أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 835

جلسة 10 من أكتوبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، وإسماعيل محمود حفيظ، ومحمد صفوت القاضي.

(173)
الطعن رقم 556 لسنة 47 القضائية

(1) قتل عمد. فاعل أصلي. اشتراك. وصف التهمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". عقوبة. "تطبيقها". نقض. "المصلحة في الطعن".
تعديل الوصف عن اشتراك في قتل عمد إلى فاعل أصلى فيه. لا يستوجب لفت نظر الدفاع. مناط ذلك.
النعي على الحكم بسبب هذا التعديل. عدم قبوله لأن عقوبة الشريك في هذه الحالة هي عقوبة الفاعل الأصلي.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها. ما دام استخلاصها سائغاً.
(3) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "شهود". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. موضوعي.
(4) دفوع. "الدفع بتلفيق التهمة". إثبات. "شهود". رجال السلطة العامة.
الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي.
(5) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استخلاص قصد القتل. موكول لمحكمة الموضوع. تستشفه من الظروف والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". مسئولية مدنية. مسئولية جنائية. خطأ. ضرر. رابطة سببية.
تقدير الخطأ المستوجب مسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً. موضوعي.
(7) إثبات. "شهود". "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق الدليلين القولي والفني. ليس بلازم. كفاية أن يكونا غير متناقضين تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(8) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بتتبع المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي.
1 - متى كانت واقعة الدعوى التي اتخذها الحكم لاعتبار كل من الطاعنين الأول والثاني شريكا مع زميله الآخر في جناية القتل العمد التي هي بعينها الواقعة التي رأى الاتهام أن يجعل منها أساساً لمسئوليتهما كفاعلين أصليين وهى بذاتها الواقعة التي دارت عليها المرافعة، فلا على المحكمة إذا هي لم توجه نظر الطاعنين إلى ما رأت من انطباق وصف جديد للتهمة متى كانت الواقعة مؤدية إلى هذا الوصف الجديد دون إساءة إلى مركز الطاعن هذا إلى أنه لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم بهذا السبب إذ العقوبة المقضي بها باعتبارهما شريكين تدخل في حدود العقوبة المقررة للفاعل الأصلي، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان من تغيير صفتهما إلى شريكين في الواقعة حالة كونهما قد قدما بوصف أنهما فاعلان أصليان دون أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التغيير وإدانتهما على هذا الأساس يكون غير سديد.
2 - إن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
3 - إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهى متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
4 - الدفع بتلفيق التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً بل إن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا في تعويله في قضائه بالإدانة على أقوال شاهد الإثبات بدعوى أن الشرطة دفعته للشهادة وأن المجني عليه أصيب في الحفل ولم ير أحد كيفية إصابته.
5 - لما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل بقوله: "وحيث إن المحكمة تستظهر بوضوح واطمئنان من انقضاض المتهمين الأول والثاني على المجني عليه –…… معاً وفى لحظة واحدة وأثر مقتل قريبهما المجني عليه…… الشهير… أن إرادتهما قد اتحدت و إن عزمهما قد انعقد على القضاء على المجني عليه…… لبلوغ هدف واحد استساغه منطقهما هو أن يتساوى الفريقين فيمن قتل منهما فشد أحدهما أزر الآخر في ارتكاب الجريمة بما يتحقق معه اشتراكهما في إتيانها على النحو سالف البيان بطريقي الاتفاق والمساعدة، ومن ثم يتعين مساءلتهما عنها معاً". وإذ كان ما أورده الحكم من ذلك كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعنين فإنه لا محل للنعي عليه في هذا الصدد.
