أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 803

جلسة 2 من أكتوبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ويعيش محمد رشدي، ومحمد محمد وهبه، وأحمد موسى.

(168)
الطعن رقم 743 لسنة 47 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". "أوراق رسمية". تزوير. "الطعن بالتزوير".
الأصل في الإجراءات الصحة. عدم جواز إثبات ما يخالف الثابث بمحضر الجلسة أو بالحكم إلا عن طريق الادعاء بالتزوير.
(2) محكمة الموضوع. "نظرها الدعوى والحكم فيها". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات. "إجراءات المحاكمة.
الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته. ماهيته؟
قرارات تجهيز الدعوى. قرارات تحضيرية. لا تلتزم المحكمة بتنفيذها.
(3) دعوى مدنية. "الصفة فيها". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم جواز المنازعة في الصفة لأول مرة أمام النقض.
(4) حكم. "بيانات الديباجة". بطلان. "بطلان الحكم".
الخطأ في ديباجة الحكم بخصوص تاريخ الجلسة التي صدر فيها. لا يعيبه. أساس ذلك.
(5) إثبات. "اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير صحة الإقرار وقيمته في الإثبات. موضوعي.
تسمية الإقرار اعترافاً. لا يعيب الحكم. ما دامت المحكمة لم ترتب عليه بذاته الأثر القانوني للاعتراف.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص صورة الدعوى". إثبات. "بوجه عام".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. وإطراح ما يخالفها من صور. ما دام استخلاصها سائغاً.
(7) طعن. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مناط قبول وجه الطعن. الوضوح والتحديد.
1- من المقرر أن الأصل في الإجراءات الصحة ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت سواء في محضر الجلسة أو في الحكم – إلا بطريق الطعن بالتزوير، وإذ كان الثابت أن أحداً من الطاعنين لم يسلك هذا السبيل في خصوص ما أثبت بمحضر جلسة المرافعة الأخيرة من اكتفاء الدفاع بالأقوال الواردة بالتحقيقات لباقي شهود الإثبات الذين لم يسمعوا، فإن الزعم بأن ما أثبت من ذلك مغاير للواقع يكون غير مقبول.
2- ولما كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أنه بأول جلسة بدأت فيها المحكمة سماع الشهود والمرافعة – وهى جلسة 15 من يناير سنة 1977 – اقتصر المحامي الموكل عن الطاعن الأول في مرافعته على طلب مناقشة زوج المجني عليها وحضور زميله الموكل معه لاستكمال المرافعة، كما انتهى المحامي الموكل عن الطاعنة الأخرى في مرافعته إلى القول بأن سماع شهود النفي متروك للمحكمة وأن زميله الموكل أيضاً سوف يحضر بجلسة 20 من ذلك الشهر لاستكمال المرافعة، فقررت المحكمة استمرار المرافعة لتلك الجلسة وفيها سمعت شهادة زوج المجني عليها وتمت مناقشته, كما تمت مرافعة الدفاع عن الطاعن الأول ثم أثبت محامي الطاعنة الأخرى الحاضر من قبل أنه سيترافع عن زميله الذي لم يحضر، وقد تمت مرافعته هو الآخر وحجزت المحكمة الدعوى للحكم دون أن يبدي أحد طلباً ما أو يرغب في التأجيل لأي سبب. و إذ كان ذلك، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه إنما هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، وأن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، فإنه لا جناح على المحكمة إذ هي التفتت عن طلبات الطاعنين التي يتحديان بها وإن كانا قد أصرا عليها واستجابت لهما المحكمة من قبل في جلسات سابقة في سبيل تجهيزها الدعوى – ما دام أنهما قد كفا عن طلب التأجيل ولم يعودا إلى التمسك بشئ من هذه الطلبات في جلستي سماع الشهود والمرافعة.
3- لما كان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن أحداً من الطاعنين قد نازع في صفة المدعيين بالحقوق المدنية أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يقبل الحديث عن هذه الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض لانطوائه على منازعة تستدعي تحقيقاً موضوعياً.
