مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1295

(134)
جلسة 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمود محمد إبراهيم المستشارين.

القضية رقم 56 لسنة 2 القضائية

أ - موظف - تأديب - قرار تأديبي - حساب ميعاد الطعن - المجالس الانضباطية الصادر بنظامها المرسوم رقم 264 في 8 من فبراير (شباط) سنة 1950 استناداً إلى المرسوم التشريعي رقم 77 الصادر في 30 من يونيه (حزيران) سنة 1947 الخاص بملاك الدرك السوري - لا تصدر قرارات تأديبية نهائية بل تبدى مجرد رأي - القرار النهائي هو ما يصدره الآمر بالتشكيل الذي له سلطة التصديق على رأي المجلس أو إلغائه - اتخاذ هذا القرار أساساً لحساب مواعيد التظلم والطعن بالإلغاء - أساس ذلك.
ب - قرار تأديبي - محاكمة تأديبية - المجالس الانضباطية - دعوة الشهود أمامها عند المحاكمة - المادة 16 من المرسوم رقم 264 لسنة 1950 الخاص بنظام المجالس الانضباطية - عدم إلزامها رئيس المجلس بدعوة الشهود آلياً وعلى سبيل الإلزام تحت طائلة بطلان الإجراءات - لا تثريب عليه إن لم ير لزوماً لدعوة الشهود، كما إذا كانت أقوالهم ثابتة في الأوراق - أساس ذلك.
جـ - قرار تأديبي - محاكمة تأديبية - المجالس الانضباطية - نص المادة 15 من المرسوم رقم 264 لسنة 1950 الخاص بنظام المجالس الانضباطية على وجوب البحث عما يبرئ ساحة العسكري بنفس العناية التي يبحث بها عما يدينه - هو ترديد للقواعد العامة - ثبوت أن المقرر تحري العدالة وسأل المحال عن شهود وعمن يدافع عنه - النعي على التقرير بالرغم من ذلك بمخالفة المادة 15 السالفة الذكر - غير سديد.
1 - أن المرسوم رقم 264 الصادر في 8 من شباط (فبراير) سنة 1950 بنظام المجالس الانضباطية استناداً إلى المرسوم التشريعي رقم 77 في 20 من حزيران (يونيه) سنة 1947 المتضمن الملاك الخاص للدرك السوري، قد نص في المادة الأولى على صلاحيات اختصاص هذه المجالس، وأنه يؤلف لكل قضية مجلس تأديب خاص ينحل من نفسه بعد إبداء رأيه، ولا يجوز إبداء رأيه إلا في الأفعال المذكورة في أمر الإحالة المرسل إليه من قبل المقام المختص. كما نصت المادة 23 من المرسوم السالف الذكر على أن ما يتفق عليه الأكثرية يعتبر رأي المجلس، وأوجبت المادة 24 رفع الرأي إلى السلطة التي أمرت بتشكيل المجلس. ثم نصت المادة 26 على أنه "إذا رأى المقام الذي يبت في الأمر على أثر رأي المجلس إهمالاً أو غلطاً في تأليف الإضبارة أو في التحقيق، يحق له إلغاء رأي المجلس، وفي هذه الحالة يحال العسكري إلى مجلس جديد، ويذكر في القرار المتخذ بهذا الشأن السبب الذي دعا إلى الإلغاء، ويبلغ المحال (عن طريق التسلسل)، ويؤلف المجلس الجديد على الوجه المذكور أعلاه" ثم نصت المادة 27 على أن "يبلغ العسكري المحال على المجلس القرار النهائي المتخذ بناء على رأي المجلس".
