مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثاني (من فبراير سنة 1956 إلى آخر مايو سنة 1956) - صـ 585

(68)
جلسة 17 من مارس سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 9 لسنة 2 القضائية

( أ ) عمدة - انتخابه - عند إعادة دعوة الناخبين، يكون الاعتداد في تقدير الأغلبية بأصواف الحاضرين فقط متى وقعت صحيحة - دليل ذلك.
(ب) عمدة - انتخابه - طريقة احتساب الأغلبية عند ازدواج المرشحين وعند تعددهم.
(ج) عمدة - انتخابه - السلطة التقديرية للجنة الشياخات ولوزير الداخلية في العدول عن اختيار حائز الأغلبية - حدودها.
(د) عمدة - انتخابه - سلطة لجنة الشياخات في إبطال أصوات الناخبين - حدودها - رقابة وزير الداخلية على تصرفها في هذا الشأن - رقابة القضاء الإداري لقرار الوزير.
(هـ) عمدة - انتخابه - حرص المشرع على سلامة الانتخاب - بعض الضوابط التي رسمها لضمان ذلك - توقيع الناخب على ورقة الانتخاب مبطل لصوته.
(و) عمدة - انتخابه - لا ضرورة لأن يذكر الناخب في ورقة الانتخاب اسم من ينتخبه بالكامل - يكفي أن ذكر من الاسم ما يؤدي لتعيين شخصه على وجه يقيني لا يحتمل الانصراف لسواه.
1 - يبين من سياق المادة العاشرة من قانون العمد والمشايخ رقم 141 لسنة 1947، أنها تنص في فقراتها الثلاث الأولى على أن "تدعو لجنة الشياخات عند النظر في تعيين العمدة للحضور أمامها الأشخاص الذين لهم الحق في اختياره، فإذا زاد عدد هؤلاء الأشخاص على مائة جاز لها الانتقال إلى القرية. ويشترط حضور الأغلبية المطلقة للناخبين، فإذا لم تتوافر أجل الانتخاب إلى جلسة أخرى يعاد فيها إعلان الناخبين، ويكون صحيحاً مهما كان عدد الحاضرين. وتعين اللجنة العمدة الذي يكون حائزاً أغلبية أصوات الحاضرين....."، وظاهر من سياق هذه المادة أنها تقضي بدعوة الأشخاص الذين لهم الحق في اختيار العمدة - وهم جمهور الناخبين الذين نصت عليهم المادة السابعة من القانون المذكور - للحضور أمام لجنة الشياخات، ولا يجري الانتخاب إلا إذا حضرت الأغلبية المطلقة لهؤلاء الناخبين، فإذا لم تتوافر هذه الأغلبية أجل الانتخاب إلى جلسة أخرى وأعيد إعلان الناخبين لهذه الجلسة، وعندئذ لا ينظر إلى عدد الناخبين، ولا يتطلب حضور أغلبية معينة منهم، بل يجري الانتخاب ويقع صحيحاً أياً كان عدد الحاضرين. وبدهي أن يكون الاعتداد في تقدير الأغلبية عند إعادة الدعوة لا بمجموع الناخبين - من حضر منهم ومن تخلف - بل بأصوات الحاضرين فقط من هؤلاء الناخبين، وإنما عني الشارع بالتحدث عن الحاضرين ليميز بينهم وبين الناخبين، تأكيداً لاستبعاد المتخلفين عن الحضور. أما الأصوات المعدودة في حساب الأغلبية فهي تلك التي يدلي بها الحاضرون من الناخبين متى وقعت صحيحة؛ إذا نصت المادة 27 من القرار الوزاري الصادر في 26 من نوفمبر سنة 1947 بتنفيذ القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ والمعدلة بالقرار الوزاري الصادر في 31 من يوليه سنة 1952، على الحالات التي تبطل فيها آراء الناخبين. ومقتضى إبطال الأصوات المعيبة هو إسقاطها نهائياً من عداد الأصوات المعبرة عن رغبات أصحابها في اختيار العمدة، والتي في نطاقها ينحصر الترجيح بين المرشحين على أساس ما يظفر به كل منهم من هذه الرغبات؛ ذلك أن الأصوات الملغاة لبطلانها ليس لها وجود قانوني، فلا يسوغ بعد استبعادها إعادة إعمال أثرها بإحصائها ضمن الأصوات التي يجري حساب الأغلبية على مقتضاها. وقد نصت المادة 47 من قانون الانتخاب الصادر به المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1935 والمعدلة بالقانون رقم 25 لسنة 1939 في فقرتها الأولى على أن "ينتخب عضو مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التي أعطيت"، وهذا النص التشريعي القائم على حكمة متحققة في انتخاب النائب والعمدة على حد سواء، هو الأصل العام الذي يتلاءم مع الأوضاع القانونية السليمة، والذي يتعين الاستهداء به في تفسير حقيقة المقصود بعبارة "أغلبية الأصوات الحاضرين" الواردة في الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من قانون العمد والمشايخ.
2 - إن الأغلبية المطلقة التي يمكن الاعتداد بها في انتخاب حائزها عمدة، هي ما زادت على نصف عدد الأصوات الصحيحة أياً كانت هذه الزيادة؛ لتوافر عنصر الترجيح فيها بما يسمح باختيار من فاز بها لشغل منصب العمدية، فإذا انقسمت الأصوات بين اثنين فقط من المرشحين كانت الأغلبية في جانب من ظفر من الأصوات الصحيحة بعدد يزيد على الثاني ولو بصوت واحد، وإذا تساوت الأصوات عينت لجنة الشياخات واحداً ممن حصلوا على أصوات متساوية وإن تعددوا، مستعينة في ترجيحه بما يكون له من ميزات خاصة، وإذا توزعت الأصوات بحيث لم ينل أحد من المتنافسين الأغلبية الطلقة، فللجنة في الجلسة ذاتها أن تعيد الانتخاب بين حائزي أكثر الأصوات، أي أصحاب الأغلبية النسبية، سواء فاز بها شخصان أو أكثر بأن تساوى مع أقلهما غيره، وعندئذ يكون الترجيح لمن ينال أكبر عدد منها، باعتباره حائز الأغلبية.
3 - إن لجنة الشياخات تملك - وفقاً لنص الفقرة 4 من المادة 10 من قانون العمد والمشايخ – "أن تعدل عن اختيار حائز الأغلبية لأسباب خطيرة بشرط إبداء الأسباب المبررة لعدولها"، كما أن لوزير الداخلية بمقتضى المادة 11 من القانون المذكور سلطة تقديرية في شأن اعتماد تعيين العمد، يترخص في مباشرتها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة ولما تمليه اعتبارات الأمن العام بوصفه المسئول عن استتبابه في البلاد، وذلك بقطع النظر عن نتيجة الانتخاب؛ إذ نصت هذه المادة على أن "يرفع قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ إلى وزير الداخلية لاعتماده. وله ألا يوافق على القرار فيعيده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته. وعلى اللجنة في هذه الحالة دعوة الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة....".
4 - إن المشرع لم يدع أمر إبطال أصوات الناخبين لمطلق سلطان لجنة الشياخات تترخص فيه بسلطة تقديرية لا معقب عليها، بل رسم لها في ذلك حدوداً وضوابط يتعين عليها التزامها، وبين الحالات التي تعتبر فيها أصوات الناخبين باطلة، وإلا وقع قرارها مخالفاً للقانون، وكان لوزير الداخلية - إعمالاً لسلطته الإشرافية - مراجعة تصرفها في هذا الشأن، لكونه يؤثر في نتيجة الانتخاب، بعدم إقراره إذا ما شابه عيب، ثم للقضاء الإداري - من بعد ذلك - التعقيب والرقابة القانونية على شرعية قرار الوزير من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون نصاً وروحاً.
5 - إن الشارع حرص على سلامة الانتخاب وبعده عن المؤثرات والعبث، وعلى ضمان حرية إبداء الرأي؛ فأوجب السرية سواء فيما يتعلق بالآراء التحريرية أو الشفوية أو فيما يختص بشخصية الناخب؛ إذ نص في الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 15 من القرار الوزاري الصادر في 26 من نوفمبر سنة 1947 بتنفيذ قانون العمد والمشايخ رقم 141 لسنة 1947 على أن "يدخل الناخبون أمام اللجنة الواحد بعد الآخر، وبعد تحقق عضو اللجنة عن المركز التابعة له القرية هو ومن معه من الأعضاء من أن اسم الناخب وارد في الكشف يتسلم الناخب من يد الرئيس ورقة وقلماً وينتحي خلف ستر ليدون بالورقة اسم من يختاره للعمدية، ثم يثنيها مرتين ويناولها للرئيس الذي يضعها في الصندوق. ولكل ناخب يرغب إعطاء صوته شفاها أن يسر إلى الرئيس باسم من يختاره على مسمع ممن يجاوره من الأعضاء، ويتولى الرئيس تدوين الاسم ويوقع تحته إمضائه إثباتاً لذلك". كما قضى في المادة 27 من القرار المشار إليه - وهي المعدلة بالقرار الوزاري الصادر في 31 من يوليه سنة 1952 - بأنه "في جميع أعمال الانتخاب التي تقدم ذكرها تعتبر باطلة جميع الآراء المعلقة على شرط وكذلك الآراء التي تعطي لشخص لم يكن اسمه مدرجاً في كشف المرشحين، والتي تعطي لأكثر من شخصين في ورقة واحدة والتي تثبت على ورقة غير التي سلمت من اللجنة أو على ورقة أمضاها الناخب الذي أبدى رأيه أو على ورقة فيها أي علامة أو إشارة قد تدل عليه"، ومن ثم تكون لجنة الشياخات قد أصابت فيما ارتأته من إبطال الصوتين الموقعين من الناخبين اللذين أبديا رأيهما.
6 - إن الصوت المعطى للمرشح يكون صحيحاً ويتعين إضافته إلى جانبه ولو لم يتناول بيان اسمه بالكامل، متى تخصص به تخصيصاً قاطعاً في الدلالة عليه، أو تضمن تمييزاً كافياً لتعيين شخصه على وجه يقيني لا يحتمل الانصراف إلى سواه. فإذا تطرق إليه الشك لأسباب جدية أو احتمل التأويل وجب استبعاده وبطل الاستدلال به على ما اتجه إليه اختيار الناخب. والقول بخلاف ذلك مؤداه إحلال تقدير لجنة الشياخات محل إدارة الناخب، وهو ما لا يسوغ؛ لاحتمال الانحراف بهذه الإرادة إلى غير قصدها الحقيقي من طريق الاجتهاد في تفسير نية الناخب.


