مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 - إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1324

(137)
جلسة 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمود محمد إبراهيم المستشارين.

القضية رقم 63 لسنة 2 القضائية

بعثات - المرسومان التشريعيان الخاصان بنظام البعثات العلمية رقم 1850 في 18 من أغسطس (آب) سنة 1948 ورقم 231 في 15 من مايو سنة 1952 - تفويضهما مجلس المعارف في تقدير أسباب إلغاء قرار الإيفاد ومنها تقصير المبعوث في الدراسة - قرار مجلس المعارف رقم 251 في 21 من نوفمبر سنة 1953 بوضعه قاعدة تنظيمية مقتضاها أن التقصير الذي ينتهي معه إلغاء البعثة طبقاً للقانون، هو رسوب الموفد سنتين خلال المدة المقررة لدراسة فرع تخصصه - يتحدد معنى الرسوب حسب مفهوم النظام الجامعي الخاضع له المبعوث - تخلفه في علم أو أكثر لا يعتبر رسوباً في حكم القانون طالما أنه لا يعتبر كذلك في مفهوم النظام الجامعي الخاضع له - أساس ذلك.
أنه بالرجوع إلى المرسوم التشريعي رقم 1850 في 18 من أغسطس (آب) سنة 1948 بنظام البعثات العلمية، والذي أوفد المدعي في ظل أحكامه، يتضح أن المادة السادسة منه يجرى نصها كالآتي: "يحق للوزارة الموفدة أن تلغي قرار إيفاد كل من يثبت أنه قصر في الدراسة دون عذر مشروع أو كان سلوكه غير حسن ويعود تقدير ذلك إلى المجلس الأعلى في وزارة المعارف وإلى لجنة خاصة تؤلف لهذه الغاية في سائر الوزارات ويكون الوفد الذي يلغي قرار إيفاده بناء على هذه الأسباب ملزماً بإعادة الرواتب والنفقات التي تقاضاها خلال مدة إيفاده". كما نصت المادة 27 من هذا القانون على أن "لوزارة المعارف أن تصدر ما تراه من التعليمات لتنظيم شئون البعثات". وقد ردد المرسوم التشريعي رقم 231 الصادر في 15 من مايو سنة 1952 بنظام البعثات العلمية النصين السابقين في مادتيه السابعة والواحد وثلاثين، نص في المادة السابعة على أنه "يحق للوزارة الموفدة أن تلغي قرار إيفاد كل موظف يثبت أنه قصر في الدراسة دون عذر مشروع أو كان سلوكه غير حسن أو انتمى إلى حزب سياسي أو تدخل في شئون البلاد التي يدرس فيها ويعود تقدير ذلك إلى مجلس المعارف في وزارة المعارف أو إلى لجنة خاصة تؤلف لهذه الغاية في سائر الوزارات والإدارات. ويعود إلغاء إيفاد جميع الطلاب للأسباب عينها إلى تقدير مجلس المعارف في وزارة المعارف" ثم نصت المادة 31 منه على أنه "لوزارة المعارف أن تصدر ما تراه من المراسم والقرارات والتعليمات لتنظيم شئون بعثات الطلبة وتنفيذ أحكام هذا المرسوم التشريعي ولكافة الوزارات أن تصدر تعليمات خاصة لتنظيم بعثات الموظفين بعد أخذ موافقة وزارة المعارف عليها". وقد أصدر مجلس المعارف بناء على هذا التفويض قراره رقم 251 في 21 من نوفمبر سنة 1953 بأن "تعتبر السنة الأولى من الإيفاد سنة إضافية لدراسة اللغة الأجنبية إذا كان قرار إيفادهم أو كتب تكليفهم يتضمن دراسة اللغة الأجنبية في سنتهم الأولى هذه وتعتبر السنة التي تلي السنة الأولى سنة طبيعية في صلب مدة الإيفاد لبدء دراسة الفرع في الجامعة التي خصصت له. وإذا رسب الموفد في السنة الأولى من دراسة فرعه في الجامعة المخصصة له بعد دخوله امتحانات دورتيها القانونيتين يسمح له بتجديد إيفاده سنة واحدة بحيث لا يسمح للموفد بتجديد إيفاده خلال دراسته كلها إلا مرة واحدة فقط وفي حالة رسوبه سنة أخرى ينهي إيفاده...".
