مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ الإدارة التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1960 إلى آخر سبتمبر سنة 1960) - صـ 1353

(140)
جلسة 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس المجلس وعضوية السادة علي بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل ومحمود محمد إبراهيم وحسني جورجي المستشارين.

القضية رقم 79 لسنة 2 القضائية (ش)

( أ ) اختصاص - كتاب العدل - توليهم أعباء وظيفة عامة منذ قانون كتاب العدل العثماني المؤرخ 15/ 10/ 1329 - مماثلة مركزهم لمركز الموظفين من الحلقة الأولى - دخول المنازعات المتعلقة بهم في اختصاص محكمة القضاء الإداري دون المحكمة الإدارية.
(ب) موظف - كاتب عدل - حساب مدة خدمته ضمن راتب التقاعد - القانون الصادر في 21/ 1/ 1933 في شأن تصنيف كتاب العدل - قصره حساب مدة الخدمة بكتابة العدل على المدة التي قضيت فيها قبل الدخول في خدمة الملاكات - إلغاؤه بمقتضى المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935 بتعديل نظام الرواتب التقاعدية الملكية والعسكرية - صدر قانون في 1/ 6/ 1937 بتعميم حساب مدة خدمة كتابة العدل في رواتب التقاعد سواء قضيت قبل أو بعد الخدمة في الملاكات - نفاذه من تاريخ نفاذ القانون الصادر في 21/ 1/ 1933 - القول بقصر الإفادة منه على من انتهت خدمته قبل إلغاء قانون سنة 1933 تخصيص بغير مخصص - استفادة من كان موجوداً في الخدمة وقت سريان قانون سنة 1933 سواء انتهت خدمته قبل إلغائه أو بعد ذلك - قبول خدمات المستفيدين من هذه التشريعات وحقوقهم وفقاً لأحكامها التي كانت سارية عليهم قبل نفاذ المرسوم الإشتراعي رقم 34 لسنة 1949 - سريان هذا المرسوم الإشتراعي على الحقوق المتولدة منه من تاريخ نشره فقط - بيان ذلك.
1 - أن كاتب العدل، بحكم منصبه، يعتبر - منذ أن كان خاضعاً لقانون كتاب العدل العثماني المؤرخ 15/ 10/ 1929 والنافذ بالإقليم السوري - من عناصر الإدارة ويسهم في تسيير مرفق عام وهو إذ يقوم بتنظيم وتوثيق العقود وغير ذلك مما وكله إليه المشرع إنما يخضع لرقابة وزارة العدل في التدرج الرياسي وكونه يتقاضي عائدات بدلاً من الرواتب فذلك لا يمنع من القول أنه كان يتولى أعباء وظيفة عامة ومركزه لائحي تحكمه قواعد القانون العام، ولا ريب أن مركز كاتب العدل يعتبر مماثلاً لمركز الموظفين من الحلقة الأولى يؤكد ذلك أن قانون كتاب العدل الجديد رقم 54 لسنة 1959 قد صنف وظائفهم في المرتبة الخامسة فما فوق وهي مراتب الحلقة الأولى حسب قانون الموظفين الأساسي رقم 135 الصادر في 10/ 1/ 1945 ولذلك يكون الاختصاص منعقداً لمحكمة القضاء الإداري دون المحكمة الإدارية.
2 - في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 صدر قانون في شأن تصنيف كتاب العدل نص على ما يأتي: "الموظفون الذين سبق لهم القيام بوظائف كتابة العدل بالعائدات تحسب لهم المدة التي وجدوا فيها بوظيفة كتابة العدل في تصفية رواتب تقاعدهم على شرط أن يسددوا العائدات التقاعدية عن المدة المذكورة على أساس أول راتب يتقاضونه من الخزينة بعد العائدات"، فحكم هذا النص مقصور على من اشتغل كاتب عدل ثم عين في خدمة الملاكات.
وفي 4 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1935 صدر المرسوم التشريعي رقم 161 بتعديل نظام الرواتب الملكية والعسكرية. ونص في المادة 63 منه على أن "تلغى كافة الأنظمة القديمة المختصة بالتقاعد مع ملاحقها بما فيها القانون الصادر في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 المتعلق بالخدمات المؤداه من قبل الموظفين الذين شغلوا سابقاً وظيفة كاتب عدل... إلخ" وبهذا النص ألغي قانون سنة 1933 المشار إليه في الفقرة السابقة.