إجراءات الطعن

في 19 من أكتوبر سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 11 من سبتمبر سنة 1955 في الدعويين رقمي 569 و567 لسنة 2 القضائية المقامتين من (1) محمد هاشم فايد و(2) عطية محمد فايد ضد وزارة الداخلية، وهو القاضي: "أولاً - في الدعوى رقم 569 لسنة 2 القضائية بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية في 15 من مارس سنة 1953 بعدم اعتماد قرار لجنة الشياخات بمديرية الشرقية الصادر منها في 3 من مارس سنة 1953 بتعيين المدعي عمدة لبلدة بيشة عامر مركز منيا القمح مع ما يترتب عليه من الآثار، مع إلزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وثانياً - في الدعوى رقم 567 لسنة 2 قضائية برفضها وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه: "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكمين المطعون فيهما، والقضاء برفض الدعوى الأولى وبعدم قبول الدعوى الثانية مع إلزام المدعي في كل منهما بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 23 من أكتوبر سنة 1955، وإلى عطية محمد فايد في 8 من نوفمبر سنة 1955، وإلى محمد هاشم فايد في 15 من نوفمبر سنة 1955. وفي 14 من ديسمبر سنة 1955 أودع محمد هاشم فايد سكرتيرية المحكمة مذكرة بملاحظاته طلب فيها رفض الطعن، كما شفعها بأخرى أودعها بعد ذلك بجلسة 17 من مارس سنة 1956 ولم تتقدم الجهة الإدارية أو عطية محمد فايد بملاحظات في الميعاد القانوني. وقد عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 21 من يناير سنة 1956، وأبلغ ذوو الشأن جميعاً في 10 من يناير سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة، وفيها تأجل نظر الطعن إلى جلسة 18 من فبراير سنة 1956. وفي 11 من فبراير سنة 1956 أودع عطية محمد فايد مذكرة بملاحظاته انضم فيها إلى السيد رئيس هيئة المفوضين في الطعن المقدم في الدعوى رقم 569 لسنة 2 القضائية، وفوض الرأي للمحكمة في الطعن المقدم في الدعوى المرفوعة منه. وبجلسة 18 من فبراير سنة 1956 سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على النحو المفصل بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
"أ" عن الدفع بعدم قبول الدعوى المضمومة رقم 567 لسنة 2 القضائية:
من حيث إن مبنى هذا الدفع أن المدعي يختصم قرار لجنة الشياخات، وهذا القرار فضلاً عن سبق إلغائه بقرار وزير الداخلية بما تنتفي معه المصلحة في طلب إلغائه، فإنه ليس من القرارات النهائية التي يجوز طلب إلغائها لأول مرة أمام القضاء الإداري قبل اعتمادها من الوزير أو فوات ميعاد أربعة أشهر عليها طبقاً للمادة 27 من قانون العمد والمشايخ.
ومن حيث إنه يبين من مذكرة عطية محمد فايد المحررة في 26 من فبراير سنة 1955 والمقدمة لجلسة 14 من أبريل سنة 1955 إيضاحاً لدعواه أنه يستهدف في عموم طلباته الحكم بإلغاء قرار وزير الداخلية السلبي برفض تظلمه المؤرخ 19 من مارس سنة 1953 طعناً في قرار لجنة الشياخات الصادر في 2 من مارس سنة 1953 باختيار محمد هاشم فايد عمدة لناحية بيشة عامر مركز منيا القمح الذي لم يحز الأغلبية الواجب توافرها لذلك وعدم اختياره هو عمدة مع حصوله على هذه الأغلبية مع إلزام وزارة الداخلية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. والدعوى - والحالة هذه - تنصب على قرار إداري نهائي ذي شقين منسوب إلى وزير الداخلية في عدم تعيين محمد عطية فايد عمدة لهذه الناحية، وليس من شك في أن له مصلحة في الطعن فيه، ومن ثم يكون الدفع في غير محله متعيناً رفضه.