فإذا كان مجلس الجامعة وقد وضع هذه القاعدة التنظيمية بمقتضى السلطة المخولة له من قانون البعثات، قد أثبت أن التقصير الذي ينتهي مع الإلغاء طبقاً للقانون بأنه الرسوب سنة ثانية، إلا أنه يجب أن يحدد معنى الرسوب حسب مفهوم النظام الجامعي، فإذا كان الموفد قد تخلف في علم أو أكثر، وكان ذلك في مفهوم النظام الجامعي لا يعتبر رسوباً، فلا يمكن حمل معنى الرسوب الوارد في القاعدة سالفة الذكر على مثل هذه الحالة ما دام قرار مجلس الجامعة لم يخصص للرسوب معنى معيناً أو لم يقيده بقيد خاص.


إجراءات الطعن

أودع السيد رئيس هيئة المفوضين تقريراً في 28 من مايو (آيار) سنة 1960 قيد برقم 63 سنة 2 ق يطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 14 من إبريل (نيسان) سنة 1960 في الدعويين 84، 22 لسنة 1 ق المرفوعتين من السيد/ محمد عبده الصباغ والسيد/ جميل العطار ضد وزارتي التربية والتعليم والخزانة وطلب السيد رئيس المفوضين للأسباب الواردة في تقرير طعنه الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى كل من السيد/ محمد عبده الصباغ والسيد/ جميل العطار مع إلزامهما بالمصروفات وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 30 من آيار سنة 1960 وإلى المدعي في 11 من يونيه (حزيران) سنة 1960 ثم عين لنظر الطعن أمام هيئة فحص الطعون جلسة 30 من أغسطس سنة 1960 وأحيلت إلى هذه المحكمة لجلسة 4 من سبتمبر (أيلول) سنة 1960 وفيها سمعت ملاحظات الطرفين على الوجه المبين بالمحضر وأرجئ الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع النزاع تتحصل حسبما هو مستفاد من الأوراق في أن قراراً صدر من وزير المعارف في 19 من نوفمبر سنة 1951 بإيفاد السيد/ محمد عبد الصباغ للدراسة في جامعة لندن ومدرسة البولتكنيك للسنة الأولى خلال أربع سنوات للحصول على شهادة B. S. C. وقد وقع على إقرار تعهد فيه بقبول الوظيفة التي تعينه فيها الإدارة بعد استكمال تحصيله وبأن يخدم الوظيفة ثلاثة أضعاف مدة تحصيله وبأن يعيد جميع النفقات والتعويضات التي تكون قد صرفت عليه مدة إيفاده إذا ثبت للوزارة التي أوفدته أنه سيء السلوك أو أنه رسب في الامتحانات رسوباً ناتجاً عن عدم اجتهاده، وذلك بدون مراجعة المحاكم، بل تستوفي الوزارة هذه النفقات منه وفقاً لقانون جباية الأموال الأميرية، وقد كفله السيد/ جميل العطار في تعهده. وفي 6 من أغسطس (آب) سنة 1956 أصدر وزير التربية والتعليم القرار رقم 1308 بإنهاء إيفاد السيد/ محمد عبده الصباغ اعتباراً من أول يناير سنة 1956 بناء على أحكام المرسوم التشريعي رقم 234 في 15 من مايو (آيار) سنة 1952 المتضمن نظام البعثات وعلى قرار مجلس المعارف رقم 381 في 25 من يناير (كانون الثاني) سنة 1954، وذلك بسبب رسوبه سنتين خلال سني الإيفاد بالإضافة إلى السنة الأولى التي اعتبرت لدراسة اللغة، ولكنه استمر في دراسته على نفقته الخاصة إلى أن حاز الشهادة التي أوفد من أجلها.
وعند إعادة النظر في قرار إنهاء إيفاده في 24 من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1958 أصدر مجلس المعارف قراره رقم 462 بتثبيت إنهاء إيفاده ومطالبته بالنفقات المصروفة وفق أحكام المادة السابعة من نظام البعثات العلمية وقد جاء في تعليل هذا القرار أن المدعي أوفد لمدة أربع سنوات إلى جامعة لندن ومدرسة البولتكنيك للحصول على بكالوريوس قضى السنة الأولى 1951/ 1952 في دراسة اللغة في معهد ديفيز - لم يحصل على شهادة الثقافة السنة الأولى 1952/ 1953 بل نجح في السنة الثانية 1953/ 1954، وفي العام الدراسي 1954/ 1955 انتسب لجامعة سوانزي ولم ينجح في نهاية السنة وقدم وثيقة من الجامعة تتضمن إمكان الجمع بين السنتين الجامعيتين الأولى والثانية وتقديم فحوصهما في السنة التالية معاً، إلا أن مجلس المعارف قياساً على ما طبق على أمثاله اعتبر هذه السنة رسوباً وبالإضافة إلى الرسوب الأول في شهادة الثقافة العامة والسنة الأولى اعتبرت للغة، قرر إنهاء إيفاده في جلسة 381 في 5 من يناير (كانون الثاني) سنة 1956 مع إرجاء المطالبة بالنفقات إلى حين عودته. وفي 4 من مايو (أيار) سنة 1959 أصدر الأمين العام "للوزارة" قراره رقم 2041 بأن تعدل المادة الأولى من القرار الوزاري 1308 في 6 من أغسطس (آب) سنة 1956 المتعلقة بإنهاء إيفاد السيد/ محمد عبده الصباغ وتصبح كما يلي: "ينهي إيفاد السيد/ محمد عبده الصباغ الموفد إلى انجلترا بموجب القرار الوزاري 425 في 19 من نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1951 وذلك اعتباراً من أول يناير (كانون الثاني) سنة 1956 ويطالب بمثلي ما أنفق عليه خلال مدة إيفاده لتقصيره في الدراسة".
وفي 14 من يونيه سنة 1959 أقام السيد/ محمد عبد الصباغ الدعوى رقم 84 لسنة 1 ق أمام محكمة القضاء الإداري يطلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم برقم 1308 الصادر في 6 من أغسطس (آب) سنة 1956 المتضمن إنهاء إيفاده للدراسة في انجلترا، وعلى أقل تقدير، إلغاء القرار المعدل له الصادر من الأمين العام لوزارة التربية والتعليم رقم 2041 الصادر في 4 من مايو (أيار) سنة 1959 والقاضي بإنهاء إيفاده ومطالبته بمثلي ما أنفق عليه خلال إيفاده بداعي تقصيره في الدراسة كما طلب في 17/ 9/ 1959 وقف تنفيذ قرار الأمين العام إلى حين الفصل في الدعوى، قررت المحكمة رد طلبه بجلستها المنعقدة في 6 من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1959 وفي 8 من نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1959 أقام السيد/ جميل العطار الدعوى الثانية رقم 22 لسنة 1 ق بالطلبات ذاتها محل الدعوى الأولى، وبجلسة 4 من إبريل (نيسان) سنة 1960 قضت المحكمة في دعوى الموضوع بعدم صحة إنهاء الإيفاد الوارد في القرارين المطعون فيهما رقم 1308 في 6 أغسطس (آب) سنة 1956 و2041 في 4 من مايو (أيار) سنة 1959 وبإلغائهما وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات. وقد استندت المحكمة في قضائها إلى أنه ولئن كان لا يوجد ثمت خلاف في أن السيد/ محمد عبده الصباغ لم يحصل على الشهادة المطلوبة منه إلا في حزيران سنة 1958 بعد انقضاء سنتين على الموعد المحدد له إلا أنه لا وجه لاعتبار هذا التأخير ناجماً من رسوبه المتكرر بدون عذر، ذلك أن تحضير شهادة الثقافة العامة يحتاج إلى عامين دراسيين بصورة عادية بما لا يساغ للقول معه بأن إنفاق المدعي سنتين في تحضير شهادة الثقافة العامة يستتبع أن تحسب السنة الأولى منهما رسوباً ما دام قد نجح في السنة الثانية 1953/ 1954 في "الفيزياء والميكانيكا والرياضيات بصورة مكنته من دخول كلية سوانزي بموافقة الوزارة وما دام لم يرسب في هذه الكلية سوى سنة واحدة لا فرق بين أن تكون هذه السنة الدراسية 1954/ 1955 التي رسب فيها ثم لم يلبث أن تلاقى ذلك في فحوص كانون الثاني سنة 1956 وما بعده، أم كانت هي السنة الدراسية 1956/ 1957 التي كان المفروض أن يحصل فيها على الشهادة المطلوبة. ثم قالت المحكمة: "ما دام الأمر كذلك فإن المدعي يكون قد قصر في الدراسة سنة واحدة فقط من صلب سني الإيفاد بدون عذر مشروع. هذا التقصير لا يسمح بإنهاء إيفاده طبقاً للقاعدة المقررة في قراري مجلس المعارف رقم 251 في 2 من نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1953، 28 من نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1953 والتي اشترطت لإنهاء الإيفاد رسوب سنتين. وأنه لذلك يكون إنهاء الإيفاد بموجب القرارين السالف ذكرهما ومطالبة المدعي وكفيله المدعي الآخر بمثلى ما أنفق عليه لا يقوم على أساس.
ومن حيث إن هيئة المفوضين قد طعنت في الحكم مؤسسة طعنها على أن المادة السابعة من المرسوم التشريعي رقم 231 الصادر في 15 من مايو سنة 1952 بنظام البعثات العلمية تنص على أنه "يحق للوزارة الموفدة أن تلغي قرار إيفاد كل موظف يثبت أنه قصر في الدراسة دون عذر مشروع، أو كان سلوكه غير حسن أو انتمى إلى حزب سياسي أو تدخل في شئون البلاد التي يدرس فيها. ويعود تقدير ذلك إلى مجلس المعارف في وزارة المعارف أو إلى لجنة خاصة تؤلف لهذه الغاية في سائر الوزارات أو الإدارات. ويعود إلغاء إيفاد جميع الطلاب للأسباب عينها إلى تقدير مجلس المعارف في وزارة المعارف. ويكون الموفد طالباً أو موظفاً الذي يلغي قرار إيفاده بناء على هذه الأسباب ملزماً بإعادة مثلي جميع الرواتب والنفقات التي تقاضاها خلال مدة إيفاده.." وأنه لما كانت هناك صعوبات تعتور دراسة المدعي ورفاقه فقد أصدر مجلس المعارف في ضوء كتاب البعثات العلمية رقم 806 في 26 من نوفمبر سنة 1953 المتعلق بأفراد بعثة انجلترا، قراره رقم 253 في 28 من نوفمبر سنة 1953 نص على اعتبار السنة الأولى من إيفادهم سنة إضافية لدراسة اللغة الأجنبية وباعتبار السنة التالية لها سنة طبيعية من صلب مدة الإيفاد حتى إذا رسب فيها الموفد سمح له بمد مدة إيفاده سنة واحدة، وفي حالة رسوبه فترة مرة أخرى ينهي إيفاده ويلتزم مع كفيله بدفع ثلاثة أضعاف ما صرف عليه وفق أحكام المرسوم رقم 1850 في 18 من أغسطس (آب) سنة 1948. وأشارت هيئة المفوضين إلى أن هذا المرسوم قد ألغي ضمناً بصدور المرسوم التشريعي رقم 231 في 15 من مايو (أيار) سنة 1952 الذي أعاد تنظيم شئون البعثات العلمية، وأن مفاد ما تقدم أنه من بين أسباب إلغاء الإيفاد تقصير الموفد في دراسته دون عذر مشروع. ولقد حدد مجلس المعارف مفهوم هذا التقصير بالنسبة للموفدين إلى انجلترا بالرسوب مرتين خلال سني الإيفاد الأربع علاوة على سنة إضافية لدراسة اللغة. وأنه لما كان السيد/ محمد عبده الصباغ قد أوفد إلى بعثة بانجلترا بالقرار الصادر في 19 من نوفمبر سنة 1951 لذلك تكون السنة الأولى من إيفاده هي السنة 1951/ 1952 وهى مقررة لدراسة اللغة وتكون سنوات الإيفاد الأربع تبدأ من السنة 1952/ 1953 وتنتهي في السنة 1955/ 1956 وهي السنة المقرر حصوله فيها على الشهادة المطلوبة، والثابت أنه رسب في السنة 1952/ 1953 ورسب سنة ثانية في السنة 1954/ 1955 ولم يحصل على الشهادة إلا في السنة 1957/ 1958 أي بعد مضى سنتين من التاريخ المحدد لانتهاء بعثته. وإذ ثبت ذلك في حقه فإنه يكون قد توافر في شأنه التقصير المشار إليه في المادة السابعة من المرسوم التشريعي الذي خول لمجلس المعارف سلطة تقدير ذلك، وعلى هذا يكون القرار قد قام على سببه من السلطة التي تملك ذلك قانوناً دون أن يكون مصحوباً بنية الإساءة، شأنه في ذلك شأن أمثاله الذين عوملوا نفس المعاملة. وأنه إذا كان السيد/ محمد عبده الصباغ قد واصل دراسته بعد رسوبه ثم أتمها وحصل على الشهادة المطلوبة في السنة 1957/ 1958 بعد انتهاء إيفاده وعلى حسابه الخاص ثم التحق بمعرفة وزارة التربية والتعليم تنفيذاً لما التزم به إلا أن ذلك لا يحول دون إنزال حكم القانون عليه طالما قد تحقق سببه ولا يتسنى إعفاؤه من كل النفقات أو بعضها إلا بصدور قانون يسمح بذلك. وقد أعدت الوزارة فعلاً مشروع قانون في هذا الشأن ولكن إلى أن يصدر هذا القانون فلا مناص من إنزال حكم القانون القائم دون تعديل. وانتهت الهيئة إلى طلب إلغاء الحكم ورفض دعوى كل من السيد/ محمد عبده الصباغ والسيد/ جميل العطار.
ومن حيث إن وزارة التربية والتعليم قد أودعت مذكرة بدفاعها حاصلها أن الحكم المطعون فيه إذ لم يعتبر الرسوب الأول في شأن الحصول على الثقافة العامة رسوباً بناء على أن تحضير شهادة الثقافة العامة يحتاج إلى عامين دراسيين بصورة عادية - أن الحكم قد أغفل نص المادة السابعة من المرسوم رقم 231 لسنة 1952 التي رددت نفس الحكم الوارد بالمرسوم رقم 1850 سنة 1948 في شأن تقصير المبعوث في نصها على هذا التقصير بصورة عامة مطلقة وجعله أمراً تقديرياً لمجلس المعارف وأنه سواءً أكان قرارا مجلس المعارف سنة 1953 قد وضعا قاعدة عامة لمفهوم التقصير أم هما ليسا كذلك، فإن مجلس المعارف قد قرر بعد ذلك في سنة 1956 إنهاء بعثة المدعي لاعتباره مقصراً في دراسته وقد صدر هذا القرار من سلطة تقديرية وفق قانون نظام البعثات. وأنه إذا فرض أن قرار ذلك المجلس في سنة 1953 أخذ وضع قاعدة عامة فإنه يكون قد رجع عنها بقراره اللاحق بشأن الطالب وأمثاله في سنة 1956 وذلك بفرض أن الطالب لم يرسب سوى سنة واحدة ولا خلاف في أن للمجلس سلطة عدوله عن قاعدة وضعها بنفسه في قرار سابق. وهو إذ قرر بسلطته التقديرية أن الطالب يعتبر مقصراً في دراسته بدون عذر مشروع فلا سبيل إلى مراجعته في هذا التقدير الذي بني على واقعة صحيحة وهى الرسوب، فهو ينطوي في ذاته على تقصير ويدل على أن العذر غير مشروع وأن ما ذهب إليه الحكم من أن دراسة الثقافة العامة تحتاج إلى سنتين بصورة عادية لا ينفي أن هناك صورة أخرى هي المعول عليها في سنة واحدة وأن مجرد رسوبه في السنة الأولى يكفي لاعتباره مقصراً ثم رسب مرة أخرى في الدراسة السابقة، ويكون الحكم قد خالف الثابت بالأوراق وطلبت الحكومة إلغاءه ورفض دعوى كل من المدعيين.
وقدم المدعيان مذكرة بالرد على تقدير الطعن مستندين إلى الحكم المطعون فيه للأسباب التي قام عليها.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن مثار النزاع في هذا الطعن هو ما إذا كان المدعي الموفد إلى البعثة قد تحقق في شأنه التقصير في الدراسة حتى يكون إنهاء الإيفاد صحيحاً أو أن الأمر ليس كذلك.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى المرسوم التشريعي رقم 1850 في 18 من أغسطس (آب) سنة 1948 بنظام البعثات العلمية والذي أوفد المدعي في ظل أحكامه يتضح أن المادة السادسة منه يجري نصها كالآتي: "يحق للوزارة الموفدة أن تلغي قرار إيفاد كل من يثبت أنه قصر في الدراسة دون عذر مشروع أو كان سلوكه غير حسن ويعود تقدير ذلك إلى المجلس الأعلى في وزارة المعارف وإلى لجنة خاصة تؤلف لهذه الغاية في سائر الوزارات ويكون الموفد الذي يلغي قرار إيفاده بناء على هذه الأسباب ملزماً بإعادة الرواتب والنفقات التي تقاضاها خلال مدة إيفاده.. كما نصت المادة 27 من هذا القانون على أن لوزارة المعارف أن تصدر ما تراه من التعليمات لتنظيم شئون البعثات"، وقد ردد المرسوم التشريعي رقم 231 الصادر في 15 من مايو سنة 1952 بنظام البعثات العلمية النصين السابقين في مادتيه السابعة والواحد والثلاثين، نص في المادة السابعة على أنه "يحق للوزارة الموفدة أن تلغي قرار إيفاد كل موظف يثبت أنه قصر في الدراسة دون عذر مشروع أو كان سلوكه غير حسن أو انتمى إلى حزب سياسي أو تدخل في شئون البلاد التي يدرس فيها، ويعود تقدير ذلك إلى مجلس المعارف في وزارة المعارف أو إلى لجنة خاصة تؤلف لهذه الغاية في سائر الوزارات والإدارات ويعود إلغاء إيفاد جميع الطلاب للأسباب عينها إلى تقدير مجلس المعارف في وزارة المعارف". ثم نصت المادة 31 منه على أنه "لوزارة المعارف أن تصدر ما تراه من المراسيم والقرارات والتعليمات لتنظيم شئون بعثات الطلبة وتنفيذ أحكام هذا المرسوم التشريعي، ولكافة الوزارات أن تصدر تعليمات خاصة لتنظيم بعثات الموظفين بعد أخذ موافقة وزارة المعارف عليها". وقد أصدر مجلس المعارف بناء على هذا التفويض قراره رقم 251 في 21 من نوفمبر سنة 1953 بأن "تعتبر السنة الأولى من الإيفاد سنة إضافية لدراسة اللغة الأجنبية إذا كان قرار إيفادهم أو كتب تكليفهم يتضمن دراسة اللغة الأجنبية في سنتهم الأولى هذه وتعتبر السنة التي تلي السنة الأولى سنة طبيعية في صلب مدة الإيفاد لبدء دراسة الفرع في الجامعة التي خصصت له. وإذا رسب الموفد في السنة الأولى من دراسة فرعه في الجامعة المخصصة له بعد دخوله امتحانات دورتيها القانونيتين يسمح له بتجديد إيفاده سنة واحدة بحيث لا يسمح للموفد بتجديد إيفاده خلال دراسته كلها إلا مرة واحدة فقط، وفي حالة رسوبه سنة أخرى ينهي إيفاده".
ومن حيث إن مجلس الجامعة وقد وضع هذه القاعدة التنظيمية بمقتضى السلطة المخولة له من قانون البعثات، أثبت أن التقصير الذي ينتهي معه الإلغاء طبقاً للقانون بأنه الرسوب سنة ثانية، إلا أنه يجب أن يحدد معنى الرسوب حسب مفهوم النظام الجامعي. فإذا كان الموفد قد تخلف في علم أو أكثر وكان ذلك في مفهوم النظام الجامعي لا يعتبر رسوباً فلا يمكن حمل معنى الرسوب الوارد في القاعدة سالفة الذكر على مثل هذه الحالة ما دام قرار مجلس الجامعة لم يخصص للرسوب معنى معيناً أو لم يقيده بقيد خاص.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يتعين بحث حالة المدعي الموفد السيد/ محمد عبده الصباغ عند إصدار قرار إنهاء إيفاده اعتباراً من أول يناير (كانون الثاني) سنة 1956 بموجب القرار رقم 1308 في 6 من أغسطس (آب) سنة 1956.