ويظهر من النصوص المتقدمة أن المجلس الانضباطي لا يصدر قراراً نهائياً بل يبدى رأياً يتعين رفعه إلى الجهة الآمرة بالتشكيل للنظر فيه وإصدار القرار النهائي في المسألة، وكذا يرفع هذا الرأي إلى الآمر مصحوباً بالإضبارة كاملة للتمكن من دراسة الموضوع وإصدار القرار النهائي فيه. وللآمر بالتشكيل سلطة إلغاء رأي المجلس أو التصديق عليه، ومن ثم يكون القرار النهائي هو القرار الذي يصدره الآمر بالتشكيل، وهو الذي يجب التظلم منه، ما دام الرأي الأول يقبل التعديل والإلغاء، وعلى هذا الأساس يجري حساب الميعاد.
2 - لا محل للدفع ببطلان القرار لعدم دعوة الشهود طبقاً للمادة 16 من المرسوم رقم 264 سالف الذكر، فإن هذه المادة قد وردت في الفصل الثالث الخاص بتحقيق المجلس تحت عنوان "الموعد والدعوات" ويجرى نصها كالآتي: "يعين الرئيس موعد انعقاد المجلس ويدعو إليه شهود القضية بما فيهم شهود الدفاع، وله أن يدعو الأشخاص الذين يرى من سماعهم فائدة لإضاءة القضية وإظهار الحق. يجب أن يذكر في رقاع الدعوة مكان انعقاد المجلس وموعد الانعقاد بالساعة على ألا تقل المهلة بين تاريخ تبليغ رقاع الدعوة وموعد انعقاد المجلس عن عشرة أيام..." فهذا النص لا يلزم رئيس المجلس بدعوة الشهود آلياً وعلى سبيل الإلزام تحت طائلة بطلان الإجراءات. وإنما ورد على سبيل التقرير لصلاحيات الرئيس وكيفية تنظيم إجراء دعوة المجلس، وكذا دعوة من يرى الرئيس لزوماً لسماع أقوالهم من الشهود دون إجبار عليه في ذلك، بل الأمر متروك لتقديره، فقد يرى ألا داعي لإعلان شهود الإثبات، كما إذا وجد في الإضبارة ما يغني عن دعوتهم، يؤكد هذا النظر ما ورد في المادة الثلاثين من القانون تحت عنوان "دعوة الشهود المدنيين والعسكريين" من أنه "لا يجوز إجبار أحد على الحضور أمام المجلس المقرر تلبية لدعوتهما ولا على إعطاء الجواب لهما، باعتبار أن التحقيق في المجلسين المذكورين ليس بتحقيق عدلي....."
3 - إن المادة 15 من نظام المجالس الانضباطية التي توجب على المقرر البحث عما يبرئ ساحة العسكري بنفس العناية التي يبحث بها عما يدينه، قد وردت تحت عنوان "شكل التقرير" وجاء نصها كما يأتي: "يجب على المقرر أن يراعي في تحقيقه حياداً مطلقاً، وأن يبحث عما يبرئ ساحة العسكري بنفس العناية التي يبحث بها عما يدينه، وأن يعامله بالرفق واللين لئلا يستحوذ عليه رعب يقيده في الدفاع عن نفسه، ويجب عليه أيضاً ألا يبوح برأيه في تقريره حتى لا يتضمن هذا التقرير عبارات تشير إلى رأيه ولو بالتلميح" وهذا النص إن هو إلا ترديد للقواعد العامة، وظاهر من الكلام عن الوجه السابق أن المقرر قد تحرى العدالة وسأل المحال عن شهوده وعمن يدافع عنه، وأن المدعي أجاب سلباً في الحالتين ويكون التقرير والحالة هذه ليس فيه عيب قانوني، ويكون الطعن بالمخالفة لهذا الوجه غير سديد.


