أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 860

جلسة 16 من أكتوبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ومحمد وهبه، ومحمد علي بليغ، ومحمد حلمي راغب.

(178)
الطعن رقم 566 لسنة 47 القضائية

إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". مواد مخدرة.
كفاية الشك في صحة إسناد التهمة إلى المتهم. سنداً للبراءة. متى أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيرة وخلا حكمها من الخطأ في القانون وعيوب التسبيب. مثال.
لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أشار إلى تصوير الطاعنة لواقعة الدعوى وحصل عناصرها وما سيق عليها من أدلة، وعرض لدليل النفي الذي ساقه المتهم وإنكاره للتهمة وحصل دفاعه في قوله "وحيث إن المتهم أنكر التهمة المنسوبة إليه في التحقيقات وأمام المحكمة وطلب الحاضر معه الحكم ببراءته تأسيساً على أن التهمة لفقت للمتهم لسبق تقديمه شكاوي ضد معاون مباحث قسم شرطة كرموز الذي حرر محضر التحريات واستصدر إذن التفتيش ثم قام بضبط الواقعة، وقدم الدفاع حافظة مستندات احتوت على ثلاث صور رسمية من ثلاث برقيات تلغرافية. البرقية الأولى مرسلة من المتهم بتاريخ 3/ 10/ 1971 إلى حكمدار شرطة الإسكندرية ونصها (تظلم من معاون مباحث كرموز حاجز أولادي خمسة أيام نرجو التحقيق). والبرقية الثانية مرسلة من المتهم أيضاً بتاريخ 2/ 10/ 1971 إلى السيد المحامي العام بالإسكندرية ونصها (نتظلم من معاون مباحث قسم كرموز. نرجو التحقيق) والبرقية الثالثة مرسلة من نفس المتهم بتاريخ 9/ 10/ 1971 إلى نيابة كرموز نصها (أفرج قاضي المعارضات عن ابني.......... يوم 7/ 10/ 1971 وقررت مديرية الأمن أنه غير مطلوب في شئ ورغم ذلك حجز في قسم كرموز يومي الخميس والجمعة وكنت أذهب إليه يومياً واليوم السبت 9/ 10/ 1971 ذهبت إلى القسم فلم أجده نهائياً أرجو إفادتي عن مصير ابني) أفصح من بعد عن أثر هذه البرقيات في قوله "وحيث إن تلك البرقيات التي أرسلها المتهم شاكياً معاون مباحث قسم كرموز الشاهد الأول في المدة من 2 إلى 6 أكتوبر سنة 1971 تجعل الشك يتطرق إلى شهادته وشهادة الشاهد الثاني الذي يعمل تحت رئاسته إذ الشاهد الأول المشكو هو الذي حرر محضر التحريات ضد المتهم وهو نفسه الذي حرر محضر ضبط الواقعة وقد تم ذلك كله في المدة من 13 – 19 أكتوبر أي عقب أن تقدم المتهم شاكياً إياه" ثم خلص الحكم من ذلك وبعد أن وازن بين أدلة الثبوت والنفي على النحو المتقدم إلى تقرير البيان الذي عول عليه في قضائه ببراءة المتهم المطعون ضده آخذاً بما ارتاحت إليه المحكمة من هذه الأدلة في قوله "وحيث إنه مما تقدم يبين أن الأدلة التي استندت إليها النيابة قد أحاطها الشك فأصبحت غير صالحة لأن تكون أدلة ثبوت تركن إليها المحكمة في اطمئنان أو تعول عليها عن إقناع لإدانة المتهم، ومن ثم فإن التهمة المنسوبة إليه تكون غير ثابتة" وانتهى إلى القضاء ببراءته مع مصادرة المخدر المضبوط. لما كان ذلك، وكان من المقر أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة إذ أن مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة - قد اشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها عن بصر وبصيرة وفطنت إلى أدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها، ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في صحة عناصر الاتهام، وما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله وطالما كانت تلك الأسباب قد جاءت خالية من الخطأ في القانون ومن عيوب التسبيب. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أسباب سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه من نتيجة ولم يجانب التطبيق القانوني الصحيح فإنه يكون بريئاً من قالة القصور في التسبيب أو الفساد في الاستدلال.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه (أولاً) أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (حشيشاً) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. (ثانياً) أحرز بقصد التعاطي جوهراً مخدراً (حشيشاً) بدون تذكرة طبية وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1/ 1 و2 و7/ 1 و34/ 2 و36 و37 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند/ 12 من الجدول/ 1 المرافق فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببرءاة المطعون ضده من تهمة إحراز المخدر بقصد الاتجار قد شابه فساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم عول في قضائه بالبراءة على عدم اطمئنان المحكمة إلى الدليل المستمد من أقوال شاهدي الإثبات النقيب............... معاون مباحث قسم كرموز والشرطي السري العريف............ من قوة القسم استناداً إلى سبق تقديم المطعون ضده شكاوى ضد الشاهد الأول في تاريخ سابق على واقعة الضبط تضمنتها البرقيات المرسلة منه إلى المحامي العام وحكمدار شرطة الإسكندرية ووكيل نيابة كرموز في حين أن هذه البرقيات غير قاطعة في تحديد شخص المشكو في حقه على نحو دقيق إذ أنها مقدمة ضد معاون مباحث قسم شرطة كرموز دون أن يوضح بها اسم معاون المباحث المشكو مما يحتمل معه أن يكون المقصود بها ضابطاً آخر خلاف معاون مباحث قسم كرموز شاهد الإثبات الأول لاسيما وأن أقسام الشرطة يعمل بها حالياً أكثر من ضابط للمباحث وبذلك يكون الحكم المطعون فيه معيباً بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أشار إلى تصوير الطاعنة لواقعة الدعوى وحصل عناصرها وما سيق عليها من أدلة، وعرض لدليل النفي الذي ساقه المتهم وإنكاره للتهمة وحصل دفاعه في قوله "وحيث إن المتهم أنكر التهمة المنسوبة إليه في التحقيقات وأمام المحكمة وطلب الحاضر معه الحكم ببراءته تأسيساً على أن التهمة لفقت للمتهم لسبق تقديمه شكاوى ضد معاون مباحث قسم شرطة كرموز الذي حرر محضر التحريات واستصدر إذن التفتيش ثم قام بضبط الواقعة، وقدم الدفاع حافظة مستندات احتوت على ثلاث صور رسمية من ثلاث برقيات تلغرافية. البرقية الأولى مرسلة من المتهم بتاريخ 3/ 10/ 1971 إلى حكمدار شرطة الإسكندرية ونصها (تظلم من معاون مباحث كرموز حاجز أولادي خمسة أيام نرجو التحقيق). والبرقية الثانية مرسلة من المتهم أيضاً بتاريخ 2/ 10/ 1971 إلى السيد المحامي العام بالإسكندرية ونصها (نتظلم من مباحث قسم كرموز. نرجو التحقيق) والبرقية الثالثة مرسلة من نفس المتهم بتاريخ 9/ 10/ 1971 إلى نيابة كرموز نصها (أفرج قاضي المعارضات عن ابني............... يوم 7/ 10/ 1971 وقررت مديرية الأمن أنه غير مطلوب في شئ ورغم ذلك حجز في قسم كرموز يومي الخميس والجمعة وكنت أذهب إليه يومياً واليوم السبت 9/ 10/ 1971 ذهبت إلى القسم فلم أجده نهائياً أرجو إفادتي عن مصير ابني) أفصح من بعد عن أثر هذه البرقيات قوله "وحيث إن تلك البرقيات التي أرسلها المتهم شاكياً معاون مباحث قسم كرموز "الشاهد الأول" في المدة من 2- 9 أكتوبر سنة 1971 تجعل الشك يتطرق إلى شهادته وشهادة الشاهد الثاني الذي يعمل تحت رئاسته إذ الشاهد الأول المشكو هو الذي حرر محضر التحريات ضد المتهم وهو نفسه الذي حرر محضر ضبط الواقعة وقد تم ذلك كله في المدة من 13 - 19 أكتوبر أي عقب أن تقدم المتهم شاكياً إياه" ثم خلص الحكم من ذلك وبعد أن وازن بين أدلة الثبوت والنفي على النحو المتقدم إلى تقرير البيان الذي عول عليه في قضائه ببراءة المتهم المطعون ضده آخذاً بما ارتاحت إليه المحكمة من هذه الأدلة في قوله "وحيث إنه مما تقدم يبين أن الأدلة التي استندت إليها النيابة قد أحاطها الشك فأصبحت غير صالحة لأن تكون أدلة ثبوت تركن إليها المحكمة في اطمئنان أو تعول عليها عن إقناع لإدانة المتهم، ومن ثم فإن التهمة المنسوبة إليه تكون غير ثابتة" وانتهى إلى القضاء ببراءته مع مصادرة المخدر المضبوط. لما كان ذلك، وكان من المقر أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة إذ أن مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها – كما هو الحال في الدعوى المطروحة- قد اشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها عن بصر وبصيرة وفطنت إلى أدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها، ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في صحة عناصر الاتهام، وما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله وطالما كانت تلك الأسباب قد جاءت خالية من الخطأ في القانون ومن عيوب التسبيب.
لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أسباب سائغة تؤدي إلى ما انتهى إليه من نتيجة ولم يجانب التطبيق القانوني الصحيح فإنه يكون بريئاً من قالة القصور في التسبيب أو الفساد في الاستدلال. أما ما تثيره الطاعنة من احتمال أن يكون المقصود بالشكاوى ضابط آخر من ضباط القسم غير معاون مباحث القسم – فمردود بأن المشكو تحدد في الشكاوى بأن معاون مباحث قسم كرموز، وهو ما لا تجاري فيه الطاعنة، فلا يضير الحكم استناده إلى هذه الشكاوى في إطراح أقوال ما دامت الطاعنة لا تدعي أنه يوجد في هذا القسم أكثر من معاون واحد للمباحث، وتكون المنازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى في التحقيقات التي تمت فيها لا تخرج عن كونها جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض.