أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 626

جلسة 20 من أبريل سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر محمد حسن.

(148)
الطعن رقم 331 لسنة 40 القضائية

( أ ) قتل خطأ. إصابة خطأ. خطأ. ضرر. رابطة سببية. جريمة. "أركانها". طب.
جريمتا القتل والإصابة الخطأ. أركانهما: خطأ. ضرر. رابطة سببية. مثال لتسبيب معيب في قطع علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
التعجيل بالموت مرادف لإحداثه في توافر علاقة السببية واستيجاب المسئولية. الخطأ المشترك لا يجب مسئولية أي من المشاركين فيه.
متى يعد الطبيب مخالفاً لقواعد مهنته وتعاليمها مستحقاً للمساءلة جنائياً؟
(ب) عقوبة. "تقديرها". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير العقوبة".
تقدير العقوبة. من إطلاقات محكمة الموضوع.
1 - متى كان الحكم وقد انتهى إلى تبرئة المطعون ضده من جريمتي القتل والإصابة الخطأ والتماس العذر له وإسقاط الخطأ عنه نظراً لزحمة العمل، ولأنه لا يوجد بالوحدة الطبية سوى إناء واحد يقطر فيه الماء أو يحضر فيه الطرطير مما أوقعه في الغلط، وإلى أن من مات من الأطفال كان في حالة مرضية متقدمة تكفي وحدها للوفاة إلا أن الحقن عجل بوفاتهم مما يقطع رابطة السببية بين الخطأ بفرض ثبوته في حقه وبين الموت الذي حدث، وما ذكره الحكم من ذلك سواء في نفيه الخطأ أو في القول بانقطاع رابطة السببية خطأ في القانون، ذلك بأنه ما دام أن المطعون ضده وهو طبيب مزج الدواء بمحلول الطرطير بدلاً من الماء المقطر الذي كان يتعين مزجه فقد أخطأ سواء كان قد وقع في هذا الخطأ وحده أو اشترك معه الممرض فيه وبالتالي وجبت مساءلته في الحالين لأن الخطأ المشترك لا يجب مسئولية أي من المشاركين فيه ولأن استيثاق الطبيب من كنه الدواء الذي يناوله المريض أو في ما يطلب منه في مقام بذل العناية في شفائه، وبالتالي فإن التقاعس عن تحريه والتحرز فيه والاحتياط له إهمال يخالف كل قواعد المهنة وتعاليمها وعليه أن يتحمل وزره. كما أن التعجيل بالموت مرادف لإحداثه في توافر علاقة السببية واستيجاب المسئولية، ولا يصلح ما استندت إليه المحكمة من إرهاق الطبيب بكثرة العمل مبرراً لإعفائه من العقوبة، وإن صلح ظرفاً لتخفيفها. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
2 - إن تقدير العقوبة في حدود النص المنطبق من إطلاقات محكمة الموضوع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 15 يوليه سنة 1963 بدائرة مركز دمياط محافظة دمياط: (أولاً) تسبب خطأ في قتل كل من علي ظاهر مصطفى الأسمر وإيمان محمد التابعي منتصر وياسين عطية إبراهيم النعسان وسنية محمد نبيه وأحمد السيد عبد الباقي وهويدا عبد الله محمد وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه بأن قام بإذابة مسحوق البنسلين والاسترتبومسين في محلول الطرطير المقئ بدلاً من المياه المقطرة الواجب استعمالها في هذا الغرض ودون أن يتخذ الاحتياطات اللازمة بفصل إناء الطرطير وتمييزه عن إناء المياه المقطرة حتى لا يحدث خطأ بينهما ثم قام بحقن المجني عليهم بهذا السائل السام فحدثت بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية ووقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه أصول مهنته. (ثانياً) تسبب خطأ في إصابة كل من علي حسن النجار وأشرف بركات الشناوي والسعيد عبده الدبس وزكريا أحمد النجدي وأمين ربيع بعشيش ووفاء إبراهيم أحمد ومنى السيد زغلول وناجي مصطفى الموجي وسمير محمد بافره وسلامة محمد الألفي وهويدا أحمد أبو زيادة وعزة عبيدة أبو سنة وطه السيد أبو العز وسمية أحمد وشفيقة وضيف أبو العز وفايزة وإيمان شحاته فايد وعماد حامد الشطول وناجي المر ووفاء إبراهيم الدسوقي ونادية سعد سلامة وصلاح عبد الملك وعزيزة فرج وإيمان عبده الحلبي وعدله عز الليل وإبراهيم عاشور ومصطفى عوض عواد ومحمود صلاح الدين وبدرة السيد الغزلاني والسعيد السيد عبد الباقي أحمد عبد الباقي وعبد اللطيف علي حسن وزينب أحمد حامد الأسمر ومحمد حجازي خشبة وعوض لطفي خشبة وحمام عبد الجليل حلاوة وسامي طاهر عوضين وعطيات حبيب وعلي حسن البصراني والسيد عبده الدبس وسعد محمد سلامة، وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه بأن قام بإذابة مسحوق البنسلين والاستربتوميسين في محلول الطرطير المقئ بدلاً من المياه المقطرة الواجب استعمالها في هذا الغرض دون أن يتخذ الاحتياطيات اللازمة بفصل إناء الطرطير وتمييزه عن إناء المياه المقطرة حتى لا يحدث خطأ بينهما ثم قام بحقن المجني عليهم بهذا السائل السام فحدثت بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية ووقعت منه الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما يفرضه عليه أصول مهنته. وطلبت عقابه بالمادتين 238/ 1، 2، 3، 244/ 1، 2 - 3 من قانون العقوبات. ومحكمة دمياط الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام والمادة 32/ 2 من قانون العقوبات بحبس المتهم سنة واحدة مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ. فاستأنف كل من المتهم والنيابة العامة هذا الحكم. ومحكمة دمياط الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وتبرئة المتهم مما أسند إليه. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من جريمتي القتل والإصابة الخطأ المسندتين إليه قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب فضلاً عن الفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق ذلك بأن الحكم انتهى في قضائه إلى انتفاء ركن الخطأ في جانب المطعون ضده تأسيساً على أنه يقوم وحده بكافة الأعمال الفنية والإدارية بوحدة العلاج التي يعمل بها بما في ذلك تحضير محلول الطرطير المقئ والإشراف على تحضير الماء المقطر، ولم يخالف في قيامه بعمله تعليمات وزارة الصحة، وأن استعمال محلول الطرطير في حقن المجني عليهم بدلاً من الماء المقطر الواجب استعماله لم يكن ناشئاً عن خطأ منه، وإنما كان بسبب خطأ الممرض الذي قدم له هذا المحلول لاستعماله في الحقن، وكان يتعذر عليه وسط زحمة العمل - أن يتحقق من أنه ليس ماء مقطراً إذ أن السائلين يتشابهان في خصائصهما من حيث الشكل والرائحة ولا يوجد بالوحدة سوى إناء واحد لتقطير كلا السائلين وقد كان هذا الإناء معداً يوم الحادث لتقطير الماء، فضلاً عن أن ذلك اليوم لم يكن مخصصاً لإعطاء حقن محلول الطرطير مع أن ما أثبته الحكم من وجود سائلين بهذه الخصائص بالوحدة كان يحتم على المطعون ضده أن يستوثق من أن السائل المقدم إليه هو الواجب استعماله سواء أكان هو الذي يقوم بتحضيره بنفسه أم يقع عليه واجب الإشراف على الممرض في تحضيره، وهو ما يعتبر خطأ طبياً في جانبه يوجب مسئوليته ولا ينفيها كثرة أعباء عمله كطبيب للوحدة أو خطأ وقع من الممرض وما ذكره الحكم في خصوص وجود إناء واحد بالوحدة ينفيه ما هو ثابت بالأوراق من تعدد الأواني التي تستعمل في حفظ مثل تلك السوائل الأمر الذي يوجب على المطعون ضده اتخاذ ما يلزم لتمييز الآنيتين المخصصتين لحفظ كل من محلول الطرطير والماء المقطر، هذا إلى أن الحكم إذ قال بانتفاء رابطة السببية بين فعل المطعون ضده وبين وفاة المجني عليهم في التهمة الأولى استناداً إلى ما جاء بتقرير الصفة التشريحية من أن حالتهم المرضية كانت كافية في حد ذاتها لإحداث الوفاة على حين أن الثابت من هذا التقرير أن حقنهم بمعرفة المطعون ضده قد عجل بإحداث وفاتهم وهو ما يكفي لتوافر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة كما أنه ليس من المستبعد حتماً إمكان تدارك تلك الحالات المرضية بالعلاج لو لم يقع خطأ من المطعون ضده. كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه تتحصل في أن المطعون ضده وهو طبيب في إحدى المجموعات الصحية، نقل إليه عدد من الأطفال لعلاجهم من نزلات معوية حادة فحقنهم بالبنسلين والاستربتومايسين بعد خلط مسحوق الدواء بمحلول الطرطير المقئ بدلاً من الماء المقطر فحدثت بهم إصابات بينها الدليل الفني مما أدى إلى موت خمسة منهم وإصابة عدد كبير بالأعراض الإصابية التي بينها التقرير الطبي وكذلك وقد انتهى الحكم إلى تبرئة المطعون ضده والتماس العذر له وإسقاط الخطأ عنه نظراً لزحمة العمل، ولأنه لا يوجد بالوحدة سوى إناء واحد يقطر فيه الماء أو يحضر فيه الطرطير مما أوقعه في الغلط، وإلى أن من مات من الأطفال كان في حالة مرضية متقدمة تكفي وحدها للوفاة، إلا أن الحقن عجل بوفاتهم مما يقطع رابطة السببية بين الخطأ بفرض ثبوته في حقه وبين الموت الذي حدث، وما ذكره من ذلك سواء في نفيه الخطأ أو في القول بانقطاع رابطة السببية خطأ في القانون، ذلك بأنه ما دام أن المطعون ضده وهو طبيب مزج الدواء بمحلول الطرطير بدلاً من الماء المقطر الذي كان يتعين مزجه فقد أخطأ سواء كان قد وقع في هذا الخطأ وحده أو اشترك معه الممرض فيه وبالتالي فقد وجبت مساءلته، في الحالين لأن الخطأ المشترك لا يجب مسئولية أي من المشاركين فيه ولأن استيثاق الطبيب من كنه الدواء الذي يناوله المريض أو في ما يطلب منه في مقام بذل العناية في شفائه، وبالتالي فإن التقاعس عن تحريه والتحرز فيه والاحتياط، له إهمال يخالف كل قواعد المهنة وتعاليمها وعليه أن يتحمل وزره، كما أن التعجيل بالموت مرادف لإحداثه في توافر علاقة السببية واستيجاب المسئولية، ولا يصلح ما استندت إليه المحكمة من إرهاق الطبيب بكثرة العمل مبرراً لإعفائه من العقوبة، وإن صلح ظرفاً لتخفيفها. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون في هذا الخصوص معيباً بما يستوجب نقضه. ولما كان تقدير العقوبة في حدود النص المنطبق من إطلاقات محكمة الموضوع، فإنه يكون متعيناً مع النقض الإحالة.