إجراءات الطعن

في 19 من مايو سنة 1960 قرر السيد رئيس هيئة المفوضين بالطعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية في دمشق بجلسة 23 من مارس سنة 1960 في الدعوى رقم 25 لسنة 2 ق المقدمة من السيد مصطفى حموي ضد السيد وزير الداخلية والسيد الأمين العام المساعد لشئون الأمن العام والشرطة والقاضي بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني. وقد طلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول دعوى السيد/ مصطفى حموي والحكم بقبولها شكلاً. وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 9 من حزيران سنة 1960 وإلى المدعي في 16 من يونيه سنة 1960. وقد عين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 25 من أغسطس (آب) سنة 1960 وصدور القرار بإحالتها إلى هذه المحكمة بجلسة 4 من سبتمبر (أيلول) سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ملاحظات الطرفين على النحو الثابت في محضر الجلسة ثم أرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

أ - عن قبول الدعوى:
من حيث إن حاصل الوقائع حسبما هو مستفاد من الأوراق أن المدعي أودع سكرتيرية المحكمة الإدارية بدمشق دعواه في 29 من ديسمبر (كانون الأول) سنة 1959 طعناً في القرار الصادر من المدعى عليه الثاني في 24 من أغسطس (آب) سنة 1959 رقم 361/ 8 ق بالتصديق على قرار المجلس الانضباطي ذي الرقم 1871 في 12 من أغسطس (آب) سنة 1959 والقاضي بالأكثرية بلزوم طرد المدعي من الخدمة. وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه أحيل إلى المجلس الانضباطي بتهمة قبول هدية قدرها عشر ليرات سورية من امرأة، ولما طلب أن يواجهها بعد أن شهدت ضده رفض المجلس طلبه ولم يستجوبه عن أية مراجعة فأصدرت الأكثرية رأيها بطرده، وصدق الأمين العام المساعد للشرطة على قرار الطرد الذي أبلغ إليه برقيا في 26 من أغسطس (آب) سنة 1959، فتظلم منه إلى المدعى عليه الثاني في 2 من سبتمبر (أيلول) سنة 1959 وانتظر ستين يوماً للإجابة على هذا التظلم فلم يتلق رداً، فرفع دعواه بطلب إلغاء القرار المطعون فيه للأسباب الآتية: -
1 - مخالفة القرار المطعون فيه للمادة العاشرة من المرسوم 264 الصادر في 28 من فبراير (شباط) سنة 1950 المتضمن نظام المجالس الانضباطية، لأن أمر الإحالة رقم 228/ 8 ق في 10 من يونيه (حزيران) سنة 1959 تضمن إحالة المدعي وأن بيان الأفعال التي أحيل من أجلها في جملتها مجهولة فأصبح عاجزاً عن الدفاع عن نفسه.
2 - مخالفة القرار المشار إليه للمادة 16 من نظام المجالس الانضباطية لأن المجلس أصدر رأيه دون دعوة أحد من الشهود وهو إجراء أساسي يستتبع بطلان القرار.
3 - مخالفة القرار للمادة 15 من نظام المجالس الانضباطية التي توجب على المقرر أن يبحث عما يبرئ ساحة العسكري بنفس العناية التي يبحث بها عما يدينه، والمقرر لم يستدع أحداً من الشهود ولم يجر مواجهتهم ولم يبذل عناية في البحث عما يبرئ المدعي ولا في البحث عما يدينه، وهو إجراء أساسي يستوجب إهماله بطلان القرار.