(ب) عن موضوع الدعويين المضمومتين المطعون في الحكم الصادر فيهما:
ومن حيث إن عناصر المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن محمد هاشم فايد أقام الدعوى رقم 1123 لسنة 7 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 26 من أبريل سنة 1953 وطلب الحكم: "بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية بتاريخ 25 مارس سنة 1953. والقاضي بعدم اعتماد قرار لجنة الشياخات بمديرية الشرقية الصادر منها بتاريخ 2 مارس سنة 1953 بتعيين المدعي عمدة لبلدة بيشة عامر مركز منيا القمح وما ترتب عليه من الآثار مع إلزام الحكومة بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة". وأورد بياناً لدعواه أنه لما خلت عمدية ناحية بيشة عامر من أعمال مركز منيا القمح اتخذت مديرية الشرقية ما يتطلبه القانون من الإجراءات لانتخاب العمدة، وحددت لذلك يوم 2 مارس سنة 1953 أمام لجنة الشياخات بالشرقية، وفي هذا اليوم حضر 118 ناخباً من مجموع الناخبين البالغ عددهم 141 وتخلف عن الحضور 23، ولدى فرز الأصوات أبطلت اللجنة خمسة منها، وبذا أصبح عدد الأصوات الصحيحة 113 صوتاً، نال هو منها 57 صوتاً، بينما نال منافسه عطية محمد فايد 56 صوتاً، وبذلك اختارته اللجنة عمدة للبلدة على أساس حيازته لأغلبية الأصوات. بيد أن وزير الداخلية أصدر في 25 من مارس سنة 1953 قراراً بعدم اعتماد قرار لجنة الشياخات، واستند في ذلك إلى أن المقصود بأغلبية الأصوات هو أغلبية الحاضرين المطلقة، أي أنه كان ينبغي أن يحصل على 60 صوتاً حتى يتسنى تعيينه عمدة. وذهب المدعي إلى أن هذا تأويل خاطئ لنص الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ، التي قصدت بأغلبية الحاضرين أغلبية الأصوات الصحيحة لهم بعد إسقاط الباطلة. ثم أضاف بعد ذلك في مذكرة له أنه يتعين القياس على ما نصت عليه المادة 47 من قانون الانتخاب العام رقم 148 لسنة 1925 المعدل بالقانون رقم 7 لسنة 1939؛ إذ قضت هذه المادة بانتخاب الحاصل على أغلبية الأصوات الصحيحة نائباً. وبصحيفة مودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 30 من أبريل سنة 1953 رفع عطية محمد فايد الدعوى رقم 1152 لسنة 7 القضائية أمام المحكمة المذكورة طالباً فيها الحكم: "أولاً - باعتبار قرار لجنة شياخات مديرية الشرقية الصادر بتاريخ 2 مارس سنة 1953 باعتباره غير فائز بمنصب هذه العمدية قراراً باطلاً من أساسه، واعتباره هو العمدة المنتخب لبلدة بيشة عامر مركز منيا القمح مديرية الشرقية، باحتساب كل ما ناله من الأصوات، وثانياً - باعتبار تعيين محمد هاشم فايد ليس باطلاً فقط من ناحية عدم إحرازه لأغلبية الناخبين المطلقة، بل وبعدم اعتماد الصوت المحتسب له وهو ظاهر البطلان والمكتوب باسم (محمد فايد) احتساباً خاطئاً"، مع إلزام الحكومة في كلتا الحالتين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأقام دعواه على أنه نال 61 صوتاً من 118 صوتاً في حين أن حقيقة ما ناله محمد هاشم فايد هو 56 صوتاً فقط لا 57 صوتاً كما ذهبت إلى ذلك لجنة الشياخات التي ضمت له خطأ صوتاً باطلاً أعطي لاسم (محمد فايد)، وقررت اختياره باعتباره الفائز بالأغلبية على هذا الأساس الخاطئ. بينما استنزلت خمسة من الأصوات التي ظفر بها عطية محمد فايد واعتبرت أنه لم ينل سوى 56 صوتاً فقط، وذلك بحجة أن أحد هذه الأصوات الخمسة قيد بورقة الانتخاب باسم "عطية" دون أن يردف بذكر اللقب، وأن الثاني غير واضح القراءة، وأن الثلاثة الأخيرة موقعة باسم الناخب، مع أن اسم "عطية" مميز له، وأن عدم وضوح القراءة أمر نسبي، وأن الأصوات التي وقعها أصحابها لا تتنافى مع السرية أسوة بمن ينتخب شفوياً بالإدلاء باسم من يريد انتخابه لرئيس اللجنة. وقد نظرت الدعوى الأولى أمام الدائرة الثالثة بالمحكمة، والدعوى الثانية أمام الدائرة الأولى بها. وبجلسة 18 من مارس سنة 1954 قررت المحكمة في الدعوى الأولى قبول تدخل عطية محمد فايد خصماً ثالثاً فيها منضماً إلى الحكومة، وبجلسة 23 من نوفمبر سنة 1954 قررت الدائرة الأولى إحالة الدعوى الثانية إلى الدائرة الثالثة لجلسة 30 من ديسمبر سنة 1954 لنظر الدعويين معاً للارتباط. ثم تداولت الدعويان بالجلسات وأبدى فيهما ذوو الشأن ما لديهم من ملاحظات شفوية على الوجه المبين بمحاضر هذه الجلسات. وقد قدم محمد هاشم فايد مذكرة عندما حجزت الدعويان للحكم فيهما لجلسة 14 من أبريل سنة 1955 دفع فيها بعدم قبول الدعوى رقم 1152 لسنة 8 القضائية استناداً إلى أن قرار لجنة الشياخات المطعون فيه من عطية محمد فايد ليس قرار إدارياً نهائياً لتوقفه على تصديق سلطة أعلا، وقد رفضت هذه السلطة اعتماده. وقد رد عطية محمد فايد على ذلك بمذكرة طلب فيها الحكم "بإلغاء قرار وزير الداخلية السلبي القاضي ضمنياً برفض تظلم الطاعن المؤرخ 19 من مارس سنة 1953 والمصدر منه لوزير الداخلية بصفته وزيراً لها طعناً في قرار لجنة الشياخات بمديرية الشرقية الصادر بتاريخ 2 من مارس سنة 1953 بتعيين محمد هاشم فايد عمدة لناحية بيشة عامر بمركز منيا القمح شرقية، وتبعاً لذلك اعتبار قرار لجنة شياخات مديرية الشرقية المؤرخ 2 من مارس سنة 1953 سالف الذكر باعتبار الطاعن غير فائز بمنصب هذه العمدية قراراً باطلاً من أساسه، واعتبار الطاعن حائزاً للأغلبية المطلقة اللازمة لتعيينه عمدة لبلدة بيشة عامر بمركز منيا القمح مديرية الشرقية باحتساب ما ناله من الأصوات" و"باعتبار تعيين الشيخ محمد هاشم فايد عمدة لناحية بيشة عامر المذكورة باطلاً، لأنه لم يحز الأغلبية الواجب توافرها لتعيينه عمدة لبلدة ناحية بيشة عامر المذكورة". ثم صدر القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة فقررت المحكمة بجلسة 12 من مايو سنة 1955، تنفيذاً لأحكامه، إحالة الدعويين إلى المحكمة الإدارية المختصة. وقد قيدتا برقم 569 ورقم 567 لسنة 2 القضائية بجدول المحكمة الإدارية لشئون القصر ورياسة مجلس الوزراء ووزارات الداخلية والخارجية والعدل. وبجلسة 21 من أغسطس سنة 1955 سمعت المحكمة المذكورة فيهما ملاحظات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت قبول الخصم الثالث، كما قررت ضم الدعوى رقم 567 لسنة 2 القضائية إلى الدعوى رقم 569 لسنة 2 القضائية لكي يصدر فيهما معاً حكم واحد نظراً إلى الارتباط القائم بينهما. وقد دفعت الحكومة هاتين الدعويين بأن لوزير الداخلية بمقتضى المادة 11 من القانون رقم 141 لسنة 1947 سلطة التصديق بما يفيد صحة العلمية الانتخابية وإجراءها وفقاً للقانون، وكذا سلطة عدم الموافقة على تعيين عمدة ولو كان انتخابه قد تم بطريقة سليمة بريئة من كل عيب ما دام الباعث على ذلك هو رعاية المصلحة العامة. وقد استعمل وزير الداخلية حقه في الاعتراض المقرر له قانوناً. وإذا كان من حقه رفض التصديق على قرار لجنة الشياخات، ولو خلت إجراءات الانتخاب من الشوائب، فمن باب أولى يكون له هذا الحق إذا كان قرار اللجنة قد خالف القانون، وبني على اعتبار من لم يحز أغلبية الأصوات حائزاً لها بسبب فهم القانون على وجه خاطئ. فلو اعتبر أن عدد الأصوات الصحيحة هو 113 صوتاً لوجب أن يحصل حائز الأغلبية على نصفها زائداً واحداً وهو 56.5 + 1 ويجبر الكسر إلى 57 + 1 أي 58 صوتاً في حين أن محمد هاشم فايد لم يحصل إلا على 57 صوتاً، ولو أخذ بمدلول المادة 11 من القانون رقم 141 لسنة 1947 لوجب أن ينال 60 صوتاً بالنسبة إلى عدد الحاضرين البالغ 118 ناخباً، ومن أجل هذا رفض وزير الداخلية التصديق. أما دعوى عطية محمد فايد فظاهرة الفساد؛ إذ أنه حصل على 56 صوتاً فقط بعد استبعاد الأصوات الباطلة. ومع ذلك فبحساب الأغلبية على أساس أصوات الحاضرين يكون عدد الأصوات الواجب الحصول عليها هو 60 صوتاً، وهو ما لم ينله أي من المدعيين. وخلصت الحكومة من هذا إلى طلب الحكم برفض الدعويين مع إلزام رافعيهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبجلسة 11 من سبتمبر سنة 1955 أصدرت المحكمة الإدارية حكمها: "أولاً - في الدعوى رقم 569 سنة 2 قضائية بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية في 25 من مارس سنة 1953، والقاضي بعدم اعتماد قرار لجنة الشياخات بمديرية الشرقية الصادر منها بتاريخ 3 من مارس سنة 1953 بتعيين المدعي عمدة لبلدة بيشة عامر مركز منيا القمح، مع ما يترتب عليه من الآثار، مع إلزام المدعي عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وثانياً - في الدعوى رقم 567 سنة 2 قضائية برفضها وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت قضاءها في الدعوى الأولى على أن وزير الداخلية وقد اعتمد قرار لجنة الشياخات فيما تضمنه من بطلان خمسة أصوات من أصوات الحاضرين، لا يجديه بعد ذلك الجدل في وجوب حسابها ضمن أصوات الحاضرين لاستلزام حصول المدعي على 60 صوتاً، وهو الرقم الذي يمثل الأغلبية المطلقة لمجموع الحاضرين وليس لمجموع الأصوات الصحيحة. وأن قانون العمد قد استهدى المبادئ العامة في قانون الانتخاب كما يتضح ذلك من قرار وزير الداخلية الصادر في 26 من نوفمبر سنة 1947 بتنفيذ هذا القانون؛ إذ نصت