4- إذا أثبت في ديباجة الحكم أن الدعوى سمعت بالجلسة التي نطق به فيها في حين أنها كانت قد سمعت في الجلسات السابقة عليها فإن ذلك لا يبطله، لأنه لا يعدو أن يكون خطأ مادياً مما لا يؤثر في سلامة الحكم، ولأن الخطأ في ديباجة الحكم لا يعيبه إذ هو خارج عن مواضع استدلاله.
5- إن الإقرار في المسائل الجنائية بنوعيه – القضائي وغير القضائي – بوصفه طريقة من طرق الإثبات إنما هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها – دون غيرها – البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الإقرار المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، لما كان ذلك – وكانت المحكمة قد تحققت من أن إقرار الطاعن لرئيس المباحث سليم مما يشوبه واطمأنت إلى مطابقته للحقيقة والواقع فلا تثريب عليها إذ هي عولت عليه – بالإضافة إلى سائر الأدلة والقرائن التي ساقتها في حكمها وإن كان الطاعن قد عدل عنه بعد ذلك، ولا يقدح في سلامة الحكم خطأه في تسمية الإقرار اعترافاً طالما أنه يتضمن من الدلائل ما يعزز باقي الأدلة والقرائن، وما دامت المحكمة لم ترتب عليه بذاته الأثر القانوني للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع الشهود.
6- من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق.
7- من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، ومن ثم فإن إطلاق القول بأن الحكم لم يعن بتمحيص أوجه دفاع الطاعنين دون تحديد هذه الأوجه – يكون غير مقبول.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: المتهم الأول قتل...... عمداً ومع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلها وأعد لذلك أداة تحدث القتل (سكيناً) وداهمها في مسكنها حتى إذا ما ظفر بها انهال عليها طعناً قاصداً إزهاق روحها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه في الزمان والمكان سالفى الذكر قتل عمداً...... بأن قام بذبحه على النحو الموصوف بتقرير الصفة التشريحية الأمر المنطبق على نص المادة 234/ 1 من قانون العقوبات وقد ارتكب جنايتي القتل سالفتى الذكر بقصد تسهيل سرقة جهاز التسجيل والشريط الموصوفين بالتحقيقات والمملوكين لزوج المجني عليها الأولى...... حالة كونه يحمل سلاحاً (سكيناً) الأمر المعاقب عليه بعقوبة الجنحة طبقاً لنص المادة 316 مكرر ثالثاً من قانون العقوبات، المتهمة الثانية: اشتركت بطريقي التحريض والاتفاق مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمتين سالفتى الذكر بأن حرضته واتفقت معه على قتل المجني عليها......... وسرقة جهاز التسجيل وشريطه سالفى البيان فتمت جريمة قتل المجني عليها الأولى والسرقة بناء على هذا التحريض. وذلك الاتفاق وكانت جناية قتل المجني عليه الثاني الغلام....... نتيجة محتملة لهاتين الجريمتين. وطلبت من مستشار الإحالة إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 40/ 1 – 2 و43 و230 و231 و234 و235 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. وأدعى....... زوج المجني عليها الأولى...... ووالدتها....... مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل القضاء المؤقت. ومحكمة جنايات الإسكندرية نظرت الدعوى وقررت إرسال الأوراق إلى مفتي الجمهورية، ثم قضت حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بمواد الاتهام والمادة 317 من قانون العقوبات أولاً - بمعاقبة......... بالإعدام شنقاً. ثانياً – بمعاقبة......... بالأشغال الشاقة المؤبدة. ثالثاً: بإلزام المتهمين بأن يدفعا متضامنين إلى المدعين بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين، أولهما