وقد ردت الحكومة على الدعوى بمذكرة طلبت فيها عدم قبول الدعوى شكلاً لأن التظلم من قرار الأمين العام المساعد للشرطة والأمن لا يترتب عليه قطع ميعاد رفع الدعوى. ولما كان المدعي قد أبلغ بالقرار المطعون فيه في 26 من أغسطس (آب) سنة 1959 وتظلم منه في 2 من سبتمبر (أيلول) سنة 1959 وأقام دعواه في 29 من ديسمبر (كانون الأول) سنة 1959 أي بعد مضى أكثر من ستين يوماً على تاريخ تبليغه فتكون الدعوى غير مقبولة شكلاً. وتناولت الجهة الإدارية استطراداً الرد على الدعوى موضوعاً وانتهت إلى القول بأن القرار المطعون فيه قد صدر وفقاً للاختصاص والقانون وطلبت رد الدعوى موضوعاً، وإلزام المدعي المصروفات والأتعاب. وقدم مفوض الدولة تقريراً برأيه القانوني انتهى فيه إلى طلب الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد. وفي 2 من مارس (آذار) سنة 1960 صدر الحكم المطعون فيه قاضياً "بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني وإلزام المدعي بالمصروفات وبعشرين ليرة سورية مقابل الأتعاب". وقد أسس هذا الحكم على أن نظام المجالس الانضباطية قد تحدد وفقاً لأحكام المرسوم رقم 264 الصادر في 8 من فبراير (شباط) سنة 1950 والمعدل بالمرسوم رقم 592 في 12 من إبريل (نيسان) سنة 1951 وأن المادة الأولى من المرسوم رقم 264 المشار إليه قد حددت صلاحيات هذه المجالس فنصت على أن "يمارس مجلس التأديب الصلاحيات المذكورة في قانون الجيش (في المواد 88، 180، 183، 185) والصلاحيات التي كانت تمارسها مجالس التأديب وفقاً لأحكام المرسوم 69 في 16 من يناير (كانون الثاني) سنة 1933 وجميع الصلاحيات المتعلقة بالانضباط العسكري في القوانين العسكرية النافذة. ويؤلف لكل قضية مجلس تأديب خاص ينحل من نفسه بعد إبداء رأيه، ولا يجوز أن يبدى رأيه إلا في الأفعال المذكورة في أمر الإحالة المرسل إليه من قبل المقام المختص ومع ذلك إذا ظهر للمجلس وجود أفعال أخرى يمكن أن تحال عليه تحتم أن يعلم بها المقام المختص الذي يأمر بتوحيد التحقيق أو بتأجيل التحقيق في القضية الأولى إلى أن يصير في الإمكان النظر في القضية الثانية معها. ولا يجوز التوحيد إلا قبل إتمام التحقيق". ثم جاءت المادة 24 فأوجبت رفع الرأي إلى السلطة التي أمرت بتشكيل المجلس حسب الطريقة المبينة في المادة 25 وهى إرسال الإضبارة الكاملة للمحاكمة. ونصت المادة 26 على أنه إذا رأى المقام الذي يبت في الأمر على أثر رأي المجلس إهمالاً أو غلطاً في تأليف الإضبارة أو في التحقيق يحق له إلغاء رأي المجلس، وفي هذه الحالة يحال الحكم إلى مجلس جديد ويذكر في القرار المتخذ بهذا الشأن السبب الذي دعا إلى الإلغاء ويبلغ المحال (عن طريق التسلسل)... ونصت المادة 27 على أن يبلغ العسكري المحال على المجلس القرار النهائي المتخذ بناءً على رأي المجلس. واستخلصت المحكمة من مجموع النصوص المذكورة أن المجلس الإنضباطي لا يخرج عن كونه مجلساً تأديبياً يمارس الصلاحيات المحددة لمجالس التأديب وأن هذا المجلس رأيه نهائي بالنسبة له، لأنه ينحل على أثر إبداء رأيه وأن هذا الرأي يقيد السلطة الآمرة بالتشكيل فتلتزم أصلاً بإصدار قرارها بناء عليه (م 26، م 27) ولها مع ذلك أن تلغي رأي المجلس في حالتين استثنائيتين هما الإهمال والغلط في تأليف الإضبارة أو في التحقيق (م 26) وانتهت المحكمة إلى الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث إن هيئة المفوضين طعنت في الحكم وبنت طعنها على أن المرسوم رقم 264 الصادر في 8 من فبراير (شباط) سنة 1950 بنظام المجالس الانضباطية، والصادر استناداً إلى المرسوم التشريعي 77 في 30 من يونيه (حزيران) سنة 1947 المتضمن الملاك الخاص للدرك السوري قد نص في المادة الأولى منه على صلاحيات (اختصاص) هذه المجالس وأنه يؤلف لكل قضية مجلس تأديب خاص ينحل من نفسه بعد إبداء رأيه، ولا يجوز إبداء رأيه إلا في الأفعال الواردة في أمر الإحالة. وأوجبت المادة 24 رفع الرأي إلى السلطة الآمرة بالتشكيل، ويكون ذلك مع الإضبارة الكاملة وفقاً للمادة 25 ثم نصت المادة 26 على أنه إذا رأى المقام الذي يبت في الأمر على أثر رأي المجلس إهمالاً أو غلطاً في تأليف الإضبارة أو في التحقيق، يحق له إلغاء رأي المجلس، وفي هذه الحالة يحال العسكري إلى مجلس جديد ويذكر في القرار المتخذ بهذا الشأن السبب الذي دعا إلى الإلغاء ويبلغ المحال. ونصت المادة 27 على أنه "يبلغ العسكري المحال على المجلس القرار النهائي المتخذ بناء على رأي المجلس".