المادة 27 منه على الأحوال التي تبطل فيها الأصوات، وقد نصت المادة 37 من قانون الانتخاب العام على أن ينتخب عضو مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التي أعطيت، وهذا هو ما يجب الأخذ به في قانون العمد والمشايخ. وأضافت أن المراد بأغلبية أصوات الناخبين هو أغلبية أصوات الناخبين الصحيحة؛ لأنه من غير المستساغ أن ينص قرار وزير الداخلية على أحوال بطلان الأصوات ثم يحتم بعد ذلك حساب هذه الأصوات في مجموع أصوات الحاضرين. وانتهت المحكمة من هذا إلى وجوب إسقاط الأصوات الباطلة واعتبار الأغلبية من الأصوات الباقية، وإلى أنه تأسيساً على هذا يكون المدعي محقاً في دعواه. وفيما يتعلق بالدعوى الثانية ذهبت المحكمة إلى أن الصوت المدون باسم "محمد فايد" هو صوت مشترك بين اسمي المرشحين، وهو على أحسن الفروض يعتبر صوتاً قد أعطي لأكثر من شخص في ورقة واحدة، وطبقاً للمادة 27 من قرار وزير الداخلية الصادر بتنفيذ قانون العمد والمشايخ يعتبر هذا الصوت باطلاً، وبالتالي فإن قرار لجنة الشياخات بعدم اعتماده يكون قراراً سليماً، ويكون المدعي في هذه الدعوى حائزاً لستة وخمسين صوتاً، فقط أي غير فائز بالأغلبية المطلقة للأصوات الصحيحة. ولما كان قرار لجنة الشياخات قد أسس بالنسبة له على أنه لم يظفر بهذه الأغلبية فإن دعواه لا يكون لها سند من القانون ويتعين رفضها. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 19 من أكتوبر سنة 1955 طلب فيها الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكمين المطعون فيهما، والقضاء برفض الدعوى الأولى، وبعدم قبول الدعوى الثانية، مع إلزام المدعي في كل منهما بالمصروفات". واستند في طعنه إلى أن النزاع في الدعوى الأولى يتمثل في التفسير القانوني السليم لمدلول نص الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من قانون العمد والمشايخ، وفي مدى سلطة وزير الداخلية في عدم الموافقة على قرار لجنة الشياخات إذا صدر سليماً مطابقاً للقانون مستوفياً لكافة الإجراءات الشكلية، وكذا في صحة أو بطلان استبعاد الأصوات الأربعة المعطاة في جانب الخصم المتدخل، وصحة أو بطلان الصوتين المحسوبين في جانب المدعي. ونعى على الحكم المطعون فيه قصور أسبابه عن بحث باقي أوجه النزاع عدا الأول منها رغم إثارة ذوي الشأن لها وتمسكهم بها، الأمر الذي يجعل هذا الحكم مشوباً بقصور من شأنه التأثير فيه بما يعيبه ويبطله؛ ذلك أن لوزير الداخلية بمقتضى المادتين 10 و11 من قانون العمد والمشايخ سلطتين، الأولى: سلطة الاعتماد الخاصة بالرئاسة والإشراف على الهيئات الإدارية الموكولة إليها عملية الانتخاب، بمراجعة الإجراءات التي اتبعتها لجنة الشياخات للتأكد من خلوها من المخالفات القانونية، والثانية: سلطة يترخص في مباشرتها باعتباره المسئول عن الأمن في البلاد، فله أن يرفض انتخاب العمدة مهما كانت الإجراءات سليمة، إذا استبانت له ظروف تهدد الأمن العام. بيد أن هذه السلطة يجب أن يكون استعمالها في حدود الصالح العام، ولا يوجد في الأوراق ما يستشف منه أن اعتراض الوزير كان لاعتبارات الأمن أو لأمور تتعلق بشخص المدعي. وقد رسم قرار وزير الداخلية الصادر بتنفيذ قانون العمد والمشايخ أصولاً وضوابط تلتزم لجنة الشياخات بإتباعها في شأن إبطال الأصوات وإلا وقع تصرفها مخالفاً للقانون. وبتطبيق هذه الضوابط يبين أن صوتاً باسم "عطية فايد" - على خلاف ما قيل من تعذر قراءته، مكتوب بخط يقرأ، ومن ثم كان طبيعياً أن يغفل القرار الوزاري مثل هذا السبب في أحوال الإبطال؛ إذ القراءة من المسائل النسبية، فمتى كان ظاهراً الاسم منصباً على أحد المرشحين عد استبعاده لمثل هذه العلة باطلاً. كما أن صوتاً آخر أعطي باسم الشيخ عطية، ولا ريب أن المقصود به هو الخصم الثالث، ولذا فإن استبعاد اللجنة لهذا الصوت يقع باطلاً. وبحساب الصوتين المذكورين لجانب هذا الأخير يعتبر حاصلاً على 58 صوتاً - أي بزيادة صوت عن المدعي - ويكون انتخاب اللجنة للمدعي بمقولة حصوله على الأغلبية في غير محله، وبذا يحق لوزير الداخلية عدم الموافقة عليه، ويكون قراره في ذلك سليماً، ودعوى المدعي على غير أساس واجبة الرفض. أما فيما يختص بالدعوى الثانية، فإن المدعي فيها يختصم قرار لجنة الشياخات، وهذا القرار فضلاً عن سبق إلغائه من وزير الداخلية، فإنه ليس من القرارات النهائية التي يجوز طلب إلغائها لأول مرة أمام القضاء الإداري قبل اعتمادها من الوزير أو فوات ميعاد أربعة الأشهر المنصوص عليها في المادة 27 من قانون العمد. وقد كان