مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1279

(133)
جلسة 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وعضوية السادة علي بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمود إبراهيم وحسني جورجي غبريال المستشارين.

القضية رقم 54 لسنة 2 القضائية (ش)

( أ ) دعوى - ميعاد رفع الدعوى - الطعن في قرار إداري - نص المشرع بالمادة 23 من قانون المحكمة العليا رقم 57 على طريقتي النشر والتبليغ ليس معناه أن تحل إحداهما محل الأخرى سواء كان القرار فردياً أو عاماً - الأصل أن القرارات التنظيمية العامة يجرى ميعاد الطعن فيها من تاريخ نشرها أما القرارات الفردية فيجرى ميعاد الطعن فيها من تاريخ تبليغها ولو كانت مما يجب نشرها حتى تنفذ قانوناً - ثبوت علم صاحب الشأن بالقرار علماً حقيقياً لا ظنياً ولا افتراضاً شاملاً لمحتويات القرار بطريقة أخرى - جريان الميعاد في هذه الحالة من تاريخ هذا العلم باعتبار أنه تحقق بوسيلة أخرى غير النشر والتبليغ - أساس ذلك - مما يؤكد الأصل السابق سبق تقرير المشرع السوري مثل هذه التفرقة بين النشر والتبليغ في خصوص نفاذ القرارات والمقررات الصادرة عن السلطات المحلية.
(ب) موظف - سن الموظف - القرار رقم 2059 بتاريخ 14/ 2/ 1931 في شأن نظام تقاعد موظفي حكومة اللاذقية - اعتداده في شأن الموظفين الموجودين بالخدمة وقت صدوره بتاريخ تولدهم حسب القيود المدونة في سجلات إحصاء النفوس في أول كانون الثاني سنة 1930 - حصول أحد هؤلاء الموظفين سنة 1929 على حكم بتصحيح تاريخ ميلاده وقيده معدلاً بسجل النفوس - استقرار حالته على أساس هذا التاريخ المدون بالسجل - ضم منطقة اللاذقية إلى الدولة السورية وتطبيق قانون التقاعد المعمول به في سوريا (المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935) في محافظة اللاذقية - ليس من مقتضاه المساس بالأوضاع المستقرة طبقاً للقوانين التي كان معمولاً بها في اللاذقية قبل الضم - وجود نص في المرسوم المذكور يقضي بعدم الاعتداد بتصحيحات السن الجارية بعد تحرير النفوس في سنة 1922 إلا إذا كان لتصحيح خطأ حسابي وقع عند تحويل التاريخ العثماني إلى التاريخ الميلادي - لا يؤثر في حالة من صحح سنه في عام 1929 من موظفي حكومة اللاذقية - أساس ذلك - مثال.
(جـ) موظف - رواتب تقاعدية - تسوية الرواتب التقاعدية وفقاً لقانون تقاعد الجيش للموظفين المعدودين من رجال الشرطة في مفهوم القانون رقم 14 لسنة 1958 - تحديد المادة 38 من هذا القانون من يعتبر ضابطاً وفق أحكامه - شرط إضفاء صفة الضابط على من عينوا خلال فترة الانتقال أن يتم تدريبهم نظامياً - لا محل لإضفاء هذه الصفة على من سرح قبل أن يتم تدريبه نظامياً - عم استفادته من قانون التقاعد العسكري وخضوعه لقانون تقاعد الموظفين المدنيين.
1 - تنص المادة 23 من قانون المحكمة العليا السابقة على أنه "يجب أن تقام دعوى الإبطال في ميعاد شهر من اليوم الذي يفترض فيه أن المستدعي قد عرف قانوناً بالقرار أو بالمرسوم المطعون فيه إما بطريقة النشر وإما بطريقة التبليغ أو بأية طريقة أخرى تحت طائلة الرد".
والمشرع إذ نص على طريقتي النشر والتبليغ لم يقصد أن تحل إحداهما محل الأخرى بحيث يجرى ميعاد الطعن من أيهما بالنسبة لأي قرار فردياً كان أو عاماً وإنما قصد أن يفترض في صاحب الشأن أنه علم بالقرار من تاريخ نشره حيث يكون النشر هو الطريقة القانونية لافتراض حصول العلم كما هي الحال في القرارات التنظيمية العامة التي لا تخص فرداً بذاته وإنما الخطاب فيها موجه إلى الكافة والعلم بمثل هذه القرارات بحكم طبائع الأشياء لا يتأتى إلا افتراضاً عن طريق النشر ومن ثم يجرى ميعاد الطعن فيها من تاريخ نشرها - أما القرارات الفردية فإن الوسيلة الطبيعية لإعلام صاحب الشأن بها هو تبليغها إليه ومن ثم فإن الأصل أن يجرى ميعاد الطعن فيها من تاريخ تبليغها ولو كانت هذه القرارات مما يجب نشرها حتى تنفذ قانوناً الأصل هو ما تقدم إلا إذا ثبت علم صاحب الشأن بالقرار علماً حقيقياً لا ظنياً ولا افتراضاً وشاملاً لمحتويات القرار بطريقة أخرى فعندئذ يجرى حساب الميعاد من تاريخ هذا العلم باعتبار أنه قد تحقق بوسيلة أخرى غير النشر والتبليغ كما يجرى بذلك نص المادة المشار إليها.