وانتهى التقرير إلى أنه يبين من النصوص المتقدمة أن المجلس الانضباطي لا يصدر قراراً وإنما مجرد رأي وهذا الرأي يتعين رفعه إلى الجهة الآمرة بالتشكيل للنظر في الأمر والبت فيه، ويرفع مصحوباً بالإضبارة (الملف) كاملة وذلك ليتسنى دراسة الموضوع وحتى يمكنها إصدار قرارها النهائي ولهذه الجهة إلغاء رأي المجلس أو اعتماده بالتصديق عليه حسبما يتراءى لها بعد الفحص والدراسة بالاسترشاد برأي المجلس الانضباطي. وأنه لا يكون إذن ثمت قرار إداري إلا بصدور قرار هذه الجهة لأنه هو المعول عليه في ترتيب الأثر القانوني، وبدونه لا يمكن القول بأن عقوبة تأديبية وقعت على الموظف. وطلبت هيئة المفوضين إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول دعوى السيد/ مصطفى حموي والحكم بقبولها شكلاً.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الفيصل في هذا الدفع هو ما إذا كان المجلس الانضباطي يعتبر هيئة تأديبية تصدر قراراً تأديبياً غير قابل للتظلم فيجرى حساب الميعاد من تاريخ إعلانه أم أنه هو مجرد رأي بحيث لا يعتبر نهائياً إلا بالتصديق عليه من هذا الآمر وبهذه المثابة يكون قابلاً للتظلم لدى هذا الآمر وعلى هذا الأساس يجرى حساب الميعاد.
ومن حيث إن المرسوم رقم 264 الصادر في 8 من فبراير (شباط) سنة 1950 بنظام المجالس الانضباطية استناداً إلى المرسوم التشريعي رقم 77 في 30 من يونيه (حزيران) سنة 1947 المتضمن الملاك الخاص للدرك السوري قد نص في المادة الأولى على صلاحيات (اختصاص) هذه المجالس وأنه يؤلف لكل قضية مجلس تأديب خاص ينحل من نفسه بعد إبداء رأيه، ولا يجوز إبداء رأيه إلا في الأفعال المذكورة في أمر الإحالة المرسل إليه من قبل المقام المختص. كما نصت المادة 23 من المرسوم السالف الذكر على أن ما يتفق عليه الأكثرية يعتبر رأي المجلس، وأوجبت المادة 24 رفع الرأي إلى السلطة التي أمرت بتشكيل المجلس. ثم نصت المادة 26 على أنه "إذا رأى المقام الذي يبت في الأمر على أثر رأي المجلس إهمالاً أو غلطاً في تأليف الإضبارة أو في التحقيق، يحق له إلغاء رأي المجلس، وفي هذه الحالة يحال العسكري إلى مجلس جديد ويذكر في القرار المتخذ بهذا الشأن السبب الذي دعا إلى الإلغاء ويبلغ المحال (عن طريق التسلسل) ويؤلف المجلس الجديد على الوجه المذكور أعلاه". ثم نصت المادة 27 على أن "يبلغ العسكري المحال على المجلس القرار النهائي المتخذ بناء على رأي المجلس".