وصدر بعد ذلك في أول حزيران (يونيه) سنة 1937 قانون "ذيل للمادة القانونية الصادرة من المجلس النيابي بتاريخ 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 الملحقة بقانون التقاعد"، وقد نصت المادة الأولى منه على أن "المدة التي يقضيها الموظف في كتابة العدل بعد ترك الوظيفة هي مثل المدة التي يقضيها في كتابة العدل أو تحرير المقالات قبل دخوله في الوظيفة، وتحسب له في تصفية راتبه التقاعدي على شرط أن يسدد العائدات التقاعدية عن المدة المذكورة على أساس آخر راتب تقاضاه من آخر وظيفة تركها" واعتبر نافذاً من تاريخ نفاذ القانون الأول الصادر في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933، ومن ثم فإن كاتب العدل الموجود في الخدمة وقت نفاذ هذا القانون يفيد منه، ولا يغير من ذلك أن يكون قد ظل في الوظيفة بعد إلغائه في سنة 1935 بمقولة أن الإفادة منه مقصورة على من انتهت مدة خدمته قبل هذا الإلغاء، إذ لا يجوز أن يكون لهذا الإلغاء مساس بالحقوق المكتسبة التي نشأت لذويها قبل إلغائه - كما أن القول بأن تقصر الإفادة على من تكون خدمته قد انتهت قبل هذا الإلغاء، ففضلاً عما فيه من تخصيص بلا مخصص، فإنه ينطوي على تمييز في المعاملة بين موظفين تماثلت أوضاعهم القانونية وقت الإلغاء إذ كانوا جميعاً في الخدمة لدى نفاذ القانون في سنة 1933، فنشأ لهم جميعاً بذلك حق مكتسب في الإفادة منه، ولا يجوز أن يعامل من استمر في الخدمة بعد ذلك معاملة أدنى ممن تركها.
ولما كان المرسوم التشريعي رقم 34 الصادر في 27 من نيسان (إبريل) سنة 1949 قد نص في المادة 60 منه تحت عنوان (أحكام شتى وأحكام انتقالية) على أن "خدمات المستفيدين من التشريع السابق وحقوقهم عن المدة السابقة لتاريخ نشر هذا المرسوم التشريعي تقبل ضمن الشروط، وبمقتضى الأحكام التي كانت سارية عليهم". ثم نصت المادة 66 منه على أنه "مع مراعاة أحكام المادة 60 تلغى جميع الأحكام السابقة المتعلقة بالتقاعد"، وأخيراً نصت المادة 67 منه على أن "يطبق هذا المرسوم التشريعي على الحقوق المتولدة اعتباراً من تاريخ نشره"، فإنه طبقاً لهذه النصوص يكون حق كاتب العدل، المعين قبل إلغاء القانون الصادر في سنة 1933، في حساب مدة خدمته في وظيفة كاتب عدل في تصفية راتبه التقاعدي، طبقاً لقانون سنة 1933، معدلاً بقانون سنة 1937، مقصوراً على المدة من تاريخ تعيينه في هذه الوظيفة حتى تاريخ صدور المرسوم التشريعي رقم 34 في 27 من نيسان (إبريل) سنة 1949 المشار إليه آنفاً، وبشرط أن يسدد العائدات التقاعدية عنها، وفقاً لأحكام قانون سنة 1937.