6 - إن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى، فإنه متى استخلصت المحكمة مما أوضحته من الأدلة السائغة التي أوردتها ثبوت خطأ الطاعن لإطلاق أعيرة نارية في حفل به عديد من الناس ولم يكف عن محاولة إصلاح السلاح وسط هذا الجمع فانطلق عيار ناري أصاب المجني عليه في رأسه أرداه قتيلاً وكان من غير المتصور وقوع الحادث بغير وجود هذا الخطأ فإن رابطة السببية بين خطأ الطاعن والضرر الذي وقع تكون متوافرة ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الشأن في غير محله.
7 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية بل يكفي أن يكون جمال الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. ولما كانت أقوال شاهد الإثبات كما أوردها الحكم والتي لا ينازع الطاعن في أن لها سندها في الأوراق – ولا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الطبيب الشرعي الذي أثبت أن وفاة المجني عليه……. حدثت من إصابة نارية وأن البندقية المضبوطة قد أطلقت في وقت يتفق وتاريخ الحادث وأنه لا يستبعد حدوث الإصابة من السلاح المضبوط إذا ما عبأت خرطوشته بمقذوف مفرد مثل كرة رصاصية لأن إصابة المجني عليه ميزانية في حدود مدى الإطلاق القريب فإن الحكم يكون قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني.
8 - ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من بعد وتناقض بين الدليلين ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها استقلالاً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ومن ثم يتضمن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ولا محل له.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كل من: (1)… … … و(2)… … … و(3)… …. … و(4)… … … و(5)… … … بأنهم المتهمين الأول والثاني – قتلا عمداً… … … بأن انهالوا عليه ضرباً بالمدى قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. المتهمين الأول والثالث أحدثا عمداً… … … الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة تزيد عن عشرين يوماً. المتهمين الثالث والرابع: أحدثا عمداً… ….. الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة لا تزيد عن عشرين يوماً. المتهم الخامس: تسبب خطأ في موت… ….. وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين بأن أطلق عليه عياراً نارياً داخل المدن فأصاب المجني عليه سالف الذكر محدثاً ما به من إصابة أودت بحياته. (2) حمل سلاحه الناري (بندقية خرطوش) والمرخصة له بإحرازها في فرح على النحو المبين بالتحقيقات. (3) أطلق أعيرة نارية داخل المدن. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 234/ 1، 238/ 1، 241/ 1، 242/ 1 من قانون العقوبات، 29 و30 من القانون رقم 394، لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954، 75 لسنة 1958 والأمر العسكري رقم 3 لسن ة 1973 والمادة 379/ 1 من قانون العقوبات، فقرر ذلك. وادعى مدنياً والد المجني عليه – قبل المتهمين الأول والثاني فقط متضامنين بمبلغ مائتين وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت، كما ادعت السيدة… … … بصفتها الشخصية وبصفتها وصية على أولادها القصر أولاد المرحوم… … … قبل المتهم الخامس بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام (أولاً) بمعاقبة كل من… … … و…. … … … بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات عن التهمة الأولى وبمعاقبة الأول بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر عن التهمة الثانية المسندة إليه. (ثانياً) بمعاقبة… … … بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر عن كل تهمة من التهمتين المسندتين إليه. (ثالثاً) بمعاقبة… … … … بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر عما أسند إليه. (رابعاً) بمعاقبة… … … بالحبس مع الشغل لمدة سنة عن تهمته الأولى وتغريمه خمسة جنيهات عن تهمته الثانية ومائة قرش عن تهمته الثالثة ومصادرة المضبوطات. (خامساً) في الدعويين المدنيتين: (1) بإلزام كل من… … … و… … … بأن يدفع للمدعي بالحق المدني… … … مبلغ مائتين وخمسون جنيهاً تعويضاً مؤقتاً والمصاريف المدنية (2) بإلزام… … … بأن يدفع للمدعية بالحق المدني… … … عن نفسها وبصفتها مبلغ واحد وخمسين جنيهاً تعويضاً مؤقتاً والمصاريف المدنية. فطعن المحكوم عليهما... … و… … … و….. … و… ….. في هذا الحكم بطريق النقض… إلخ.


المحكمة

(أولاً) الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني.
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بالاشتراك في جناية قتل عمد، قد شابه إخلال بحق الدفاع وخطأ في تطبيق القانون وانطوى على فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأن المحكمة عمدت إلى تغيير الوصف والقيد فاستبدلت المواد 40، 41، 231 بالمادة 234من قانون العقوبات وأضافت ظرفاً مشدداً هو سبق الإصرار إلى تهمة القتل العمد، كما غيرت صفة الطاعنين من فاعلين أصليين في الجريمة إلى شريكين فيها وذلك دون أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التغيير وإدانتهما بوصف أنهما شريكان دون أن تتحدث عن الفاعل الأصلي في الجريمة هذا وقد قام دفاع الطاعنين على أن شهادة شاهدي الإثبات غير صحيحة وأن الشرطة ساقتهما إليها وأن صورة الواقعة على خلاف ما اعتنقته المحكمة إذ أصيب المجني عليه في غمرة الاحتفال ولم ير أحد كيفية إصابته ومع ذلك لم تعن المحكمة بالرد على هذا الدفاع الجوهري وأخيراً فإن ما استدل به الحكم على توافر نية القتل لدى الطاعنين لا يوفر قيامها في حقهما كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه قد دان الطاعنين بمقتضى الفقرة الأولى من نص المادة 234 من قانون العقوبات دون أن يضيف إلى وصف التهمة ظرفاً مشدداً فإن منعي الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكانت واقعة الدعوى التي اتخذها الحكم لاعتبار كل من الطاعنين الأول والثاني شريكا مع زميله الآخر في جناية القتل العمد التي هي بعينها الواقعة التي رأى الاتهام أن يجعل منها أساساً لمسئوليتهما كفاعلين أصليين وهى بذاتها الواقعة التي دارت عليها المرافعة، فلا على المحكمة إذا هي لم توجه نظر الطاعنين إلى ما رأت من انطباق وصف جديد للتهمة متى كانت الواقعة مؤدية إلى هذا الوصف الجديد دون إساءة إلى مركز الطاعن، هذا إلى أنه لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم بهذا السبب إذ العقوبة المقضى بها عليهما باعتبارهما شريكين تدخل في حدود العقوبة المقررة للفاعل الأصلي، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان من تغيير صفتهما إلى شريكين في الواقعة حالة كونهما قد قدما بوصف أنهما فاعلان أصليان دون أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التغيير وإدانتهما على هذا الأساس يكون غير سديد، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما مفاده أن الطاعن الثالث توجه يوم الحادث لحضور حفل بمناسبة عودة أحد أفراد القوات المسلحة من جبهة القتال، وكان يحمل بندقيته المرخصة وأخذ يطلق منها بعض الأعيرة النارية فلما تعثر أحد الأعيرة في الانطلاق حاول إصلاحه وإذ نهض… … … لمعاونته في الإصلاح انطلق العيار فجأة وأصاب هذا الأخير فسقط على الأرض ولم يلبث أن فارق الحياة عقب نقله إلى المستشفى مباشرة فهال أقاربه الأمر وثاروا لما حدث فاتجه منهم… … …... و… … … إلى الطاعن الثالث الذي أطلق العيار وحاولا انتزاع بندقيته منه لكنها تحطمت ثم أخذا في الاعتداء عليه بالضرب وإذ تدخل ابنه… … … لإنقاذ والده اعتدى عليه هو الآخر كل من… … … - الطاعن الأول – و… … … وبعد أن تمكن المجني عليه الأخير ووالده من الإفلات من المعتدين اتجه كل من الطاعنين الأول والثاني ناحية… … … وعلى حين غرة منه وانتقاما لقريبهم القتيل آنف الذكر أوسعاه ضرباً وطعناً قاصدين القضاء عليه ولم يتركاه إلا بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة – على هذه الصورة – في حق الطاعنين أدلة سائغة مؤدية لما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ولما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهى متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنه أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كان الطاعنان لا ينازعان في صحة ما نقله الحكم من أقوال شاهد الإثبات وإذ كان الدفع بتلفيق التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً بل إن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم فإنه لا يكون ثمة محل لعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا في تعويله في قضائه بالإدانة على أقوال شاهد الإثبات بدعوى أن الشرطة دفعته للشهادة وأن المجني عليه أصيب في الحفل ولم ير أحد كيفية إصابته. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل بقوله: "وحيث إن المحكمة تستظهر بوضوح واطمئنان من انقضاض المتهمين الأول والثاني على المجني عليه -… … … – معاً وفى لحظة واحدة وأثر مقتل قريبهما المجني عليه -… … …. الشهير بـ - أن إرادتهما قد اتحدت وأن عزمهما قد انعقد على القضاء على المجني عليه… … … لبلوغ هدف واحد استساغه منطقهما هو أن يتساوى الفريقين فيمن قتل منهما فشد أحدهما أزر الآخر في ارتكاب الجريمة بما يتحقق معه اشتراكهما في إتيانها على النحو سالف البيان بطريقي الاتفاق والمساعدة، ومن ثم يتعين مساءلتهما عنها معاً. وإذ كان ما أورده الحكم من ذلك كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعنين فإنه لا محل للنعي عليه في هذا الصدد لما كان ما تقدم فإن الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
ثانياً – الطعن المقدم من الطاعن الثالث.
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل الخطأ قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك بأن المحكمة أمسكت عن بيان هذا الخطأ ودليله الذي استخلصت منه ثبوت وقوع الجريمة من الحكم كما عولت على أقوال شاهد الإثبات على الرغم مما أثاره الدفاع من تناقض بين أقواله وبين التقرير الطبي الشرعي بصدد مسافة الإطلاق ونوع السلاح المستعمل ولم يعرض الحكم لهذا الدفاع إيراداً ورداً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل الخطأ التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهد الإثبات… … …. وتقريري الصفة التشريحية وفحص السلاح المضبوط، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً مما يتعلق بموضوع الدعوى، فإنه متى استخلصت المحكمة مما أوضحته من الأدلة السائغة التي أوردتها ثبوت خطأ الطاعن لإطلاق أعيرة نارية في حفل به عديد من الناس ولم يكف عن محاولة إصلاح السلاح وسط هذا الجمع فانطلق عيار ناري أصاب المجني عليه في رأسه أرداه قتيلاً وكان من غير المتصور وقوع الحادث بغير وجود هذا الخطأ فإن رابطة السببية بين خطأ الطاعن والضرر الذي وقع تكون متوافرة ومن ثم يكون منعي الطاعن في هذا الشأن في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل جزئية بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق. ولما كانت أقوال شاهد الإثبات كما أوردها الحكم والتي لا ينازع الطاعن في أن لها سندها في الأوراق – ولا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الطبيب الشرعي الذي أثبت أن وفاة المجني عليه… ….. حدثت من إصابة نارية وأن البندقية المضبوطة قد أطلقت في وقت يتفق وتاريخ الحادث وأنه لا يستبعد حدوث الإصابة من السلاح المضبوط إذا ما عبأت خرطوشته بمقذوف مفرد مثل كرة رصاصية لأن إصابة المجني عليه ميزانية في حدود مدى الإطلاق القريب، وكان الحكم قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني فكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من دعوى التناقض بين الدليلين ما دام ما أورده من مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص ولا محل له. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.