ومن حيث إنه يظهر من النصوص المتقدمة أن المجلس الانضباطي لا يصدر قراراً نهائياً بل يبدي رأياً يتعين رفعه إلى الجهة الآمرة بالتشكيل للنظر فيه وإصدار القرار النهائي في المسألة، وكذا يرفع هذا الرأي إلى الآمر مصحوباً بالإضبارة كاملة للتمكن من دراسة الموضوع وإصدار القرار النهائي فيه، وللآمر بالتشكيل سلطة إلغاء رأي المجلس أو التصديق عليه. ومن ثم يكون القرار النهائي هو القرار الذي يصدره الآمر بالتشكيل وهو الذي يجب التظلم منه ما دام الرأي الأول يقبل التعديل والإلغاء وعلى هذا الأساس يجرى حساب الميعاد. ومتى كان الثابت أن المدعي تظلم إدارياً في 2 من سبتمبر (أيلول) سنة 1959 ويعتبر مضي ستين يوماً على ذلك دون الإجابة عنه بمثابة رفض، ثم أقام دعواه في 29 من ديسمبر (كانون الأول) سنة 1959 أي خلال الستين يوماً التالية فيكون قد أقام الدعوى في الميعاد القانوني ويتعين لذلك القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى، والحكم بقبولها شكلاً.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن محصل ما ينعاه المدعي على القرار المطعون فيه (أولاً) مخالفته المادة العاشرة من المرسوم رقم 264 في 28 من فبراير (شباط) سنة 1950 المتضمن نظام المجالس الانضباطية وذلك لعدم بيان الأفعال التي أحيل المدعي إلى المجلس الانضباطي من أجلها، و(ثانياً) مخالفته المادة السادسة عشرة من نظام المجالس المذكورة لعدم دعوة الشهود و(ثالثاً) مخالفة القرار المادة 15 من نظام المجالس المذكورة والتي توجب البحث عما يبرئ ساحة العسكري بنفس العناية التي يبحث بها عما يدينه.
ومن حيث إنه عن المسألة الأولى فإن الثابت من الأوراق أن قرار الإحالة إنما صدر بناء على إضبارة التحقيق المرسلة من محافظ حلب - شعبة الشرطة - برقم 8/ 831 في 4 من إبريل (نيسان) سنة 1959 التي يتضح منها أن الوكيل عبده شفيق من مخفر شرطة ثالث المعرة حالياً، والشرطي مصطفى محمد الحموي رقم 14598 من مخفر الأنصاري حالياً قد ارتكبا ذنباً يمس الشرف، وهذا التحقيق قد أجري بمقتضى ورقة ضبط في 5 من فبراير (شباط) سنة 1959 - ثابت منها جميع الوقائع والتهم الموجهة إلى المدعي - سمع في هذا التحقيق أقوال الشاهدة التي شهدت ضده بدفع مبلغ من المال. كما سمعت أقوال المدعي، ومن ثم يكون الطعن في القرار بدعوى صدور قرار الإحالة إلى التأديب مجهلاً، لا يستند إلى أساس.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني وهو الدفع ببطلان القرار لعدم دعوة الشهود طبقاً للمادة 16 من المرسوم رقم 264 سالف الذكر فإن هذه المادة قد وردت في الفصل الثالث الخاص بتحقيق المجلس تحت عنوان (الموعد والدعوات) ويجرى نصها كالآتي: "يعين الرئيس موعد انعقاد المجلس ويدعو إليه شهود القضية بما فيهم شهود الدفاع وله أن يدعو الأشخاص الذين يرى من سماعهم فائدة لإضاءة القضية وإظهار الحق، يجب أن يذكر في رقاع الدعوة مكان