أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 845

جلسة 10 من أكتوبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، وقصدي اسكندر عزت، وإسماعيل محمود حفيظ، ودكتور أحمد رفعت خفاجي.

(174)
الطعن رقم 557 لسنة 47 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "حقها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" إثبات. "شهود" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث. ما دام سائغاً.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام" "قرائن" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية ثبوت الواقعة عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من ظروف وقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.
(3) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير الدليل ووزن عناصر الدعوى. موضوعي.
1 - من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق.
2 - لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها، بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن، وترتيب النتائج على المقدمات. ولما كان ما ساقه الحكم من وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها كافياً في الدلالة على أن الطاعن هو الذي سكب البترول على زوجته المجني عليها أثناء نومها وأشعل النار فيها وكان هذا الذي استخلصه الحكم واستقر في عقيدته لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلي والمنطقي ولا يتعارض مع ما نقله الحكم عن التقرير الطبي الشرعي - الذي لم ينازع الطاعن أن له مأخذه الصحيح في الأوراق – إذا لم ينف التقرير المذكور هذا التصوير الذي اعتنقه الحكم.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لها.
4 - متى كان ما أطرح به الحكم دفاع الطاعن بشأن أثار المواد البترولية العالقة بملابسه سائغاً وسديد وكافياً لإطراحه. فإن ما يثيره الطاعن في أوجه طعنه ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته والخوض فيه أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل....... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتلها وأعد لذلك مواد بترولية (كيروسين) وانتهز فرصة نومها وسكبه عليها وأشعل بها النار قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 230، 231 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. وادعى والد المجني عليها مدنياً بمبلغ مائتي وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ مائتي وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد قد شابه فساد الاستدلال وقصور في التسبيب ذلك بأن الحكم استدل على ارتكاب الطاعن جريمة القتل من أقوال المجني عليها والشهود مع أن أحداً منهم لم يشاهد الطاعن وهو يسكب البترول على المجني عليها ويشعل النار فيها وأن ماديات الواقعة تكشف عن أن الحادث عرضي أو انتحاري بدلالة أن التقرير الطبي الشرعي قد خلا من ترجيح أن يكون الحادث بفعل جنائي هذا إلى أن الحكم اتخذ من وجود آثار كيروسين بملابس الطاعن دليلاً مؤيداً لرواية المجني عليها وأطرح دفاعه في أنه وضعه بقصد إحراق نفسه عندما علم باتهام المجني عليها له وفضلاً عن ذلك فإن الحكم لم يرفع التناقض بين الدليل القولي – أقوال المجني عليها – والدليل الفني إذ أثبت تقرير التحليل عدم وجود آثار لمواد بترولية بملابس المجني عليها وأن التقرير الطبي الشرعي خلا من ترجيح أن يكون الحادث بفعل جنائي كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله: أنها تجمل في أنه حدث خلاف بين المتهم...... و زوجته...... لما ظنه المتهم من أن هناك علاقة آثمة تربط بينها وبين شقيقه ودأب على الاعتداء عليها بالضرب لهذا السبب وفى يوم 25/ 4/ 1974 رفض المتهم أن يتناول معها طعام العشاء ثم توجها للنوم بغرفتهما وبعد منتصف الليل انتهز المتهم فرصة نوم زوجته وسكب عليها بترولاً وأشعل فيها النار ولما شعرت بها المجني عليها واستيقظت من نومها وجدت النار في ملابسها وزوجها يحاول الهرب من الغرفة ولما حاولت الإمساك به خرج من الغرفة وأقفل الباب وراءه ليحول دون إنقاذها، فاستغاثت المجني عليها وحضر على صوت استغاثتها....... وعاونوا المجني عليها في إطفاء النار وأنهت إليهم المذكورة بمضمون ما تقدم ثم قام شيخ الخفراء بالقبض على المتهم وبعد ذلك توفيت المجني عليها متأثرة بإصاباتها وساق الحكم في التدليل على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها مستمدة من أقوال المجني عليها والشهود والتقارير الطبية ومما ورد بتقرير المعاينة فأورد عن أقوال المجني عليها أنها قررت بالتحقيقات أن المتهم دأبت على الاعتداء عليها بالضرب لما ظنه من قيام علاقة آثمة بينها وبين شقيقه وفى ليلة الحادث أعدت له طعام العشاء فرفض تناوله ثم آوت إلى فراشها ونام المتهم على الفراش بجوارها وبعد منتصف الليل شعرت بالنار تسري في ملابسها فاستيقظت مذعورة ووجدت نفسها مبللة بالجاز والنار تشتعل في ملابسها بينما كان المتهم واقفاً بالغرفة وما أن أحس أنها استيقظت حتى خرج مهرولاً وأقفل الباب وراءه ليحول دون نجدتها فأخذت تستغيث حتى حضر على صوت استغاثتها...... فأنهت إليهم جميعاً أن المتهم هو الذي سكب البترول عليها وأشعل فيها النار انتقاماً منها لما ظنه من قيام علاقة بينها وبين أخيه وأضافت أن مناقشة عاصفة دارت بينها وبين زوجها المتهم قبل النوم بسبب ما يظنه بوجود هذه العلاقة وأنه قال لها (مالكيش عيش على كتافي) وأن المقصود بهذه العبارة على ضوء ما حدث منه أنه يريد قتلها وهو ما نفذه بالفعل أثناء نومها ثم أورد الحكم أقوال باقي الشهود ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن المجني عليها أصيبت بحروق نارية حيوية وتتفق وتاريخ الحادث ونشأت عن ملامسة الجسم للهب النار وتعزى وفاتها للصدمة العصبية الناشئة عن الحروق المتسعة بالجسم وأنه أخذاً بما جاء بتقرير المعمل الكيماوي فإنه لم يكن الاستدلال على رائحة واضحة لأي من المواد البترولية بملابس المجني عليها إلا أن ذلك لا ينفي احتمال أنها كانت ملوثة بالمواد البترولية وزالت بفعل النيران التي اشتعلت فيها بالإضافة إلى طول المدة التي مضت بين وقوع الحادث وتاريخ فحصها وأخيراً عرض لإنكار المتهم ارتكاب الحادث وتعليله وجود آثار الكيروسين بملابسه وأطرحه بعد أن أطمأنت المحكمة إلى أقوال المجني عليها وشهود الحادث. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقع الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها، بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن، وترتيب النتائج على المقدمات، وكان ما ساقه الحكم من وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها كافياً في الدلالة على أن الطاعن هو الذي سكب البترول على زوجته المجني عليها أثناء نومها وأشعل النار فيها وكان هذا الذي استخلصه الحكم واستقر في عقيدته لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلي والمنطقي ولا يتعارض مع ما نقله الحكم عن التقرير الطبي الشرعي – الذي لم ينازع الطاعن أن له مأخذه الصحيح في الأوراق إذ لم ينف التقرير المذكور هذا التصوير الذي اعتنقه الحكم من أقوال المجني عليها، ولا ينال من ذلك أن التقرير الطبي الشرعي لم يقطع بهذا التصوير الذي اعتنقه الحكم إذ من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لها – كما هو الحال في الدعوى الماثلة – لما كان ذلك، وكان ما أطرح به الحكم دفاع الطاعن بشأن آثار المواد البترولية العالقة بملابسه سائغاً وسديداً وكافياً لإطراحه، وكان ما يثيره الطاعن في أوجه طعنه ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته والخوض فيه أمام محكمة النقض. فإن الطعن يكون برمته غير سديد ويتعين رفضه موضوعاً.