مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثاني (من فبراير سنة 1956 إلى آخر مايو سنة 1956) - صـ 540

(66)
جلسة 10 من مارس لسنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة: بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

القضية رقم 7 سنة 2 القضائية

( أ ) إنصاف - سرد لبعض المراحل التشريعية لتسعير المؤهلات الدراسية - قرار مجلس الوزراء في 30/ 1/ 1944، وكتاب دوري المالية في 9/ 12/ 1944، وقرارات مجلس الوزراء في 8/ 10/ 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 - قانونا نظام موظفي الدولة والمعادلات الدراسية.
(ب) معادلات دراسية - القانون رقم 371 لسنة 1953 - استهدافه إنصاف طوائف مختلفة من الموظفين لم تدركهم قواعد الإنصاف السابقة.
(ج) معادلات دراسية - القانون رقم 371 لسنة 1953 - قصره الإلغاء بأثر رجعي على قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 ديسمبر سنة 1951 دون القرارات السابقة عليها - أساس ذلك - تضمنه بعض مزايا لم ترد في هذه القرارات الأخيرة - إفادة حملة المؤهلات من هذه المزايا ولو كانوا ممن تسري عليهم تلك القرارات - سريان هذه الإفادة من التاريخ المعين بالقانون وبالشروط التي نص عليها فيه.
1 - يبين من تقصي قواعد إنصاف ذوي المؤهلات من الموظفين أن مجلس الوزراء أصدر في 30 من يناير سنة 1944 أول قرار تنظيمي عام بتقدير قيم المؤهلات العلمية على نطاق واسع وذلك بتحديد درجة وراتب لكل مؤهل، وكان يستهدف إنصاف حملة هذه المؤهلات من الموظفين الذين كانوا في خدمة الحكومة فعلاً وقت صدوره، أولئك الذين جأروا بالشكوى من سوء حالهم، فوضعوا بمقتضى ذلك القرار في درجات شخصية تتفق والدرجات التي قدرها لمؤهلاتهم وذلك بعد حصر عددهم وتقدير الاعتمادات المالية اللازمة لهذا الغرض. وحتى لا تتكرر هذه المشكلة، نهى عن تعيين حملة هذه المؤهلات مستقبلاً في درجات تقل عن الدرجات المقررة لمؤهلاتهم. وعلى أثر صدور هذا القرار أذاعت وزارة المالية كتباً دورية عدة لتنفيذه، كما اتخذت ما يقتضيه هذا التنفيذ من إجراءات أهمها تدبير المال اللازم لمواجهة نفقاته، وقد استغرق ذلك فترة من الزمن عين خلالها موظفون على مقتضى القواعد التي كان معمولاً بها قبل صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه، وبذلك لم يشملهم الإنصاف، مما حمل وزارة المالية على إصدار الكتاب الدوري رقم 239 - 1/ 302 في 9 من ديسمبر سنة 1944 بسريان قواعد الإنصاف عليهم تحقيقاً للمساواة بينهم وبين زملائهم الذين تناولهم القرار ممن كانوا في الخدمة وقت صدوره، أما من يعينون بعد هذا التاريخ فقد اشترط لجواز تعيينهم وجود درجات في الميزانية تتفق ومؤهلاتهم حسب ما هو وارد بقواعد الإنصاف، ويكون الخصم بماهياتهم على ربط هذه الدرجات بالميزانية المختصة، وذلك تنفيذاً للنهي الوارد في قرار مجلس الوزراء عن تعيين ذوي المؤهلات مستقبلاً في غير الدرجات المقررة لمؤهلاتهم. ونظراً لأن القرار المذكور لم يتناول المؤهلات العلمية كافة، كما أن تقديره لبعضها لم يقع موقع الرضاء من حملتها، فقد كثرت الشكوى ممن أغفل تقدير مؤهلاتهم، ومن كانوا يشكون من بخس تقديرها. واستجاب مجلس الوزراء لكثير من هذه الشكاوي، فتوالت قراراته بتقدير مؤهلات ما كانت قدرت بعد، وبرفع تقديراته السابقة لمؤهلات أخرى. وفرقت في الحكم بين من عين قبل 9 من ديسمبر سنة 1944 ومن عين من الموظفين ذوي المؤهلات حتى هذا التاريخ فقط، وكان من بين هذه القرارات ما صدر في أول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 دون تدبير المال اللازم لمواجهة نفقات تنفيذها، مما أثار شكوى الموظفين الذين أفادوا من أحكامها، فلجأوا إلى جهات القضاء الإداري طالبين تسوية حالاتهم على مقتضى هذه الأحكام فقضى لهم بذلك، وظل البعض الآخر يرجو أن تقوم الحكومة بتنفيذ هذه القرارات من تلقاء نفسها، وبعد ذلك صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على أن يعمل به ابتداء من أول يوليه سنة 1952. وكان من أهم ما استحدثه من أحكام من نظم التوظف تحديد أجر الموظف لا على أساس ما يحمل من مؤهلات علمية، بل على قدر ما يؤدي للدولة من عمل وجهد بعد تعرف صلاحيته لهذا العمل، وضمن هذا الحكم المادة 21 منه، وبذلك قضى على قاعدة تسعير الشهادات تسعيراً إلزامياً - تلك التي كانت معمولاً بها قبل نفاذه. وهذا القانون وإن أرسى قواعد التوظف على أسس ثابتة من تاريخ العمل به إلا أن تلك المشكلة وما نجم عنها من حالة الشذوذ المترتبة على التفرقة في معاملة الموظفين ذوي المؤهلات على مقتضى قواعد التسعير السابقة على تاريخ نفاذه على النحو المشار إليه رغم اتحادهم في المراكز القانونية الناشئة عن هذه القواعد - ظلت هذه المشكلة معلقة مما حمل وزارة المالية على استصدار القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية.