انعقاد المجلس وموعد الانعقاد بالساعة على ألا تقل المهلة بين تاريخ تبليغ رقاع الدعوة وموعد انعقاد المجلس عن عشرة أيام" فهذا النص لا يلزم رئيس المجلس بدعوة الشهود آلياً وعلى سبيل الإلزام تحت طائلة بطلان الإجراءات، وإنما ورد على سبيل التقرير لصلاحيات الرئيس وكيفية تنظيم إجراء دعوة المجلس وكذا دعوة من يرى الرئيس لزوماً لسماع أقوالهم من الشهود دون إجبار عليه في ذلك بل الأمر متروك لتقديره، فقد يرى ألا داعي لإعلان شهود الإثبات كما إذا وجد الإضبارة ما يغني عن دعوتهم هذا إلى أن القانون يوجب إطلاع المحال على جميع أوراق الإضبارة تحت طائلة النقض أن أهمل ذلك، وقد سمعت شهادة الإثبات الوحيدة أمام المقرر وهو مرحلة من مراحل المحاكمة أمام المجلس، فلا تثريب على الرئيس إن هو لم ير لزوماً لدعوتهما مرة ثانية خصوصاً وإن المحال قد سئل عند استجوابه أمام المقرر عما إذا كان قد أطلع على أوراق التحقيق المتعلقة بإحالته أمام المجلس الإنضباطي فأجاب بأنه أطلع عليها ووقع عليها ورقة ورقة..." ولما سئل عما إذا كان لديه شهود دفاع أجاب "كلا - ليس لدي شهود دفاع مطلقاً ولا أود استجواب أحد"، يؤكد هذا النظر ما ورد في المادة الثلاثين من القانون تحت عنوان "دعوة الشهود الملكيين والعسكريين من أنه "لا يجوز إجبار أحد على الحضور أمام المجلس أو المقرر تلبية لدعوتهما ولا على إعطاء الجواب لهما باعتبار أن التحقيق في المجلسين المذكورين ليس بتحقيق عدلي..." هذا فضلاً عن أن المحال لم يطلب أمام المجلس دعوة شهود حتى كان يمكن الإدعاء بالإخلال بحق الدفاع ويكون الطعن ببطلان القرار المطعون فيه لعدم دعوة الشهود والحالة هذه في غير محله.
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث وهو الخاص بمخالفة المادة 15 من نظام المجلس الانضباطية التي توجب على المقرر البحث عما يبرئ ساحة العسكري بنفس العناية التي يبحث بها عما يدينه، فإن هذه المادة قد وردت تحت عنوان "شكل التقرير" وجاء نصها كما يأتي: "يجب على المقرر أن يراعي في تحقيقه حياداً مطلقاً وأن يبحث عما يبرئ ساحة العسكري بنفس العناية التي يبحث بها عما يدينه وأن يعامله بالرفق واللين لئلا يستحوذ عليه رعب يقيده في الدفاع عن نفسه ويجب عليه أيضاً ألا يبوح برأيه في تقريره حتى لا يتضمن هذا التقرير عبارات تشير إلى رأيه ولو بطريق التلميح". وهذا النص إن هو إلا ترديد للقواعد العامة، وظاهر من الكلام عن الوجه السابق أن المقرر قد تحرى العدالة وسأل المحال عن شهود وعمن يدافع عنه وأن المدعي أجاب سلباً في الحالتين، ويكون التقرير والحالة هذه ليس فيه عيب قانوني ويكون الطعن بالمخالفة لهذا الوجه غير سديد.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القرار المطعون فيه قد صدر مطابقاً للقانون وتكون الدعوى والحالة هذه على غير أساس سليم حقيقة بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات.