أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الحادية والأربعون - صـ 345

جلسة 8 من فبراير سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ حسين كامل حنفى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن عميره ومحمد زايد وصلاح البرجى نواب رئيس المحكمة ومحمد طلعت الرفاعى.

(56)
الطعن رقم 22419 لسنة 59 القضائية

(1) نقض "أسباب الطعن. عدم تقديمها".
التقرير بالطعن فى الميعاد دون تقديم أسبابه. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) إعدام. نيابة عامة. نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها" "نظر الطعن والحكم فيه".
إثبات تاريخ تقديم مذكرة النيابة فى قضايا الاعدام. غير لازم. علة ذلك ؟
اتصال محكمة النقض بالدعوى المحكوم فيها بالاعدام بمجرد عرضها عليها.
(3) إعدام. نيابة عامة. نقض "نظر الطعن والحكم فيه".
وظيفة محكمة النقض فى شأن الأحكام الصادرة بالاعدام ؟.
(4) قتل عمد. اثبات "بوجه عام" "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". مسئولية جنائية. أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب". دفاع "الاخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
تقدير حالة المتهم العقلية. موضوعى. على المحكمة إجابة طلب ندب خبير للبت فى هذه الحالة أو بيان أسس رفضه. مخالفة ذلك إخلال بحق الدفاع.
(5) قتل عمد. جريمة "أركانها". قصد جنائى. حكم "بيانات حكم الادانة" "تسبيبه. تسبيب معيب".
جناية القتل العمد تميزها بقصد ازهاق روح المجنى عليه. إختلافه عن القصد العام المتطلب فى سائر الجرائم.
وجوب استظهار الحكم له وإيراده ما يدل عليه. الحديث عن الأفعال المادية. لا ينبئ بذاته عن توافره.
مثال لتسبيب معيب فى استظهار نية القتل فى جريمة قتل عمد.
(6) سبق الاصرار. ظروف مشددة. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
سبق الاصرار. ماهيته ؟
شرط توفره فى حق الجانى ؟ وكيفية تحققه ؟
مثال لتسبيب معيب فى استظهار ظرف سبق الاصرار.
(7) إعدام. حكم "بطلانه". بطلان. نقض "حالات الطعن. مخالفة القانون" "الحكم فى الطعن".
على محكمة النقض أن تنقض الحكم الصادر بالاعدام. من تلقاء نفسها. إذا لحقه بطلان يندرج تحت حكم الحالة الثانية من المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959. أساس ذلك ؟
1 - لما كان المحكوم عليه وإن قرر بالطعن بالنقض فى الحكم فى الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابا لطعنه، ومن ثم يكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلا وذلك لما جرى به قضاء هذه المحكمة من أن التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التى بنى عليها فى الميعاد الذى حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معا وحدة اجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغنى عنه.
2 - لما كانت النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فى مضمونها إلى طلب نقض الحكم فيما قضى به حضوريا من اعدام الطاعن دون اثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعى فيها عرض القضية فى ميعاد الأربعين يوما المبين بالمادة 34 من ذلك القانون، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين - من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبني الرأى الذى تضمنه النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوى فى ذلك أن يكون عرض النيابة فى الميعاد المحدد أو بعد فواته، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.
3 - لما كانت المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 سالف البيان تنص على أنه "مع عدم الاخلال بالاحكام المتقدمه إذا كان الحكم صادرا حضوريا بعقوبة الاعدام يجب على النيابة العامة أن تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها فى الحكم وذلك فى الميعاد المبين بالمادة 34 وتحكم المحكمة طبقاً لما هو مقرر فى الفقرة الثانية من المادة 35 والفقرتين الثانية والثالثه من المادة 39 ومفاد ذلك أن وظيفة محكمة النقض فى شأن الأحكام الصادرة بالاعدام ذات طبيعة خاصة يقتضيها إعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة موضوعية وشكلية وتقضى من تلقاء نفسها بنقض الحكم فى أية حالة من حالات الخطأ فى القانون أو البطلان وذلك هو المستفاد من الجمع بين الفقرة الثانية من المادة 35 والفقرتين الثانية والثالثة من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المشار إليه.
4 - لما كان تقدير حالة المتهم العقلية وإن كان فى الأصل من المسائل الموضوعية التى تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه يتعين عليها ليكون قضاؤها سليما أن تعين خبيراً للبت فى هذه الحالة وجودا وعدما لما يترتب عليها من قيام مسئولية المتهم عن الجريمة أو انتفائها، فإن لم تفعل كان عليها أن تورد فى القليل اسبابا سائغه تبنى عليها قضاءها برفض هذا الطلب وذلك إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم أن قواه العقلية سليمة. ولما كان الحكم قد اسس اطراحه دفاع الطاعن بطلب عرضه على مصحة للامراض العقلية أو الطب الشرعى لبيان مدى سلامة قواه العقلية وهل هو مسئول عن أفعاله من عدمه على أن هذا الطلب غير قائم على سند من الأوراق وأن القصد منه تعطيل الفصل فى الدعوى مع أن ذلك لا يتأدى منه بالضرورة أن الطاعن لم يكن مريضا بمرض عقلى وقت وقوع الفعل، فإنه كان يتعين على المحكمة حتى يكون حكمها قائما على اساس سليم ان تحقق دفاع الطاعن عن طريق المختص فنيا للبت فى حالته العقلية وقت وقوع الفعل أو تطرحه بأسباب سائغة، أما وهى لم تفعل واكتفت بما قالته فى هذا الشأن فإن حكمها يكون مشوبا بعيب القصور فى التسبيب والاخلال بحق الدفاع مما يبطله.
5 - لما كانت جناية القتل العمد تتميز قانونا عن غيرها من جرائم التعدى على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجانى من ارتكاب الفعل الجنائى إزهاق روح المجنى عليه وكان هذا العنصر ذا طابع خاص يختلف عن القصد العام الذى يتطلبه القانون فى سائر تلك الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجانى ويضمره فى نفسه، فان الحكم الذى يقضى بادانة متهم فى هذه الجناية يجب أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالا أو استظهارا بايراد الأدلة التى تكون المحكمة قد استخلصت منها أن الجانى حين ارتكب الفعل المادى المسند إليه كان فى الواقع يقصد إزهاق روح المجنى عليه، وحتى تصلح تلك الأدلة أساسا تبنى عليه النتيجة التى يتطلب القانون بمقتضها يجب أن يبينها الحكم بيانا واضحا ويرجعها إلى أصولها فى الدعوى وأن لا يكتفى بسرد أمور دون اسنادها إلى أصولها إلا أن يكون ذلك بالاحالة على ما سبق بيانه عنها فى الحكم. وإذ كان الحكم المطعون فيه تحدث عن نية القتل بقوله "وحيث أن الأفعال التى وقعت على المجنى عليه كان مقصودا بها إزهاق روحه وتوافرت فى الدعوى نية قتل المجنى عليه عمدا مع سبق الأصرار من أدلة الثبوت التى ساقتها المحكمة من قبل من ظروف الدعوى ومن اعتراف المتهم تفصيلاً ولما كان ما أورده الحكم فى هذا الخصوص وما ساقه من أدلة الثبوت استدلالاً منه على توافر نية القتل فى حق الطاعن من أنه اقتحم حجرة المجنى عليه وألقى بلفافة مشتعلة مخدع نوم المجنى عليه هب واقفاً وتعقب الطاعن حتى باب الحجرة وحيئذ قام الطاعن بنثر كميه من سائل الكحول على المجنى عليه واشعل النار به وتوفى بعد ذلك متأثرا باصاباته. لا يفيد سوى الحديث عن الفعل المادى الذى قارفه الطاعن ذلك أن إشعال النار بالمجنى عليه أو لقاء لفافة مشتعلة بالنار على مخدع نومه لا يفيد حتما أن الجانى انتوى ازهاق روحه لاحتمال أن لا تتجاوز نيته فى هذه الحالة مجرد الارهاب أو التعدى خاصة وأن الثابت من أقوال شهود الاثبات التى أوردها الحكم أن المجنى عليه هو الذى تعقب الطاعن حتى باب الحجرة قبل أن ينثر الأخير عليه سائل الكحول ويشعل النار به ولا يغنى فى ذلك ما قاله الحكم من أن الطاعن اعترف بأنه كان يقصد قتل المجنى عليه إذ أن قصد إزهاق الروح إنما هو القصد الخاص المطلوب استظهاره بايراد الادلة والمظاهر الخارجية التى رأت المحكمة انها تدل عليه وتكشف عنه فان الحكم يكون مشوبا بالقصور فى هذا الصدد.
6 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرف سبق الاصرار واستظهره فى حق الطاعن بقوله "أن نية قتل المجنى عليه عمدا مع سبق الاصرار توافرت فى الدعوى من أدلة الثبوت التى ساقتها المحكمة من قبل ومن اعتراف المتهم تفصيلاً وكان من المقرر أن سبق الاصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع احد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصا ما دام موجب هذه الوقائع الظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج ولا يشترط لتوافره فى حق الجانى أن يكون فى حالة يتسنى له التفكير فى عمله والتصميم عليه فى روية وهدوء. كما أنه من المقرر أن سبق الاصرار، وهو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل - يتحقق باعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدا عن ثورة الانفعال مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها إلا أن تكون وليدة الدفعة الأولى فى نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره. وكلما طال الزمن بين الباعث وبين وقوعها صح افتراض قيامه. وكان ما أودره الحكم عن سبق الاصرار فيما تقدم لا يخرج عن كونه عبارات مرسلة يتعين على المحكمة أن تستظهرها بما يدل عليها وأن تبين الوقائع والأمارات والمظاهر الخارجية التى تكشف عنها مما كان ينبغى على المحكمة معه أن توضح كيف انتهت إلى ما قالته من أن ظرف سبق الإصرار متوافر فى الدعوى من أدلة الثبوت فيها وظروفها ومن اعتراف الطاعن مما يدل على ذلك يقينا. وكان ينبغى على المحكمة أن توضح الوقت الذى استغرقه الطاعن حتى قارف جريمته وكيفية إعداده وسيلة الجريمة وقدر تفكيره فيها وما إذا كان كله قد تم فى هدوء وروية بعيداً عن ثورة الغضب والاضطراب، أما وقد خلا الحكم المطعون فيه من كل ذلك فانه يكون قاصرا فى استظهار ظرف سبق الإصرار لما كان ما تقدم، فان الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بعيب القصور والاخلال بحق الدفاع.
7 - لما كان البطلان الذى لحق الحكم يندرج تحت حكم الحالة الثانية من المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959 التى أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة 39 وكانت المادة 46 من القانون سالف الذكر قد أوجبت على هذه المحكمة أن تقضى من تلقاء نفسها بنقض الحكم إذا ما وقع فيه بطلان من هذا القبيل فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية ونقض الحكم الصادر باعدام المحكوم عليه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل...... عمداً مع سبق الاصرار بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك لفافه من القماش وقاروره مملؤه بالكحول ودلف إلى حجرة نومه وألقى عليه باللفافه مشتعله ثم نثر فوقه سائل الكحول ليشعل النار به قاصدا من ذلك قتله فحدثت به الاصابات الموصوفه بتقرير الصفه التشريحية والتى أودت بحياته. وأحالته إلى محكمة جنايات المنصورة لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة.
والمحكمة المذكورة قررت باجماع الآراء بارسال أوراق القضية إلى فضيلة مفتى الجمهورية وحددت جلسة........ للنطق بالحكم. وبالجلسة المحددة قضت المحكمة حضوريا عملاً بالمواد 13، 230، 231 من قانون العقوبات باجماع الآراء بمعاقبته بالاعدام شنقاً.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض. كما عرضت النيابة العامة القضية على المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها.


المحكمة

من حيث إن المحكوم عليه وإن قرر بالطعن بالنقض فى الحكم فى الميعاد القانونى إلا أنه لم يقدم أسبابا لطعنه، ومن ثم يكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً وذلك لما جرى به قضاء هذه المحكمة من أن التقرير بالطعن هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التى بنى عليها فى الميعاد الذى حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معا وحدة اجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغنى عنه.
وحيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من قانون حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فى مضمونها إلى طلب نقض الحكم فيما قضى به حضوريا من اعدام الطاعن دون اثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعى فيها عرض القضية فى ميعاد الأربعين يوما المبين بالمادة 34 من ذلك القانون، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين - من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بالرأى الذى تضمنه النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، يستوى فى ذلك أن يكون عرض النيابة فى الميعاد المحدد أو بعد فواته، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.
وحيث إن المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 سالف البيان تنص على أنه "مع عدم الاخلال بالأحكام المتقدمه إذا كان الحكم صادرا حضوريا بعقوبة الاعدام يجب على النيابة العامة أن تعرض القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها فى الحكم وذلك فى الميعاد المبين بالمادة 34 وتحكم المحكمة طبقاً لما هو مقرر فى الفقرة الثانية من المادة 35 والفقرتين الثانية والثالثه من المادة 39 ومفاد ذلك أن وظيفة محكمة النقض فى شأن الأحكام الصادرة بالاعدام ذات طبيعة خاصة يقتضيها إعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة موضوعية وشكلية وتقضى من تلقاء نفسها بنقض الحكم فى أية حالة من حالات الخطأ فى القانون أو البطلان وذلك هو المستفاد من الجمع بين الفقرة الثانية من المادة 35 والفقرتين الثانية والثالثة من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المشار إليه. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن طلب فى ختام مرافعته عرض الطاعن على مصحة للأمراض العقلية لبيان مدى سلامة قواه العقلية وهل هو مسئول عن افعاله من عدمه أو عرضه على الطب الشرعى ويبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لهذا الدفاع وأطرحه بقوله وأما عن طلب الدفاع بطلب عرض المتهم على مصحة للأمراض العقلية فهو مردود إذ أن هذا الطلب غير قائم على سند من الأوراق إذ القصد منه تعطيل الفصل فى الدعوى ومن ثم تلتفت المحكمة عما أبداه الدفاع من دفع ودفاع. لما كان ذلك، وكان تقدير حالة المتهم العقلية وإن كان فى الأصل من المسائل الموضوعية التى تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه يتعين عليها ليكون قضاؤها سليما أن تعين خبيراً للبت فى هذه الحالة وجودا وعدما لما يترتب عليها من قيام مسئولية المتهم عن الجريمة أو انتفائها، فإن لم تفعل كان عليها أن تورد فى القليل أسبابا سائغه تبنى عليها قضاءها برفض هذا الطلب وذلك إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم أن قواه العقلية سليمة. ولما كان الحكم قد اسس اطراحه دفاع الطاعن بطلب عرضه على مصحة للأمراض العقلية أو الطب الشرعى لبيان مدى سلامة قواه العقلية وهل هو مسئول عن أفعاله من عدمه على أن هذا الطلب غير قائم على سند من الأوراق وأن القصد منه تعطيل الفصل فى الدعوى مع أن ذلك لا يتأدى منه بالضرورة أن الطاعن لم يكن مريضا بمرض عقلى وقت وقوع الفعل، فإنه كان يتعين على المحكمة حتى يكون حكمها قائما على أساس سليم أن تحقق دفاع الطاعن عن طريق المختص فنياً للبت فى حالته العقلية وقت وقوع الفعل أو تطرحه بأسباب سائغة، أما وهى لم تفعل واكتفت بما قالته فى هذا الشأن فإن حكمها يكون مشوبا بعيب القصور فى التسبيب والاخلال بحق الدفاع مما يبطله. لما كان ذلك، وكانت جناية القتل العمد تتميز قانونا عن غيرها من جرائم التعدى على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجانى من ارتكاب الفعل الجنائى إزهاق روح المجنى عليه وكان هذا العنصر ذا طابع خاص يختلف عن القصد العام الذى يتطلبه القانون فى سائر تلك الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجانى ويضمره فى نفسه، فان الحكم الذى يقضى بادانة متهم فى هذه الجناية يجب أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالا أو استظهارا بايراد الأدلة التى تكون المحكمة قد استخلصت منها أن الجانى حين ارتكب الفعل المادى المسند إليه كان فى الواقع يقصد إزهاق روح المجنى عليه، وحتى تصلح تلك الأدلة أساسا تبنى عليه النتيجة التى يتطلب القانون بمقتضها يجب أن يبينها الحكم بيانا واضحا ويرجعها إلى أصولها فى الدعوى وأن لا يكتفى بسرد أمور دون اسنادها إلى أصولها إلا أن يكون ذلك بالاحالة على ما سبق بيانه عنها فى الحكم. وإذ كان الحكم المطعون فيه تحدث عن نية القتل بقوله وحيث أن الأفعال التى وقعت على المجنى عليه كان مقصودا بها إزهاق روحه وتوافرت فى الدعوى نية قتل المجنى عليه عمدا مع سبق الأصرار من أدلة الثبوت التى ساقتها المحكمة من قبل من ظروف الدعوى ومن اعتراف المتهم تفصيلاً ولما كان ما أورده الحكم فى هذا الخصوص وما ساقه من أدلة الثبوت استدلالاً منه على توافر نية القتل فى حق الطاعن من أنه اقتحم حجرة المجنى عليه وألقى بلفافة مشتعلة مخدع نوم المجنى عليه هب واقفاً وتعقب الطاعن حتى باب الحجرة وحيئذ قام الطاعن بنثر كميه من سائل الكحول على المجنى عليه وأشعل النار به وتوفى بعد ذلك متأثرا باصاباته. لا يفيد سوى الحديث عن الفعل المادى الذى قارفه الطاعن ذلك أن إشعال النار بالمجنى عليه أو إلقاء لفافة مشتعلة بالنار على مخدع نومه لا يفيد حتما أن الجانى انتوى ازهاق روحه لاحتمال أن لا تتجاوز نيته فى هذه الحالة مجرد الارهاب أو التعدى خاصة وأن الثابت من أقوال شهود الاثبات التى أوردها الحكم أن المجنى عليه هو الذى تعقب الطاعن حتى باب الحجرة قبل أن ينثر الأخير عليه سائل الكحول ويشعل النار به ولا يغنى فى ذلك ما قاله الحكم من أن الطاعن اعترف بأنه كان يقصد قتل المجنى عليه إذ أن قصد إزهاق الروح إنما هو القصد الخاص المطلوب استظهاره بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التى رأت المحكمة انها تدل عليه وتكشف عنه فان الحكم يكون مشوبا بالقصور فى هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرف سبق الاصرار واستظهره فى حق الطاعن بقوله أن نية قتل المجنى عليه عمدا مع سبق الإصرار توافرت فى الدعوى من أدلة الثبوت التى ساقتها المحكمة من قبل ومن اعتراف المتهم تفصيلاً وكان من المقرر أن سبق الاصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصا ما دام موجب هذه الوقائع الظروف لا يتنافر عقلا مع هذا الاستنتاج ولا يشترط لتوافره فى حق الجانى أن يكون فى حالة يتسنى له التفكير فى عمله والتصميم عليه فى روية وهدوء. كما أنه من المقرر أن سبق الإصرار، وهو ظرف مشدد عام فى جرائم القتل - يتحقق باعداد وسيلة الجريمة ورسم خطة تنفيذها بعيدا عن ثورة الانفعال مما يقتضى الهدوء والروية قبل ارتكابها لا أن تكون وليدة الدفعة الأولى فى نفس جاشت بالاضطراب وجمح بها الغضب حتى خرج صاحبها عن طوره. وكلما طال الزمن بين الباعث وبين وقوعها صح افتراض قيامه. وكان ما أودره الحكم عن سبق الإصرار فيما تقدم لا يخرج عن كونه عبارات مرسلة يتعين على المحكمة أن تستظهرها بما يدل عليها وأن تبين الوقائع والأمارات والمظاهر الخارجية التى تكشف عنها مما كان ينبغى على المحكمة معه أن توضح كيف انتهت إلى ما قالته من أن ظرف سبق الإصرار متوافر فى الدعوى من أدلة الثبوت فيها وظروفها ومن اعتراف الطاعن مما يدل على ذلك يقينا. وكان ينبغى على المحكمة أن توضح الوقت الذى استغرقه الطاعن حتى قارف جريمته وكيفية إعداده وسيلة الجريمة وقدر تفكيره فيها وما إذا كان كله قد تم فى هدوء وروية بعيداً عن ثورة الغضب والاضطراب، أما وقد خلا الحكم المطعون فيه من كل ذلك فانه يكون قاصرا فى استظهار ظرف سبق الإصرار لما كان ما تقدم، فان الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بعيب القصور والاخلال بحق الدفاع ولما كان البطلان الذى لحق الحكم يندرج تحت حكم الحالة الثانية من المادة 35 من القانون 57 لسنة 1959 التى أحالت إليها الفقرة الثانية من المادة 39 وكانت المادة 46 من القانون سالف الذكر قد أوجبت على هذه المحكمة أن تقضى من تلقاء نفسها بنقض الحكم إذا ما وقع فيه بطلان من هذا القبيل فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية ونقض الحكم الصادر باعدام المحكوم عليه والإحالة.