ومن حيث إنه واضح من الأوراق أن المدعي السيد/ محمد عبده الصباغ أوفد لدراسة العلوم الفيزائية في جامعة لندن ولمدرسة البولتكنيك، والحصول على شهادة بكالوريوس خلال أربع سنوات بموجب القرار الوزاري رقم م 4 في 19 من نوفمبر سنة 1951، وذلك ابتداء من 20 من يناير (كانون الثاني) سنة 1952 وأن أوضاع دراسته تتحصل فيما يلي:
1951 - 1952 للغة الإنجليزية في معهد ديفيز.
1952 - 1953 السنة الأولى لصف الثقافة العامة. ولم يحصل فيها المدعي على شهادة الثقافة.
1953 - 1954 السنة الثانية لصف الثقافة العامة وقد نجح فيها.
1954 - 1955 انتسب إلى جامعة سوانزي لدراسة السنة الأولى لشهادة البكالوريوس، وقد رسب في الدورة الأولى.
ومن حيث إنه لما عرضت هذه الحالة على مجلس الجامعة قرر إنهاء الإيفاد على أساس أن الموفد قد رسب في سنتين أولاهما 1952 - 1953 في الثقافة والثانية، 1954 - 1955 في السنة الأولى الجامعية.
ومن حيث إن هذا النظر غير صحيح، إذ أن الثقافة العامة تحتاج إلى عامين دراسيين على الوجه الموضح في كتاب رئيس قسم الفيزياء والرياضيات في جامعة لندن، ويكون اعتباره راسباً يخالف طبيعة النظام المقرر لذلك، كما أن اعتبار المدعي المذكور راسباً في 1954 - 1955 لرسوبه في السنة الأولى الجامعية يتعارض مع ما جاء في كتاب جامعة سواتزي من أن التأخر في بعض المواد لا يعتبر رسوباً لأن الحصول على البكالوريوس يتطلب ثلاث سنوات ويستطيع الطالب خلال السنة الثانية تلافي النقض الذي حدث في السنة الأولى، ومن ثم يكون إصدار القرار بإنهاء الإيفاد مخالفاً للقاعدة التنظيمية التي وضعها مجلس المعارف تحديداً لمعنى التقصير في الدراسة الذي عناه القانون.
ومن حيث إنه فضلاً عما تقدم فإن المدعي الموفد قد نجح فعلاً في 1955 - 1956 (السنة الثانية الجامعية) ثم رسب سنة واحدة 1956 - 1957 ونجح في 1957 - 1958، وحصل على البكالوريوس مما يدل على أنه لم يضع عليه إلا سنة واحدة فقط في الصف الثالث لشهادة البكالوريوس.
وهذا هو الذي قاله مدير البعثات والعلاقات الثقافية في كتابه في 11 من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1958 الموجه إلى الأمانة العامة في وزارة المعارف السورية.
ومن حيث إنه غير سديد ما تقوله وزارة التربية والتعليم في مذكرتها المقدمة في هذا الطعن من أن مجلس المعارف نفسه هو الذي قرر بعد وضع قاعدته التنظيمية إنهاء بعثة المدعي استعمالاً لسلطته التقديرية، وإن هذا يعتبر بمثابة عدول عن هذه القاعدة في خصوص المدعي، ذلك لأن العدول عن القاعدة التنظيمية ينبغي أن يكون بقاعدة عامة موضوعية لا في خصوص التطبيق الفردي.
ومن حيث إنه لجميع ما تقدم وللأسباب الأخرى التي أوردها الحكم المطعون فيه يكون قرار إنهاء الإيفاد غير صائب، ويكون الحكم المطعون فيه على أساس سليم من القانون ويتعين القضاء برفض الطعن موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً