مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثاني (من فبراير سنة 1956 إلى آخر مايو سنة 1956) - صـ 555

(67)
جلسة 17 من مارس سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

القضية رقم 31 لسنة 2 القضائية

( أ ) طعن - أمام المحكمة الإدارية العليا - حق هيئة المفوضين في تقديم طلبات وأسباب جديدة لم ترد في صحيفة الطعن - مناطه - حق المحكمة العليا في عدم التقيد بالطلبات أو الأسباب المقدمة من هيئة المفوضين - لا وجه للقياس على نظام النقض المدني - أساس ذلك - الطعن في شق من الحكم يعتبر مثيراً للطعن في شقه الآخر إذا كان الشقان مرتبطين ارتباطاً جوهرياً - مثال بالنسبة لطعن في شق الحكم الخاص بالإلغاء دون شقه الخاص بالتعويض.
(ب) فصل - بغير الطريق التأديبي - المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - عدم جواز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات التي تصدر في ظله واستناداً إليه - عدم التفرقة في ذلك بين من طبق هذا المرسوم بقانون في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه - دليل ذلك.
(ج) فصل - بغير الطريق التأديبي - المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - المادة السابعة منه لا تجيز الطعن بالإلغاء - عدم انسحاب النص إلى دعوى التعويض.
(د) موظف - فصله استناداً إلى المرسوم بقانون 181 لسنة 1952 - وجوب قيام القرار على سبب مبرر له قانوناً - الأسباب المسوغة للفصل التي نص عليها المرسوم بقانون سالف الذكر.
(هـ) قرار إداري - الأصل أنه لا إلزام على الإدارة بتسبيبه - القرار غير المسبب يفترض قيامه على سببه الصحيح - عبء إثبات العكس يقع على مدعيه - تسبيب الإدارة لقرارها - خضوع الأسباب لرقابة القضاء الإداري - حدود هذه الرقابة.
(و) موظف - فصله بغير الطريق التأديبي لعدم الصلاحية للعمل - عدم ملاءمته للعهد الجديد يجعله غير صالح للعمل - مجرد قيام صلة القرابة أو المصاهرة مع أحد أقطاب الحياة السياسية بالعهد الماضي، لا يكفي بذاته لاعتباره غير متلائم مع العهد الجديد.
(ز) حق الدفاع - تضمن المذكرات عبارات جارحة - حق المحكمة في الأمر بمحوها - المادة 127 من قانون المرافعات.
1 - إن الطعن أمام المحكمة العليا يفتح الباب أمامها لتزن الحكم بميزان القانون، ثم ينزل حكمه في المنازعة غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين أو الأسباب التي تبديها؛ إذ المرد هو إلى مبدأ المشروعية، نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص، كما أنه ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية في رقابتها للقرارات الإدارية سلطة قطعية تقصر عنها سلطة المحكمة العليا، والقياس في هذا الشأن على نظام النقض المدني هو قياس مع الفارق؛ ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها، لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو الموضوع الذي ستتناوله المحكمة الإدارية العليا عند رقابتها القانونية لأحكام القضاء الإداري. ومن ثم فلا وجه لما ذهب إليه رئيس هيئة المفوضين من أن طعنه في الحكم قد اقتصر على شقه الخاص بالإلغاء، وأنه لا يثير المنازعة في شقه الخاص بالتعويض بمقولة إن الشقين منفصلان ومستقلان أحدهما عن الآخر - لا وجه لذلك؛ لأن مثار هذه المنازعة هي في الواقع من الأمر مشروعية أو عدم مشروعية القرار الإداري الصادر بفصل المدعي، وقد قام الطعن في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بشقيه - إلغاءً وتعويضاً - على أن القرار غير مشروع، فهما فرعان يخرجان من أصل واحد، ونتيجتان مترتبتان على أساس قانوني واحد. وإذ كان الطعن في القرار بالإلغاء هو طعن فيه بالبطلان بالطريق المباشر، فإن طلب التعويض عنه على أساس أنه غير مشروع هو طعن فيه بالبطلان بالطريق غير المباشر، ومن هنا يبين مدى ارتباط أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، بحيث إن الحكم في أحدهما يؤثر في نتيجة الحكم في الآخر، وآية ذلك إذا بان عند استظهار قرار إداري أنه مطابق للقانون فرفض طلب إلغائه، فلا يستقيم بعد ذلك قيام الحكم بالتعويض عن هذا القرار إذا كان مؤسساً على أنه مخالف للقانون، والعكس بالعكس، وإلا لكان مؤدى القول بغير ذلك قيام حكمين نهائيين متعارضين، وهو ما لا يجوز؛ فلا مندوحة من أن يعتبر الطعن في شق من الحكم مثيراً للطعن في شقه الآخر إذا كان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، كما سلف القول، وهذا هو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة.
2 - إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي ينص في مادته السابعة على أنه "استثناءً من أحكام المادتين 3 و10 من قانون مجلس الدولة لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا القانون". ولا وجه للقول بأن مناط إعمال تلك المادة أن يكون قرار الفصل قد صدر بالتطبيق لأحكام ذلك المرسوم بقانون، أي طبق تطبيقاً صحيحاً - لا وجه لذلك؛ لأنه تأويل غير صحيح لغرض الشارع من عدم جواز الطعن بالإلغاء، ولو أخذ بهذا التأويل وجاز الطعن بإلغاء قرارات الفصل التي لم يطبق فيها هذا المرسوم بقانون تطبيقاً صحيحاً، لصارت كل هذه القرارات هدفاً للطعن، ولاستوت في ذلك مع سائر القرارات الإدارية التي لم يرد في شأنها منع من الطعن، ولكان الحكم بعدم جواز الطعن بالإلغاء مجرد صيغة أخرى من الحكم برفض الدعوى فلا يحكم بعدم جواز الطعن بالإلغاء إلا فيما ترفض فيه الدعوى، وغني عن البيان أن هذا التأويل يخرج عن قصد الشارع، كما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون سالف الذكر، ذلك أن القائمين بالأمر رأوا وهم بسبيل إقامة الحكم على أسس قوية سليمة، تطهير الأداة الحكومية، بفصل الموظفين غير الصالحين للعمل، ويقصد بهؤلاء في نظرهم غير القادرين على أداء الوظيفة، أو القادرين غير المنتجين، أو القادرين المنتجين الذين لا يلائمهم العهد الجديد، وكذلك من تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة، ولما كان الفصل بهذا الطريق تحقيقاً للغرض الذي استهدفه الشارع سيصيب طائفة كبيرة من الموظفين في وقت واحد حدد مداه، فكان من الطبيعي ألا يترك أمر الجهاز الحكومي قلقاً غير مستقر، فرأى المشرع أن يجعل قرارات الفصل هذه بمنأى عن أي طعن من حيث الإلغاء أو وقف التنفيذ، ما دامت صدرت في ظل هذا المرسوم بقانون في الفترة المحددة لنفاذه، ولو شابها عيب من العيوب التي كانت تجيز طلب الإلغاء تطبيقاً لقانون مجلس الدولة، فأورد نص المادة السابعة سالف الذكر، وبذلك أغلق باب الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ بالنسبة إلى القرارات التي تصدر في ظل هذا المرسوم بقانون واستناداً إليه، لا فرق في ذلك بين من طبق في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه، لأن الغرض من هذا المنع، كما سلف القول، هو سد باب المنازعة في العودة إلى خدمة الحكومة عن طريق الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ، استقراراً للدولاب الحكومي.
3 - إن الشارع لم يمنع سماع طلب التعويض عن قرارات الفصل الصادرة عملاً بالمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، كما فعل بالنسبة إلى طلب إلغائها أو وقف تنفيذها، فبقيت ولاية القضاء الإداري كاملة بالنسبة لطلب التعويض عن هذه القرارات، شأنها في ذلك شأن القرارات الإدارية الأخرى. فحسب الموظف المفصول استناداً إلى ذلك المرسوم بقانون أن ينصف بطريق التعويض إن كان لذلك وجه وكان قرار فصله مخالفاً للقانون.
4 - إن القرار الصادر بفصل الموظف استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 يجب - كأي قرار إداري آخر - أن يقوم على سببه المبرر له قانوناً، وقد أفصحت المادة الأولى من هذا المرسوم بقانون عن السبب المسوغ للفصل، وهو أن يكون الموظف غير صالح للعمل أو تعلق به شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة، وأبانت المذكرة الإيضاحية عن الموظف غير الصالح للعمل بأنه هو غير القادر على أداء الوظيفة، أو القادر غير المنتج، أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد.
5 - إنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها، ويفترض في القرار غير المسبب أنه قام على سببه الصحيح وعلى من يدعي العكس أن يقيم الدليل على ذلك، إلا أنها إذا ذكرت أسباباً له فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار، وهذه الرقابة القانونية تجد حدها الطبعي في التحقق مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع - على فرض وجودها مادياً - لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون - أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً، فقد قام القرار على سببه، وكان مطابقاً للقانون.