من المتعين بناءً على ذلك الحكم بعدم قبول الدعوى. وقد أودع محمد هاشم فايد سكرتيرية المحكمة في 14 من ديسمبر سنة 1955 مذكرة بملاحظاته شفعها بأخرى قال فيهما إن طبيعة مهمة المحكمة الإدارية العليا شبيهة بمهمة محكمة النقض، وهي تأصيل الأحكام وتنسيق مبادئ القانون واستقرارها، ومن ثم فالمعروض عليها ينبغي أن يكون محدداً بما نصت عليه المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955، وكل طعن مرده إلى الوقائع يخرج عن اختصاصها. وأنه أقام دعواه تأسيساً على أن التفسير الصحيح لحكم الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من قانون العمد والمشايخ هو أن العبرة في حساب الأغلبية إنما تكون بمجموع الأصوات الصحيحة. وقد استنفد وزير الداخلية سلطته في الاعتماد بعد إذ راجع عملية الانتخاب والإجراءات التي اتبعت فيها وقرر صحتها ومطابقتها للقانون، ولم يكن امتناعه من التصديق بسبب عيب شاب هذه الإجراءات أو راجعاً إلى اعتبارات تتصل بالأمن العام، فإذا ما جاء الحكم المطعون فيه مؤيداً لكل هذا، فإنه لا يكون مشوباً بقصور ما، ولا يكون بحاجة إلى التعرض لأمر الأصوات الباطلة أو الصحيحة التي أثار موضوعها الخصم المتدخل انضماماً؛ لأن هذا الخصم يلتزم بتأييد طلبات الحكومة التي انضم إليها دون الخروج عن النطاق القانوني للخصومة، وهو تفسير الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من قانون العمد، ودون إثارة أي نقاش حول عملية فرز الأصوات ورأي اللجنة في صددها، ما دام الخصم الأصيل لم يتصد لشيء من ذلك، وبالتالي يكون تعرض الطعن لأمر الأصوات واستحقاق أي المتنافسين لها مجانباً للصواب؛ ذلك أن الخطأ المنسوب إلى محكمة الموضوع - إذا كان واقعاً في أمر يدخل في حدود تقديرها أو فيما لها من سلطة مطلقة في تحقيق الوقائع - لا يخضع لرقابة المحكمة العليا، كما أن المحكمة غير ملزمة بالرد على كل دفاع يثار أمامها وتعقب حجج الخصوم؛ إذا حسبها أن تقيم حكمها على أسباب تكفي لحمله وقد قام الحكم المطعون فيه على أسباب تؤدي إلى صحة الرأي الذي انتهى إليه، بعد أن ناقش الوقائع طويلاً، وفند ما أثاره الخصوم من حجج. ومع ذلك فإن الأصوات الباطلة تتلخص في صوتين ألغيا لتوقيع الناخبين عليهما، وصوت أثبت فيه الناخب اختياره لمحمد فايد، وصوت انتخب "عطية" دون إيضاح المقصود منه، وصوت غير مقروء. أما الأولان فباطلان حقاً بحكم المادة 27 من القرار الوزاري المنفذ للقانون رقم 141 لسنة 1947. وأما الثالث فقد أخطأت اللجنة باستبعاده مع أنه صريح الدلالة في انصرافه إلى محمد هاشم فايد. وأما الرابع فواجب الإبطال لعدم تضمنه تمييزاً لشخصية المعطى له. أما الصوت الذي لم تستطع اللجنة قراءته بإجماع الرأي - وهي صاحبة التقدير في ذلك - فقد امتدت إليه يد العبث بعد عملية الفرز بالتحريف ومحاولة التوضيح، الأمر الذي هو محل تحقيق أمام نيابة الجيزة الكلية في المحضر رقم 35 لسنة 1954. وخلص المطعون عليه من هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد تم تنفيذه وتسلم بمقتضاه وظيفة العمدية في بلده، ولذا فإنه يطلب رفض الطعن. وفي 11 من فبراير سنة 1956 أودع عطية محمد فايد مذكرة بملاحظاته أبدى فيها أن نطاق الدعوى لا يتحدد بالسبب الذي أبطلت وزارة الداخلية القرار من أجله، بل يشمل بحث القرار من كافة نواحيه، وأن المتدخل في الدعوى لا يتقيد بدفاع الخصم الأصيل، كما أن ما قررته لجنة الشياخات في شأن فرز الأصوات، وخطأ المحكمة في مراجعتها، لا يعتبر خطأ في الوقائع يمتنع عرضه على المحكمة الإدارية العليا؛ إذ ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية في دعوى الإلغاء سلطة قطعية في فهم "الواقع" أو "الموضوع" تقصر عنها سلطة المحكمة الإدارية العليا؛ لكون رقابة هذه المحكمة على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية مردها إلى مبدأ المشروعية وقد أخطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون؛ إذ أن الأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة البالغة 113 صوتاً هي 58 صوتاً، وهو عدد لم يحصل عليه محمد هاشم فايد. ولم تناقش المحكمة هذا الرأي، ولم تبين سندها القانوني في اعتبار أن من يحوز الأغلبية يكفي أن يحصل على نصف عدد الأصوات مضافاً إليها صوت. وانتهى من هذا إلى أنه "ينضم للسيد رئيس هيئة المفوضين في الطعن المقدم في الدعوى رقم 569 لسنة 2 قضائية والمرفوعة من السيد: محمد هاشم فايد ويفوض الرأي للمحكمة في الطعن المقدم في الدعوى المرفوعة من الطالب".