إجراءات الطعن

في 20 من حزيران (يونيه) سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالإقليم السوري بصفتها نائبة عن السيد وزير الخزانة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 79 لسنة 2 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بدمشق بجلسة 21 من نيسان (إبريل) سنة 1960 في الدعوى رقم 178 لسنة 1 القضائية، المقامة من السيد إبراهيم ابن نايف الطعاني، ضد السيد وزير الخزانة، والقاضي "1 - برد الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها. 2 - باستحقاق المدعي أن تضم إلى تقاعده مدة خدمته في كتابة العدل السابقة لتاريخ نشر المرسوم التشريعي رقم 34 الصادر في 27 من نيسان (إبريل) سنة 1949، وبرفض دعواه فيما زاد على هذه المدة. 3 - بإلزام الحكومة بثلاثة أرباع المصروفات والمدعي بالربع الباقي". وقد أعلن هذا الطعن إلى المدعي في 22 من حزيران (يونيه) 1960، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 25 من آب (أغسطس) سنة 1960 وفيها حضر الطرفان، وسمعت الدائرة ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات وأرجأت النطق بالحكم إلى جلسة يوم 27 من آب (أغسطس) سنة 1960 حيث صدر الحكم بإحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا لنظرها بجلسة 6 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960، وفيها حضر الطرفان، وبعد سماع ملاحظاتهما على الوجه المبين في محضر الجلسة قررت المحكمة إرجاء إصدار الحكم إلى جلسة 21 من أبريل سنة 1960.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون ضده (المدعي) أقام في 9 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1959 الدعوى رقم 178 لسنة 1 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بدمشق ضد السيد وزير الخزانة بصفته، طلب فيها "قبول الدعوى شكلاً وقبولها موضوعاً وإلغاء القرار الصادر من المدعي عليه رقم 17842/ 8 - 27 بتاريخ 21 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1959، برفض طلب المدعي إضافة الخدمات المؤداة من قبله في كتابة عدل حوران الواقعة بين 19 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1929 وغاية 7 من آذار (مارس) سنة 1959 إلى خدماته المؤداة في وزارة العدل بوظيفة وكيل كاتب ضبط وكاتب أول محكمة الاستئناف وعضو محكمة الاستئناف وكاتب أول لمحكمة الصلح، وإعادة التأمين وإلزام المدعي عليه بما تكبده المدعي من رسوم ونفقات وأتعاب المحاماة". وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه عين في 5 مارت سنة 1331 (حسب التقويم العثماني المالي) وكيل كاتب المحكمة البدائية في حوران، وفي 31 مارت سنة 1332 رقى إلى وظيفة كاتب ضبط المحكمة البدائية، ثم عين كاتباً أولاً لمحكمة الاستئناف، ثم كاتب ضبط بهذه المحكمة، فعضواً فيها، وفي 20 من شباط (فبراير) سنة 1922 عين كاتباً أولاً لمحكمة الصلح في أزرع، وفي 19 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1929 عين كاتب عدل في حوران، واستمر في هذه الوظيفة حتى صدور القانون رقم 54 لسنة 1959، فأنهيت بموجبه مدة خدمته لبلوغه سن الستين، فتقدم بطلب لإضافة خدماته في كتابة العدل إلى خدماته السابقة في ملاك وزارة العدل فرفض طلبه بالقرار المطعون فيه الصادر من المدعي عليه، وقال المدعي أنه رفع هذه الدعوى قبل انقضاء شهر على صدور القرار المطعون فيه، ومن ثم تكون الدعوى مقبولة شكلاً، وأما من ناحية الموضوع، فإن القرار المطعون فيه مخالف للقانون الصادر في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933، الذي نص على إضافة الخدمات التي تتم في وظيفة كتابة العدل إلى الخدمات التي تتم في ملاك الدولة، ثم صدر قانون آخر في 29 من أيار (مايو) سنة 1937 متمماً للقانون السابق، فأعطى للموظفين الحق في إدخال فترة وجودهم بكتابة العدل التي تلي تركهم الوظيفة في جملة الخدمات المؤهلة للتقاعد، ولما كان هذا القانون الأخير قد صدر في سنة 1937 فهو يعتبر معدلاً لحكم المادة 63 من المرسوم التشريعي رقم 161 الصادر في 4 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1935، فيما يتعلق بالمدة التي يقضيها الموظف في كتابة العدل بعد ترك الوظيفة، ولذلك فإن استناد القرار المطعون فيه إلى أن المادة 63 سالفة الذكر قد ألغيت استناد في غير محله، إذ العبرة بالقانون الصادر في سنة 1937 المعدل لتلك المادة، وأضاف المدعي أنه ولئن كانت المادة 66 من المرسوم التشريعي رقم 34 الصادر في سنة 1949 المتضمن قانون التقاعد المعمول به حالياً قد نصت على إلغاء الأحكام السابقة المتعلقة بالتقاعد، إلا أنها استثنت من حكم الإلغاء ما ورد في المادة 60 منه، وقد نصت هذه المادة صراحة على أن خدمات المستفيدين من التشريع السابق وحقوقهم عن المدة السابقة لنشر المرسوم التشريعي رقم 34 سالف الذكر تقبل بالشروط وبالأحكام التي كانت سارية، ومقتضى ذلك أن خدمة المدعي في كتابة العدل ينطبق عليها التشريع السابق لصدور المرسوم التشريعي رقم 34، أي ينطبق عليها القانون الصادر في أول حزيران سنة 1937، وإذ صدر القرار المطعون فيه بالمخالفة لهذه النصوص، فيكون مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء، وأشار المدعي تأييداً لقوله إلى حكم صادر من المحكمة العليا بدمشق في 22 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1955 في دعوى مماثلة رقم 195 أساس251.