6 - أوضحت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 أن الموظف غير الصالح للعمل هو غير القادر على أداء الوظيفة، أو القادر غير المنتج، أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد. ومجرد قيام صلة من القرابة أو المصاهرة بين الموظف وبين آخر ممن كان لهم ضلع بارز في الحياة السياسية في العهد الماضي، لا يدل بذاته على أن الموظف غير صالح أو أن العهد الجديد لا يلائمه، إلا إذا كان ثمة أسباب خاصة قامت بالموظف تدل على ذلك؛ كما لو ثبت أن هذه الصلة استغلت كوسيلة لترقيته ترقيات غير طبيعية، فكان محسوباً في هذا الشأن على هذه الصلة، أو أنها أفسدت عليه عمله أو انحرفت به عن الجادة أو شابته، أما إذا ثبت أنه كان من ذلك براء، فلا يجوز أن تضيره هذه الصلة؛ إذ لا يسأل الإنسان إلا عن عمله، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
7 - إن مذكرات المدعي قد تضمنت عبارات جارحة حصرها الدفاع عن الحكومة في الطلب الكتابي المقدم منه ولذا تأمر المحكمة بمحوها طبقاً للمادة 127 من قانون المرافعات.


إجراءات الطعن

في 30 من نوفمبر سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 19 من أكتوبر سنة 1955 في الدعوى رقم 311 لسنة 7 ق المرفوعة من الدكتور علي عبد الواحد ضد السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير الصحة العمومية، القاضي: "(أولاً) بقبول الدفع بعدم قبول طلب الإلغاء ورفض الدفع بعدم قبول طلب التعويض، (ثانياً) إلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي تعويضاً قدره ألفان من الجنيهات (2000 جنيه)، وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ 1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة." وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن: "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء المرسوم الصادر في 15 من أكتوبر سنة 1952 بفصل المدعي وما يترتب على ذلك من آثار بما في ذلك الفرق بين راتبه ومعاشه من تاريخ فصله لحين عودته إلى الخدمة كما كان، وإلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة ومقابل أتعاب المحاماة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وأعلن المدعي بالطعن في 3 من ديسمبر سنة 1955، وأعلنت به الحكومة في أول ديسمبر سنة 1955، فأودعت مذكرة في 6 من ديسمبر سنة 1955، ثم عين لنظر الطعن جلسة 10 من ديسمبر سنة 1955، ومنها أجلت لجلسة 7 من يناير سنة 1956، وقدم المدعي مذكرة رداً على مذكرة الحكومة في 5 من يناير سنة 1956، وفي الجلسة المذكورة سمعت ملاحظات الطرفين على النحو المبين بالمحضر، ثم أرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم ورخص في تقديم مذكرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 311 سنة 7 ق بعريضة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 13 من ديسمبر سنة 1952 طالباً الحكم "بإلغاء المرسوم الصادر في 15 من أكتوبر سنة 1952 بفصل المدعي من خدمة وزارة الصحة وجميع ما يترتب عليه من آثار مع إلزام الحكومة بأن تدفع له قرشاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت مع مصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة"، ناعياً على المرسوم المذكور صدوره مخالفاً للدستور وللقانون رقم 181 لسنة 1952 الذي يستند إليه ومشوباً بعيب التعسف في استعمال السلطة؛ بدعوى أنه في عام 1931 عين طبيباً ثانياً بالمستشفى المركزي بإطسا، وفي عام 1932 نقل طبيباً بمستشفى الحميات بطنطا في وقت كان فيه وباء الحمى الشوكية منتشراً في مديريات الغربية والمنوفية والبحيرة وكتب الله له النجاح في مقاومة هذا المرض. وفي عام 1933 كان وباء الجدري منتشراً في مديرية قنا ورقي المدعي مفتشاً لصحة نجع حمادي فاستأنف كفاحه ضد هذا الوباء وكتب الله له التوفيق في مهمته، فكتب مدير الأوبئة وقتذاك تقريراً أثنى فيه عليه واقترح إرساله في بعثة فأوفد إلى جامعة لندن للتخصص في سير الأمراض الوبائية والحميات لطب المناطق الحارة، ولما عاد رقي طبيباً أول بمستشفى الحميات. وفي أغسطس سنة 1936 أجريت مسابقة لشغل وظيفة من الدرجة الرابعة بالمجلس الدولي للصحة البحرية والكرنتينات تقدم فيها عشرات الأطباء بين مصريين وأجانب، فكان المدعي أول المتسابقين ووقع عليه اختيار اللجنة ليعمل معها في الإسكندرية. وفي سنة 1940 تم على يديه وثلاثة من زملائه تمصير المجلس الصحي للكورنتينات. وفي سنة 1942 عين وكيلاً لمستشفى الحميات بالعباسية ورقي إلى الدرجة الثالثة. وفي سنة 1944 وقع عليه اختيار وزارة الصحة ليرأس بعثة طبية مصرية تسافر إلى جنوب السودان وكينيا وأوغندا وممباسا لتطوف في مجاهل أفريقيا ومناطق خط الاستواء لتدرس الحمى الصفراء والملاريا الخبيثة، وقد وضع إثر عودته تقريراً هاماً كان بمثابة الأساس للسياسة الصحية التي اتبعتها الحكومة والتي برزت في صورة إنشاء خط دفاعي على الحدود الجنوبية لمصر. وفي سنة 1946 رقي المدعي إلى الدرجة الثانية، وفي سنة 1950 عين مديراً لمستشفى الحميات بالعباسية ورقي إلى الدرجة الأولى وندبته جامعة القاهرة للتدريس لأطباء التخصص في أمراض المناطق الحارة، كما ندبته جامعة عين شمس لتدريس علم الحميات لطلبة طب العباسية. وفي 12 من ديسمبر سنة 1951 صدر مرسوم بتعيين المدعي في إحدى درجات مديري العموم حرف "ب" التي رفعت في ميزانية وزارة الصحة بموجب الاعتماد الذي وافق عليه البرلمان في 24 من سبتمبر سنة 1951 لتعزيز الوظائف وتحسين حالة الأطباء، وكانت درجات مديري العموم الجديدة قد وردت في باب الإدارة العامة لوزارة الصحة ولكنها وزعت على مستحقيها من كبار الموظفين وهم باقون في وظائفهم التي كانت من قبل في الدرجة الأولى. ثم استطرد المدعي إلى الكلام فيما قام بينه وبين الدكتور محمد نظيف وكيل وزارة الصحة من خلاف وعداء كشفت عنه تصرفات الدكتور نظيف معه على ما فصله المدعي في صحيفة الدعوى. وفي 10 من أكتوبر سنة 1952 فوجئ المدعي باستدعاء الدكتور نظيف له فلما قابله أفهمه أن الوزير يكلفه بالاستقالة من وظيفته، ولما أراد أن يقابل الوزير أبى عليه ذلك. وفي 15 من أكتوبر سنة 1952 صدر مرسوم بفصل المدعي من الخدمة استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي. ويقول إن المرسوم بقانون سالف الذكر قد صدر مخالفاً لأحكام الدستور الذي صدر في ظله؛ لأن الحكومة استندت في إصداره إلى المادة 41 من الدستور التي كانت تعطيها الحق في إصدار تشريعات عاجلة لمواجهة ضرورات لا تحتمل الإبطاء، والمفهوم أن حق الحكومة في إصدار التشريعات التي تشير إليها تلك المادة يقتصر على ما لا يمكن إرجاؤه إلى أن تعود السلطة التشريعية الشرعية من عطلتها، ومشروط في تشريعات الضرورة ألا تلغى بدون مسوغ أحكام القوانين العادية التي سنتها السلطة التشريعية، ومشروط فيها أيضاً أن تبقى رهناً بإقرار السلطة التشريعية لها، فإن لم تقرها سقطت وزال أثرها. وبتطبيق هذه الضوابط على المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 يبين أنه وقع مخالفاً لها جميعاً، وأنه يعتبر بذلك غير دستوري ويجوز لمجلس الدولة أن يلغي القرارات التي صدرت تطبيقاً لأحكامه. ولما كان المرسوم بقانون المشار إليه من جهة أخرى قد حدد في مادته الأولى الأحوال التي يجوز فيها فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي وهي حالات عدم الصلاحية للعمل أو قيام شبهات قوية حول الموظف تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة والشرف أو حسن السمعة، فإن لم يقم بالموظف شيء من هذه الحالات أصبح فصله غير جائز، ويكون للقضاء أن يحقق ما تعزوه الإدارة إلى الموظف ليرى إن كان فيه ما يقع تحت طائلة هذا القانون أم لا. وقد ناقش المدعي أسباب فصله وانتهى إلى أنها لا تمت إلى ما ورد بالمرسوم بقانون سالف الذكر بأية صلة، ولذا أقام الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري طالباً إلغاء المرسوم الصادر بفصله على ما سبق البيان. وبجلسة 7 من أكتوبر سنة 1953 التي عينت لنظر الدعوى عدل المدعي طلبه الاحتياطي إلى مبلغ ثلاثين ألفاً من الجنيهات تعويضاً عما أصابه من ضرر مادي وأدبي. وقد دفعت الحكومة بعدم جواز سماع الدعوى تطبيقاً للمادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، وقالت في الموضوع إن المدعي غير متلائم مع العهد الحاضر، وإن من حق الحكومة فصل كبار الموظفين بغير حاجة إلى الاستناد إلى القانون المشار إليه، ولم ترد على الوقائع التي ذكرها المدعي في دفاعه. وبجلسة 19 من أكتوبر سنة 1955 حكمت محكمة القضاء الإداري: (أولاً) بقبول الدفع بعدم قبول طلب الإلغاء ورفض الدفع بعدم قبول طلب