2 - إن القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية إنما يستهدف إنصاف طوائف مختلفة من الموظفين لم تدركهم القواعد السابقة بإنصافها، سواء في ذلك من عينوا بعد 9 من ديسمبر سنة 1944 في درجات تقل عن الدرجات المقررة لمؤهلاتهم، أو من حصلوا على مؤهلاتهم أثناء الخدمة فلم يمنحوا الدرجات المقررة لها، أو من أغفل تقدير مؤهلاتهم إغفالاً تاماً، أو من قدرت لمؤهلاتهم درجات ورواتب دون قيمتها، وكذلك من قعدوا عن اتخاذ إجراءات التقاضي لتسوية حالاتهم، على أن يكون ذلك الإنصاف منوطاً بتوافر الشروط التي نصت عليها المادة الثانية من هذا القانون.
3 - يبين من الاطلاع على جدول المؤهلات الملحق بالقانون رقم 371 لسنة 1953 أنه لم يقتصر على المؤهلات والشهادات الواردة بقرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951، وهي القرارات التي نص صراحة في مادته الرابعة على اعتبارها ملغاة وقت صدورها بل تضمن غيرها من المؤهلات التي وردت بقرارات مجلس الوزراء السابقة، ولم ينص على إلغاء هذه القرارات كما فعل بالنسبة إلى القرارات الأخرى، مما أثار الخلاف حول قصد الشارع نحوها وهل تعتبر ملغاة من تاريخ صدورها قياساً على القرارات التي نص صراحة على إلغائها أم أنها تظل نافذة في مجال تطبيقها. والواقع أن قرارات مجلس الوزراء التي أغفل القانون رقم 371 لسنة 1953 النص على إلغائها هي قرارات تنظيمية عامة تتضمن مزايا مالية وأدبية للموظفين وقد تحققت لهم في ظلها مراكز قانونية ذاتية، فلا يمكن إهدارها بأثر رجعي من وقت صدور القرارات التنظيمية العامة التي تحققت في ظلها تلك المراكز القانونية إلا بنص خاص في قانون يقرر ذلك. ولما كان القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية قد خلا من مثل هذا النص الخاص على إلغاء تلك القرارات فإنها تظل قائمة نافذة منتجة آثارها في مجال تطبيقها؛ يؤكد ذلك أن القانون المذكور لم ينص صراحة إلا على إلغاء قرارات معينة وهي الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951، وهي بذاتها التي استعرضها في مذكرته الإيضاحية، وأفصح عن قصده في إلغائها دون التصريح بإلغاء قرارات الإنصاف السابقة له، ومن جهة أخرى إذا تضمن قانون المعادلات رفعاً في تقدير المؤهلات أو زيادة في المرتب أو في أية مزايا أخرى عما تضمنته قرارات الإنصاف السابقة، فإن حملة هذه المؤهلات يفيدون منها ولو كانوا ممن تسري عليهم تلك القرارات، ولكن لا تسري هذه الإفادة إلا من التاريخ المعين في قانون المعادلات وبالشروط التي نص عليها.


إجراءات الطعن

في 8 من أكتوبر سنة 1955 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الحكومة ومصالحها بمدينة الإسكندرية بجلستها المنعقدة في 10 من أغسطس سنة 1955 في الدعوى رقم 895 لسنة 2 ق المرفوعة من حمزة طه محمد ضد وزارة الشئون البلدية والقروية وبلدية الإسكندرية وهو يقضي باستحقاق المدعي لتسوية حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف من 27 من أكتوبر سنة 1948 وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف فروق حتى 19 من يونيه سنة 1952، ولإعانة غلاء المعيشة اعتباراً من أول أبريل سنة 1955، مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. وطلب رئيس هيئة المفوضين الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من استحقاق المدعي لتسوية حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف من 27 من أكتوبر سنة 1948 وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف فروق حتى 19 من يونيه سنة 1952، مع إلزامه بالمصروفات المناسبة.
