أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 683

جلسة 10 من مايو سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين حسن عزام، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، وأنور أحمد خلف، ومحمود كامل عطيفة، والدكتور محمد محمد حسنين.

(161)
الطعن رقم 447 لسنة 40 القضائية

(أ، ب) إثبات. "إثبات بوجه عام". "قرائن". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". تبديد. خيانة أمانة.
( أ ) لمحكمة الموضوع أن تستنبط من الواقع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها. شرط ذلك؟
(ب) وجوب بناء الحكم الصادر بالإدانة على حجج قطعية الثبوت تفيد الجزم واليقين. مثال في جريمة تبديد.
1 - من المقرر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تستنبط من الواقع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها إلا أن شرط ذلك أن يكون هذا الاستنباط سائغاً تؤدي إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال فيها، وأن يكون دليلها فيما انتهت إليه قائماً في أوراق الدعوى.
2 - يجب ألا يبنى الحكم الصادر بالإدانة إلا على حجج قطعية الثبوت تفيد الجزم واليقين. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استدل على عدم صحة إيصال الأمانة وتزويره على المتهمة من عجز المدعي المدني الطاعن عن بيان مصدر النقود الذهبية موضوع الإيصال المذكور وعدم مبادرته بإبلاغ الشرطة والنيابة بحصول الاختلاس وعدم تعليله ما يدعو المتهمة وولديها إلى اقتراف الجريمة بعد أن كانت تربطه بهم علاقات طيبة وكانت لهم أياد بيضاء عليه في تربيته وتنشئته وترسيخ قدمه في ميدان الأعمال، ومن عدم تصور أن تقبل المتهمة وابنها الوديعة مع ما قد يترتب عليها من مسئولية ضياعها أو سرقتها، وكانت هذه القرائن جميعها لا تصلح بذاتها أساساً يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم، فإنه يكون استدلالاً فاسداً وتدليلاً غير سائغ لا تسانده الماديات الثابتة في الدعوى ولا يحمل قضاء الحكم بما يعيبه ويوجب نقضه والإحالة.


