أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 818

جلسة 9 من أكتوبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ويعيش محمد رشدي، ومحمد محمد وهبه، وأحمد علي موسى.

(170)
الطعن رقم 539 لسنة 47 القضائية

(1) تبديد. خيانة. إثبات. "قوة الأمر المقضي فيه". اختصاص. "الاختصاص بالمسائل الفرعية". دفوع. "الدفوع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عقد الاستصناع من عقود الأمانة التي حددتها المادة 341 عقوبات على سبيل الحصر. الأحكام الصادرة من المحاكم المدنية ليس لها قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها. المادة 457 إجراءات جنائية.
اختصاص المحاكمة الجنائية بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك المادة 221 إجراءات جنائية.
مطالبة المدعي بالحقوق المدنية برد كمية الذهب المسلمة منه للطاعن أمام المحاكم المدنية لا يحول دون حقه في مداعاته بعد ذلك بالطريق المباشر أمام المحاكم الجنائية بطلب التعويض عن تبديدها. أساس ذلك.
(2 و3) دعوى جنائية. "انقضاؤها بمضي المدة". نقض. "أسباب الطعن – ما لا يقبل منها".
(2) ميعاد انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة في جريمة خيانة الأمانة. بدؤه من تاريخ الامتناع عن رد الشيء موضوع الجريمة أو ظهور عجز المتهم عن ذلك ما لم يقم الدليل على عكسه.
(3) استحالة التنفيذ العيني بالنسبة لرد كمية الذهب موضوع الجريمة. لا يحول دون حق المضرور في التنفيذ بطريق التعويض عن تبديدها.
1 - من المقرر أن عقد الاستصناع يدخل في عداد عقود الأمانة التي عددتها المادة 341 من قانون العقوبات على سبيل الحصر، ولا محل لما يتحدى به الطاعن في هذا الصدد من صدور حكم في دعوى تجارية حائز لقوة الشيء المحكوم به بتكييف العلاقة بين الطرفين بأنها علاقة مدنية بحت – وذلك لما هو مقرر وفقاً للمادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه لا تكون للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، ذلك بأن المحكمة الجنائية تختص بموجب المادة 221 من ذلك القانون بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهى في محاكمة المتهمين عن الجرائم التي يعرض عليها الفصل فيها لا يمكن أن تتقيد بأي حكم صادر من أية جهة أخرى مهما كانت. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استند في رفضه دفعي الطاعن الأولين المشار إليهما في أوجه النعي إلى قوله. "وحيث إنه بالنسبة للدفعين الأول والثاني المبديين من المتهم – الطاعن – وهما عدم قبول الدعوى المدنية لسابقة اختيار الطريق المدني ولسابقة الفصل فيها فمردود عليهما بأن الدعوى 582 لسنة 1967 تجارى كلي القاهرة لم ترفع بطلب تعويض عما أصاب المدعي المدني من ضرر وإنما رفعت بطلب أحقية المدعي إلى كمية الذهب المملوكة له وفسخ الإقرار المؤرخ 13/ 3/ 1967 وقد قضى الحكم الصادر في الدعوى المذكورة بفسخ الإقرار المذكور وإلزام المدعى عليه فيها – بأن يرد كمية الذهب عيار 21 وقدرها 2884 جراماً وبالتالي فتكون الدعويان مختلفين سبباً وموضوعاً وإذ كان هذا الذي رد به الحكم على الدفعين صحيحاً في القانون، ذلك بأنه متى كان البين من الحكم أن المدعي بالحقوق المدنية قد أقام دعواه التجارية من قبل بطلب رد كمية الذهب المسلمة منه للطاعن، بينما أسس دعواه الماثلة المرفوعة بطريق الادعاء المباشر على التبديد مطالباً – بعد توقيع العقوبة على الطاعن – إلزامه بتعويض الضرر الفعلي الناشئ عن هذه الجريمة، في خصوص ما لم يقم الطاعن برده من تلك الكمية تنفيذاً لحكم الرد الصادر في الدعوى التجارية المشار إليها، فإن الدعويين – والحال كذلك تختلفان سبباً وموضوعاً، ولا يكون ثمة محل للدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة – استناداً إلى سقوط حق المدعي بالحقوق المدنية في المطالبة بالتعويض أمام القضاء الجنائي لسبق اختياره الطريق المدني، أو إلى عدم جواز نظر الدعوى المدنية لسبق للفصل فيها.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أسس رفضه دفع الطاعن بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة على قوله: وحيث إنه عن الدفع الثالث المبدي من المتهم – الطاعن – وهو انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة فمردود عليه بأن واقعة التبديد لم تتأكد إلا من تاريخ تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى 582 لسنة 1967 تجارى كلي وهو 21/ 6/ 1972. وإذ كان من المقرر أن ميعاد انقضاء الدعوى الجنائية في جريمة خيانة الأمانة لا يبدأ من تاريخ إيداع الشيء المختلس لدى من أؤتمن عليه بل من تاريخ طلبه والامتناع عن رده أو ظهور عجز المتهم عن الرد إلا إذا قام الدليل على خلاف ذلك، وكان الحكم قد أبان أن الامتناع وظهور العجز عن الرد لم يتحققا إلا من يوم 21 يونيه سنة 1972 – تاريخ محضر تنفيذ الحكم التجاري الذي قضى بالرد – وكان الثابت أن المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية لم تمض من ذلك اليوم حتى تاريخ رفع الدعوى الماثلة فإن الحكم إذ رفض الدفع سالف الذكر يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.