وقد أعلن الطعن إلى الحكومة وبلدية الإسكندرية في 13 من أكتوبر سنة 1955، وإلى المطعون عليه في 18 من هذا الشهر.
وعينت لنظر الطعن جلسة 4 من فبراير سنة 1956 وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجئ إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على أوراق الطعن وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن حمزة طه محمد أقام الدعوى رقم 164 لسنة 7 القضائية ضد وزارة الشئون البلدية والقروية وبلدية الإسكندرية أمام محكمة القضاء الإداري يطلب الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر في 25 من سبتمبر سنة 1952 بفصله من خدمة بلدية الإسكندرية مع اعتباره معيناً براتب قدره 500 م و8 ج شهرياً في الدرجة الثامنة منذ تعيينه في 27 من أكتوبر سنة 1948 تزاد بالعلاوات الدورية والاجتماعية، مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال بياناً لدعواه إنه عين في 27 من أكتوبر سنة 1948 ملاحظ مشروعات مؤقت ببلدية الإسكندرية بأجر يومي مقداره 240 م في حين أن الراتب المقرر لمؤهله "وهو دبلوم المدارس الصناعية نظام خمس سنوات حديث" طبقاً لقواعد الإنصاف هو 500 م و8 ج شهرياً في الدرجة الثامنة، وعقب تعيينه أخذت البلدية تنقله من اعتماد إلى آخر حتى يوم 19 من يونيه سنة 1952، حيث أخطر القسم الذي يتبعه بنفاد الاعتماد الذي كان معيناً عليه وهو اعتماد سيدي بشر، ولذلك نقل إلى اعتماد آخر خاص برصف شارع ترعة المحمودية. ورغم استمراره في العمل دون انقطاع فقد اعتبرته البلدية مفصولاً من التاريخ المشار إليه ومعيناً مرة أخرى ابتداء من 23 من أغسطس سنة 1952 - تاريخ نقله إلى الاعتماد الأخير - وحرمته بذلك من أجره عن الفترة الواقعة بين التاريخين المذكورين، ولما احتج على ذلك قررت البلدية فصله في 25 من سبتمبر سنة 1952 دون حق بوصفه موظفاً مؤقتاً في حين أنه يستحق التعيين في الدرجة الثامنة براتب مقداره 500 م و8 ج شهرياً وفقاً لقواعد الإنصاف. وقد دفعت الحكومة الدعوى قائلة إن المدعي يحمل دبلوم المدارس الصناعية، وقد عين في 27 من أكتوبر سنة 1948 على بند إعادة رصف شارع المكس بأجر يومي مقداره 240 م، فلما انتهت هذه العملية فصل اعتباراً من 25 من يناير سنة 1949، ثم أعيد تعيينه على اعتماد عملية رصف شوارع غيط العنب اعتباراً من أول فبراير سنة 1949، فلما انتهت هذه العملية نقل اعتباراً من 14 من فبراير سنة 1951 إلى اعتماد الأعمال الجديدة ثم أعيد إلى اعتماد عملية رصف شوارع غيط العنب اعتباراً من أول مايو سنة 1951 ونقل منها إلى عملية سيدي بشر اعتباراً من 24 من يناير سنة 1952، ثم استغنى عنه في 19 من يونيه سنة 1952، وأعيد تعيينه مرة ثالثة في 20 من يوليه سنة 1952 على اعتماد عملية رصف طريق ترعة المحمودية، فلما انتهت هذه العملية استغنى عنه في 25 من سبتمبر سنة 1952. وخلصت الحكومة من ذلك إلى القول بأن المدعي معين منذ بدء التحاقه بالخدمة على اعتمادات مؤقتة خاصة بعمليات معينة تنتهي بانتهائها علاقته بالبلدية، كما أن تطبيق قواعد الإنصاف لا يتفق وأحكام كادر العمال التي طبقت في شأن المدعي. وأثناء نظر الدعوى أعيد المدعي لخدمة البلدية في 20 من مارس سنة 1953، ولهذا تنازل عن طلب إلغاء قرار الفصل وأضاف طلباً خاصاً باستحقاق أجره عن مدة الفصل. وبجلسة 22 من ديسمبر سنة 1954 عدل طلب تسوية حالته باستناده إلى القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، الذي قدر لمؤهله راتباً يزيد عما قدرته قواعد الإنصاف. وفي 11 من مايو سنة 1955 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارات الحكومة ومصالحها بمدينة الإسكندرية لاختصاصها بالفصل فيها طبقاً لأحكام القانون رقم 165 سنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وأثناء نظر الدعوى أمام هذه المحكمة عدل المدعي طلباته مرة ثالثة على النحو الآتي: استحقاقه لأجره عن مدة الفصل الأولى من 19 من يونيه سنة 1952 حتى 23 من أغسطس سنة 1952، وتسوية حالته طبقاً لقواعد الإنصاف باعتباره معيناً في الدرجة الثامنة براتب شهري مقداره ثمانية جنيهات ونصف وما يترتب على ذلك من علاوات دورية واجتماعية وإعانة غلاء المعيشة منذ بدء التحاقه بالخدمة.