التعويض، (ثانياً) بإلزام الحكومة بأن تدفع للمدعي تعويضاً قدره ألفان من الجنيهات مع إلزامها بالمصروفات ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لقبول الدفع بعدم قبول طلب الإلغاء ورفض الدفع بعدم قبول طلب التعويض على أنه: "ولئن كان حق الحكومة في فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هو حق ثابت أصيل لا شبهة فيه، إلا أن المشرع قدر عند وضعه المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الظروف المحيطة بالمجتمع ورأى ضرورة معالجتها بفصل الموظفين غير الصالحين سواء منهم غير القادر على أداء الوظيفة أو القادر غير المنتج أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد، وكذلك كل من تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة، ونص في المادة السابعة من المرسوم بقانون المشار إليه على أنه لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا المرسوم بقانون. وأنه لا حجة فيما يثيره المدعي من أنه لا وجه لإعمال المادة السابعة إلا إذا صدر قرار الفصل بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون المشار إليه بينما قد صدر هذا المرسوم مخالفاً له لعدم قيام مبررات الفصل في حق المدعي - لا حجة في ذلك؛ لأن الأصل أن القرار الإداري لا يكون معرضاً للطعن إلا إذا شابه عيب مخالفة القانون، أما إذا سلم من العيب فإنه يصدر حصيناً من الإلغاء، ومتى كان الأمر كذلك فلا يكون ثمة مجال لإعمال نص المادة السابعة إلا بالنسبة إلى القرار الذي يصدر معيباً أي غير مطابق للمرسوم بقانون المذكور؛ إذ غني عن البيان أن القرار الذي يصدر صحيحاً يكون بطبيعته حصيناً من أي إلغاء وما كانت ثمة حاجة لحمايته من الإلغاء بنص المادة السابعة ولكان النص لغواً يجب تنزيه المشرع عنه"، وأن "إيراد نص المادة السابعة المشار إليها على هذا النحو الواضح الصريح قاطع في الدلالة على أن المقصود هو منع المحكمة من النظر في طلبات الإلغاء أو الوقف دون أن ينسحب المنع إلى طلبات التعويض التي ذكرتها المادة الرابعة من هذا القانون، ولو قصد المشرع إلى إطلاق حكم المنع بحيث يشمل طلبات التعويض أسوة بطلبات الإلغاء لما أعوزته الصراحة ولأفصح عن مراده. ولا يغير من هذا النظر أن المشرع قدر في المادة الثالثة من القانون تعويضاً لمن يتناوله حكمه؛ إذ لو أراد المشرع أن تكون التسويات التي تضمنتها تلك المادة شاملة لكل ما يصيب الموظف المفصول من ضرر لكان ذلك أدعى - بعد أن قدر تعويضاً في المادة الثالثة - أن يطلق الحكم في المادة السابعة بحيث يشمل أيضاً طلبات التعويض، لا أن يقصر حكمها على طلبات الإلغاء في عبارة جلية واضحة". وبالنسبة لطلب التعويض أقامت المحكمة قضاءها بالتعويض على "أن مجلس الوزراء إذ يترخص في فصل الموظف بغير معقب عليه من هذه المحكمة طالما خلا قراره من إساءة استعمال السلطة وذلك لاعتبارات تتعلق بالصالح العام، إلا أن قيام هذا الحق يجب أن يقوم بجانبه حق الموظف المفصول الذي لم تقم الدلائل على فساده أو عدم صلاحيته أن يعوض نظير فصله في وقت غير لائق قبل بلوغ سن الإحالة إلى المعاش وبذلك تصان المصلحتان، مصلحة المجموع ومصلحة الفرد"، وأنه "بإعمال ما تقدم في خصوصية هذه الدعوى يبين أنه لم يقم بالمدعي سبب من الأسباب التي تشوبه أو تؤثمه ولم تنسب إليه الحكومة أمراً أو أية شائبة تعلق به، ولا يجديها في هذا المقام تحصنها وراء عدم التزامها تسبيب قراراتها وأن الأصل فيها صدورها صحيحة للصالح العام؛ لأنه مع قيام هذا الصالح لا يمتنع التعويض؛ خصوصاً وأنها لم تعن بالرد على الوقائع الصحيحة التي ساقها المدعي في دفاعه تفصيلاً ولم تعن ببيان الأسباب الجدية التي دعت لفصله ولم يقدم الوزير مذكرة إلى مجلس الوزراء بالأسباب التي تبرر الفصل، ولما ثبت من ملف الخدمة من إرسال إشارة تليفونية من مكتب وكيل وزارة الصحة في 10 من أكتوبر سنة 1952 إلى المستشفى بالتنبيه على المدعي بتنفيذ قرار الوزير بإحالته إلى المعاش أي قبل صدور المرسوم بفصله بخمسة أيام بل قبل صدور القرار الوزاري بتنفيذ المرسوم بخمسة عشر يوماً (في 25 منه) ولم يبلغ القرار رسمياً حتى 8 من نوفمبر سنة 1952 و5 من مايو سنة 1953 بعد سبعة أشهر...إلخ".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول طلب الإلغاء على الرغم من انتهائه إلى أن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 لم يطبق في حق المدعي تطبيقاً صحيحاً قد جاء مخالفاً للقانون؛ ذلك أن "حجة الحكم المطعون فيه في هذا الصدد أن الأصل أن القرار الإداري لا يكون معرضاً للطعن إلا إذا شابه عيب مخالفة القانون، أما إذا سلم من العيب فإنه يصدر حصيناً من الإلغاء، وأنه متى كان الأمر كذلك فلا يكون ثمة مجال لإعمال نص المادة السابعة إلا بالنسبة إلى القرار الذي يصدر معيباً أي غير مطابق للمرسوم بقانون المذكور؛ إذ غني عن البيان أن القرار الذي يصدر بالتطبيق لأحكامه يصدر صحيحاً ويكون بطبيعته حصيناً من أي إلغاء وما كان ثمة حاجة لحمايته من الإلغاء بنص المادة السابعة ولكان النص لغواً يجب تنزيه الشارع عنه"، وأن "هذه الحجة قد تستقيم لو كان المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 قد تناول بالتنظيم أسباب الفصل المنصوص عليها في القوانين واللوائح السارية فمنع قبول طلبات إلغاء القرارات المستندة إليها؛ إذ حينئذ قد يمكن التحدي بلغو النص إن قصر على القرارات الصحيحة"، وأن المرسوم بقانون المشار إليه "قد استحدث أسباباً محددة جديدة للفصل يؤخذ فيها بالشبهات على خلاف الأصل العام في أسباب الفصل ومن هنا تولدت الحاجة إلى وضع نص تشريعي لتحصين قرارات الفصل التي تستند استناداً صحيحاً إلى هذه الأسباب المستحدثة. والتي ما كانت وفقاً للقوانين واللوائح السارية تصلح مع صحتها سنداً لحماية قرارات الفصل المبنية عليها من الإلغاء. فنص المادة السابعة من المرسوم بقانون سالف الذكر ليس لغواً، والحالة هذه، إن قصر تطبيقه على القرارات الصحيحة، بل إن هذا هو قصد المشرع من إيراد عبارة "بالتطبيق لأحكام هذا القانون" والقول بغير ذلك يؤدي إلى نتائج غير مقبولة لم تكن ترد في ذهن المشرع إطلاقاً. فهل يسوغ القول بمنع طلب إلغاء قرار فصل موظف لسبب من الأسباب الواردة في المرسوم بقانون المشار إليه إذا صدر هذا القرار بعد انتهاء المدة التي تسري فيها أحكامه. وإذا كان ذلك لا يسوغ فما الفارق بين مخالفة أحكام المرسوم بقانون في هذا الصدد وبين مخالفته في قرار فصل موظف من درجة أقل من مدير عام لسبب من الأسباب الواردة في المرسوم بقانون المذكور إذا ثبت أن أمر هذا الموظف لم يعرض على اللجنة المنصوص عنها في المادة الثانية، أو بين مخالفته في قرار فصل موظف إذا ثبت أنه لسبب ليس من الأسباب المنصوص عنها في المرسوم بقانون المشار إليه. وإذا كان لا يبدو الفارق في مخالفة القانون في هذه الأحوال، فهل يصح قيام الفارق بينها وبين حالة ما إذا كان الفصل مبنياً على سبب لم تثبت صحته من الأسباب الواردة في المرسوم بقانون المشار إليه. وحاصل القول أن منع طلب الإلغاء المنصوص عنه في المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 رهين بكون قرار الفصل صادراً بالتطبيق لأحكام القانون، أي أنه لا محل للاستناد إلى هذه المادة إلا إذا كان القانون قد طبق تطبيقاً صحيحاً. وهذا هو ما أطرد عليه قضاء محكمة القضاء الإداري في تطبيقها للمادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944 الخاص بإلغاء التعيينات والترقيات الاستثنائية، فإن هذه المادة تمنع المحاكم من قبول الدعاوى التي ترفع إليها بسبب تطبيق أحكام هذا المرسوم بقانون، ومع ذلك جرى قضاء محكمة القضاء الإداري على أنه لا محل للاستناد إلى المادة المذكورة إلا إذا كان المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944 قد طبق تطبيقاً صحيحاً - إذا كان ذلك كذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص بحق أن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 لم يطبق بالنسبة للمدعي تطبيقاً صحيحاً، فإنه كان ينبغي أن يقبل تبعاً لذلك طلب إلغاء قرار الفصل؛ لأن الدعوى تكون بذلك قد خرجت عن مجال تطبيق المرسوم بقانون المشار إليه، وفي مجال تطبيق القواعد العامة في خصوص الطعن بالإلغاء لا يحتج برخصة مجلس الوزراء في فصل الموظفين إلا إذا كان الفصل قائماً على سبب صحيح يبرره وإلا فقد أساسه القانوني وكان بالتالي مخالفاً للقانون. أما وقد استبان أنه لم يقم بالمدعي سبب من الأسباب التي تشوبه أو تؤثمه، وأن الحكومة لم تنسب إليه أية شائبة تعلق به، فإن قرار فصله حتى باعتباره صادراً من مجلس الوزراء يكون فاقداً سبب وجوده ومبرر إصداره ومشوباً بعيب مخالفة القانون".