ومما يؤكد أن النشر لا يقوم مقام التبليغ في جريان الميعاد بالنسبة للقرارات الفردية أن المرسوم التشريعي رقم 5 الصادر في 11/ 2/ 1936 في شأن نشر وحفظ القوانين نص في المادة الثانية منه المعدلة بالمرسوم التشريعي رقم 164 المؤرخ 8 من تموز 1942 على أنه "في جميع الأحوال التي لم يأت القانون على ذكر طريقة أخرى للنشر فإن القرارات والمقررات الصادرة عن السلطات المحلية - المحافظين وقوام المقام ورؤساء البلديات - تصبح نافذة بمجرد إعلانها على جدار قصر الحكومة أو البلدية فيما إذا كان لها صفة نظامية أو عامة كما وأنها تصبح نافذة لدى تبليغها شخصياً إلى أصحاب العلاقة بها فيما إذا كان لها صفة شخصية وعلاوة على ذلك يمكن نشر القرارات التي تنطوي أحكامها على نظام دائم في الجريدة الرسمية، وهذا النص وإن كان خاصاً بنفاذ القرارات والمقررات الصادرة عن السلطات المحلية إلا أنه قاطع في الدلالة على أن المشرع يفرق بين النشر وبين الإبلاغ الشخصي فجعل القرارات التي لها صفة نظامية أو عامة نافذة بالإعلان أي بالنشر على جدار قصر الحكومة أو البلدية، وأما القرارات التي لها صفة شخصية فلا تصبح نافذة إلا بإبلاغها إلى أصحاب العلاقة بها - وإذا كان هذا هو الحكم بالنسبة لنفاذ القرارات الإدارية فهو من باب أولى بالنسبة لجريان ميعاد الطعن مما يقطع بأن المادة 23 من قانون المحكمة العليا إذ نصت على أن الميعاد يجرى من تاريخ تبليغ القرار إنما عنت بذلك القرارات الفردية وإذ نصت على أن يجرى من ميعاد النشر إنما عنت بذلك القرارات العامة.
2 - في 14 من شباط سنة 1931 صدر في محافظة اللاذقية القرار رقم 2059 في شأن نظام تقاعد موظفي حكومة اللاذقية. وقد نصت المادة 49 منه على أن "يثبت تاريخ تولد الموظفين الموجودين على رأس الخدمة في تاريخ نشر هذا القرار حسب القيود المدونة في سجلات إحصاء النفوس بتاريخ أول كانون الثاني سنة 1930 أما الذين سيدخلون بالوظيفة تجدداً فحسب تذاكر النفوس التي تطلب منهم حق تعيينهم" وقد ضمت منطقة اللاذقية فيما بعد إلى الدولة السورية وصدر المرسوم التشريعي رقم 154 في 7/ 8/ 1943 ونص فيه على أن يطبق في محافظة اللاذقية قانون التقاعد المعمول به في سوريا قبل أن تضم إليها اللاذقية) وهو المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935 وعلى أن تلغى القوانين المحلية السابقة. إلا أنه ليس من مقتضى هذا النص المساس بالأوضاع المستقرة طبقاً للقوانين التي كان معمولاً بها في محافظة اللاذقية. فإذا كان المدعي موجوداً بالخدمة بحكومة اللاذقية قبل صدور القرار رقم 2059 لسنة 1931 قد حصل على حكم بتصحيح تاريخ ميلاده بجعله سنة 1911 وقيد بسجل النفوس على أنه من مواليد سنة 1911 وأشر أمام اسمه بالمداد الأحمر بما يفيد أن تاريخ ميلاده صحح من سنة 1913 إلى سنة 1911 بمقتضى الحكم رقم 10 الصادر في 11/ 1/ 1929 ولما التحق بخدمة الحكومة باللاذقية في 18 من آذار سنة 1929 قبل بها على أساس أنه من مواليد سنة 1911 بناء على الحكم القضائي المذكور، فإن حالة هذا الموظف من ناحية تاريخ ميلاده تكون قد استقرت بناء على ذلك الحكم الذي ما كان ليجوز إغفاله وعدم الاعتداد به، طبقاً للقرار رقم 2059 لسنة 1931 بنظام التقاعد في محافظة اللاذقية. ولا يؤثر في حالته وجود نص في المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935 الخاص بنظام التقاعد في الحكومة السورية يقضي بعدم الاعتداد بتصحيحات السن الجارية بعد تحرير النفوس في سنة 1922 إلا إذا كان ذلك لتصحيح خطأ حسابي وقعت فيه لجان الإحصاء عند تحويل التاريخ المالي العثماني إلى التاريخ الميلادي، ذلك أن وضع المدعي كان قد استقر - كما سلف البيان - طبقاً للقرار رقم 2059 لسنة 1931 فضلاً عن أن قانون التقاعد في سوريا اتخذ أساساً لإثبات تاريخ الميلاد سجلات تحرير النفوس الذي تم في سنة 1922 في حين أن قانون التقاعد في اللاذقية اتخذ أساساً له القيود المدونة في سجلات إحصاء النفوس في أول كانون الثاني سنة 1930. فالأساس في القانونين مختلف، وقد استوفى المدعي الشروط التي كان يتطلبها القانون الذي كان خاضعاً له وهو القرار رقم 2059 ولا يجوز أن يحدد تاريخ ميلاده على أساس إحصاء سنة 1922 المنصوص عليه في المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935 لأن هذا الإحصاء لم يشمله، ولا يمكن القول بأن الإحصاء الذي تم في اللاذقية في سنتي 1924 و1925 يقابل الإحصاء الذي عمل به في سوريا سنة 1922، لأنه لا ارتباط بين الإحصاءين وقد كانت سوريا واللاذقية كل منهما دولة مستقلة عن الأخرى.
3 - إن قانون تقاعد الجيش إنما ينطبق على الموظفين المعدودين من رجال الشرطة في مفهوم القانون رقم 14 لسنة 1958. وقد نصت المادة 38 من هذا القانون على أن يعتبر ضابطاً وفق أحكام هذا القانون: (1) الضباط الذين في الخدمة عند صدور هذا القانون (2) الضباط الذين يعينون في وظائفهم خلال فترة الانتقال بعد أن يتم تدريبهم نظامياً وفقاً للنظم التي يصدر بشأنها قرار من وزير الداخلية (3) خريجو كلية البوليس، وعلى ذلك فإن المدعي وإن كانت وظيفته وهي مدير ناحية قد نقلت إلى ملاك الشرطة، إلا أنه سرح من وظيفته قبل أن يتم تدريبه نظامياً، ومن ثم لا محل لإضفاء صفة الضابط عليه ولا يخضع لقانون التقاعد العسكري، وإنما يعامل في تصفية حقوقه التقاعدية وفقاً لقانون تقاعد الموظفين المدنيين.


