أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
السنة الثامنة والعشرون – صـ 888

جلسة 30 من أكتوبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: يعيش محمد رشدي, وأحمد طاهر خليل, ومحمد علي بليغ. ومحمد حلمي راغب.

(184)
الطعن رقم 604 لسنة 47 القضائية

(1 – 4) قتل خطأ. نقض. "التقرير بالطعن" "الحكم في الطعن". إثبات. "بوجه عام". "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
(1) وجوب التقرير بالطعن عند العلم بالحكم المطعون فيه. فور زوال المانع من التقرير في الميعاد.
(2) تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى. موضوعي.
المحكمة هي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تشق طريقها فيه بنفسها.
(3) إغفال الحكم دفاعاً قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى. قصور وإخلال بحق الدفاع. تمسك الطاعن باحتمال فساد حقنة البنسلين التي سببت الوفاة لعيب في تصنيعها أو لسوء حفظها, إغفاله. إخلال بحق الدفاع وقصور لا يغني عنه تساند الحكم إلى أدلة أخرى.
(4) نقض الحكم بالنسبة للمتهم يقتضي نقضه بالنسبة للمسئول عن الحقوق المدنية. أساس ذلك؟
1 - لما كان الطاعن بعد أن علم بالحكم المطعون فيه قد قام به العذر المانع دون التقرير بالطعن فيه في الميعاد القانوني ثم بادر فور زواله إلى الطعن فيه وتقديم أسبابه موقعاً عليها من محام مقبول أمام محكمة النقض فإن الطعن يكون مقبولاً شكلاً.
2 - متى كان يبين من الاطلاع على مدونات الحكم الابتدائي الذي اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه أنه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن المجني عليه قد توفى على أثر تعاطيه حقنة تحتوي على مادة البنسلين كان الطاعن – وهو طبيب الإدارة الصحية للشركة التي يعمل بها المجني عليه – قد قرر علاجه بها, وبعد أن أورد الحكم مضمون الأدلة التي أقام عليها قضاءه ودفاع الطاعن خلص إلى عدة تقريرات تساند إليها في إدانته للطاعن من بينها قوله "أن ما ذهب إليه الطبيب المتهم وأيدته فيه الممرضة التي تعمل تحت رئاسته من أن الحقنة التي توفى المجني عليه من أجلها على أثرها هي الحقنة الثانية من بين الحقن الثلاث التي وصفها له لا يقبل عقلاً ولا يمكن التسليم به لأنه طالما كان من المقطوع به ببساطة أن المجني عليه المذكور مصاب بحساسية ضد مثل هذا العقار فإنه لا يتصور تعاطيه له لأول مرة دون أن يعترض من جراء ذلك لأية مضاعفات على نحو ما ادعاه الطبيب المتهم ثم ملاقاته الموت فور تعاطيه له للمرة الثانية أو بعد ذلك بفترة وجيزة أقصاها عشرة دقائق رغم كل محاولات إسعافه" – لما كان ذلك, وكان ما أورده الحكم في هذا الشأن يتعارض مع ما نقله عن تقرير الطبيب الشرعي من أن الحساسية التي تنتج عن مادة البنسلين قد تحدث ولو كان قد تكرر الحقن بها لفترات طويلة سابقة, وأنه وإن كان الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المعروضة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها إلا أنه من المقرر أنه متى تعرضت المحكمة لرأي الخبير في مسألة فنية بحتة فإنه يتعين عليها أن تستند في تغييره إلى أسباب فنية تحمله وهي لا تستطيع في ذلك أن تحل محل الخبير فيها, لما كان ذلك, فإن ما قال به الحكم على خلاف ما ورد بتقرير الطبيب الشرعي مجرداً من سنده في ذلك لا يكفي بذاته لإهدار هذا التقرير وما حواه من أسانيد فنية وكان خليقاً بالمحكمة وقد داخلها الشك في صحة هذا الرأي أن تستجلى الأمر عن طريق المختص فنياً أما وهي لم تفعل فإن حكمها – فضلاً عن فساده في الاستدلال – يكون معيباً بالقصور.