ومن حيث إن الحكومة قدمت مذكرة بردها على الطعن المقدم من هيئة المفوضين صدرتها بما سبق أن قضت به هذه المحكمة في الطعن رقم 212 لسنة 1 ق من أن للمحكمة العليا أن تنزل حكم القانون في المنازعة الإدارية غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين أو الأسباب التي تبديها؛ إذ المرد هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص، وعلى مقتضى ما تقدم فإن الحكومة تقدم دفاعها كاملاً في القضية لإنزال حكم القانون على الوجه الصحيح مستهدفة هدفين، الأول: الوصول إلى إلغاء الحكم فيما يتعلق بالتعويض، والثاني: إبداء الدفاع في طعن هيئة المفوضين فيما يتعلق بطلب الإلغاء. ثم استطردت الحكومة قائلة إنها ليست مكلفة بإبداء تفصيل، وحسبها أن تقول إن المدعي عرض أمره على مجلس الوزراء تنفيذاً لقانون التطهير فرآه غير متلائم مع النظام الجديد، وأن مداولات مجلس الوزراء سر مصون، ويجب افتراض المصلحة العليا غرضاً له، كما يجب لهذا عدم اعتبار الحقيقة الإدارية مقصورة على أوراق الملفات ما دام مجلس الوزراء قد تصدى لصاحب تلك الملفات، وأن الأمر في قانون التطهير قد انفسح لمجلس الوزراء فوق ما تنفسح له القواعد العامة. ثم انتقلت الحكومة بعد ذلك إلى ذكر الوقائع التي ترى أنها استوجبت فصل المدعي من الخدمة وتتحصل هذه الوقائع فيما يأتي:
1 - أن المدعي ظفر في عهود خاصة بترقيات استثنائية، وأنه ما يزال مديناً بثمرة تلك الاستثناءات التي جاوزت ألفين من الجنيهات، وأن القفزات التي ظفر بها بدرجات الحكومة الكبرى وأكثرها كانت خلال السنوات 1942 و1943 و1944 و1950 وهي سنوات حكم فيها حزب وصل المدعي نفسه به في صحيفة دعواه. وقالت في بيان ذلك إن المدعي عين في سنة 1942 وكيلاً عاماً لمستشفى الحميات بالعباسية ورقي إلى الدرجة الثالثة ليكون رئيساً لمن هم أقدم منه في الدرجة والتخرج والتوظف ومن بينهم حكيمباشي المستشفى وكبار الأطباء. وفي مارس سنة 1950 عين مديراً لمستشفى الحميات بالعباسية ورقي إلى الدرجة الأولى. وفي سبتمبر سنة 1951 عين مديراً عاماً. وأشارت الحكومة إلى أنه لأول مرة في تاريخ ميزانية وزارة الصحة تنشأ درجة مدير عام في باب الديوان العام يعين شاغلها مديراً لمستشفى الحميات التابع لمصلحة الصحة الوقائية والمعين لشاغلها الدرجة الأولى، ولأول مرة يشغل موظف درجة مدير عام ثم يعمل مديراً لمستشفى يدخل ضمن اختصاص قسم الأوبئة الذي يرأسه موظف في الدرجة الأولى، ولأول مرة يرخص لموظف في درجة مدير عام في فتح عيادة خاصة، ولأول مرة يعطل العمل في قسم الأبحاث بمستشفى العباسية وبمستشفى إمبابة ليباح للمدير العام أن يدير لحسابه الخاص عيادة خاصة. وأن الدكتور إبراهيم شوقي - وزير الصحة والذي صار فيما بعد نقيباً للأطباء - لم يرض بوضع المدعي الخاطئ فأعاد الدكتور الرملي - الذي حكم بإلغاء نقله من مستشفى العباسية - مديراً لمستشفى، ونقل المدعي إلى ديوان عام الوزارة في الوظيفة التي رفعت إلى درجة مدير عام، فسعى المدعي - عن طريق صهره - إلى إلغاء هذا النقل، وفعلاً صدر قرار مجلس الوزراء في 17 من فبراير سنة 1952 بندبه مشرفاً على مستشفى الحميات بإمبابة ومديراً له.
2 - أن المدعي - وقت أن كان قائماً بعمل مدير مستشفى الحميات بالعباسية في سنة 1943 - لم يبلغ عن حادث اعتداء أحد التمورجية على أحد المرضى، فوجه الوزير نظره إلى عدم إهمال مثل هذه الحوادث مستقبلاً.
3 - وأنه في سنة 1944 أبلغ الأستاذ أحمد كامل قطب المحامي أن موظفي مستشفى الحميات بالعباسية بالاشتراك مع المدعي وهو مدير المستشفى، اعتدوا عليه بالضرب وأن المدعي أجرى تزويراً في أوراق العلاج الخاصة بالمبلغ للتوصل إلى إحالته لمستشفى الأمراض العقلية؛ وقد ثبت من تحقيق النيابة صحة هذه الوقائع. ثم أوردت الحكومة صور مكاتبات متبادلة بين وزيري الصحة والعدل في هذا الصدد، وانتهى الموضوع بحفظ التحقيق. ثم ناقشت الحكومة بعد ذلك في مذكرتها الأسباب التي استندت إليها محكمة القضاء الإداري في قضائها للمدعي بالتعويض، وخلصت منها إلى أن الحكم فيما قضى به من التعويض حقيق بالإلغاء.
ومن حيث إن المدعي قدم مذكرة رداً على مذكرة الحكومة بدأها باستعراض موقف الحكومة منه قبل فصله من الخدمة وبعد الفصل وخلال التقاضي أمام محكمة القضاء الإداري وما أضافته أخيراً الحكومة من أوراق جديدة لم تكن مودعة ملف القضية، وطلب استبعاد جميع الأوراق والمستندات التي أضافتها الحكومة إلى ملف الدعوى واستبعاد أوجه المدافعة الموضوعية؛ لعدم تعلق الأوجه المذكورة بالطعن المطروح أمام المحاكم؛ ولأن رئيس هيئة المفوضين لم يوافق على الطعن في الحكم الصادر ضد الحكومة للأسباب التي طلبت الحكومة الطعن فيه من أجلها ولأن القانون رقم 165 لسنة 1955 ناط ولاية الطعن في الأحكام النهائية التي تصدرها محكمة القضاء الإداري برئيس هيئة المفوضين دون أحد من أطراف الخصومة في الدعوى، وأفاض المدعي في شرح وجهة نظره في تطبيق المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955، فقال ما محصله: إنه يبين من نص المادة المذكورة أن الذي يملك الطعن هو رئيس هيئة المفوضين، وهو الذي يحدد نطاقه من الحكم المعيب، وليس لأي من الخصوم أن يطرح على المحكمة العليا جانباً من النزاع استبعده رئيس هيئة المفوضين من مجال طعنه، وأن مصير الطعن رهن بصحة الأسباب التي يقوم عليها، بحيث إذا بان للمحكمة أن ثمة مخالفة للقانون في الحكم المطعون فيه لبطلان فيه أو في إجراءاته أو كان صدوره على خلاف حكم سابق حائز لقوة الشيء المقضي به، كان الطعن مقبولاً ومؤدياً إلى إلغاء الحكم، أما إذا بان للمحكمة أن لا أثر في الحكم لعيب من العيوب التي أوردها النص فإن الطعن يصبح منعدم السبب. وترتيباً على ما تقدم يتعين أولاً النظر في السبب الذي قام عليه الطعن، فإن صادف اقتناعاً من المحكمة كان لها أن تلغي من الحكم ما طرحه عليها رئيس المفوضين وإجابة المدعي إلى طلبه الأصلي، وإن لم تجد في الطعن مقنعاً قضت برفضه دون أن تتصدى لباقي موضوع الدعوى الذي لم يطرح عليها؛ لأنها لا تملك - من تلقاء نفسها - أن توجه إلى الأحكام التي لم يطعن عليها أمامها طعوناً مباشرة، فطلب الحكومة - والحالة هذه - طرح ذلك الجانب من النزاع الذي رفض رئيس هيئة المفوضين أن يطعن فيه لأن محكمة القضاء الإداري أصابت فيه تسبيباً وتقديراً يقوم على تجاهل اختصاص المحكمة الإدارية العليا كما رسمه القانون رقم 165 لسنة 1955، ويقوم على خلط بين الأسباب الموجبة للطعن في الأحكام وبين موضوع الطعن ذاتها. أما عن