إجراءات الطعن

في 14 من آيار (مايو) سنة 1960 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين بالإقليم السوري عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 54 سنة 2 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بدمشق بجلسة 7 من نيسان (إبريل) سنة 1960 في الدعوى رقم 57 لسنة 1 قضائية المقامة من السيد/ خليل بن علي مرشد صالح ضد السيد وزير الخزانة بالإقليم السوري القاضي "برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الطلب الأول للمدعي والحكم بإجابته إليه وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون لصالحه (المدعى) في 22 من حزيران (يونيه) سنة 1960 وإلى سيادة وزير الخزانة في 29 منه وحدد لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 25 من آب (أغسطس) سنة 1960 وفيها حضر الطرفان وسمعت الدائرة ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات وأرجأت النطق بالحكم إلى جلسة 27 من آب (أغسطس) سنة 1960 حيث صدر الحكم بإحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا لنظرها بجلسة 10 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 وفى هذه الجلسة سمعت المحكمة أقوال الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت إرجاء إصدار الحكم إلى جلسة 21 من أيلول سنة 1960.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعي أقام دعواه في 2 من آذار (مارس) سنة 1959 ضد السيد وزير الخزانة أمام المحكمة العليا، ولما أن صدر القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة في 21 من شباط (فبراير) سنة 1959، ونشر في ذات التاريخ، ونص فيه على العمل به في إقليمي الجمهورية بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشره أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري وقيدت بها تحت رقم 57 لسنة 1 قضائية، وقد طلب المدعي في عريضة دعواه "الحكم: 1 - بقبول عريضة الدعوى شكلاً، 2 - بقبولها موضوعاً، وإبطال القرار المطعون فيه، 3 - بإعادة ما أسلفه المدعي من رسوم وتأمين احتياطي، وتضمين الجهة المدعى عليها النفقات وأتعاب المحاماة، 4 - بإبلاغ الفريقين الحكم الذي يصدر". وقال المدعي شرحاً لدعواه: أنه بموجب قرار وزير الداخلية رقم 1301 المؤرخ 26 من أيلول (سبتمبر) سنة 1958 أحيل المدعي على التقاعد، فطلب تصفية حقوقه التقاعدية على أساس خدماته الفعلية وملاكه الأخير، غير أن سيادة المدعى عليه أصدر في 28 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 القرار المطعون فيه رقم 3988 بتخصيص معاش تقاعد شهري للمدعي قدره 53.72 ليرة سورية اعتباراً من 1 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1958، بعد حذف قسم من خدمات المدعي الفعلية، وعلى أساس ملاكه السابق، وقد أبلغ هذا القرار إلى المدعي في 2 من شباط (فبراير) سنة 1959، وهو يطعن فيه طالباً إبطاله للأسباب الآتية، وهي: أولاً مخالفة القانون وآية ذلك أن القرار المطعون فيه أعتبر أن خدمة المدعي بدأت من أول عام 1931 أي بإسقاط المدة من 18 آذار (مارس) سنة 1929 إلى نهاية عام 1930 بحجة أن تاريخ ميلاد المدعي الحقيقي هو عام 1913، وأنه لا عبرة بالحكم الصادر في 11 من كانون الثاني (يناير) سنة 1929 بتصحيح تاريخ ميلاد المدعي، وقد ترتب على ذلك حرمان المدعي من أن يحتسب له مدة خدمة قدرها سنة وتسعة أشهر وثلاثة عشر يوماً، بدعوى أنها تمت قبل بلوغه سن الثامنة عشرة، وبذلك تكون الجهة المدعى عليها قد طبقت المادة 6 من قانون التقاعد تطبيقاً غير صحيح، إذ غاب عنها أن المدعي عند تعيينه وبعد تعيينه بعدة سنوات كان خاضعاً لقانون التقاعد المعمول به في محافظة اللاذقية والصادر بالقرار رقم 2059 في 7 من شباط (فبراير) سنة 1931 وقد نصت المادة 49 من ذلك القرار على أن "تاريخ ولادة الموظفين القائمين بالخدمة بتاريخ صدور هذا القرار يثبت وفقاً لقيود سجلات الأحوال المدنية بتاريخ الأول من كانون الثاني سنة 1930 أما تاريخ ولادة الموظفين الذين سيعينون فيما بعد يثبت بصكوك الأحوال المدنية التي يبرزونها عند تعيينهم". وقال المدعي: أن هذا النص ينظم شئون الموظفين المعينين قبل صدوره فهو ينطبق على حالته لأنه كان بالخدمة فعلاً عند صدوره، وإن سجلات الأحوال المدنية كانت تتضمن أنه من مواليد سنة 1911، والقول بغير هذا التاريخ يخالف النص المذكور الذي كان ساري المفعول على المدعي وظل ساري المفعول عليه بمقتضى المادة 60 من المرسوم التشريعي رقم 34 الصادر في 27 من نيسان (إبريل) سنة 1949 التي تحتفظ للمستفيدين من التشريع السابق بالحقوق التي اكتسبوها في ظله.
ثانياً : فسر ديوان المحاسبات المادة 60 المشار إليها تفسيراً واضحاً في الرأي الصادر منه برقم 12 بتاريخ 14 من كانون الثاني (يناير) سنة 1953 والمنشور في العدد 2 لسنة 1953 من مجموعة القوانين التي تصدرها وزارة الخزانة، فقال: "أن المقصود من خدمات المستفيدين من التشريع السابق وحقوقهم عن المدة السابقة لنشر المرسوم التشريعي رقم 34 هي الخدمات المتعلقة بالمدة السابقة وحدها. أما المدة اللاحقة لنشر المرسوم 34 فتخضع لأحكامه، وعليه لا يعتبر التصحيح الطارئ على سنة الولادة في الإحالة على التقاعد التي تتم بعد صدور المرسوم 34. أما الخدمات المقبولة بموجب هذا التصحيح بحسب التشريع السابق فتبقى مقبولة لأنها من الحقوق المكتسبة". وذكر المدعي أن هذا الرأي صحيح وفى غاية الوضوح ويتفق مع النظريات العلمية بشأن تنازع القوانين، ذلك أن القانون الجديد لا يجوز أن يسلب حقوقاً نهائية رتبها القانون القديم، وإنما يطبق من تاريخ صدوره، وأضاف المدعي أن منشأ الخطأ في موضوع الدعوى هو عدم اعتبار النصوص القديمة فيما يتعلق بتحديد السن من أجل الإحالة إلى التقاعد، وقد غاب عن البال في موضوع الدعوى أن القضية لا تتعلق بتحديد سنه لإحالته على التقاعد، بل تتعلق بحساب سني خدمته فقط، وأن الفرق بين الأمرين واضح، ثم ذكر المدعي تحت ثالثاً ما يلي: "وعلى كل حال واستطرداً، فلقد أخذ القرار المطعون فيه بتاريخ الولادة الوارد في إحصاء عام 1925 مع أنه كان قد جرى إحصاء في عام 1924، ورد فيه أن المدعي مولود في عام 1912، وبما أن هذا الإحصاء هو الأول ويعتبر الثاني مصححاً للأول ولا يعتد به فيما إذا أهملنا تماماً أحكام القرار 2056". رابعاً : سبق أن نقل المدعي من ملاك وزارة الداخلية إلى ملاك الشرطة في 24 من آب (أغسطس) سنة 1958، ومن القواعد المقررة أن تجرى تصفية المعاش على أساس الملاك الأخير أي على أساس أنه من موظفي ملاك الشرطة، وتطبق في حقه أحكام المادة 4 من القانون رقم 198 الصادر في 4 من تموز (يوليه) سنة 1954 التي تخضع رواتب الضباط والرتباء والدركيين المحترفين (الذين أصبحوا جميعهم شرطة بموجب القانون الصادر في 13 من آذار (مارس) سنة 1958) لحساب التقاعد، وتوجب أن يطبق عليهم قانون تقاعد الجيش الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 18 الصادر في 18 من كانون الثاني (يناير) سنة 1950 مع تعديلاته، وقال المدعي: أن القرار المطعون فيه قد طبق على حالة المدعي المرسوم التشريعي رقم 34 وليس المرسوم التشريعي رقم 18، فإنه يكون باطلاً من هذه الناحية أيضاً.
وقد ردت وزارة الخزانة على الدعوى بمذكرة مؤرخة 25 من آيار (مايو) سنة 1959 طلبت فيها الحكم "برد الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني، وفى الموضوع برد الدعوى مع إلزام المدعي بالرسوم والمصاريف والأتعاب"، وقالت عن الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً: بأن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 28 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 ونشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 22 من كانون الثاني (يناير) سنة 1959، ولم يرفع دعواه إلا في 2 من آذار (مارس) سنة 1959 أي بعد انقضاء مدة الشهر المحددة في المادة 23 من القانون رقم 57، من تاريخ علمه بالقرار، ويفترض أنه علم به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية حتى ولو لم يكن قد أبلغ به إلا بعد تاريخ نشره، ومن ثم فتكون الدعوى غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد. أما من ناحية الموضع فإنه بالرجوع إلى الإضبارة التقاعدية المتعلقة بتصفية الحقوق التقاعدية الخاصة بالمدعي، يتضح أنه من مواليد سنة 1912 حسب الإحصاء الجاري في محافظة اللاذقية، وقد صحح تاريخ ميلاده بجعله سنة 1911 بموجب القرار الصادر من المحكمة في 11 من كانون الثاني (يناير) سنة 1929 تحت رقم 10 تصحيحاً لم يثبت فيه أنه ناشئ عن غلط حسابي في تحويل التقويم المالي العثماني إلى التقويم الميلادي، عملاً بالقانون رقم 183 الصادر في 9 من حزيران (يونيه) سنة 1954 وما سبقه من القوانين والأنظمة، ولما كانت المادة 60 من المرسوم التشريعي تنص على أن خدمات المستفيدين من التشريع السابق وحقوقهم السابقة لتاريخ نشر هذا المرسوم التشريعي تقبل ضمن الشروط وبمقتضى الأحكام التي كانت سارية عليهم، ولما كان المقصود بالتشريع السابق الوارد ذكره في هذه المادة هو - كما استقر عليه رأي الهيئة العامة لديوان المحاسبات - المرسوم الاشتراعي رقم 161 الصادر في 4 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1935، والذي تنص المادة 12 منه على أنه "يثبت تاريخ تولد الموظفين الموجودين على رأس الوظيفة حين صدور هذا المرسوم الاشتراعي حسب تحرير النفوس الجاري سنة 1922". وإذ كان المدعي موجوداً في الوظيفة حين صدور هذا المرسوم، لذلك اعتبر من مواليد سنة 1913 حسب الإحصاء، وذلك فيما يتعلق بتعيينه في الوظيفة لأول مرة، وعلى هذا الأساس لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره إلا في 1 من كانون الثاني (يناير) سنة 1931، وتبعاً لذلك لم تحسب مدة خدمته السابقة لهذا التاريخ ومجموعها سنة واحدة وشهر وثلاثة عشر يوماً في تصفية حقوقه التقاعدية وفقاً لأحكام قانون التقاعد المالي والقوانين السابقة، وأضافت الجهة المدعى عليها بأن ما يقوله المدعي من أنه نقل من ملاك وزارة الداخلية إلى ملاك الشرطة وأن حقوقه التقاعدية يجب تصفيتها على أساس هذا الملاك مردود بأن المادة 38 من القانون رقم 14 لسنة 1958 تنص على أن يعتبر ضابطاً وفق أحكام هذا القانون: 1 - الضباط الموجودون في الخدمة عند صدور هذا القانون، 2 - الضباط الذين يعينون في وظائفهم خلال فترة الانتقال، 3 - الموظفون المدنيون وضباط الأمن الذين ينقلون إلى وظائف الشرطة خلال فترة الانتقال، بعد أن يتم تدريبهم نظامياً وفقاً للنظم التي يصدر بشأنها قرار من وزير الداخلية، وتبعاً لذلك، ولما كان المدعي وإن كانت وظيفته بصفته مدير ناحية قد نقلت إلى ملاك الشرطة خلال فترة الانتقال إلا أنه صار تسريحه خلال هذه الفترة قبل أن يتم تدريبه، ومن ثم لم يتوافر في حالته أحد الشروط لاعتباره ضابطاً طبقاً لنص المادة المذكورة، ولذلك صفيت حقوقه التقاعدية باعتباره موظفاً مدنياً، وخصص له معاش تقاعدي على هذا الأساس، وذلك بالقرار المطعون فيه. وانتهت الجهة المدعى عليها بأن طلبت رد الدعوى موضوعاً مع إلزام المدعي الرسوم والمصاريف والأتعاب.
وقد قدم مفوض الدولة مذكرة بالرأي القانوني في الدعوى ارتأى فيها "الحكم: 1 - بقبول الدعوى شكلاً، 2 - قبولها موضوعاً فيما يتعلق بالسن، وإلغاء القرار المطعون فيه من هذه الناحية، 3 - رد ما جاء في الدعوى من ناحية تطبيق قانون تقاعد الجيش على المدعي - وقد استند السيد المفوض في طلب قبول الدعوى شكلاً، إلى أن القرار المطعون فيه لم يبلغ إلى المدعي إلا في 2 من شباط (فبراير) سنة 1959، ولا عبرة بتاريخ النشر عند وجود التبليغ الذي هو الأصل، ومن ثم فتكون الدعوى قد رفعت في الميعاد القانوني. وأما من ناحية الموضوع فأبدى السيد المفوض أنه فيما يتعلق بسن المدعي، فإنه ولد في اللاذقية وقيدت ولادته في سجلات الأحوال المدنية فيها باعتباره من مواليد سنة 1913، ثم حصل على حكم من المحكمة المختصة في 11 من كانون الثاني (يناير) سنة 1929 بتصحيح تاريخ ميلاده إلى سنة 1911، وعين في 18 من آذار (مارس) سنة 1929 كاتباً متمرناً في اللاذقية، وكان تعيينه على أساس هذا التصحيح أي أنه من مواليد سنة 1911، فيكون عند تعيينه قد بلغ السن المقبولة في التوظف، ولما كانت المادة 41 من القرار رقم 3059 الصادر في 7 من شباط (فبراير) سنة 1931 في شأن نظام التقاعد في محافظة اللاذقية تنص على أن "تاريخ ولادة" الموظفين القائمين بالخدمة في تاريخ صدور هذا القرار، يثبت وفقاً لقيود سجلات الأحوال المدنية في تاريخ أول كانون الثاني (يناير) سنة 1930. أما تاريخ ولادة الموظفين الذين سيعينون فيما بعد فيثبت بصكوك الأحوال المدنية التي يبرزنها عند تعيينهم". ولما كان المدعي موجوداً بالخدمة عند صدور هذا القرار وقد تضمنت قيود سجلات الأحوال المدنية في اللاذقية في أول كانون الثاني (يناير) سنة 1930 أنه من مواليد سنة 1911، إذ كان المدعي قد صحح تاريخ ميلاده إلى هذا التاريخ، وذلك قبل 1 من كانون الثاني (يناير) سنة 1930، فلهذه الأسباب يكون عدم احتساب مدة خدمة المدعي من 18 من آذار (مارس) سنة 1929 إلى آخر سنة 1930 في تصفية حقوقه التقاعدية مخالفاً للمرسوم التشريعي رقم 34 الصادر في 27 من نيسان (إبريل) سنة 1949، الذي ينص في المادة 60 منه على أن "خدمات المستفيدين من التشريع السابق وحقوقهم السابقة لتاريخ هذا المرسوم التشريعي تقبل ضمن الشروط، وبمقتضى الأحكام التي كانت سارية عليهم". وأما من ناحية ما ادعاه المدعي من أحقيته في الاستفادة من أحكام قانون تقاعد الجيش، فقد رأى السيد المفوض ألا حق للمدعي في ذلك، ومن ثم فيكون القرار المطعون فيه سليماً من هذه الناحية.