3 - لما كان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة التبديد التي دان بها الطاعن، وكان ما يثيره من أنه أضحى عرضة للتنفيذ عليه – في الشق المدني – بالحكمين التجاري والمطعون فيه معاً، غير سديد لما هو ثابت من الحكم المطعون فيه من أن الحكم التجاري قد سبق تنفيذه بالفعل وتبين من محضر هذا التنفيذ – المحرر في 21 من يونيه سنة 1972 – استحالة التنفيذ العيني بالنسبة لكمية الذهب موضوع الدعوى الماثلة لتبديدها، ومن ثم لم يبق سوى التنفيذ بطريق التعويض بموجب الحكم المطعون فيه، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الوقائع

أقام المدعي بالحقوق المدنية دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة الجمالية الجزئية ضد الطاعن وآخرين بوصف أن الطاعن بدد 2719.10 جراماً من الذهب عيار 21 كانت قد سلمت إليه لتصنيعها غوايش "شيفاليه" وذلك إضراراً به مع إلزام المدعى عليهم الأربعة الأول بأن يدفعوا إليه قيمة الذهب وقدره 3399 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 7% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد وطلب عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات، ثم عاد المدعي المدني وطلب إثبات ترك الخصومة في الدعوى المدنية بالنسبة للمدعى عليهم الثاني والثالث والرابع والخامس، وعدل طلباته إلى طلب إلزام الطاعن بأن يدفع له مبلغ 6949 ج كتعويض عن الإضرار التي لحقت به مع إلزامه المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة الجمالية الجزئية قضت حضورياً اعتبارياً عملاً بمادة الاتهام. (أولاً) في الدعوى الجنائية بحبس المتهم (الطاعن) سنة مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لإيقاف التنفيذ. (ثانياً) إثبات ترك المدعي المدني لدعواه المدنية بالنسبة للمدعى عليهم الأخرين وإلزامه المصاريف. (ثالثاً) بإلزام المتهم بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ 5500 جنيه كتعويض شامل كافة الأضرار وقيمة 2719.20 جرام ذهب والمصاريف. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم، ومحكمة القاهرة الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه و تأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض …. إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة تبديد، قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه. ذلك بأنه خلص في تكييفه العلاقة بين الطاعن والمدعي بالحقوق المدنية إلى وجود عقد من عقود الأمانة – أساسه إقراراً صادر من الطاعن – مخالفاً بذلك ما انتهى إليه الحكم الصادر في الدعوى رقم 582 لسنة 1967 تجاري كلي القاهرة – الحائز لقوة الشيء المحكوم به – من أن العلاقة بين الطرفين إنما هي علاقة مدنية بحت أسفرت عن مديونية الطاعن بكمية الذهب المبينة بالإقرار وبالحكم. هذا إلى خطأ الحكم المطعون فيه برفضه دفوع الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها بطريق الادعاء المباشر بعد سبق اختيار الطريق المدني، ولعدم جواز نظر الدعوى المدنية لسبق الفصل فيها – وذلك في الدعوى التجارية السابق ذكرها - وبانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة. وقد ترتب على ذلك كله أن دين الطاعن بجريمة متخلفة الأركان وأصبح يواجه حكمين، أحدهما يلزمه برد كمية من الذهب – وهو الحكم التجاري سالف البيان – و الآخر يلزمه بدفع قيمة هذه الكمية ذاتها، وهو الحكم المطعون فيه، وهكذا أضحى الطاعن عرضة للتنفيذ عليه – في الشق المدني – بالحكمين معاً، تنفيذاً عينياً تارة و تنفيذاً بطريق التعويض تارة أخرى.