وفي 10 من أغسطس سنة 1955 قضت المحكمة باستحقاق المدعي لتسوية حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف من 27 من أكتوبر سنة 1948 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف فروق حتى 19 من يونيه سنة 1952، ولإعانة غلاء المعيشة اعتباراً من أول أبريل سنة 1955، مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات المناسبة وبمبلغ 200 قرش مقابل أتعاب المحاماة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. وقد بنت قضاءها "باستحقاق المدعي لتسوية حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف" على أن هذه القواعد تنطبق على من التحق بالخدمة قبل صدورها في 30 من يناير سنة 1944 أو بعد هذا التاريخ وقبل 9 من ديسمبر سنة 1944 أو بعد ذلك التاريخ، دون من يحصل على المؤهل العلمي أثناء خدمته. وقد وردت شهادة المدارس الصناعية (نظام الخمس السنوات حديث) بالكشف رقم 2 المرافق لقواعد الإنصاف مقدراً لها راتب مقداره ثمانية جنيهات ونصف في الدرجة الثامنة، وتنطبق هذه القواعد على كافة طوائف الموظفين أياً كانت طريقة تعيينهم، سواء في ذلك من عين منهم في وظيفة دائمة أو مؤقتة أو على اعتماد أو بالمياومة أو بمكافأة أو في وظيفة خارج الهيئة بشرط أن تكون مدة الخدمة متصلة. وقد طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم للأسباب المبينة بصحيفة الطعن.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن قواعد الإنصاف الصادرة بقرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 استهدفت أصلاً تسوية حالات ذوي المؤهلات من الموظفين الذين كانوا في الخدمة فعلاً وقت صدورها، ومن ثم يخرج عن نطاق تطبيقها أولئك الذين عينوا بعد صدورها أو كانوا في الخدمة عند صدورها ثم حصلوا على مؤهلاتهم بعد ذلك. أما بالنسبة إلى النهي الوارد في تلك القواعد عن تعيين أحد من ذوي المؤهلات المبينة بها مستقبلاً إلا في الدرجة المقررة لمؤهله، فإنه لا ينصرف إلى حالات التعيين على اعتمادات مؤقتة؛ ذلك أن هذه الاعتمادات تخصص لمشروعات معينة تنتهي بانتهائها، يضاف إلى ذلك أنها غير مقسمة إلى درجات فلا يتسنى إخضاع التعيينات التي تتم عليها لأحكام قواعد الإنصاف وقيودها. ولما كان الحكم المطعون فيه - إذ قضى باستحقاق المطعون عليه تسوية حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف - قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن النقط القانونية مثار النزاع في هذا الطعن هي تحديد مدى سريان قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، وهل تسري على الموظفين كافة من ذوي المؤهلات، سواء في ذلك من كان منهم في خدمة الحكومة وقت صدور هذا القرار ومن يلتحق بها مستقبلاً - كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه - أم أنها مقصورة الأثر على من كان منهم في خدمة الحكومة وقت صدور القرار دون سواهم ممن عينوا بعد ذلك - على ما ذهبت إليه صحيفة الطعن - وما أثر صدور القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية على هذا القرار؟
ومن حيث إنه يبين من تقصي قواعد إنصاف ذوي المؤهلات من الموظفين أن مجلس الوزراء أصدر في 30 من يناير سنة 1944 أول قرار تنظيمي عام بتقدير قيم المؤهلات العلمية على نطاق واسع وذلك بتحديد درجة وراتب لكل مؤهل. وكان يستهدف إنصاف حملة هذه المؤهلات من الموظفين الذين كانوا في خدمة الحكومة فعلاً وقت صدوره، أولئك الذين جأروا بالشكوى من سوء حالهم، فوضعوا بمقتضى ذلك القرار من درجات شخصية تتفق والدرجات التي قدرها لمؤهلاتهم، وذلك بعد حصر عددهم وتقدير الاعتمادات المالية اللازمة لهذا الغرض. وحتى لا تتكرر هذه المشكلة، نهى عن تعيين حملة هذه المؤهلات مستقبلاً في درجات