وبجلسة 7 من نيسان (إبريل) حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات، ولم تتعرض للدفع، وأقامت قضاءها في الموضوع على أن المدعي أجرى تصحيح تاريخ ميلاده من عام 1913 إلى عام 1911، بمقتضى حكم قضائي صادر في 11 من كانون الثاني (يناير) سنة 1929، ونصت المادة 49 من القرار رقم 2059 الصادر في 7 من شباط (فبراير) سنة 1931، على تثبيت تولد الموظفين الموجودين في الخدمة في تاريخ نشره بقيد نفوسهم في 1 من كانون الثاني (يناير) سنة 1930، إلا أنه لما أدمجت منطقة العلويين التي كان المدعي موظفاً بها في كيان الدولة السورية صدر المرسوم التشريعي رقم 154 في 7 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1943، ونص في مادته الثانية على أن تطبق في محافظة جبل العلويين أحكام القوانين والمراسيم الاشتراعية المتعلقة بالتقاعد، وتعويض التنسيق المرعية في الجمهورية السورية، ومنحت المادة الثالثة منه موظفي تلك المحافظة حق طلب إحالتهم على التقاعد أو الاستقالة ضمن الشروط المعينة فيه، وإذ كان تشريع التقاعد المعمول به في الجمهورية السورية وقتئذ هو المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935، فقد أصبح موظفو محافظة اللاذقية خاضعين لأحكامه، شأنهم شأن جميع موظفي الدولة السورية، وقد نصت المادة 12 من هذا المرسوم التشريعي على تثبيت تاريخ تولد الموظفين الموجودين بالخدمة حين صدوره حسب تحرير النفوس في سنة 1922، وبعدم اعتبار تصحيحات السن الجارية بعد ذلك إلا إذا كانت لإصلاح خطأ حسابي وقعت فيه لجان الإحصاء أثناء تحويلها التاريخ المالي العثماني إلى التاريخ الميلادي، وانتهى الحكم إلى أن المستفاد من هذه النصوص أن الأصل المقرر هو اعتماد سن الموظفين الرسمية بموجب إحصاء عام 1922. أما من حيث طلب المدعي تسوية راتبه التقاعدي، فقد رفضت المحكمة هذا الطلب مستندة إلى أن قانون تقاعد الجيش إنما يطبق على الموظفين المعدودين من رجال الشرطة في مفهوم القانون رقم 14 لسنة 1958. وقد نصت المادة 38 من هذا القانون، على أن يعتبر ضابطاً وفق أحكام هذا القانون (1) الضباط الذين في الخدمة عند صدور هذا القانون. (2) الضباط الذين يعينون في وظائفهم خلال فترة الانتقال بعد أن يتم تدريبهم نظامياً وفقاً للنظم التي يصدر بشأنها قرار من وزير الداخلية. (3) خريجو كلية البوليس. وجاء في الحكم المطعون فيه أن المدعي وإن كانت وظيفته هي مدير ناحية قد نقلت إلى ملاك الشرطة، إلا أنه سرح من وظيفته قبل أن يتم تدريبه نظامياً، ومن ثم لا محل لإضفاء صفة الضابط عليه، ولا يخضع لقانون التقاعد العسكري، وإنما يعامل في تصفية حقوقه التقاعدية وفقاً لقانون تقاعد الموظفين المدينين.
وقد طعنت هيئة المفوضين في هذا الحكم، مؤسسة طعنها على أن نظام التقاعد الذي صدر في محافظة اللاذقية بالقرار رقم 2059 في 7 من شباط (فبراير) سنة 1931 نص في المادة 49 منه على أن تاريخ ولادة الموظفين القائمين بالخدمة في تاريخ صدوره يثبت وفقاً لقيود سجلات الأحوال المدنية في 1 من كانون الثاني (يناير) سنة 1930، وأنه لما كانت سجلات الأحوال المدنية في اللاذقية في هذا التاريخ تضمنت اسم المدعي، ومبين أمامه أنه من مواليد سنة 1911 بعد تصحيحه قبل 1 من كانون الثاني (يناير) سنة 1930، فلذلك يسري في شأنه هذا النص بأثره المباشر، وقد اكتسب المدعي حقاً في معاملته على هذا الأساس، وأنه ولئن كانت قد صدرت بعد ذلك قواعد تنظيمية أخرى في هذا الشأن فإنها لا تسري في حقه وإلا ترتب على ذلك المساس بحقه الذي اكتسبه نهائياً من الحكم الصادر لصالحه في شأن تحديد سنة وتاريخ ولادته، وأن حقه المكتسب في معاملته على أساس معين قد تولد في ظل قوانين صدرت في منطقة العلويين التي كانت مستقلة في ذاك الوقت، وهي قوانين معترف بها، وكانت خاصة بهذه المنطقة بالذات دون باقي أجزاء الجمهورية المستقلة وقد صدرت قبل المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935. أما فيما يتعلق بطلب المدعي معاملته بقانون تقاعد الجيش، فقد رأت هيئة المفوضين في عريضة طعنها تأييد الحكم المطعون فيه، فيما قضى به من رفض هذا الطلب.
وقدمت الحكومة مذكرة مؤرخة 17 من تموز (يوليه) سنة 1960 طلبت فيها الحكم أصلياً بإلغاء الحكم المطعون فيه، وعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، واحتياطياً برفض الطعن. كذلك قدم المدعي مذكرة مؤرخة 12 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960، طلب فيها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم بتعديل القرار المطعون فيه من حيث عدم إدخال المدة موضوع النزاع في حساب معاش تقاعد المدعي.
ومن حيث إن الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً يقوم على أن المدعي رفع دعواه في 2 من آذار (مارس) سنة 1959، بعد أن كان قد مضى على تاريخ نشر القرار المطعون فيه مدة تجاوزت الشهر المحددة في المادة 23 من القانون رقم 57 الخاص بالمحكمة العليا السابقة.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه صدر في 28 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958، ونشر في الجريدة الرسمية في 22 من كانون الثاني (يناير) سنة 1959 وأبلغ إلى المدعي في 2 من شباط (فبراير) سنة 1959 ورفع المدعي دعواه في 2 من آذار (مارس) سنة 1959، ولما كانت المادة 23 من قانون المحكمة العليا السابقة تنص على أنه "يجب أن تقام دعوى الإبطال في ميعاد شهر من اليوم الذي يفترض فيه أن المستدعي قد عرف قانوناً بالقرار أو بالمرسوم المطعون فيه، إما بطريقة النشر وإما بطريقة التبليغ أو بأية طريقة أخرى تحت طائلة الرد". فيكون محل البحث هو ما إذا كانت مدة الطعن المحددة في هذه المادة تجري من تاريخ النشر أو من تاريخ التبليغ، إذ في الحالة الأولى تكون الدعوى قد رفعت بعد الميعاد بعكس الحالة الثانية، فإنها تكون قد رفعت خلاله.