تجاهل اختصاص المحكمة الإدارية العليا، فلأن المحكمة العليا لا تنظر إلا فيما يرفع إليها من طعون، وليس لها أن تتصدى من تلقاء نفسها لأحكام لم يطعن فيها رئيس المفوضين، وفي هذه الدعوى لم يطعن رئيس المفوضين في استحقاق المدعي لما قضى له به من تعويض، بل إنه قرر أنه جدير بالتعويض، وأما عن الخلط بين الأسباب الموجبة للطعن وبين موضوع الطعن، فبيان ذلك أن السبب هو الدعامة التي يقوم عليها الطعن، أو هو الطريق الذي يدخل منه الطعن تحت رقابة المحكمة الإدارية العليا، فهو سند اختصاص المحكمة العليا، فإن كان صواباً دخلت بفضله المحكمة في صميم الموضوع، وإن لم يكن صواباً فلا سبيل للمحكمة العليا على الحكم. أما الطعن فهو هذا الجزء من الحكم الذي شابه العيب والذي ينعقد للمحكمة الاختصاص بنظره، فتسلط عليه رقابتها في الحدود التي رسمها القانون. وفي هذا الطعن حدد رئيس هيئة المفوضين موضوع ما طعن فيه من الحكم، وهو قضاء المحكمة بعدم قبول طلب الإلغاء. فسبب الطعن مختلف عن موضوعه، ولكل كيان خاص وآثار خاصة. ثم انتقل المدعي إلى الرد على ما نسبته الحكومة إليه فقال عن الاستثناءات إنه رقي إلى الدرجة الثالثة في أبريل سنة 1942 ترقية قانونية، ورقي في نوفمبر سنة 1943 ترقية استثنائية مكافأة له على إنشاء مستشفى إمبابة خلال شهرين ولتوفيقه في البعثة التي أوفد إليها في جنوب السودان وكينيا وأوغندا لاستكشاف وباء الحمى الصفراء وتحضير الأمصال الواقية منها وطرق علاجها، وقد ألغيت هذه الترقية نتيجة لتطبيق قانون إلغاء الاستثناءات في سنة 1944 وسار بعد ذلك سيراً عادياً، فرقي إلى الدرجة الثانية في أول مايو سنة 1946 وإلى الدرجة الأولى في 8 من مايو سنة 1950 وإلى درجة مدير عام في 30 من ديسمبر سنة 1951. وجدير بالذكر أن وزارة الوفد عندما عادت إلى الحكم سنة 1950 ألغت قانون الاستثناءات الصادر في سنة 1944 وردت الفروق المالية التي كانت قد استقطعت نتيجة لتطبيقه، فكان المدعي ممن ردت إليهم الفروق، وقد استردت الحكومة هذه الفروق تطبيقاً لأحكام قانون إلغاء الاستثناءات الصادر في سنة 1952. ثم انتقل إلى الكلام عن تعيينه مديراً عاماً، فقال إنها ترقية قانونية؛ إذ وزعت درجات مديري العموم على مستحقي الترقية إليها ممن لا صلة لهم بميزانية الإدارة العامة، وهم مدير معهد الأبحاث ووكيل الطب العلاجي والمدعي؛ حيث كانوا أقدم أطباء الدرجة الأولى بالوزارة. أما عن نقل الدكتور إبراهيم شوقي إياه إلى ديوان عام الوزارة، فإن واقع الأمر فيه أنه بعد أن صدر حكم محكمة القضاء الإداري بإلغاء نقل الدكتور الرملي من مستشفى العباسية كان لا مناص من إعادة الدكتور الرملي إلى هذا المستشفى نفاذاً للحكم المذكور ونقل المدعي الذي كان يعمل مديراً لمستشفى العباسية إلى الديوان العام، ثم ما إن علم الدكتور إبراهيم شوقي أنه قد دلس عليه، ومرر - في غفلة منه - قرار نقل المدعي إلى الديوان العام بدون عمل في 5 من فبراير سنة 1952 حتى أعد في 16 من فبراير سنة 1952 مذكرة إلى مجلس الوزراء يقترح فيها ندب المدعي للإشراف على أعمال مستشفى الحميات بإمبابة ومديراً لها "نظراً إلى أنه قضى مدة طويلة في أعمال الحميات وعلاجها"، فوافق مجلس الوزراء على ذلك في 17 من فبراير سنة 1952. وأما فيما يتعلق بشكوى الأستاذ أحمد كامل قطب المحامي، فقد انتهى الأمر فيها إلى تقديم المدعي وبعض موظفي المستشفى إلى محكمة الجنح فقضى ببراءة المدعي ابتدائياً واستئنافياً، ثم انتقل المدعي إلى الكلام عن عدم تلاؤمه مع العهد الحاضر، فقال إنه لم يقدم دليل واحد على صدق هذا القول إلا إذا اعتبرت مصاهرته للأستاذ عبد السلام فهمي دليلاً على عدم تلاؤمه مع العهد الجديد، ومجرد قيام هذه الصلة لا يدل بذاته على ذلك، إلا إذا كان ثمة أسباب خاصة قائمة بالمدعي تنم عن عدم تلاؤمه مع هذا العهد، وهو من هذه الأسباب براء. ثم صمم المدعي في ختام مذكرته على طلباته السالف بيانها.
ومن حيث إن رئيس هيئة المفوضين أودع مذكرة تكميلية متضمنة رأيه فيما طلبته الحكومة من طرح موضوع هذه المنازعة بأكمله على المحكمة العليا من جديد لتقول كلمتها فيه، استهلها بذكر الطعن الذي رفعه للمحكمة العليا وأسبابه، ثم أشار إلى أن الأغراض التي توخاها الشارع من إنشاء المحكمة الإدارية العليا هي ذاتها الأغراض التي أوحت بإنشاء محكمة النقض، ولذلك لم يكن غريباً أن يتبنى المشرع - عند بيان الحالات التي تقوم سبباً للطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا - ذات الأسباب الموجبة للطعن أمام محكمة النقض، وهي ترجع في جملتها إلى مخالفة القانون بمعناها الأعم، سواء وقعت المخالفة للقاعدة القانونية التي تحكم النزاع، أو كانت المخالفة لقواعد الإجراءات أو لقاعدة حجية الشيء المحكوم فيه. فالنظامان يرجعان إلى أصل واحد يتحدان في الأساس ويتفقان في الغاية، غير أن قانون مجلس الدولة رسم للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا نظاماً نص عليه في القانون رقم 165 لسنة 1955، كما رأى - لحكمة خاصة - أن يركز حق الطعن في يد رئيس هيئة المفوضين، باعتبار أنه يمثل الحيدة التامة لصالح القانون وحده. على أنه مهما كان الأمر في مدى التطابق أو الاختلاف بين النظامين، فإنه ينبغي ألا يغيب عن البال أنه أياً كان الأساس في قيام المحكمتين أو الغرض من إنشائهما، فإنهما تلتزمان في مباشرة مهمتهما القيود العامة التي يخضع لها القضاة في أداء وظيفتهم، فلا تملك إذاً أية محكمة منهما أن تنظر من تلقاء نفسها في حكم لم يطعن فيه أمامها، ولا تقبل طعناً من غير ذي صفة في الطعن أو بعد فوات ميعاد الطعن، ولا تحكم في غير ما يطلب منها القضاء فيه، وعليها أن ترفض الطعن القائم على سبب غير الأسباب المقررة للطعن. وقد ردد قانون المرافعات هذه المبادئ في المواد 71 و409 و411 و421 منه، ومرد هذه النصوص جميعها إلى أصل واحد. هو أن ولاية المحكمة لا تنعقد إلا في حدود الطلبات المعروضة بالقيود المعروفة في الطلبات العارضة التي تدخل في عموم الطلب الأصلي. ومن أجل ذلك أجاز القانون للخصوم التماس إعادة النظر في الأحكام الصادرة بصفة انتهائية إذا قضى الحكم بشيء لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه؛ ليتدارك القاضي الذي حكم ما وقع فيه من سهو أو غلط، فيرد الحكم إلى وضعه الصحيح في حدود النزاع المطروح فقط، أما إذا عمد القاضي إلى تعدي هذه الحدود - عن علم وبينة - فسبيل الخصم الطعن بطريق النقض؛ إذ الحكم بما يجاوز الطلبات أو إغفال الحكم فيها هما من قبيل مخالفة القانون.