تقل عن الدرجات المقررة لمؤهلاتهم. وعلى أثر صدور هذا القرار أذاعت وزارة المالية كتباً دورية عدة لتنفيذه، كما اتخذت ما يقتضيه هذا التنفيذ من إجراءات أهمها تدبير المال اللازم لمواجهة نفقاته، وقد استغرق ذلك فترة من الزمن عين خلالها موظفون على مقتضى القواعد التي كان معمولاً بها قبل صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه، وبذلك لم يشملهم الإنصاف، مما حمل وزارة المالية على إصدار الكتاب الدوري رقم 239 - 1/ 302 في 9 من ديسمبر سنة 1944 بسريان قواعد الإنصاف عليهم تحقيقاً للمساواة بينهم وبين زملائهم الذين تناولهم القرار ممن كانوا في الخدمة وقت صدوره. أما من يعينون بعد هذا التاريخ فقد اشترط لجواز تعيينهم وجود درجات في الميزانية تتفق ومؤهلاتهم حسب ما هو وارد بقواعد الإنصاف، ويكون الخصم بماهياتهم على ربط هذه الدرجات بالميزانية المختصة، وذلك تنفيذاً للنهي الوارد في قرار مجلس الوزراء عن تعيين ذوي المؤهلات مستقبلاً في غير الدرجات المقررة لمؤهلاتهم. ونظراً لأن القرار المذكور لم يتناول المؤهلات العلمية كافة، كما أن تقديره لبعضها لم يقع موقع الرضاء من حملتها، فقد كثرت الشكوى ممن أغفل تقدير مؤهلاتهم، ومن كانوا يشكون من بخس تقديرها. واستجاب مجلس الوزراء لكثير من هذه الشكاوي فتوالت قراراته بتقدير مؤهلات ما كانت قدرت بعد، وبرفع تقديراته السابقة لمؤهلات أخرى، وفرقت في الحكم بين من عين قبل 9 من ديسمبر سنة 1944 ومن عين بعده، على أساس التأكيد بأن قواعد الإنصاف إنما يقتصر أثرها على من عين من الموظفين ذوي المؤهلات حتى هذا التاريخ فقط، وكان من بين هذه القرارات ما صدر في أول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 دون تدبير المال اللازم لمواجهة نفقات تنفيذها، مما أثار شكوى الموظفين الذين أفادوا من أحكامها فلجأوا إلى جهات القضاء الإداري طالبين تسوية حالاتهم على مقتضى هذه الأحكام، فقضى لهم بذلك، وظل البعض الآخر يرجو أن تقوم الحكومة بتنفيذ هذه القرارات من تلقاء نفسها. وبعد ذلك صدر القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على أن يعمل به ابتداءً من أول يوليه سنة 1952، وكان من أهم ما استحدثه من أحكام من نظم التوظف، تحديد أجر الموظف لا على أساس ما يحمل من مؤهلات علمية، بل على قدر ما يؤدي للدولة من عمل وجهد بعد تعرف صلاحيته لهذا العمل، وضمن هذا الحكم المادة 21 منه، وبذلك قضى على قاعدة تسعير الشهادات تسعيراً إلزامياً، تلك التي كانت معمولاً بها قبل نفاذه.
ومن حيث إن هذا القانون وإن أرسى قواعد التوظف على أسس ثابتة من تاريخ العمل به إلا أن تلك المشكلة وما نجم عنها من حالة الشذوذ المترتبة على التفرقة في معاملة الموظفين ذوي المؤهلات على مقتضى قواعد التسعير السابقة على تاريخ نفاذه على النحو الذي تقدمت الإشارة إليه رغم اتحادهم في المراكز القانونية الناشئة عن هذه القواعد - ظلت هذه المشكلة معلقة، مما حمل وزارة المالية على استصدار القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، وقد نصت المادة الأولى منه على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، يعتبر حملة المؤهلات المحددة في الجدول المرافق لهذا القانون، في الدرجة وبالماهية أو المكافأة المحددة لمؤهل كل منهم وفقاً لهذا الجدول. وتحدد أقدمية كل منهم في تلك الدرجة من تاريخ تعيينه بالحكومة أو من تاريخ حصوله على المؤهل أيهما أقرب تاريخاً....".
ونصت المادة الثانية على أنه "لا يسري حكم المادة السابقة إلا على الموظفين الذين عينوا قبل يوليه سنة 1952 وكانوا قد حصلوا على المؤهلات المشار إليها في المادة السابقة قبل ذلك التاريخ أيضاً، وبشرط أن يكونوا موجودين بالفعل في خدمة الحكومة وقت نفاذ هذا القانون".