ومن حيث إن المشرع إذ نص على طريقتي النشر والتبليغ لم يقصد أن تحل إحداهما محل الأخرى بحيث يجري ميعاد الطعن من أيهما بالنسبة لأي قرار فردياً كان أو عاماً، وإنما قصد أن يفترض في صاحب الشأن إنه علم بالقرار من تاريخ نشره، حيث يكون النشر هو الطريقة القانونية لافتراض حصول العلم، كما هي الحال في القرارات التنظيمية العامة، التي لا تخص فرداً بذاته، وإنما الخطاب فيها موجه إلى الكافة، والعلم بمثل هذه القرارات بحكم طبائع الأشياء لا يتأتى إلا افتراضاً عن طريق النشر، ومن ثم يجري ميعاد الطعن فيها من تاريخ نشرها. أما القرارات الفردية، فإن الوسيلة الطبيعية لإعلام صاحب الشأن بها هو تبليغها إليه ومن ثم فإن الأصل أن يجرى ميعاد الطعن فيها من تاريخ تبليغها، ولو كانت هذه القرارات مما يجب نشرها حتى تنفذ قانوناً، الأصل هو ما تقدم إلا إذا ثبت علم صاحب الشأن بالقرار علماً حقيقياً لا ظنياً ولا افتراضاً وشاملاً لمحتويات القرار بطريقة أخرى، فعندئذ يجرى حساب الميعاد من تاريخ هذا العلم، باعتبار أنه قد تحقق بوسيلة أخرى غير النشر والتبليغ كما يجزى بذلك نص المادة المشار إليها.
ومن حيث إنه مما يؤكد أن النشر لا يقوم مقام التبليغ في جريان الميعاد بالنسبة للقرارات الفردية، أن المرسوم التشريعي رقم 5 الصادر في 11 من شباط (فبراير) سنة 1936 في شأن نشر وحفظ القوانين نص في المادة الثانية منه المعدلة بالمرسوم التشريعي رقم 164 المؤرخ 8 من تموز (يوليه) سنة 1942 على أنه "في جميع الأحوال التي لم يأت القانون على ذكر طريقة أخرى للنشر، فإن القرارات والمقررات الصادرة عن السلطات المحلية - المحافظين وقوام المقام ورؤساء البلديات - تصبح نافذة بمجرد إعلانها على جدار قصر الحكومة أو البلدية، فيما إذا كان لها صفة نظامية أو عامة، كما وأنها تصبح نافذة لدى تبليغها شخصياً إلى أصحاب العلاقة بها، فيما إذا كان لها صفة شخصية، وعلاوة على ذلك يمكن نشر القرارات التي تنطوي أحكامها على نظام دائم في الجريدة الرسمية"، وهذا النص وإن كان خاصاً بنفاذ القرارات والمقررات الصادرة عن السلطات المحلية، إلا أنه قاطع في الدلالة على أن المشرع يفرق بين النشر وبين الإبلاغ الشخصي فجعل القرارات التي لها صفة نظامية أو عامة نافذة بالإعلان، أي بالنشر على جدار قصر الحكومة أو البلدية. وأما القرارات التي لها صفة شخصية فلا تصبح نافذة إلا بإبلاغها إلى أصحاب العلاقة بها. وإذا كان هذا هو الحكم بالنسبة لنفاذ القرارات الإدارية فهو من باب أولى بالنسبة لجريان ميعاد الطعن، مما يقطع بأن المادة 23 من قانون المحكمة العليا إذ نصت على أن الميعاد يجرى من تاريخ تبليغ القرار، إنما عنت بذلك القرارات الفردية، وإذ نصت على أن يجرى من ميعاد النشر إنما عنت بذلك القرارات العامة.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الدفع في غير محله متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن المدعي كان بمحافظة اللاذقية، وقد أجرى إحصاء بها سنة 1924، ثبت به أن المدعي من مواليد سنة 1912 ثم أجرى إحصاء آخر في السنة التالية ثبت به أنه من مواليد سنة 1913 فاستصدر حكماً قضائياً في 11 من كانون الثاني (يناير) سنة 1929 بتصحيح تاريخ ميلاده بجعله سنة 1911 بدلاً من 1913، والتحق بخدمة محافظة اللاذقية في 18 من آذار (مارس) سنة 1929 على أساس أنه من مواليد سنة 1911 طبقاً للحكم القضائي الصادر بتصحيح سنة ميلاده، وظل بالخدمة إلى أن سرح في 18 من أيلول (سبتمبر) سنة 1958، فبلغت خدمته يوماً واحداً و6 شهور و29 سنة، خصمت منها الإدارة عند تصفية راتبه التقاعدي 13 يوماً و 9 شهور وسنة واحدة، على أساس أنه أمضى هذه المدة في الخدمة قبل بلوغه سن الثامنة عشرة، باعتبار أنه من مواليد سنة 1913، وأنه لا عبرة بالتصحيح الذي حصل على حكم قضائي به وبمقتضاه اعتبر من مواليد سنة 1911، وحجة الإدارة في ذلك أن المرسوم التشريعي رقم 161 الصادر في 4 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1935، نص في المادة 12 منه المعدلة بالمرسوم التشريعي رقم 32 الصادر في 22 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1941، على أن يثبت تاريخ توالد الموظفين والعسكريين الموجودين على رأس الوظيفة حين صدور هذا المرسوم الإشتراعي حسب تحرير النفوس الجاري في سنة 1922، ولا تعتبر تصحيحات السن الجارية بعد تحرير نفوس سنة 1922 إلا إذا كانت ناشئة عن إصلاح خطأ حسابي وقع من جراء عدم إصابة لجان الإحصاء في استنباط الرقم التاريخي الواجب تعيينه نتيجة تحويل التاريخ المالي العثماني إلى التاريخ الميلادي، وإنه بموجب المرسوم التشريعي رقم 154 الصادر في 7 من آب (أغسطس) سنة 1943 طبق على محافظة اللاذقية قانون التقاعد المعمول به في الدولة السورية، وهو المرسوم التشريعي رقم 161 سالف الذكر، وألغيت القوانين المحلية السابقة.