وقد رد السيد وزير الخزانة على الدعوى بمذكرة مؤرخة 9 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1959، طلب فيها "1 - رد الدعوى لعدم الاختصاص. 2 - في حالة قبول الدعوى ردها إن لم يكن شكلاً فموضوعاً الاختصاص: أن المدعي يطلب مدة خدمته في كتابة العدل إلى خدماته السابقة في ملاكات الدولة، ولما كانت آخر وظيفة شغلها في تلك الملاكات هي كاتب أول في محكمة صلح أزرع فلذلك يكون من موظفي الحلقة الثانية وتكون محكمة القضاء الإداري غير مختصة بنظر دعواه، وأما من ناحية الموضوع، فإن المدعي عين بتاريخ 5 مارت سنة 1331 بوظيفة وكيل كاتب ضبط بمحكمة البداية في حوران، وشغل بعض الوظائف في محاكم البداية والاستئناف في حوران ومحكمة الصلح في أزرع، وذلك في فترات متقطعة انتهت في أول تشرين أول (أكتوبر) سنة 1922، وبناء على قرار وزير العدل المؤرخ 23 أيلول (سبتمبر) سنة 1929 باشر المدعي عمله كاتب عدل في لواء حوران اعتباراً من 19 من كانون أول (ديسمبر) سنة 1929 واستمر في عمله هذا حتى 7 من آذار (مارس) سنة 1959، حيث انتهت خدمته بالقرار الصادر من وزير العدل رقم 223 بتاريخ 28 من شباط (فبراير) سنة 1959، ورد المدعي عليه على حجج المدعي، فقال: إن القانون الصادر في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 الذي أشار إليه المدعي في عريضة دعواه، نص على أن "الموظفين الذين سبق لهم القيام بوظائف كتابة العدل بالعائدات تحسب لهم المدة التي وجدوا فيها بوظيفة كتابة العدل في تصفية رواتب تقاعدهم على شرط أن يسددوا العائدات التقاعدية عن المدة المذكورة على أساس أول راتب يتقاضونه من الخزينة بعد العائدات، كذلك تحسب لكتاب العدل مدة الخدمة التي قضوها في محرريه المقاولات حتى بعد تجاوزهم السن القانونية، بشرط أن تكون مدة خدمتهم أقل من أربعين سنة"، وواضح أن هذا القانون إنما يشمل الموظفين الموجودين بالخدمة فعلاً عند صدوره، ومن ثم فإن المدعي لا يستفيد من أحكامه، لأنه لم يكن موظفاً في تاريخ صدوره. وقد نصت المادة 63 من المرسوم التشريعي رقم 161 الصادر في 4 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1935 على إلغاء القانون الصادر في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933، كما نصت على إلغاء كافة الأنظمة القديمة الخاصة بالتقاعد، وقد جاء القانون الصادر في 29 من أيار (مايو) سنة 1937 ذيلاً للمادة القانونية الصادرة عن المجلس النيابي بتاريخ 21 من كانون الثاني سنة 1933 الملحقة بقانون التقاعد، فهو يؤلف بهذه الصفة جزءاً لا يتجزأ من المادة الأصلية، ويعتبر مفعوله ملغي من تاريخ إلغاء مفعول المادة الأصلية التي ألغيت بموجب المادة 63 من المرسوم التشريعي رقم 161 الصادر في 4 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1935، وأوردت مذكرة المدعي عليه ما جاء في محضر المجلس النيابي 1936/ 1937 حول قانون 29 من أيار (مايو) سنة 1937، وانتهى السيد وزير الخزانة في مذكرته إلى أن المرسوم التشريعي رقم 43 الصادر في 27 من نيسان (إبريل) سنة 1949، وهو قانون التقاعد المعمول به عند انتهاء خدمة المدعي من كتابة العدل لا يحتوي على أي نص يسمح باعتبار الخدمة المؤداة في كتابة العدل من الخدمات المقبولة في حساب تصفية الحقوق التقاعدية ومن ثم يكون القرار المطعون فيه مطابقاً للقانون.