وقضت المادة الثالثة بعدم صرف الفروق المالية المترتبة على تنفيذ حكم المادة الأولى من هذا القانون إلا من تاريخ هذا التنفيذ وعن المدة التالية له فقط. ونصت المادة الرابعة على أنه "مع عدم الإخلال بالأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة والقرارات النهائية من اللجان القضائية - تعتبر ملغاة من وقت صدورها قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 بمنح خريجي الدراسات التكميلية التجارية الدرجة السادسة بماهية قدرها 500 م 10 ج شهرياً والصادرة في أول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 بتقدير وتعديل القيمة المالية لبعض الشهادات الدراسية وتحل محلها الأحكام الواردة في هذا القانون".
ومن حيث إنه قد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون بياناً وتحديداً لحكمته التشريعية التي استهدفها ما يأتي: "وتحت ضغط كسب رضاء بعض طوائف الموظفين أو إرهاب بعضها الآخر، استمرت سياسة تسعير الشهادات، حتى لقد اضطرت بعض الوزارات الماضية إلى إصدار قرارات تسعير للشهادات في يوليه وديسمبر سنة 1951 دون أن تدبر المال اللازم لتكاليفها ودون أن تعني بتدبيره، وهكذا ووجه العهد الجديد، من ضمن ما ووجه به من مخالفات الماضي، بموقف عسير الحل في ظروف قاسية.... ولقد كان من أيسر الأمور وأهونها أن تضع الحكومة الحاضرة مصلحة المجموع فوق مصلحة طائفة الموظفين.. فتلغى - دفعة واحدة، قرارات تسعير الشهادات، وتحل الحكومة نفسها من قيد ثقيل ناشئ عن اتجاه يكاد يكون متعارضاً تماماً مع أحكام قانون موظفي الدولة السارية وهو فوق ذلك قد اتخذ عن غير رؤية وبدون تدبير المال اللازم لتنفيذه. غير أنه وقد استشعرت الحكومة مبلغ ما تعلقت به آمال الموظفين بما جاءت به قرارات أول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 سالفة الذكر ولإيجاد المساواة بين الموظفين الذين بادروا فرفعوا شكاوى ودعاوى أمام اللجان القضائية ومحكمة القضاء الإداري فحصلوا على قرارات وأحكام بتنفيذ المعادلات المشار إليها بالنسبة لهم وبين باقي الموظفين الذين لم يرفعوا دعاوي منتظرين قيام الحكومة من نفسها بتنفيذ تلك المعادلات. فقد رأت الحكومة، أن تصفي ذلك الوضع القديم تصفية نهائية لا رجعة فيها؛ وذلك بإقرار تنفيذ معادلات يوليه وديسمبر سنة 1951 المذكورة، مع تضمينها في قانون موحد يصدر استثناء من أحكام قانون التوظف الجديد، لتسوية الحالات القديمة المعلقة للآن، مع إنهاء شكاوي الطوائف التي كانت ترفع الصوت عالياً من بخس أمرها في التقديرات السابقة، وتلك التي كانت تنعي إغفال أمرها إغفالاً تاماً.....".
ومن حيث إنه يخلص من ذلك أن القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية إنما يستهدف إنصاف طوائف مختلفة من الموظفين لم تدركهم القواعد السابقة بإنصافها، سواء في ذلك من عينوا بعد 9 من ديسمبر سنة 1944 في درجات تقل عن الدرجات المقررة لمؤهلاتهم، أو من حصلوا على مؤهلاتهم أثناء الخدمة فلم يمنحوا الدرجات المقررة لها، أو من أغفل تقدير مؤهلاتهم إغفالاً تاماً، أو من قدرت لمؤهلاتهم درجات ورواتب دون قيمتها، وكذلك من قعدوا عن اتخاذ إجراءات التقاضي لتسوية حالاتهم. على أن يكون ذلك الإنصاف منوطاً بتوافر الشروط التي نصت عليها المادة الثانية من هذا القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على جدول المؤهلات الملحق بالقانون رقم 371 لسنة 1953 أنه لم يقتصر على المؤهلات والشهادات الواردة بقرارات مجلس الوزراء الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 - وهي القرارات التي نص صراحة في مادته الرابعة على اعتبارها ملغاة وقت صدورها - بل تضمن غيرها من المؤهلات التي وردت بقرارات مجلس الوزراء السابقة، ولم ينص على إلغاء هذه القرارات كما فعل بالنسبة إلى القرارات الأخرى، مما أثار الخلاف حول قصد الشارع نحوها، وهل تعتبر ملغاة من تاريخ صدورها قياساً على القرارات التي نص صراحة على إلغائها أم أنها تظل نافذة في مجال تطبيقها.