الوقائع

أقام المدعي بالحق المدني (الطاعن) هذه الدعوى بالطريق المباشر أمام محكمة جنح مصر الجديدة الجزئية ضد (.......) بوصف أنها في يوم أول أغسطس سنة 1964 بدائرة قسم مصر الجديدة: اختلست مبلغ 1500 ج ذهباً مبين الأوصاف بصحيفة الجنحة المباشرة وكان قد سلم إليها على سبيل الوديعة فاختلسته لنفسها إضراراً به. وطلب عقابها بالمادة 341 من قانون العقوبات مع إلزامها بأن تدفع له مبلغ 30000 ج على سبيل التعويض وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بغير كفالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بتزوير إيصال استلام الوديعة المؤرخ أول أغسطس سنة 1964 وبإلغائه وبراءة المتهمة من التهمة المسندة إليها ورفض الدعوى المدنية وإلزام المدعي بالحق المدني المصاريف ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المدعي بالحق المدني هذا الحكم، كما استأنفته النيابة العامة. وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - توفيت المتهمة وقضى بانقضاء الدعوى الجنائية بوفاتها. فقام المدعي بالحق المدني بإدخال كل من......... (المطعون ضدهما) خصمين في الدعوى المدنية ليسمعا الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا إليه مبلغ 20000 ج على سبيل التعويض مع إلزامهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل بغير كفالة. وقضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف المصروفات المدنية الاستئنافية وخمسمائة قرش أتعاباً للمحاماة. فطعن المدعي بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتزوير السند موضوع الدعوى وبرفض الدعوى المدنية، قد شابه فساد في الاستدلال وخالف الثابت في الأوراق ذلك بأنه أقام قضاءه على افتراضات لا سند لها في الأوراق ونأى بوقائع الدعوى عما أورده الخصوم أنفسهم إذ على الرغم من أن مبنى الطعن بالتزوير أن توقيع السيدة......... (مورثة المطعون ضدهما) هو توقيع مزور عليها بطريق التقليد، ومع أن الخبير قد انتهى في تقريره إلى أن التوقيع المنسوب لها على السند هو توقيع صحيح وصادر من يد صاحبته، فقد جارى الحكم الخبير في تجاوزه المهمة التي نيطت به عندما تزيد بقوله إن توقيع تلك السيدة وتوقيع ابنها الشاهد على الإيصال المطعون فيه قد حصل عليهما المدعي (الطاعن) على بياض وبطريق المباغتة وهو ما لم يقل به أي منهما مما يعتبر تغييراً وتحويراً ومسخاً للوقائع. كما استدل الحكم على عدم صحة دعوى الطاعن بشواهد غير مؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها ولا ترتد إلى أصول ثابتة في الأوراق.
وحيث إن الحكم الابتدائي - المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه - بين واقعة الدعوى بما مجمله أن المدعي المدني (الطاعن) أقام دعواه بطريق الادعاء المباشر ضد السيدة......... (مورثة المطعون ضدهما). وقال شرحاً لها إنه أودع لديها مبلغ ألف وخمسمائة جنيه إنجليزي بمقتضى إيصال مؤرخ أول أغسطس سنة 1964، ولما أن طالبها برد الوديعة تجاهلت طلبه وامتنعت عن ردها مما اضطره إلى إقامة دعواه بعريضة معلنة في أول يونيه سنة 1965 وأنه بتاريخ 2 ديسمبر سنة 1965 طعنت المدعى عليها بتزوير الإيصال وقالت في أسباب طعنها أن الإيصال لم يكتب بخطها لا صلباً ولا توقيعاً، وأن التوقيع مزور عليها بطريق التقليد وأن التوقيع المنسوب إلى ابنها الأستاذ....... (المطعون ضده الأول) على الإيصال تحت لفظة "الشاهد" غير صحيح وقد ندب خبير قسم أبحاث التزييف والتزوير لإجراء المضاهاة وانتهى في تقريره إلى أن التوقيع المنسوب إلى المدعى عليها توقيع صحيح وصادر من يد صاحبته إلا أن هناك احتمالاً كبيراً في أن يكون هذا التوقيع والتوقيع المنسوب إلى الشاهد قد كتبا على بياض وأن عبارات صلب الإيصال والتاريخ ولفظتي المستلمة والشاهد قد حررت في وقت لاحق لوجود التوقيعين في مكانهما الحالي... وبعد أن أورد الحكم المطعون فيه مضمون دفاع طرفي الخصوم والمستندات المقدمة منهما، برر قضاءه بتزوير الإيصال وبرفض الدعوى المدنية بقوله: (أولاً) أنه غير معقول أيضاً وغير مقبول والعلاقة قد ساءت جداً بين المدعي بالحق المدني وبين المرحومة "السيدة......... ونجلها......... أن يتسلما منه هذه الوديعة الضخمة بفرض نفيهما لمسئولية ضياعها أو سرقتها أو لمسئولية الاشتراك في تهريبها (ثانياً) أن المدعي مدنياً يقرر أن علاقته بالمدعى عليها مدنياً المرحومة السيدة...... وابنها....... وقت تحرير السند كانت طيبة للغاية ولم ينكر