بجناية قتل عمد مع سبق الإصرار – اقترنت بها جناية قتل عمد أخرى وارتبطت بجنحة سرقة – وأخراهما بالاشتراك في هذه الجرائم بطريقي التحريض والاتفاق، قد أخل بحقهما في الدفاع وأقيم على إجراءات باطلة وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب. ذلك بأن المحكمة أثبتت على لسان النيابة والدفاع – على خلاف الواقع – أنهما اكتفيا بالأقوال الواردة بالتحقيقات لباقي شهود الإثبات اللذين لم يسمعوا، والتفتت عن طلبات الطاعنين – التي سبق أن استجابت إليها – وهى طلب الطاعن الأول ضم دفتر مستشفى أرشد عنه وإعلان الخبير الذي رفع البصمات وحرر التقرير الخاص بفحصها، وطلب الطاعنة الأخرى التأجيل لإعلان شهود نفي ولحضور أحد المحامين الموكلين عنها لاستحالة حضوره بجلسة المرافعة الأخيرة كما أن المحكمة لم تتحقق من صفة المدعيين بالحقوق المدنية – اللذين أثبت الحكم أنهما زوج المجني عليها ووالدتها – وسمعت مرافعة المدافع عنهما، علاوة على مرافعة النيابة العامة، بعد سبق سماعها دفاع الطاعنين مع أن المتهم هو آخر من يتكلم – وأغفلت إعلان الطاعن الأول بالجلسة التي نطق فيها بالحكم رغم تأجيل إصداره إليها – مرة ثانية – تأجيلاً إدارياً. هذا إلى ما لحق بالحكم من بطلان بما أثبت في ديباجته من أن الدعوى سمعت بتلك الجلسة، في حين أنها كانت قد سمعت بالجلسات السابقة عليها. ثم أن الحكم عول على إقرار الطاعن الأول لرئيس المباحث وعلى شق من اعترافه في تحقيق النيابة العامة، بالرغم من عدوله عن ذلك الإقرار ودفعه ببطلانه لصدوره تحت وطأة الإكراه المادي – وهو الضرب الواقع على قدميه من رجال المباحث – ومع أنه أدلى باعترافه في التحقيق تحت تأثير إكراه أدبي، هو خشيته من أن يوقع عليه والده العقاب، فضلاً عن أن كلاً من الإقرار والاعتراف قد جاء وليد إجراءات باطلة – هي قيام رئيس المباحث تلقائياً بالقبض عليه وعلى والديه بعد ما تولت النيابة التحقيق – وكذلك الشأن بالنسبة إلى الدليل المستمد من شريط التسجيل الذي عثر عليه بشقة المجني عليها واستند إليه الحكم، إذ أنه بدوره وليد إجراء باطل غير مشروع. وأخيراً فإن الحكم لم يفطن إلى أن أياً من الإقرار أو الاعتراف لا يكشف عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، كما أن الحكم لم يعن بتمحيص أوجه دفاع الطاعنين، فضلاً عن أنه لم يستظهر أركان الجرائم التي دانهما بها ولم يدلل على توافرها في حقهما.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما موجزه أن الطاعن الأول إذ علم بأن ثمة علاقة عاطفية كانت قائمة بين الطاعنة الأخرى وزوج عمته المجني عليها واستغل ذلك في محاولة إنشاء علاقة جنسية مع الطاعنة عن طريق تهديدها بأخبار زوجها بما علم، فقد انتهزت هي هذه الفرصة ووعدته بإنجاز مأربه على أن يقتل المجني عليها – كي تتخلص منها – ويحصل من شقتها على شريط تسجيل كانت المجني عليها تدعى أنه يحوي حديثاً غرامياً بين زوجها وبين الطاعنة وتنذر الطاعنة بأنها سوف تسمعه لزوجها إن لم تكف عن الاستمرار في تلك العلاقة وبعد ما اتفقا على موعد التنفيذ توجه الطاعن إلى مسكن المجني عليها في صباح يوم الحادث وكان قد عمل على إبعاد زوجها في ذلك الوقت، ثم باغتها بطعنها بسكين أعدها لهذا الغرض قاصداً إزهاق روحها – فأحدث بها جرحاً ذبحياً غائراً، علاوة على عدة جروح قطعية، وأجهز عليها بعد مقاومة عنيفة أحدثت عدة إصابات وخدوش بوجهه وبعض أجزاء جسمه. ولما لاحظ أن غلاماً في نحو الثالثة من عمره – كانت المجني عليها قد تبنته – شاهد ما حدث، قام بذبحه بالسكين خشية اكتشاف أمره لما اشتهر به الغلام من حدة الذكاء. ثم استولى على جهاز تسجيل ظن أن بداخله الشريط المطلوب وانصرف، حيث أوعز إلى أحد الأشخاص بأن يشهد كذباً بأنه رآه يتشاجر مع آخر حتى لا توحي إصاباته بارتكابه الحادث. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة مستقاة من إقرار الطاعن الأول لرئيس المباحث وشق من مضمون اعترافه في تحقيق النيابة ومن شهادة الشهود، والتقرير الطبي الشرعي وتقرير مصلحة تحقيق الأدلة الجنائية الخاص بفحص البصمات وشريط تسجيل عثر عليه بشقة المجني عليها لما كان ذلك وكان من المقرر أن الأصل في الإجراءات الصحة ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت – سواء في محضر الجلسة أو في الحكم – إلا بطريق الطعن بالتزوير، وإذ كان الثابت أن أحداً من الطاعنين لم يسلك هذا السبيل في خصوص ما أثبت بمحضر جلسة المرافعة الأخيرة من اكتفاء الدفاع بالأقوال الواردة بالتحقيقات لباقي شهود الإثبات الذين لم يسمعوا، فإن الزعم بأن ما أثبت من ذلك مغاير للواقع يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أنه بأول جلسة بدأت فيها المحكمة سماع الشهود والمرافعة – وهى جلسة 15 من يناير سنة 1977 – اقتصرالمحامي الموكل عن الطاعن الأول في مرافعته على طلب مناقشة زوج المجني عليها وحضور زميله الموكل معه لاستكمال المرافعة، كما انتهى المحامي الموكل عن الطاعنة الأخرى في مرافعته إلى القول بأن سماع شهود النفي متروك للمحكمة وأن زميله الموكل أيضاً سوف يحضر بجلسة 20 من ذلك الشهر لاستكمال المرافعة، فقررت المحكمة استمرار المرافعة لتلك الجلسة وفيها سمعت شهادة زوج المجني عليها وتمت مناقشته، كما تمت مرافعة الدفاع عن الطاعن الأول، ثم أثبت محامي الطاعنة الأخرى الحاضر من قبل أنه سيترافع عن زميله الذي لم يحضر، وقد تمت مرافعته هو الآخر وحجزت المحكمة الدعوى للحكم دون أن يبدي أحد طلباً ما أو يرغب في التأجيل لأي سبب. وإذ كان ذلك وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه إنما هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، وأن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، فإنه لا جناح على المحكمة إذ هي التفتت عن طلبات الطاعنين التي يتحديان بها وإن كانا قد أصرا عليها واستجابت لها المحكمة من قبل في جلسات سابقة – في سبيل تجهيزها الدعوى – ما دام أنهما قد كفا عن طلب التأجيل ولم يعودا إلى التمسك بشئ من هذه الطلبات في جلستي سماع الشهود والمرافعة. لما كان ذلك، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن أحداً من الطاعنين قد نازع في صفة المدعيين بالحقوق المدنية أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يقبل الحديث عن هذه الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض لانطوائه على منازعة تستدعي تحقيقاً موضوعياً. لما كان ذلك، وكان الثابت من محضر جلسة المرافعة الأخيرة أن الحاضرين مع الطاعنين هما آخر من تكلم، وقد ترافعا بعد سماع مرافعة النيابة العامة ودفاع المدعيين بالحقوق المدنية، كما وأن كلا الطاعنين قد أحضر من السجن بالجلسة التي نطق فيها بالحكم – وذلك كله خلافاً لما ورد بأوجه النعي في هذا الخصوص – لما كان ذلك، وكان ما أثبت في ديباجة الحكم – بشأن سماع الدعوى بالجلسة التي أجل إليها إصداره ونطق به فيها – لا يبطله، لأنه لا يعدو أن يكون خطأ مادياً مما لا يؤثر في سلامة الحكم، ولأن الخطأ في ديباجة الحكم لا يعيبه إذ هو خارج عن مواضع استدلاله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد تصدى للرد على دفع الطاعن الأول ببطلان إقراره لرئيس المباحث، وذلك بقوله وحيث إن المحكمة تطمئن إلى صدق اعتراف المتهم الأول – الطاعن