وحيث إن الحكم الابتدائي – المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه – بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن تسلم من المدعي بالحقوق المدنية – على سبيل الأمانة – كمية من الذهب قدرها 3065 جراماً عيار 21 لصنعها أساور، ثم حرر الطاعن إقراراً بذلك تعهد فيه برد هذه الكمية على دفعات بواقع 80 جراماً شهرياً. بيد أن المدعي بالحقوق المدنية أقام الدعوى رقم 582 لسنة 1967 تجاري كلي القاهرة التي حكم فيها بفسخ الإقرار وإلزام الطاعن بأن يرد له كمية من الذهب قدرها 2884 جراماً عيار 21، وقد تأيد هذا الحكم استئنافياً ولكن الطاعن لم يرد سوى 164.8 جراماً – بموجب محضر مؤرخ 21 من يونيه سنة 1972 لدى قيام المحضر بتنفيذ ذلك الحكم بينما بدد باقي الكمية وقدره 2719.2 جراماً إضراراً بالمدعي بالحقوق المدنية، ومن ثم فقد أقام الأخير الدعوى الماثلة بطريق الادعاء المباشر بطلب عقاب الطاعن بجريمة التبديد وإلزامه بتعويض قدره 6949 جنيهاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن عقد الاستصناع يدخل في عداد عقود الأمانة التي عددتها المادة 341 من قانون العقوبات على سبيل الحصر، ولا محل لما يتحدى به الطاعن في هذا الصدد من صدور حكم في الدعوى التجارية سالفة الذكر حائز لقوة الشيء المحكوم به – بفرض تكييفه العلاقة بين الطرفين بأنها علاقة مدنية بحت – وذلك لما هو مقرر وفقاً للمادة 417 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه لا تكون للأحكام الصادرة من المحاكم المدنية قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، ذلك بأن المحكمة الجنائية تختص بموجب المادة 221 من ذلك القانون بالفصل في جميع المسائل التي يتوقف عليها الحكم في الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهى محاكمة المتهمين عن الجرائم التي يعرض عليها الفصل فيها لا يمكن أن تتقيد بأي حكم صادر من أية جهة أخرى مهما كانت. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استند في رفضه دفعي الطاعن الأولين المشار إليهما في أوجه النعي إلى قوله: "وحيث إنه بالنسبة للدفعين الأول والثاني المبديين من المتهم – الطاعن – وهما عدم قبول الدعوى المدنية لسابقة اختيار الطريق المدني ولسابقة الفصل فيها فمردود عليهما بأن الدعوى 582 لسنة 1967 تجاري كلي القاهرة لم ترفع بطلب تعويض عما أصاب المدعي المدني من ضرر وإنما رفعت بطلب أحقية المدعي إلى كمية الذهب المملوكة له وفسخ الإقرار المؤرخ 13/ 3/ 1967 وقد قضى الحكم الصادر في الدعوى المذكورة بفسخ الإقرار المذكور وإلزام المدعى عليه فيها بأن يرد كمية الذهب عيار 21 وقدرها 2884 جراماً وبالتالي فتكون الدعويان مختلفين سبباً وموضوعاً. وإذ كان هذا الذي رد به الحكم على الدفعين صحيحاً في القانون، ذلك بأنه متى كان البين من الحكم أن المدعي بالحقوق المدنية قد أقام دعواه التجارية من قبل بطلب رد كمية الذهب المسلمة منه للطاعن، بينما أسس دعواه الماثلة. المرفوعة بطريق الادعاء المباشر على التبديد، مطالباً – بعد توقيع العقوبة على الطاعن – إلزامه بتعويض الضرر الفعلي الناشئ عن هذه الجريمة، في خصوص ما لم يقم الطاعن برده من تلك الكمية تنفيذاً لحكم الرد الصادر في الدعوى التجارية المشار إليها، فإن الدعويين – والحال كذلك – تختلفان سبباً وموضوعاً، ولا يكون ثمة محل للدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة – استناداً إلى سقوط حق المدعي بالحقوق المدنية في المطالبة بالتعويض أمام القضاء الجنائي لسبق اختياره الطريق المدني، أو إلى عدم جواز نظر الدعوى المدنية لسبق الفصل فيها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أسس رفضه دفع الطاعن بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة على قوله: "وحيث إنه عن الدفع الثالث المبدي من المتهم – الطاعن – وهو انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة فمردود عليه بأن واقعة التبديد لم تتأكد إلا من تاريخ تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى 582 لسنة 1967 تجاري كلي وهو 21/ 6/ 1972. وإذ كان من المقرر أن ميعاد انقضاء الدعوى الجنائية في جريمة خيانة الأمانة لا يبدأ من تاريخ إيداع الشيء المختلس لدى من أؤتمن عليه بل من تاريخ طلبه والامتناع عن رده أو ظهور عجز المتهم عن الرد إلا إذا قام الدليل على خلاف ذلك، وكان الحكم قد أبان أن الامتناع وظهور العجز عن الرد لم يتحققا إلا من يوم 21 من يونيه سنة 1972 – تاريخ محضر تنفيذ الحكم التجاري الذي قضى بالرد – وكان الثابت أن المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية لم تمض من ذلك اليوم حتى تاريخ رفع الدعوى الماثلة فإن الحكم إذ رفض الدفع سالف الذكر يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة التبديد التي دان بها الطاعن، وكان ما يثيره من أنه أضحى عرضة للتنفيذ عليه – في الشق المدني – بالحكمين التجاري والمطعون فيه معاً، غير سديد لما هو ثابت من الحكم المطعون فيه من أن الحكم التجاري قد سبق تنفيذه بالفعل وتبين من محضر هذا التنفيذ – المحرر في 21 من يونيه سنة 1972 – استحالة التنفيذ العيني بالنسبة لكمية الذهب موضوع الدعوى الماثلة لتبديدها، ومن ثم لم يبق سوى التنفيذ بطريق التعويض بموجب الحكم المطعون فيه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.