ومن حيث إن قرارات مجلس الوزراء التي أغفل القانون رقم 371 لسنة 1953 النص على إلغائها هي قرارات تنظيمية عامة تتضمن مزايا مالية وأدبية للموظفين، وقد تحققت لهم في ظلها مراكز قانونية ذاتية، فلا يمكن إهدارها بأثر رجعي من وقت صدور القرارات التنظيمية العامة التي تحققت في ظلها تلك المراكز القانونية إلا بنص خاص في قانون يقرر ذلك. ولما كان القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية قد خلا من مثل هذا النص الخاص على إلغاء تلك القرارات، فإنها تظل قائمة نافذة منتجة آثارها في مجال تطبيقها؛ يؤكد ذلك أن القانون المذكور لم ينص صراحة إلا على إلغاء قرارات معينة وهي الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1952، وهي بذاتها التي استعرضها في مذكرته الإيضاحية، وأفصح عن قصده في إلغائها دون التصريح بإلغاء قرارات الإنصاف السابقة لها. ومن جهة أخرى إذا تضمن قانون المعادلات رفعاً في تقدير المؤهلات أو زيادة في المرتب أو في أية مزايا أخرى عما تضمنته قرارات الإنصاف السابقة، فإن حملة هذه المؤهلات يفيدون منها ولو كانوا ممن تسري عليهم تلك القرارات، ولكن لا تسري هذه الإفادة إلا من التاريخ المعين في قانون المعادلات وبالشروط التي نص عليها.
ومن حيث إن مؤهل المطعون عليه - وهو "دبلوم المدارس الصناعية" نظام خمس سنوات حديثة - قد ورد بالكشف رقم 2 الملحق بالكتاب الدوري رقم 234/ 1 - 302 الصادر من وزارة المالية في 6 من سبتمبر سنة 1944 تنفيذاً لقرارات مجلس الوزراء الصادرة في 30 من يناير و12 و29 من أغسطس سنة 1944 وقدرت له الدرجة الثامنة براتب مقداره 500 م و8 ج شهرياً، كما ورد بين المؤهلات التي أعاد تقديرها قرار مجلس الوزراء الصادرة في أول يوليه سنة 1951 حيث رفع تقديره إلى الدرجة السابعة براتب شهري مقداره تسعة جنيهات، ثم رفع تقديره مرة أخرى بقانون المعادلات الدراسية حيث ورد بالجدول الملحق به تحت رقم 8 وقدرت له الدرجة السابعة براتب شهري مقداره عشرة جنيهات.
ومن حيث إن المطعون عليه قد التحق بخدمة بلدية الإسكندرية في 27 من أكتوبر سنة 1948 - أي بعد 9 من ديسمبر سنة 1944 - فلا يفيد من قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 والتي قصد بها إنصاف من كان من الموظفين ذوي المؤهلات في خدمة الحكومة فعلاً وقت صدورها ثم امتد أثرها إلى من عين بها حتى 9 من ديسمبر سنة 1944 على النحو المشار إليه آنفاً دون غيرهم ممن يعينون بعد هذا التاريخ، وكذلك لا يسري عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في أول يوليه سنة 1951 الذي ألغي بنص صريح في المادة الرابعة من قانون المعادلات الدراسية إلغاءً مجرداً وبأثر رجعي من وقت صدوره. ويتعين بعد ذلك النظر فيما إذا كانت شروط تطبيق القانون المذكور قد توافرت فيه من عدمه.
ومن حيث إن المادة الثانية من هذا القانون تنص على أنه "لا تسري أحكام المادة السابقة إلا على الموظفين الذين عينوا قبل أول يوليه سنة 1952......." وإثر صدور هذا القانون اختلفت وجوه الرأي حول تحديد كلمة "الموظفين" الواردة في هذا النص، وهل تنصرف إلى الموظفين المعينين على وظائف دائمة وبصفة دائمة دون سواهم، أم أنها تتناول أيضاً طوائف المستخدمين الخارجين عن هيئة العمال وعمال اليومية والموظفين المؤقتين والمعينين لأعمال مؤقتة. وحسماً لهذا الخلاف استصدرت وزارة المالية القانون رقم 151 لسنة 1955 بإضافة فقرة ثانية إلى المادة الثانية من قانون المعادلات الدراسية نصها: "ويقصد بالموظفين المنصوص عليهم في الفقرة السابقة الموظفون الدائمون المعينون على وظائف داخل الهيئة دون الموظفين المعينين على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة أو المستخدمين الخارجين عن الهيئة أو عمال اليومية"، وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون ما يأتي: "ثار الخلاف عند تطبيق أحكام قانون المعادلات الدراسية حول تحديد من ينصرف إليهم حكم المادة الثانية المشار إليها وما إذا كان المقصود به طوائف الموظفين المعينين على وظائف دائمة وبصفة دائمة أم أنه ينطبق عليهم وعلى المستخدمين الخارجين عن الهيئة وعمال اليومية والموظفين المؤقتين والمعينين لأعمال مؤقتة. ولما كان قصد المشرع من المادة الثانية هو تطبيق أحكام قانون المعادلات الدراسية على الموظفين المعينين بصفة دائمة على وظائف دائمة الذين استوفوا شرائط تطبيق هذا القانون دون غيرهم من الموظفين المؤقتين أو الموظفين المعينين على وظائف مؤقتة أو المستخدمين الخارجين عن الهيئة أو عمال اليومية: نظراً لأن هذه الطوائف تنظم قواعد توظيفهم أحكام خاصة لا تتفق في مجموعها والقواعد التي استنها قانون المعادلات الدراسية.... لذلك رؤى استصدار هذا القانون بتفسير المقصود من حكم المادة الثانية المشار إليها على الوجه المتقدم....".