وإذا كان النصوص الخاصة بالطعن بطريق النقض قد خلت من نص مماثل، إلا أنه، تطبيقاً للقاعدة العامة، تنظر محكمة النقض الطعن في حدود النزاع على المسائل القانونية التي تعلق بها حق الطعن، بل إن المادة 429 مرافعات في فقرتها الثانية لم تجز التمسك بسبب من أسباب الطعن غير التي ذكرت في التقرير، إلا إذا كانت من الأسباب المبنية على النظام العام، فأجاز التمسك بها في أي وقت، كما أجازت للمحكمة الأخذ بها من تلقاء نفسها. وتأسيساً على ما تقدم، فإنه من غير الجائز للمحكمة الإدارية العليا أن تتعرض إلا للطلبات المعروضة عليها، فتتقيد بها، دون الطلبات التي لم يطعن في الحكم الصادر فيها من رئيس هيئة المفوضين، أما بالنسبة للأسباب فنظراً إلى أن الروابط التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام تستند في أصلها غالباً إلى نصوص القانون العام، وهي من النصوص المتعلقة بالنظام العام، فإن المحكمة العليا في حل من التقيد بالأسباب الواردة بعريضة الطعن. وعلى ضوء هذا النظر يمكن فهم المبدأ الذي رأته المحكمة العليا في بيان وظيفتها ومدى سلطانها، فهي لا تتقيد بالأسباب الواردة في عريضة الطعن، على أن يكون ذلك في حدود الطلبات المعروضة، إلا إذا كان الطلب الذي لم يشمله الطعن مترتباً على الطلب المعروض بحيث لا يقوم إلا بقيامه، أما إذا تعددت أجزاء الحكم، وكان لكل جزء موضوعه أو سببه المستقلان عن موضوعات الأجزاء الأخرى وأسبابها، وكان الطعن في بعضها دون البعض الآخر، فلا يتناول نظر الطعن في هذه الحالة إلا الجزء المطعون فيه دون الأجزاء الأخرى. وفهم المبدأ الذي رأته المحكمة العليا على خلاف ذلك يؤدي إلى مشاركة المحكمة العليا لرئيس هيئة المفوضين في إضافة طعن جديد على طعنه. وظاهر مما تقدم، في معرض بيان الطعن، أنه ينصب أساساً على القضاء الصادر في طلب الإلغاء دون القضاء الصادر في طلب التعويض، إلا أنه لما كان قبول طالب الإلغاء يستتبع حتماً إعادة النظر في التعويض فقد طلب إعادة النظر في طلب التعويض إذا قبلت المحكمة العليا الطعن في خصوص طلب الإلغاء. وعلى هذا الأساس فقد تناول الطعن ما قضى به في طلب التعويض كنتيجة تبعية لقبول طلب الإلغاء. أما إذا نظر إلى الحكم الصادر في دعوى التعويض استقلالاً، فإن رئيس هيئة المفوضين لا يرى وجهاً للطعن فيه بصفة أصلية؛ لأن لم تقم به - إذا نظر إليه على هذا الوضع - أية حالة من حالات الطعن المنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه، إذا قضى بعدم قبول طلب الإلغاء بالرغم من أنه أقام قضاءه بالتعويض على أن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 لم يطبق في حق المدعي تطبيقاً صحيحاً، قد جاء مخالفاً للقانون، بمقولة إن المادة السابعة من المرسوم بقانون المشار إليه تنص على أنه: "استثناءً من أحكام المادتين 3 و10 من قانون مجلس الدولة لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا القانون"، وإن مفاد ذلك أن منع طلب الإلغاء رهين بأن يكون قرار الفصل صادراً بالتطبيق لأحكام ذلك المرسوم بقانون، أي يكون قد طبق تطبيقاً صحيحاً. ثم عقب رئيس هيئة المفوضين في مذكرته التكميلية على ذلك بأن الطعن ينصب أساساً على القضاء الصادر في طلب الإلغاء دون القضاء الصادر في طلب التعويض، فإذا قبلت المحكمة العليا الطعن في هذا الخصوص أعادت النظر في طلب التعويض، أما إذا نظر إلى دعوى التعويض استقلالاً فإنها لا ترى وجهاً للطعن فيه بصفة أصلية.
ومن حيث إن مؤدى هذا القول أن تتقيد المحكمة في كيفية الحكم بما يرسمه لها الطعن وأن تغل يدها عن أن تزن الحكم بميزان القانون لتتعرف فيم أخطأ وفيما أصاب، دون أن تنزل حكم القانون على الوجه الذي تقتنع به، وهذا قول لا يمكن قبوله؛ إذ الطعن أمام المحكمة العليا - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - يفتح الباب أمامها لتزن الحكم بميزان القانون، ثم تنزل حكمه في المنازعة، غير مقيدة بطلبات هيئة المفوضين أو الأسباب التي تبديها؛ إذ المرد هو إلى مبدأ المشروعية نزولاً على سيادة القانون في روابط هي من روابط القانون العام التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص، كما أنه ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية - في رقابتها للقرارات الإدارية - سلطة قطعية تقصر عنها سلطة المحكمة العليا، والقياس في هذا الشأن على نظام النقض المدني هو قياس مع الفارق؛ ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو الموضوع الذي ستتناوله المحكمة الإدارية العليا عند رقابتها القانونية لأحكام القضاء الإداري.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه رئيس هيئة المفوضين من أن طعنه في الحكم قد اقتصر على شقه الخاص بالإلغاء، وأنه لا يثير المنازعة في شقه الخاص بالتعويض، بمقولة إن الشقين منفصلان ومستقلان أحدهما عن الآخر - لا وجه لذلك؛ لأن مثار هذه المنازعة هي في الواقع من الأمر مشروعية أو عدم مشروعية القرار الإداري الصادر بفصل المدعي، وقد قام الطعن في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بشقيه - إلغاء وتعويضاً - على أن القرار غير مشروع، فهما فرعان يخرجان من أصل واحد ونتيجتان مترتبتان على أساس قانوني واحد. وإذا كان الطعن في القرار بالإلغاء هو طعن فيه بالبطلان بالطريق المباشر، فإن طلب التعويض عنه - على أساس أنه غير مشروع هو طعن فيه بالبطلان بالطريق غير المباشر، ومن هنا يبين مدى ارتباط أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، بحيث إن الحكم في أحدهما يؤثر في نتيجة الحكم في الآخر؛ وآية ذلك أنه إذا بان عند استظهار قرار إداري أنه مطابق للقانون، فرفض طلب إلغائه، فلا يستقيم بعد ذلك قيام الحكم بالتعويض عن هذا القرار إذا كان مؤسساً على أنه مخالف للقانون، والعكس بالعكس، وإلا لكان مؤدى القول بغير ذلك قيام حكمين نهائيين متعارضين، وهو ما لا يجوز، فلا مندوحة من أن يعتبر الطعن في شق من الحكم مثيراً للطعن في شقه الآخر، إذا كان الشقان مرتبطين أحدهما بالآخر ارتباطاً جوهرياً، كما سلف القول، وهذا هو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة.
عن طلب الإلغاء:
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب فيما قضى به من عدم جواز الطعن بالإلغاء نزولاً على حكم المادة السابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، للأسباب التي استند إليها الحكم وتأخذ بها هذه المحكمة، ولا وجه لما يذهب إليه الطعن من أن مناط إعمال تلك المادة أن يكون قرار الفصل قد صدر بالتطبيق لأحكام ذلك المرسوم بقانون أي طبق تطبيقاً صحيحاً - لا وجه لذلك؛ لأنه تأويل غير صحيح لغرض الشارع من عدم جواز الطعن بالإلغاء، ولو أخذ بالتأويل الذي ذهب إليه طعن رئيس هيئة المفوضين وجاز الطعن بإلغاء قرارات الفصل التي لم يطبق فيها هذا المرسوم بقانون تطبيقاً صحيحاً، لصارت كل هذه القرارات هدفاً للطعن، ولاستوت في ذلك مع سائر القرارات الإدارية التي لم يرد في شأنها منع من الطعن، ولكان الحكم بعدم جواز الطعن بالإلغاء مجرد صيغة أخرى من الحكم برفض الدعوى فلا يحكم بعدم جواز الطعن بالإلغاء إلا فيما ترفض فيه الدعوى، وغني عن البيان أن هذا التأويل يخرج عن قصد الشارع كما كشفت عنه المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون سالف الذكر؛ ذلك أن القائمين بالأمر رأوا - وهم بسبيل إقامة الحكم على أسس قوية سليمة - تطهير الأداة الحكومية، بفصل الموظفين غير الصالحين للعمل، ويقصد بهؤلاء في نظره غير القادرين على أداء الوظيفة أو القادرين غير المنتجين أو القادرين المنتجين الذين لا يلائمهم العهد الجديد، وكذلك من تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة. ولما كان الفصل بهذا الطريق - تحقيقاً للغرض الذي استهدفه الشارع - سيصيب طائفة كبيرة من الموظفين في وقت واحد حدد مداه، فكان من الطبيعي ألا يترك أمر الجهاز الحكومي قلقاً غير مستقر، فرأى أن يجعل قرارات الفصل هذه بمنأى عن أي طعن من حيث الإلغاء أو وقف التنفيذ، ما دامت صدرت في ظل هذا المرسوم بقانون في الفترة المحددة لنفاذه، ولو شابها عيب من العيوب التي كانت تجيز طلب الإلغاء تطبيقاً لقانون مجلس الدولة، فنص في المادة السابعة منه على أنه: "استثناء من أحكام المادتين 3 و10 من قانون مجلس الدولة لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا القانون". فأغلق بذلك باب الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ بالنسبة إلى القرارات التي تصدر في ظل هذا المرسوم بقانون واستناداً إليه، لا فرق في ذلك بين من طبق في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه؛ لأن الغرض من هذا المنع - كما سلف القول - هو سد باب المنازعة في العودة إلى خدمة الحكومة عن طريق الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ، استقراراً للدولاب الحكومي. ولكن الشارع في الوقت ذاته لم يمنع سماع طلب التعويض عن هذه القرارات، كما فعل بالنسبة إلى طلب إلغائها أو وقف تنفيذها، فبقيت ولاية القضاء الإداري كاملة بالنسبة لطلب التعويض عن هذه القرارات، شأنها في ذلك شأن القرارات الإدارية الأخرى. فحسب الموظف المفصول - استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - أن ينصف بطريق التعويض إن كان لذلك وجه وكان قرار فصله مخالفاً للقانون.
عن طلب التعويض:
ومن حيث إن القرار الصادر بفصل الموظف استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 يجب - كأي قرار إداري آخر - أن يقوم على سببه المبرر له قانوناً. وقد أفصحت المادة الأولى من هذا المرسوم بقانون عن السبب المسوغ للفصل، وهو أن يكون الموظف غير صالح للعمل أو تعلق به شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة، وأبانت المذكرة الإيضاحية عن الموظف غير الصالح للعمل بأنه هو غير القادر على أداء الوظيفة، أو القادر غير المنتج، أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد.
ومن حيث إنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها، ويفترض في القرار غير المسبب أنه قام على سببه الصحيح، وعلى من يدعي العكس أن يقيم الدليل على ذلك، إلا أنها إذا ذكرت أسباباً له، فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار، وهذه الرقابة القانونية تجد حدها الطبعي في التحقق مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع - على فرض وجودها مادياً - لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب، ووقع مخالفاً للقانون. أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً، فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن الأمور التي نسبتها الحكومة إلى المدعي على أنها السبب المبرر لفصله بالتطبيق للمرسوم بقانون المشار إليه تجمل فيما يأتي: -
1 - أنه ظفر بترقيات استثنائية كان أكثرها خلال السنوات 1942 و1943 و1944 و1950. وهي سنوات حكم فيها حزب سياسي معين يتصل المدعي بأحد أقطابه بصلة المصاهرة كانت سنده في تلك الترقيات وغيرها، وأن من كان هذا شأنه لا يلائمه العهد الجديد.
2 - أنه وقت أن كان قائماً بعمل مدير مستشفى الحميات بالعباسية في سنة 1943 لم يبلغ عن حادث اعتداء أحد التمورجية على أحد المرضى، فوجه الوزير نظره إلى عدم إهمال مثل هذه الحوادث مستقبلاً.
3 - اعتداؤه في سنة 1944 على الأستاذ أحمد كامل قطب المحامي بالاشتراك مع موظفي مستشفى حميات إمبابة وقت أن كان يعالج فيه.
4 - لفت نظره في سنة 1936 للإهمال.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأمر الأول، فإنه يبين من استقرائه من واقع ملفات خدمة المدعي أنه تخرج في كلية الطب في سنة 1931 وعين في يوليه من ذلك العام طبيباً بوزارة الصحة بمكافأة شهرية قدرها 12 ج بعقد لمدة سنة جدد سنوياً، وفي أكتوبر سنة 1934 أوفد في بعثة إلى إنجلترا للتخصص في الإحصائيات الصحية وسير الأمراض الوبائية، ولما عاد من البعثة في يوليه سنة 1935 عين طبيباً بمستشفى حميات العباسية في الدرجة السادسة على وظيفة دائمة، وفي ديسمبر سنة 1935 أعلن مجلس الصحة البحرية والكورنتينات عن مسابقة لشغل خمس وظائف أطباء بالمجلس بمرتب من 40 ج إلى 58 ج شهرياً، فتقدم المدعي ضمن من تقدموا لهذه المسابقة ونجح فيها، وعين بالمجلس المذكور اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1936 في الدرجة الرابعة بمرتب 40 ج، وبعد أن تم تمصير مجلس الصحة البحرية والكورنتينات عاد المدعي إلى وزارة الصحة في 31 من مارس سنة 1942 في وظيفة مفتش صحة مديرية المنيا ورقي إلى الدرجة الثالثة المخصصة لتلك الوظيفة وكان قد قضى في الدرجة الرابعة أكثر من خمس سنوات، وفي 29 من ديسمبر سنة 1942 نقل وكيلاً لمستشفى الحميات بالعباسية، وفي 30 من سبتمبر سنة 1943 عين مديراً لمستشفى حميات إمبابة ورقي إلى الدرجة الثانية بقرار من مجلس الوزراء في 6 من نوفمبر سنة 1943، وبقرار مجلس الوزراء الصادر في 28 من مارس سنة 1944 عدلت أقدميته في الدرجة الثانية إلى 30 من سبتمبر سنة 1943، ولما صدر القانون رقم 148 لسنة 1944 بإلغاء الاستثناءات أعيد المدعي إلى الدرجة الثالثة ثم رقي إلى الدرجة الثانية بعد ذلك في 31 من مارس سنة 1947 وأرجعت أقدميته فيها إلى أول مايو سنة 1946، وفي 8 من مايو سنة 1950 صدر قرار من مجلس الوزراء بالموافقة على بقاء الاستثناءات فأعيدت تسوية حالة المدعي فاعتبر في الدرجة الثالثة من أول أبريل سنة 1942 (تاريخ ترقيته الطبيعية) وفي الدرجة الثانية من 30 من سبتمبر سنة 1943 (تاريخ ترقيته الاستثنائية) ثم في الدرجة الأولى من 30 من سبتمبر سنة 1947 مع صرف الفروق الناشئة عن هذه التسوية اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1944، وفي 3 من ديسمبر سنة 1951 صدر مرسوم بترقية المدعي إلى درجة مدير عام ب. ولما صدر القانون رقم 80 لسنة 1952 المعدل بالقانون رقم 56 لسنة 1952 بإلغاء الاستثناءات أعيدت تسوية حالة المدعي فاعتبر في الدرجة الثالثة في أول أبريل سنة 1942 وفي الدرجة الثانية من 31 من مارس سنة 1946 وفي الدرجة الأولى من 31 من مارس سنة 1950 وفي درجة مدير عام ب في 3 من ديسمبر سنة 1951 مع تحصيل ما سبق صرفه من فروق. وظاهر مما تقدم أن المدعي إنما رقي ترقية استثنائية وحيدة، هي ترقيته إلى الدرجة الثانية في 30 من سبتمبر سنة 1943، وكانت ترقياته الأخرى في حدود القانون، على أن هذه الترقية الاستثنائية الوحيدة قد ألغيت بما ترتب عليها وأعيدت تسوية حالة المدعي مرة أخرى على النحو السابق بيانه، شأنه في ذلك شأن غيره من سائر الموظفين. أما بالنسبة لما أثير من أن المدعي رقي إلى درجة مدير عام ب بديوان عام الوزارة بينما كان هو في الواقع مديراً لمستشفى حميات العباسية وأن السيد الوزير الدكتور إبراهيم شوقي أبى إلا أن يعيد الأمر إلى نصابه فنقل المدعي إلى الوظيفة التي رقي إليها في الديوان العام فاتجه المدعي إلى صهره المرحوم عزيز فهمي الذي سعى سعيه لدى رئيس الوزراء فصدر قرار مجلس الوزراء في 17 من فبراير سنة 1952 بندب المدعي مشرفاً على مستشفى الحميات بإمبابة ومديراً للمستشفى، فإنه يبين من الاطلاع على الأوراق أنه كانت هناك أربع درجات لمديري عام ب خالية بميزانية الديوان العام لوزارة الصحة في السنة المالية 1951/ 1952، قد شغلت جميعها بالمرسوم الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1951 بأطباء من مصالح الوزارة المختلفة، وكان التعيين فيها على الوجه الآتي: يعين الدكتور فريد حلمي وكيل مصلحة الصحة القروية مديراً عاماً ب للإدارة العامة للبحوث الفنية والمشروعات، والدكتور محمد عبس البقلي مدير قسم الرمد مديراً عاماً ب بالديوان العام للقيام بعمل وكيل مصلحة الطب العلاجي، والدكتور علي عبد الواحد مدير مستشفى الحميات بالعباسية مديراً عاماً ب بالديوان العام للقيام بأعمال مدير مستشفى حميات العباسية، والدكتور أحمد الحلواني مدير معهد ومستشفى فؤاد الأول لأمراض المناطق الحارة مديراً عاماً ب بالديوان العام للقيام بأعمال مدير معهد ومستشفى فؤاد الأول لأمراض المناطق الحارة. وعلى أثر الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 6 من ديسمبر سنة 1951 في قضية الدكتور علي حسن الرملي ضد وزارة الصحة "بإلغاء القرارين الصادرين من وزير الصحة أولهما في 16 من مارس سنة 1950 بنقله من وظيفة مدير مستشفى الحميات بالعباسية إلى وظيفة مفتش صحة مديرية الغربية وثانيهما في 30 من أغسطس سنة 1950 بقبول استقالته"، رأت الوزارة لزاماً عليها أن تخلي وظيفة مدير مستشفى حميات العباسية من شاغلها (المدعي) ليعود إليها الدكتور علي حسن الرملي تنفيذاً للحكم سالف الذكر، فأصدر وزير الصحة وقتذاك الدكتور إبراهيم شوقي قراراً في 7 من فبراير سنة 1952 بإلغاء القرار الصادر في 5 من ديسمبر سنة 1951 بتعيين المدعي للقيام بأعمال مدير مستشفى الحميات بالعباسية، فتظلم المدعي من هذا القرار. وفي 16 من فبراير سنة 1952 تقدم الدكتور إبراهيم شوقي وزير الصحة بمذكرة إلى مجلس الوزراء اقترح فيها ندب المدعي للإشراف على أعمال مستشفى حميات إمبابة ومديراً لها "نظراً لأنه قضى مدة طويلة في أعمال الحميات وعلاجها". فوافق المجلس على ذلك في 17 من فبراير سنة 1952. أما عن مسعى المرحوم الأستاذ عزيز فهمي، فقد قدم مذكرة للوزارة في 26 من أبريل سنة 1952، أي بعد صدور قرار مجلس الوزراء بتعيين المدعي مديراً لمستشفى حميات إمبابة لا قبله، وكان ذلك بمناسبة السعي لإقصاء المدعي من الإشراف على أعمال مستشفى الحميات بإمبابة، وهي ظلامة من حق كل موظف أن يقدمها بنفسه أو بوكيل عنه، فكان من أثرها اقتناع الوزير بصحتها، فأخفقت المساعي التي كانت تبذل لإقصاء المدعي من وظيفته الجديدة.
ومن حيث إنه مجرد قيام صلة من القرابة أو المصاهرة بين الموظف وبين آخر ممن كان لهم ضلع بارز في الحياة السياسية في العهد الماضي لا يدل بذاته على أن الموظف غير صالح أو أن العهد الجديد لا يلائمه، إلا إذا كان ثمة أسباب خاصة قامت بالموظف تدل على ذلك، كما لو ثبت أن هذه الصلة استغلت كوسيلة لترقيته ترقيات غير طبيعية، فكان محسوباً في هذا الشأن على هذه الصلة، أو أنها أفسدت عليه عمله أو انحرفت به عن الجادة أو شابته، أما إذا ثبت أنه كان من ذلك براء، فلا يجوز أن تضيره هذه الصلة؛ إذ لا يسأل الإنسان إلا عن عمله، ولا تزر وازرة وزر أخرى. ويبين من العرض السابق أن المدعي لم يشب عمله بسبب هذه الصلة، ولم يظفر بترقيات غير طبيعية على حساب هذه الرابطة، بل كانت ترقياته عادية، وإنما يرجع السبب الحقيقي في أنه سبق أقرانه إلى تفوقه في امتحان المسابقة الذي أعلن عنه مجلس الصحة البحرية والكورنتينات في سنة 1935 لخمس وظائف بمرتب 40 - 58 ج، فعين في إحداها اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1936 في الدرجة الرابعة بمرتب 40 ج، وكان لحصوله على هذه الدرجة أثره الطبعي في تحديد وترتيب أقدميته بين أقرانه عند تمصير مجلس الصحة والكورنتينات بعد ذلك، ولكن ظاهر أن هذا الوضع هو نتيجة لكفايته الذاتية وبخاصة في امتحان عام أعلن عنه وتقدم له الجميع.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأمر الثاني، وهو عدم تبليغ المدعي عن ضرب أحد التمورجية لأحد المرضى، فإنه يبين من الأوراق أنه في 7 من سبتمبر سنة 1943 اعتدى كامل عبد المجيد التمورجي بمستشفى حميات العباسية على أحد المرضى، وقد عمل تحقيق في هذا الموضوع، وقد قرر الوزير توجيه نظر المدعي بخطاب سري للامتناع عن إهمال مثل هذه الحوادث مستقبلاً، فأرسل مفتش صحة مدينة القاهرة إلى مدير مصلحة الصحة الوقائية خطاباً في 9 من يناير سنة 1944 بمضمون ما تقدم لإجراء اللازم، فأشر عليه مدير الصحة الوقائية بانتظار عودة المدعي من البعثة، فلما أن عاد المدعي من البعثة واطلع على الخطاب المشار إليه أرسل في 18 من مارس سنة 1944 كتاباً إلى مدير الصحة الوقائية يذكر فيه أنه ما إن علم بحادث الاعتداء على المريض شحاته أحمد حتى كلف الدكتور حسين سامي بالتحقيق فوراً، وأبلغ البوليس والنيابة كما أخبر التفتيش تليفونياً بالموضوع انتظاراً لنتيجة التحقيقات الجارية ليرفع الأمر كله، وأن ذلك كان قبل نقله لمستشفى الجيزة بثلاثة أيام، وأنه أخطر مدير المستشفى بالحادث عقب عودته من الإجازة مباشرة، وبذلك يكون قد أدى واجبه كاملاً، وقد طلب إعادة عرض الأمر على الوزير، وبعد أن أعيد عرضه عليه انتهى إلى حفظه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأمر - الثالث وهو حادث الاعتداء على الأستاذ أحمد كامل قطب المحامي - فإنه يتحصل في أنه في 7 من مارس سنة 1944 دخل الأستاذ أحمد كامل قطب وطفله الرضيع مستشفى حميات إمبابة ليعالجا من إصابتهما بمرض الجدري، وقد توفى الطفل بعد يومين من دخوله المستشفى. وفي 16 من مارس سنة 1944 لاحظ المدعي - وهو يمر بأقسام المستشفى - أن الأستاذ قطب يتمشى في فناء المستشفى، وأن رئيسة الممرضات تأمره بدخول غرفته، فتوجه إليهما وطلب إلى المريض أن يلزم غرفته ولا يبرحها منعاً من انتشار العدوى، فرفض المريض ذلك، فأمر المدعي ممرضي المستشفى بإدخاله عنوة فأدخلوه، ولاحظ المدعي أن هذا المريض في حالة عصبية ظاهرة، فطلب أحد أطباء مستشفى الأمراض العقلية للكشف عليه، وقد حضر الطبيب فعلاً وفحص الأستاذ قطب وكتب نتيجة الفحص على تذكرته وقرر له العلاج المناسب. وقد نسب الأستاذ قطب إلى المدعي أنه، أولاً: حرض ممرضي المستشفى على ضربه، وثانياً: ارتكب تزويراً في أوراق رسمية،؛ بأن أخفى تذكرتي علاجه للعبث بهما وحرر تذكرتين أخريين أثبت فيهما أنه - أي الأستاذ قطب - كان في حالة هذيان ليبرر بذلك دعوته لطبيب الأمراض العقلية. وقد باشرت النيابة التحقيق في هذا الموضوع، وانتهت إلى طلب النظر في أمر المدعي إدارياً، أما بالنسبة لباقي الموظفين فقد طلبت النيابة قبل التصرف في القضية معرفة الجزاء الذي سيوقع عليهم. وفي 3 من يونيه سنة 1944 أرسل الدكتور عبد الواحد الوكيل وزير الصحة وقتذاك كتاباً إلى وزير العدل يذكر فيه أنه "كان قد طلب من النيابة أن تترك إليه النظر إدارياً في الموضوع بأكمله، إلا أن النيابة لم توافق على ترك النظر إليه إلا بالنسبة للمدعي باعتباره من كبار موظفي الوزارة، أما باقي الموظفين فإن النيابة لن تتصرف في القضية قبل معرفة الجزاء الذي سيوقع عليهم"، ثم استطرد الوزير في خطابه قائلاً: "ولما كنا لا نوافق على معاملة صغار الموظفين بغير معاملة كبارهم ولا نرى فرقاً أمام القانون بين الدكتور علي عبد الواحد مدير المستشفى ومحمد طراد الممرض مثلاً، لذلك رأينا أن نطرح أمام معاليكم الأمر بصفة شخصية لكي تتفضلوا بإبداء رأيكم الكريم فيما يجب اتخاذه"، وانتهى الموضوع بتقديم المدعي وآخرين إلى محكمة الجنح بتهمة ضرب الأستاذ قطب، وترك الأمر للوزارة - فيما يتعلق بالتهمة الثانية - للنظر إدارياً في أمر المدعي وأحد الأطباء. وقد حكم ابتدائياً في الدعوى الجنائية ببراءة المدعي ورفض الدعوى المدنية المرفوعة من الأستاذ قطب ضده، وتأيد الحكم استئنافياً في 30 من أبريل سنة 1947. وقد أجرت الوزارة بالنسبة لتهمة العبث بأوراق المستشفى تحقيقات عدة انتهت منها إلى عدم ثبوت ما يؤاخذ عليه المدعي، كما أن يقال بأنه عبث قد أثبته الطبيب المعالج بنفسه، وأن طبيب الأمراض العقلية قد وجد الأستاذ قطب في حالة عصبية فعلاً. من أجل ذلك - وعلى ضوء ما حكم به في الدعوى الجنائية - رأت الوزارة في يوليه سنة 1947 - لا في سنة 1944 - حفظ الموضوع.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأمر الرابع - وهو لفت نظر المدعي في سنة 1936 - فإنه يبين من الأوراق أنه في 9 من فبراير سنة 1936 ضبط أحد الطهاة بمستشفى الحميات بالمنصورة محتجزاً كمية من اللبن وأخرى من العدس، وكان المدعي طبيب المستشفى وقتذاك، وقد أجرى تحقيق في هذا الموضوع انتهى بفصل الطاهي ومجازاة إحدى الممرضات بخصم خمسة أيام من مرتبها، ورأت الوزارة بالنسبة للمدعي "أنه لم يراقب العمل داخل المستشفى المراقبة الواجبة ونظراً إلى أنه حديث العمل بالمستشفى فقد اكتفى بالتنبيه عليه لملاحظة ذلك مستقبلاً".
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الأمور الثلاثة الأولى المنسوبة إلى المدعي غير صحيحة، وأن مسئوليته في الأمر الرابع كانت بسيطة ووقعت في مستهل حياته الوظيفية، ولذا اكتفى وقتذاك بالتنبيه عليه لملاحظة ذلك مستقبلاً. وليس من شك في أن هذا الأمر وحده لا يمكن أن يستخلص منه استخلاصاً سائغاً عدم صلاحية المدعي للعمل كسبب يبرر فصله على مقتضى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 في ضوء مذكرته الإيضاحية؛ إذ الموظف غير الصالح في مفهمومها هو غير القادر على أداء الوظيفة، أو القادر غير المنتج، أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد، أو الذي تعلق به شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة - والأمر المذكور لا يمكن أن ينتج معنى من هذه المعاني.
ومن حيث إنه بعد إذ ظهر مما سبق بيانه أن المدعي لم يقم به سبب من الأسباب التي نصت عليها المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 كمبرر للفصل فإن الحكم المطعون - إذ قضى بتعويض المدعي عن هذا الفصل - يكون قد جاء صحيحاً مطابقاً للقانون.
ومن حيث إن مذكرات المدعي قد تضمنت عبارات جارحة حصرها الدفاع عن الحكومة في الطلب الكتابي المقدم منه بجلسة 21 من يناير سنة 1956، ولذا تأمر المحكمة بمحوها طبقاً للمادة 127 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وأمرت بمحو العبارات الجارحة التي تضمنتها مذكرات المدعي والمنوه عنها بأسباب هذا الحكم.