ومن حيث إنه في 14 من شباط (فبراير) سنة 1931 صدر في محافظة اللاذقية القرار رقم 2059 في شأن نظام تقاعد موظفي حكومة اللاذقية، وقد نصت المادة 49 منه على أن "يثبت تاريخ توالد الموظفين الموجودين على رأس الخدمة في تاريخ نشر هذا القرار حسب القيود المدونة في سجلات إحصاء النفوس بتاريخ أول كانون الثاني (يناير) سنة 1930. أما الذين سيدخلون بالوظيفة تجدداً فحسب تذاكر النفوس التي تطلب منهم حين تعيينهم" وقد كان المدعي قبل صدور هذا القرار قد حصل على حكم بتصحيح تاريخ ميلاده بجعله سنة 1911، وقيد بسجل النفوس على أنه من مواليد سنة 1911، وأشر أمام اسمه بالمداد الأحمر بما يفيد أن تاريخ ميلاده صحح من سنة 1913 إلى سنة 1911 بمقتضى الحكم رقم 10 الصادر في 11 من كانون الثاني (يناير) سنة 1929، ولما التحق بخدمة الحكومة باللاذقية في 18 من آذار (مارس) سنة 1929 قبل بها على أساس أنه من مواليد سنة 1911 بناء على الحكم القضائي المذكور، ومن ثم فتكون حالة المدعي من ناحية تاريخ ميلاده قد استقر بناء على ذلك الحكم، الذي ما كان ليجوز إغفاله وعدم الاعتداد به، لعدم ورود نص في قانون التقاعد الخاص بمحافظة اللاذقية، وهو القرار رقم 2059 المشار إليه آنفاً، أي نص مماثل لذلك النص الذي ورد فيما بعد في المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935 بنظام التقاعد في الحكومة السورية، والذي قضى بعدم الاعتداد بتصحيحات السن الجارية بعد تحرير النفوس في سنة 1922 إلا إذا كان ذلك لتصحيح خطأ حسابي وقعت فيه لجان الإحصاء عند تحويل التاريخ المالي العثماني إلى التاريخ الميلادي.
ومن حيث إنه ولئن كانت منطقة اللاذقية قد ضمت فيما بعد إلى الدولة السورية، وصدر المرسوم التشريعي رقم 154 في 7 من آب (أغسطس) سنة 1943، ونص فيه على أن يطبق في محافظة اللاذقية قانون التقاعد المعمول به في سوريا (قبل أن تنضم إليها اللاذقية)، وهو المرسوم التشريعي قم 161 لسنة 1935، وعلى أن تلغى القوانين المحلية السابقة إلا أنه ليس من مقتضى هذا النص المساس بالأوضاع المستقرة طبقاً للقوانين التي كان معمولاً بها في محافظة اللاذقية. فإن وضع المدعي من ناحية تاريخ ميلاده كان قد استقر - كما سلف البيان - طبقاً لقرار رقم 2059 الصادر في 14 من شباط (فبراير) سنة 1931 بنظام التقاعد في محافظة اللاذقية، فضلاً عن أن قانون التقاعد في سوريا اتخذ أساساً لإثبات تاريخ الميلاد سجلات تحرير النفوس الذي تم في أول كانون الثاني (يناير) سنة 1930، فالأساس في القانونين مختلف، وقد استوفى المدعي الشروط التي كان يتطلبها القانون الذي كان خاضعاً له وهو القرار رقم 2059، ولا يجوز أن يحدد تاريخ ميلاده على أساس إحصاء سنة 1922 المنصوص عليه في المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935، لأن هذا الإحصاء لم يشمل المدعي ولا يمكن القول بأن الإحصاء الذي تم في اللاذقية في سنتي 1924، 1925 يقابل الإحصاء الذي عمل في سوريا سنة 1922، لأنه لا ارتباط بين الإحصاءين، وقد كانت سوريا واللاذقية كل منهما دولة مستقلة عن الأخرى.
ومن حيث إنه لذلك يكون المدعي على حق في طلبه احتساب مدة خدمته في تصفية راتبه التقاعدي على أساس أنه من مواليد سنة 1911، وبذلك يتعين قبول الطعن وإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض هذا الطلب والحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر بتسوية راتب تقاعد المدعي فيما تضمنه من عدم احتساب المدة من 18 من آذار (مارس) سنة 1929 إلى نهاية سنة 1930 في تسوية راتبه التقاعدي بحجة أنه أمضى هذه المدة قبل بلوغه سن الثامنة عشر.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب المدعي تسوية راتبه التقاعدي على أساس المرسوم التشريعي رقم 18 لسنة 1950 الخاص بنظام تقاعد رجال الجيش، فيتعين تأييد الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض هذا الطلب، للأسباب التي أقام عليها قضاءه، والتي تأخذ بها هذه المحكمة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى شكلاً. وفي موضوعها باستحقاق المدعي أن تحسب في تصفية راتبه التقاعدي المدة من 18 آذار (مارس) سنة 1929 حتى غاية سنة 1930، وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات المناسبة. ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.