أن لهما أياد بيضاء عليه في تربيته وتنشئته وترسيخ قدمه في ميدان الأعمال ولكنه لم يبرر سبب قلبهما له ظهر المجن وقيامهما بخيانة الأمانة فضلاً عن أنه لو كانت الثقة كما يقرر لما حرر إيصال الوديعة أصلاً. (ثالثاً) لم يبين المدعي بالحق المدني ولم يشر إلى مصدر هذه الجنيهات الذهبية 1500 ج وكيف حصل عليها. (رابعاً) أن مظهر الورقة واختلاف المداد الذي وقع به.......... عن المداد الذي وقعت به المرحومة....... وكل ما أشار إليه تقرير الخبير المنتدب الذي سرده الحكم المستأنف يشير إلى أن توقيعهما قد أخذ على بياض والمحكمة تطمئن في هذا الشأن كامل الاطمئنان إلى هذا التقرير طارحة التقرير الاستشاري. (خامساً) لم يعلل المدعي بالحق المدني تعليلاً مقبولاً سبب عدم إبلاغه الشرطة أو النيابة بواقعة الاختلاس حتى يمكن الإسراع في التحقيق وضبط النقود المختلسة إن كان ما يدعيه صحيحاً. (سادساً) يقرر المدعي بالحق المدني أنه حرر إيصال الوديعة وسلمها للسيدة..... تحت ظروف قاهرة اضطرارية - إذ أنه كان قد وضع تحت الحراسة في 11/ 8/ 1963 - أي قبل تحرير الإيصال بحوالي سنة كاملة - وأنه استدعى للتحقيق 20/ 7/ 1964 - أي قبل تحرير الإيصال بعشرة أيام". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تستنبط من الواقع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها إلا أن شرط ذلك أن يكون هذا الاستنباط سائغاً تؤدي إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال فيها، وأن يكون دليلها فيما انتهت إليه قائماً في أوراق الدعوى. ولما كان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة أن النزاع بين الطاعن ومورثة المطعون ضدهما - وهو ما أتخذ الحكم من قيامه ركيزة لقضائه - قد تمثل في الدعاوى المدنية التي تبادلا رفعها وأن هذه الدعاوى جميعها قد أقيمت بعد تاريخ تحرير إيصال الوديعة عدا دعوى القسمة رقم 268 سنة 1964 كلي الزقازيق التي أقامها الطاعن ضد المطعون ضدهما وآخرين بصحة ونفاذ عقد القسمة المؤرخ 3 يناير سنة 1963 والتي تبين من الاطلاع على أوراقها أن المنازعة الحقيقية فيها كانت قائمة بين الطاعن وأحد المدعى عليهم ممن لا يمت بصلة إلى المطعون ضدهما أو مورثتهما، فإن الحكم المطعون فيه إذ استخلص من وجود تلك المنازعات وما خلفته من علاقات سيئة بينهما عدم معقولية حصول الوديعة فإنه يكون قد استند إلى أساس لا تنبئ به المستندات المقدمة في الدعوى ولا تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الثابت مما أورده الحكم الابتدائي - الذي اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه - أن الخبير المعين في الدعوى قد انتهى في تقريره إلى أن توقيع مورثة المطعون ضدهما على إيصال الوديعة هو توقيع صحيح صادر من يد صاحبته للأسباب الفنية التي أوردها غير أنه أضاف في ذلك التقرير أن هناك احتمالاً كبيراً في أن يكون توقيع المستلمة وتوقيع الشاهد قد كتبا على بياض وأن صلب الإيصال قد حرر في تاريخ لاحق لتاريخ كتابة هذين التوقيعين - وهو ما لم يقل به أحدهما - فإن هذا الذي أضافه الخبير لا يعدو أن يكون مجرد رأي له يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان، والدليل المستمد منه يكون دليلاً ظنياً مبنياً على مجرد الاحتمال لا يصلح بذاته أساساً صالحاً لإقامة الحكم عليه، ذلك أن الحكم الصادر بالإدانة - وهو ما انطوى عليه الحكم المطعون عليه الحكم المطعون فيه بقضائه قطعياً بتزوير الطاعن للإيصال - يجب ألا ينبني إلا على حجج قطعية الثبوت تفيد الجزم واليقين. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استدل على عدم صحة الإيصال وتزويره على المدعى عليها من عجز الطاعن عن بيان مصدر النقود الذهبية وعدم مبادرته بإبلاغ الشرطة والنيابة بحصول الاختلاس وعدم تعليله ما يدعو المدعى عليها وولديها إلى اقتراف الجريمة بعد أن كانت تربطه بهم علاقات طيبة وكانت لهم أياد بيضاء عليه في تربيته وتنشئته وترسيخ قدمه في ميدان الأعمال ومن عدم تصور أن تقبل المدعى عليها وابنها الوديعة مع ما قد يترتب عليها من مسئولية ضياعها أو سرقتها، وكانت هذه القرائن جميعها لا تصلح بذاتها أساساً يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم، فإنه يكون استدلالاً فاسداً وتدليلاً غير سائغ لا تسانده الماديات الثابتة في الدعوى ولا يحمل قضاء الحكم بما يعيبه ويوجب نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن، مع إلزام المطعون ضدهما المصاريف المدنية.