوراق، وكانت تلك الوقائع تنتج هذه النتيجة مادياً أو قانوناً". ذلك أن القرار الإداري، سواء أكان لازماً تسبيبه كإجراء شكلي أم لم يكن هذا التسبيب لازماً، يجب أن يقوم على سبب يبرره صدقاً وحقاً، أي في الواقع وفي القانون وذلك كركن من أركان انعقاده، باعتبار القرار تصرفاً قانونياً، ولا يقوم أي تصرف قانوني بغير سببه المشروع. والسبب في القرار الإداري هو حال واقعية أو قانونية تحمل الإدارة على التدخل بقصد إحداث أثر قانوني هو محل القرار ابتغاء وجه الصالح العام الذي هو غاية القرار. والأصل أن يحمل القرار على الصحة، كما يفترض فيه ابتداء قيامه على سبب صحيح، وذلك كله حتى يقوم الدليل على عكسه. ورقابة القضاء الإداري لقيام السبب المسوغ لتسريح الموظف والتحقيق من مدى مطابقة أو عدم مطابقة هذا السبب للقانون لا تعني أن يحل القضاء المذكور نفسه محل الجهة الإدارية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها، فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية التي تكون ركن السبب في قرار التسريح، أو أن يتدخل في تقدير خطورة هذا السبب وما يمكن ترتيبه عليه من آثار. بل إن الإدارة حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال، تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها، وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها. كما أنها حرة في تقدير خطورة السبب وتقدير مدى ما ترتبه عليه من أثر. ولا هيمنة للقضاء الإداري على ما تكون منه الإدارة عقيدتها أو اقتناعها في شيء من هذا. وإنما الرقابة التي لهذا القضاء تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً أم لا. ويتوقف على وجود هذه الأصول أمر انتزاعها من غير أصول موجودة، وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار من هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة تكييف الوقائع بفرض وجودها مادياً أو خطأ هذا التكييف، يتوقف على هذا كله قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته للقانون، أو فقدان هذا الركن ومخالفة القرار للقانون.
ومن حيث إنه يظهر من الأوراق سالفة الذكر أن ماضي المدعي حافل طوال مدة خدمته بشكاوي وتحقيقات مختلفة وتقارير من عديد من المفتشين والمحققين، وحكم عليه بعقوبات لأسباب خلقية ومسلكية تؤيد جميعها صحة ما ذهبت إليه الإدارة من دمغه بعدم الصلاحية للبقاء في الوظيفة وقلة الإنتاج وخمول الهمة وضعف الشخصية المقرون بسوء السمعة وشذوذ الخلق وانحرافه والاستهانة بالواجب والإخلال بالدوام الرسمي وبالأنظمة المدرسية، مما يدحض دعواه أن صرفه من الخدمة كان لخصومة شخصية بينه وبين مفتش الرياضيات. ولما كان هذا الصرف قد تم بالتطبيق لحكم المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي رقم 135 لسنة 1945 المعدلة بالمرسومين التشريعيين رقمي 65 و161 لسنة 1952 التي أجازت لمجلس الوزراء لأسباب يعود إليه تقديرها أن يقرر صرف الموظف من أية مرتبة كانت من الخدمة فيما عدا القضاة، وكانت جميع الاختصاصات التي كانت تعهد بها التشريعات المعمول بها في إقليم سورية إلى مجلس الوزراء السوري قد آلت بمقتضى المادة الأولى من القرار بالقانون رقم 1 لسنة 1958 إلى رئيس الجمهورية العربية المتحدة الذي أصدر بناء على ذلك القرار المطعون فيه رقم 1296 لسنة 1958 في 6 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1958 بصرف المدعي من الخدمة مع تصفية حقوقه التقاعدية حسب الأنظمة المرعية، وكان هذا القرار قد صدر ممن يملكه وقام على سببه المشروع المبرر له قانوناً وفقاً لما سلف إيضاحه، فإن الدعوى بطلب إلغائه وما يترتب على ذلك من آثار تكون على غير أساس من القانون حقيقة بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة في موضوع الطعن برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.


راجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 3 لسنة 1 بجلستها المنعقدة في 26/ 4/ 1960 والمنشور بالمجموعة الخامسة العدد التالي ص 699 البند أ 74.