وقدم السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة مذكرة مؤرخة 19 من كانون الثاني (يناير) سنة 1960 بالرأي القانوني في الدعوى، ارتأى فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى مستنداً في رأيه إلى أن هذه المنازعة من المنازعات الخاصة بالمعاشات، وقد كانت آخر وظيفة شغلها المدعي هي وظيفة كاتب أول في محكمة صلح أزرع، وهي من وظائف الحلقة الثانية ومن ثم فتكون المحكمة الإدارية هي المختصة بنظر الدعوى.
وبجلسة 21 من إبريل سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري، أولاً برد الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها. ثانياً: استحقاق المدعي أن تضم إلى تقاعده مدة خدمته في كتابة العدل السابقة لتاريخ نشر المرسوم التشريعي رقم 34 الصادر في 27 من نيسان (إبريل) سنة 1949 وبرفض دعواه فيما زاد على هذه المدة. ثالثاً: بإلزام الحكومة بثلاثة أرباع المصروفات والمدعي بالربع الباقي. وقالت المحكمة بالنسبة إلى الدفع بعدم الاختصاص أن المدعي وقد كان كاتب عدل، فهو بحكم منصبه يعتبر منذ أن كان خاضعاً لقانون كتاب العدل العثماني المؤرخ 15 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1929، والنافذ بالإقليم السوري من عناصر الإدارة، ويسهم في تسيير مرفق عام، وهو إذ يقوم بتنظيم وتوثيق العقود وغير ذلك، مما وكله إليه المشرع، إنما يخضع لرقابة وزارة العدل في التدرج الرياسي، وكونه يتقاضى عائدات بدلاً من الرواتب فذاك لا يمنع من القول أنه كان يتولى أعباء وظيفة عامة ومركزه لائحي تحكمه قواعد القانون العام. ولا ريب أن مركز كاتب العدل يعتبر مماثلاً لمركز الموظفين من الحلقة الأولى، يؤكد ذلك أن قانون كتاب العدل الجديد رقم 54 لسنة 1959 قد صنف وظائفهم في المرتبة الخامسة فما فوق، وهى مراتب الحلقة الأولى حسب قانون الموظفين الأساسي رقم 135 الصادر في 10 من كانون الثاني (يناير) سنة 1945، وذلك فضلاً عن أنه لو اعتمدت الوظيفة التي كان فيها المدعي قبل أن يعين كاتب عدل أساساً لتحديد الاختصاص، فإن آخر وظيفة له سابقة لكتابة العدل هي وظيفة كاتب أول بمحكمة الصلح التي سميت فيما بعد (كاتب عدلي) وهي من الوظائف التي يصل فيها الموظف إلى المرتبة الرابعة الدرجة الأولى، مع ملاحظة أن الحلقة الأولى تبدأ من المرتبة الخامسة، ومن ثم فلا يمكن اعتبار مركز المدعي في هذه الوظيفة أدنى من مستوى الحلقة الأولى، ولذلك يكون الاختصاص منعقداً لمحكمة القضاء الإداري دون المحكمة الإدارية. وفيما يتعلق بالموضوع فقد استندت المحكمة في قضائها إلى أنه، وإن كانت المادة 63 من المرسوم التشريعي رقم 161 الصادر في 4 من تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1935 قد تضمنت إلغاء القانون المؤرخ 21 من آذار (مارس) سنة 1933 الذي ينص على أن "الموظفين الذين سبق لهم القيام بوظائف كتابة العدل بالعائدات تحسب لهم المدة التي وجدوا فيها بوظيفة كتابة العدل في تصفية رواتب تقاعدهم على شرط أن يسددوا العائدات التقاعدية عن المدة المذكورة على أساس أول راتب يتقاضونه من الخزينة بعد العائدات، كذلك تحتسب لكتاب العدل مدة الخدمة التي قضوها في محرريه المقاولات حتى بعد تجاوزهم السن القانوني بشرط أن تكون مدة خدمتهم أقل من الأربعين سنة" إلا أن المشرع ما لبث أن أصدر القانون المؤرخ أول حزيران (يونيه) سنة 1937 ذيلاً لذلك القانون، ناصاً على أن "المدة التي يقضيها الموظف في كتابة العدل بعد ترك الوظيفة هي مثل المدة التي يقضيها في كتابة العدل أو تحرير المقاولات قبل دخوله في الوظيفة، وتحسب له في تصفية راتبه التقاعدي، على شرط أن يسدد العائدات التقاعدية عن المدة المذكورة، على أساس آخر راتب تقاضاه من آخر وظيفة تركها"، وبذلك يكون المشرع قد عدل المادة 63 المذكورة، وأضاف إلى القانون الصادر في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 حكماً جديداً، بحيث أصبحت الخدمة في كتابة العدل تحتسب في التقاعد سواء أكانت سابقة للوظيفة أم لاحقة لها، ولا محل للقول بأن هذه الأحكام مقصورة الأثر على الذين كانوا في الخدمة يوم نفاذ قانون 21 كانون الثاني (يناير) سنة 1933، إذ أن المشرع لم يفصح عن مثل هذا الاتجاه، بل أراد أن يجعل خدمات كتاب العدل في وزن الخدمات الفعلية في الوظائف الأخرى، بشرط واحد، هو أن تكون ثمت خدمة أخرى في وظائف الدولة تضم إليها خدمة كتابة العدل، وانتهت المحكمة إلى أن خدمة المدعي في كتابة العدل السابقة لتاريخ نشر المرسوم التشريعي رقم 34 سالف الذكر تطبق عليها الأحكام الواردة في القانون الصادر في أول حزيران (مايو) سنة 1937، فتحسب في تصفية حقوقه التقاعدية، بشرط أن يسدد العائدات التقاعدية عنها على أساس آخر راتب تقاضاه من آخر وظيفة تركها. أما المدة اللاحقة لتاريخ نشر المرسوم التشريعي رقم 34، فلا يجوز إدخالها في حساب التقاعد عملاً بالمادتين 60، 67 من هذا المرسوم.
وفي 20 من حزيران (يونيه) سنة 1960 طعنت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن وزير الخزانة في هذا الحكم، وقدمت مذكرة بأسباب الطعن طلبت فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى، واستطراداً برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقالت في المذكرة أنه فيما يتعلق بالاختصاص، فإن كاتب العدل في الإقليم السوري قبل صدور القانون رقم 54 لسنة 1959 الخاص بكتاب العدل لم يكن من فئة الموظفين لذلك لا يمكن القول بأن كاتب العدل في مركز يعادل مركز موظف من الحلقة الأولى كما أن القول بأن كاتب أول لمحكمة الصلح في أزرع قد سميت فيما بعد "وظيفة مساعد عدلي"، وأن هذه الوظيفة يصل فيها الموظف إلى المرتبة الرابعة مما يمكن معه اعتبار المدعي من موظفي الحلقة الأولى. هذا القول الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه مخالف للقانون. ذلك لأن وظيفة كاتب غير وظيفة مساعد، وحتى وظيفة مساعد مختلفة المراتب بعضها في الحلقة الثانية والبعض الآخر في الحلقة الأولى، وإذا اعتبر الراتب هو الأساس فإن راتب وظيفة كاتب أول لا تدخل في نطاق ما يعادل وظائف الحلقة الأولى، وهذا كله مما يجعل محكمة القضاء الإداري غير مختصة بنظر الدعوى. أما من ناحية الموضوع، فقد أبانت عريضة الطعن أن القانون الصادر في 29 من أيار (مايو) سنة 1937، وهو ذيل للقانون الصادر في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 ينص على أن "المدة التي يقضيها الموظف في كتابة العدل بعد ترك الوظيفة هي مثل المدة التي يقضيها في كتابة العدل أو تحرير المقاولات قبل دخوله في الوظيفة وتحسب به في تصفية راتبه التقاعدي" ويتضح من مذكرات المجلس النيابي أن هذا القانون قدم بناء على شكوى كاتب عدل يدعى حسني باقي، وكانت شكواه أساسها كيف تقبل مدة الخدمة في كتابة العدل قبل دخول الوظيفة ولا تقبل إذا كانت بعد الوظيفة فرأى