3 - إغفال الحكم تحقيق ما دفع به الطاعن من احتمال فساد الحقنة التي أعطيت للمجني عليه لعيب في تصنيعها أو لسوء في حفظها أو الرد على هذا الدفاع من واقع دليل فني يعيبه لأنه – في خصوص الدعوى المطروحة – دفاع جوهري من شأنه – لو صح أن يتغير به وجه الرأي فيها. ولا يغني عن ذلك كله ما ذكره الحكم من أدلة أخرى, إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة.
4 - لما كان نقض الحكم بالنسبة إلى المتهم يقتضي نقضه بالنسبة إلى المسئول عن الحقوق المدنية لقيام مسئوليته عن التعويض على ثبوت الواقعة ذاتها التي دين بها الطاعن فإنه يتعين نقض الحكم بالنسبة إليهما معاً, وإلزام المطعون ضدهم "المدعين بالحقوق المدنية المصروفات المدنية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه تسبب خطأ في موت......... وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه ومخالفته الاحتياط وحسن التقدير العام بعدم مراعاته للأصول الطبية الواجبة الإتباع وإخلاله إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول مهنته بأن أغفل اتخاذ الحيطة الواجبة بإجراء اختبار حساسية المجني عليه لعقار البنسلين قبل الحقن به الأمر الذي نتج عنه وفاة المجني عليه نتيجة هبوط حاد بالقلب والتنفس من صدمة استهدافية شديدة إثر تعاطيه حقنة بنسلين على النحو المبين بالتحقيقات. وطلبت معاقبته بالمادة 238/1 من قانون العقوبات. وادعى ورثة المجني عليه مدنياً قبل المتهم ورئيس مجلس إدارة شركة......... بصفته مسئولاً عن الحقوق المدنية بمبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح الأزبكية الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل والإيقاف وألزمته والمسئول عن الحقوق المدنية بأن يؤديا لورثة المجني عليه مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات. فاستأنف المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية, ومحكمة القاهرة الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضوريا بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع (أولاً) بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة للدعوى الجنائية والاكتفاء بتغريم المتهم مائتي جنيه. (ثانياً) بتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الحكم المطعون فيه وإن كان قد صدر بتاريخ 30 من نوفمبر سنة 1975 في حضور الطاعن إلا أنه لم يقرر بالطعن فيه بطريق النقض ويودع أسبابه إلا بتاريخ 20 من يناير سنة 1976 متجاوزاً الميعاد المنصوص عليه بالمادة 34 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، ولما كان الطاعن قد أوضح في أسباب طعنه أن عذراً قهرياً هو المرض حال بينه وبين التقرير بالطعن في الميعاد القانوني وتقدم بشهادة طبية مؤرخة 20 من يناير سنة 1976 صادرة من إحدى مستشفيات المؤسسة العلاجية تتضمن إصابته في الفترة من 20 من ديسمبر سنة 1975 إلى 20 من يناير سنة 1976 بنوبة ذبحة قلبية وكان تحت العلاج طوال هذه الفترة مما يؤيد دفاع الطاعن من أنه كان مريضاً في تاريخ انتهاء المدة المقررة للطعن بالنقض وأنه فور زوال المرض بادر إلى التقرير بالطعن باعتبار أن هذا الإجراء لا يعدو أن يكون عملاً مادياً يتعين القيام به إثر زوال المانع، لما كان ذلك وكان الطاعن بعد أن علم بالحكم المطعون فيه قد قام به العذر المانع دون التقرير بالطعن فيه في الميعاد القانوني ثم بادر فور زواله إلى الطعن فيه وتقديم أسبابه موقعاً عليها من محام مقبول أمام محكمة النقض فإن الطعن يكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل خطأ قد شابه قصور في التسبيب وانطوى على فساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم عول في قضائه على أن وفاة المجني عليه نشأت عن تعاطيه الحقنة الأولى من عقار البنسلين الذي قرر الطاعن علاجه به ونفى إمكان حدوث الوفاة من تعاطي الحقنة الثانية مخالفاً بذلك ما استقرت عليه الآراء الطبية في هذا الشأن وما انتهى إليه كبير الأطباء الشرعيين من أنه من الجائز حصول الحساسية دون سابق حقن بالبنسلين أو رغم تكرار ذلك الحقن، كما أن الحكم أغفل تحقيق دفاع الطاعن من جواز وجود عيب في تصنيع الحقنة أو في طريقة حفظها مما أدى إلى تلفها وبالتالي إلى النتيجة التي نشأت عن استعمالها كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على مدونات الحكم الابتدائي الذي اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه أنه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن المجني عليه قد توفي على أثر تعاطيه حقنة تحتوي على مادة البنسلين كان الطاعن – وهو طبيب الإدارة الصحية للشركة التي يعمل بها المجني عليه قد قرر علاجه بها، وبعد أن أورد الحكم مضمون الأدلة التي أقام عليها قضاءه ودفاع الطاعن خلص إلى عدة تقريرات تساند إليها في إدانته للطاعن من بينها قوله "إن ما ذهب إليه الطبيب المتهم وأيدته فيه الممرضة التي تعمل تحت رئاسته من أن الحقنة التي توفى المجني عليه على أثرها هي الحقنة الثانية من بين الحقن الثلاثة التي وصفها له لا يقبل عقلاً ولا يمكن التسليم به لأنه طالما كان المقطوع به ببساطة أن المجني عليه المذكور مصاب بحساسية ضد مثل هذا العقار فإنه لا يتصور تعاطيه له لأول مرة دون أن يتعرض من جراء ذلك لأية مضاعفات على نحو ما ادعاه الطبيب المتهم ثم ملاقاته الموت فور تعاطيه له في المرة الثانية أو بعد ذلك بفترة وجيزة أقصاها عشر دقائق رغم كل محاولات إسعافه" – لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في هذا الشأن يتعارض مع ما نقله عن تقرير الطبيب الشرعي من أن الحساسية التي تنتج عن مادة البنسلين قد تحدث ولو كان قد تكرر الحقن بها لفترات طويلة سابقة, وأنه وإن كان الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المعروضة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها إلا أنه من المقرر أنه متى تعرضت المحكمة لرأي الخبير في مسألة فنية بحتة فإنه يتعين عليها أن تستند في تفسيره إلى أسباب فنية تحمله وهي لا تستطيع في ذلك أن تحل محل الخبير فيها, لما كان ذلك, فإن ما قال به الحكم على خلاف ما ورد بتقرير الطبيب الشرعي مجرداً من سنده في ذلك لا يكفي بذاته لإهدار هذا التقرير وما حواه من أسانيد فنية وكان خليقاً بالمحكمة وقد داخلها الشك في صحة هذا الرأي أن تستجلى الأمر عن طريق المختص فنياً أما وهي لم تفعل فإن حكمها – فضلاً عن فساده في الاستدلال – يكون معيباً بالقصور. هذا بالإضافة إلى ما تعيب به الحكم من إغفال تحقيق ما دفع به الطاعن من احتمال فساد الحقنة التي أعطيت للمجني عليه لعيب في تصنيعها أو لسوء في حفظها أو الرد على هذا الدفاع من واقع دليل فني،لأنه - في خصوص الدعوى المطروحة – دفاع جوهري من شأنه – لو صح أن يتغير به وجه الرأي فيها. ولا يغني عن ذلك كله ما ذكره الحكم من أدلة أخرى, إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن. ولما كان نقض الحكم بالنسبة إلى المتهم يقتضي نقضه بالنسبة إلى المسئول عن الحقوق المدنية لقيام مسئوليته عن التعويض على ثبوت الواقعة ذاتها التي دين بها الطاعن فإنه يتعين نقض الحكم بالنسبة إليهما معاً, وإلزام المطعون ضدهم "المدعين بالحقوق المدنية المصروفات المدنية.