الأول – لرجال الشرطة (العقيد) عند ضبطه وتلتفت عن ادعائه بحصول إكراه عليه للإدلاء بهذا الاعتراف إذا لم يقم دليل على ما يدعيه من حصول اعتداء عليه بالضرب على قدميه وقد خلا وصف وكيل النيابة المحقق للمتهم عند مثوله أمامه من أية إصابات بقدميه كما خلا التقرير الطبي المتوقع عليه من ذكر وجود إصابات بالقدمين نتيجة لضرب". وإذ كان الإقرار في المسائل الجنائية بنوعيه – القضائي وغير القضائي – بوصفه طريقاً من طرق الإثبات إنما هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها – دون غيرها – البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الإقرار المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، وكانت المحكمة قد تحققت – للأسباب السائغة التي أوردتها على النحو المتقدم بيانه – من أن إقرار الطاعن لرئيس المباحث سليم مما يشوبه واطمأنت إلى مطابقته للحقيقة والوقائع، فلا تثريب عليها إذ هي عولت عليه – بالإضافة إلى سائر الأدلة والقرائن التي ساقتها في حكمها – وإن كان الطاعن قد عدل عنه بعد ذلك، ولا يقدح في سلامة الحكم خطؤه في تسمية الإقرار اعترافاً – طالما أنه يتضمن من الدلائل ما يعزز باقي الأدلة والقرائن، وما دامت المحكمة لم ترتب عليه بذاته الأثر القانوني للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع الشهود لما كان ذلك، وكان لا يبين من الأوراق أن أحد من الطاعنين قد تمسك أمام الموضوع بأن اعتراف الطاعن الأول في تحقيق النيابة العامة كان وليد إكراه أدبي، فإنه لا يقبل منهما إثارة هذا النوع من الإكراه لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه ذلك من إجراء تحقيق تنحسر عنه وظيفة هذه المحكمة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، و إذ كان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن أحداً من الطاعنين لم يدفع أمام محكمة الموضوع بأن أياً من إقرار الطاعن الأول أو اعترافه سالفى الذكر قد جاء وليد إجراءات قبض باطلة، ولا ببطلان الدليل المستمد من شريط التسجيل المضبوط، فإنه لا يقبل الدفع بشيء من ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة على بساط البحث – الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق – كما هي الحال في الدعوى الماثلة – فإن منعى الطاعنين على الحكم في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون محاولة منهم لمناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان محكمة الموضوع بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، ومن ثم فإن إطلاق القول بأن الحكم لم يعن بتمحيص أوجه دفاع الطاعنين – دون تحديد هذه الأوجه – يكون غير مقبول. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن النيابة العامة عرضت هذه القضية على محكمة النقض – طبقاً لما هو مقرر في المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 مشفوعة بمذكرة برأيها، انتهت في مضمونها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه الأول.
وحيث إنه لما تقدم بيانه في الطعن المقدم من المحكوم عليهما، ولما هو ثابت من أن الأدلة التي ساقها الحكم في حق المحكوم عليه الأول مردودة إلى أصلها في الأوراق – حسبما يبين من المفردات المضمومة – وأن الحكم قد جاء سليماً من عيب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه أو في تأويله ومبرأ من البطلان، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى، ولم يصدر بعد، قانون أصلح يسري على واقعتها، فإنه يتعين قبول عرض النيابة وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه الأول.