المجلس النيابي أن العدالة تقضي بعدم عمل تفرقة بين ما إذا كانت مدة الخدمة في كتابه العدل سابقة أو لاحقة للوظيفة، ولذلك أقر المجلس النيابي القانون المذكور، والذي صدر في 29 من أيار (مايو) سنة 1937 وأضافت الوزارة أن هذا القانون لا يلغي المادة 63 من المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935، ويعيد العمل بالقانون الصادر في 21 من آذار (مارس) 1933 الذي ألغي صراحة بالمادة 63 المذكورة، ولا يمكن إعادته والعمل به إلا بنص صريح لا بالتأويل وتفسير قانون 29 من أيار (مايو) سنة 1937 تفسيراً لا يتحمله، كما ذهب الحكم المطعون فيه، واختتمت الجهة الطاعنة مذكرتها بالفقرة الآتية: "وحقيقة القانون المؤرخ في 29 من أيار (مايو) سنة 1937 هو تعديل القانون المؤرخ 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 وجزء منه أو ذيل له يطبق على الذين يمكن أن يستفيدوا منه حتى تاريخ إلغاء القانون المؤرخ 21 من آذار (مارس) سنة 1933 أي يطبق على كتاب العدل الذين لهم خدمة قبل كتابة العدل حتى تاريخ إلغاء القانون الأساسي وهو القانون المؤرخ 21 من آذار (مارس) سنة 1933 بنص صريح واضح قاطع ورد في المادة 63 من المرسوم التشريعي رقم 161 لسنة 1935، ولما كان الحكم المطعون فيه اعتبر القانون المؤرخ 29 من أيار (مايو) سنة 1937 معدلاً للمادة 63 المذكورة، فيكون هذا الحكم مخالفاً للقانون، وقامت به حالة من حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا".
وفي 28 من تموز (يوليه) سنة 1960 أودعت هيئة المفوضين مذكرة برأيها في هذا الطعن، قالت فيها أن الإدارة أسست طعنها على أسباب سبق لمحكمة القضاء الإداري أن ناقشتها وردت عليها بما فيه الكفاية في حكمها المطعون فيه، ولذلك ترى هيئة الموظفين قبل الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى، وأن الاختصاص فيها منعقد للمحكمة الإدارية، فإن الحكم المطعون فيم قد أصاب وجه الحق فيما قضى به من رفض هذا الدفع، للأسباب التي أستند إليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة، ونضيف إليها أنه عندما ترك المدعي خدمة الملاك وعين كاتب عدل في سنة 1929 لم يكن نظام الحلقات قد وضع بعد، وأن الثابت أن المدعي كان في وقت من الأوقات يشغل وظيفة عضو بمحكمة الاستئناف وفي 20 من شباط (فبراير) سنة 1922 نقل من هذا المنصب إلى وظيفة كاتب أول لمحكمة الصلح في أزرع مع زيادة مرتبه، وظل بالخدمة إلى أن عين كاتب عدل في سنة 1929، ولا جدال في أن وظيفة كاتب أول لمحكمة صلح كانت في قمة الوظائف الكتابية وقتذاك، ولا تقل في مستواها عن وظيفة رئيس كتاب أول في العدلية، المعتبرة في جدول التعادل من الحلقة الأولى.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن المدعي كان في وظائف الملاك إلى سنة 1929، حيث عين كاتب عدل. وفي 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 صدر قانون في شأن تصنيف كتاب العدل نص على ما يأتي "الموظفون الذي سبق لهم القيام بوظائف كتابة العدل بالعائدات تحسب لهم المدة التي وجدوا فيها بوظيفة كتابة العدل في تصفية رواتب تقاعدهم على شرط أن يسددوا العائدات التقاعدية عن المدة المذكورة على أساس أول راتب يتقاضونه من الخزينة بعد العائدات" ولا نزاع في أن المدعي ما كان يستفيد من هذا القانون لأن حكمه مقصوراً على من اشتغل كاتب عدل، ثم عين في خدمة الملاكات وهو العكس في حالة المدعي.
ومن حيث إنه في 4 من تشرين الثاني (يناير) سنة 1935 صدر المرسوم التشريعي رقم 161 بتعديل نظام الرواتب التقاعدية الملكية والعسكرية، ونص في المادة 63 منه على أن "تلغى كافة الأنظمة القديمة المختصة بالتقاعد مع ملاحقها بما فيها القانون الصادر في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 المتعلق بالخدمات المؤداة من قبل الموظفين الذين شغلوا سابقاً وظيفة كانت عدل.... إلخ"، وبهذا النص ألغي قانون سنة 1933 المشار إليه في الفقرة السابقة.
ومن حيث إنه صدر بعد ذلك في أول حزيران سنة 1937 قانون "ذيل للمادة القانونية الصادرة من المجلس النيابي بتاريخ 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 الملحقة بقانون التقاعد" وقد نصت المادة الأولى منه على أن "المدة التي يقضيها الموظف في كتابة العدل بعد ترك الوظيفة هي مثل المدة التي يقضيها في كتابة العدل أو تحرير المقاولات قبل دخوله في الوظيفة، وتحسب له في تصفية راتبه التقاعدي على شرط أن يسدد العائدات التقاعدية عن المدة المذكورة على أساس آخر راتب تقاضاه من آخر وظيفة تركها".
ومن حيث إن مثار النزاع هو ما إذا كان المدعي قد كان كاتب عدل قبل إلغاء القانون الصادر في سنة 1933 الملغي بالقانون الصادر في سنة 1935 يفيد من حكم القانون الصادر في أول حزيران (يونيه) سنة 1937 أم أن هذه الإفادة مقصورة على من كانت خدمته قد انتهت قبل إلغاء القانون المذكور في سنة 1935.
ومن حيث إنه وقد صدر قانون أول حزيران (يونيه) سنة 1937 بالذيل المنصوص عليه في، الذي جعل نفاذه اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون الأول الصادر في 21 من كانون الثاني (يناير) سنة 1933 فإن المدعي، وقد كان كاتب عدل وقت نفاذ هذا القانون يفيد منه، ولا يغير من ذلك أن يكون قد ظل في الوظيفة بعد إلغائه في سنة 1935 بمقولة أن الإفادة منه مقصورة على من انتهت خدمته قبل هذا الإلغاء إذ لا يجوز أن يكون لهذا الإلغاء مساس بالحقوق المكتسبة التي نشأت لذويها قبل إلغائه - كما أن القول بأن تقصر الإفادة على من تكون خدمته قد انتهت قبل هذا الإلغاء، ففضلاً عما فيه من تخصيص بلا مخصص، فإنه ينطوي على تمييز في المعاملة بين موظفين تماثلت أوضاعهم القانونية وقت الإلغاء، إذ كانوا جميعاً في الخدمة لدى نفاذ القانون في سنة 1933، فنشأ لهم جميعاً بذلك حق مكتسب في الإفادة منه ولا يجوز أن يعامل من استمر في الخدمة بعد ذلك معاملة أدنى ممن تركها.
ومن حيث إن المرسوم التشريعي رقم 34 الصادر في 27 من نيسان (إبريل) سنة 1949 نص في المادة 60 منه تحت عنوان (أحكام شتى وأحكام انتقالية) على أن "خدمات المستفيدين من التشريع السابق وحقوقهم عن المدة السابقة لتاريخ نشر هذا المرسوم التشريعي تقبل ضمن الشروط وبمقتضى الأحكام التي كانت سارية عليهم" ثم نصت المادة 66 منه على أنه "مع مراعاة أحكام المادة 60 تلغى جميع الأحكام السابقة المتصلة بالتقاعد"، وأخيراً نصت المادة 67 منه على أن "يطبق هذا المرسوم التشريعي على الحقوق المتولدة اعتباراً من تاريخ نشره" وطبقاً لهذه النصوص يكون حق المدعي من حساب مدة خدمته في وظيفة كاتب عدل في تصفية راتبه التقاعدي طبقاً لقانون سنة 1933 معدلاً بقانون سنة 1937 مقصوراً على المدة من تاريخ تعيينه في هذه الوظيفة حتى تاريخ صدور المرسوم التشريعي رقم 34 في 27 من نيسان (إبريل) سنة 1949 المشار إليه آنفاً، وبشرط أن يسدد العائدات التقاعدية عنها وفقاً لأحكام قانون سنة 1937.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق في قضائه ويتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.