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن المناط في نظر القانون رقم 151 لسنة 1955 عند تحديده الموظفين الذين يفيدون من قانون المعادلات الدراسية هو أن يكون هؤلاء معتبرين في حكم القانون رقم 210 لسنة 1951 معينين بصفة دائمة على وظائف دائمة داخل الهيئة، والمناط في دائمية الوظيفة التي تضفي بدورها صفة الدائمية على الموظف هو بحسب وضعها الوارد في الميزانية في سلك الدرجات الداخلة في الهيئة من الأولى إلى التاسعة، لا يكون الموظف مثبتاً أو غير مثبت، فإذا وصفت الدرجة التاسعة أو غيرها بأنها مؤقتة فقد زايلت الموظف الذي يشغلها صفة الدائمية، أما إذا اندرجت في سلك الدرجات ولم توصف بالتأقيت اعتبر شاغلها موظفاً دائماً. ومن جهة أخرى فإن من عدا هؤلاء من الموظفين لا يفيدون من أحكام قانون المعادلات وهم الموظفون المعينون بصفة مؤقتة؛ إما لأنهم على وظائف مؤقتة موصوفة كذلك في الميزانية سواء أكانت الدرجة التاسعة أو غيرها، وإما لأنهم معينون لأعمال مؤقتة حتى ولو كان الاعتماد المخصص لهذه الأعمال مقسماً إلى درجات؛ لأن تقسيمه هكذا لا ينفي عن التعيين صفة التأقيت، وإما لأنهم خارج الهيئة أو عمال باليومية. وعلة إخراجهم جميعاً من عداد الموظفين الذين تسري عليهم أحكام قانون المعادلات الدراسية هو كما كشفت عن ذلك المذكرة الإيضاحية، لأن هذه الطوائف تنظم قواعد توظيفها أحكام خاصة لا تتفق في مجموعها والقواعد التي استنها ذلك القانون: فالمعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة هم الذين نصت المادة 26 من القانون 210 لسنة 1951 على أن قواعد توظيفهم تنظمها أحكام خاصة يصدر بها قرار من مجلس الوزراء، وقد صدر هذا القرار فوضع صيغة لعقد الاستخدام الذي يوقعونه لمدة محدودة، وطبيعة هذه العلاقة الموقوتة لا تتلاءم مع تطبيق أحكام قانون المعادلات الذي يقتضي أساساً وجود درجات دائمة تتم التسوية عليها، أما المستخدمون خارج الهيئة وعمال اليومية فعلة إخراجهم أنهم ليسوا في نظام درجات تتسق مع الدرجات المقدرة في قانون المعادلات لذوي المؤهلات، هذا فضلاً عن أن طبيعة عملهم لا تتفق أساساً مع تقدير هذه المؤهلات.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المطعون عليه أنه عين في 27 من أكتوبر سنة 1948 بمجلس الإسكندرية البلدي على اعتماد مؤقت خاص بعملية رصف شوارع منطقة الورديان ثم نقل إلى عمليات أخرى، وكانت خدمته تنتهي بانتهاء هذه العمليات ثم يعاد تعيينه، حتى انتهى الأمر بتعيينه ملاحظاً مؤقتاً للمشروعات بعقد لمدة سنة براتب مقداره عشرة جنيهات شهرياً لتنفيذ العمليات والمشروعات الجديدة وذلك ابتداءً من أول يناير سنة 1955. فعلى مقتضى ما تقدم لا يعتبر موظفاً في حكم المادة الثانية من قانون المعادلات، ومن ثم لا تسري عليه أحكامه.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه - إذا قضى بتسوية حالة المطعون عليه وفقاً لقواعد الإنصاف التي استنفدت أغراضها منذ 9 من ديسمبر سنة 1944 - يكون مخالفاً للقانون ويتعين لذلك إلغاؤه، ورفض الدعوى في شطرها هذا.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من استحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 وما يترتب على ذلك من آثار، ورفض الدعوى في هذا الشق، وألزمته بالمصروفات المناسبة.