ومن حيث إن ما أثاره محمد هاشم فايد من قياس بين طبيعة اختصاص هذه المحكمة ومحكمة النقض، وما ذهب إليه من أن كل طعن يكون مرده إلى الوقائع لا يؤدي إلى إعمال نص المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، مردود بما سبق أن قضت به هذه المحكمة من أنه لا وجه لافتراض قيام التطابق التام بين نظام الطعن بطريق النقض المدني ونظام الطعن الإداري، فقد يتفقان في ناحية ويختلفان في ناحية أخرى؛ إذ لكل من النظامين قواعده الخاصة في هذا شأن مما يمتنع معه إجراء القياس لوجود الفارق، إما من النص أو من اختلاف طبيعة الطعنين اختلافاً مرده أساساً إلى اختلاف نشاط محكمة الموضوع عن نشاط محكمة النقض في مجالات فهم "الموضوع" المتروك للمحكمة الأولى بسلطة قطعية لا تعقب عليها الثانية أو إلى التباين بين طبيعة الروابط التي تنشأ بين الإدارة والأفراد في مجالات القانون العام وتلك التي تنشأ بين الأفراد في مجالات القانون الخاص. فليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية في دعوى الإلغاء سلطة قطعية في فهم "الواقع" أو "الموضوع" تقصر عنها سلطة المحكمة الإدارية العليا؛ ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون نصاً وروحاً، وهذا بدوره هو عين "الموضوع" الذي تتناوله المحكمة الإدارية العليا عند رقابتها القانونية لأحكام القضاء الإداري. فالنشاطان وإن اختلفا في المرتبة إلا أنهما متماثلان في الطبيعة، إذ مردهما في النهاية إلى مبدأ الشروعية نزولاً على سيادة القانون، تلك تسلطه على القرارات الإدارية، وهذه تسلطه على هذه القرارات ثم على الأحكام، حيث تزن الحكم بميزان القانون وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 فتلغيه، ثم تنزل حكم القانون في المنازعة، أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال، وكان صائباً في قضائه، فتبقى عليه وترفض الطعن.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الانتخاب الخاصة بالعمدية موضوع الطعن أن وظيفة العمدية بناحية بيشة عامر مركز منيا القمح خلت بوفاة شاغلها الشيخ سليم عبد الصادق فايد في 18 من مايو سنة 1949، وبعد استيفاء الإجراءات القانونية لانتخاب العمدة الجديد انعقدت لجنة الشياخات في أغسطس سنة 1950 وقررت اختيار محمد هاشم فايد عمدة للناحية، واعتمدت وزارة الداخلية تعيينه في 20 من نوفمبر سنة 1950. وقد رفعت أمام محكمة القضاء الإداري من أحد المرشحين ومن بعض الناخبين دعويان قضى فيهما بإلغاء قرار لجنة الطعون، وانبنى على ذلك إعادة إجراءات انتخاب العمدة. وبجلسة 2 من مارس سنة 1953 اجتمعت لجنة الشياخات للمرة الثانية وكان عدد الناخبين 141 شخصاً حضر منهم أمامها 118 ناخباً وتخلف 23 عن الحضور، وبأخذ الأصوات نال محمد هاشم فايد صوتاً، وحصل عطية محمد فايد، على 56 صوتاً، وأبطلت اللجنة خمسة أصوات، أحدها باسم "الشيخ عطية"، وآخر باسم "محمد فايد"، وثالث غير مقروء، والأخيران موقع على كل منهما بإمضاء الناخب. ولم توضح اللجنة أسباب بطلان هذه الأصوات، كما أنها حسبت لمحمد هاشم فايد صوتاً باسم "محمد عبد الوهاب فايد" ومن ثم عينته بالإجماع عمدة للناحية بوصفه حائزاً للأغلبية. وقد شكا عطية محمد فايد للوزارة من هذه النتيجة طالباً اعتباره هو حائز أغلبية الأصوات أو إعادة الانتخاب من جديد. فلما عرض الأمر على وزارة الداخلية رأت أن الصوت التحريري المعطى باسم "محمد عبد الوهاب فايد" واجب الإلغاء بحالته؛ لعدم وجود شخص بهذا الاسم بين المرشحين أو الناخبين، وبذلك يعتبر معطى لغير ذي صفة، فيكون عدد الأصوات الباطلة ستة لا خمسة ويكون كل من المتنافسين قد نال 56 صوتاً، كما رأت أن أغلبية أصوات الحاضرين يجب أن تكون أكثر من نصف العدد أي 60 صوتاً على الأقل. وفي 28 من مارس سنة 1953 كتب وزير الداخلية إلى مدير الشرقية بأنه "نظراً لأن أغلبية أصوات الناخبين يجب أن تكون أكثر من نصف عدد الحاضرين وفقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من القانون رقم 141 لسنة 1947، أي يجب أن تكون 60 صوتاً صحيحاً حتى يمكن تعيين صاحبها في الوظيفة، لذلك وبعد الاطلاع على المادة 11 من القانون نعيد المحضر المذكور غير موقع عليه منا بالاعتماد لعرض الأوراق على لجنة الشياخات لإعادة الانتخاب".
ومن حيث إن مثار الخلاف ينحصر في تفسير مدلول الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من القانون 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ، وهي التي استند إليها قرار وزير الداخلية المتقدم ذكره، وهل العبرة في تحديد الأغلبية التي يحوزها المرشح للعمدية هي بعدد الأصوات الصحيحة أم بمجموع أصوات الحاضرين ما صح منها وما بطل، ومدى سلطة وزير الداخلية في التصديق أو عدم التصديق على قرار لجنة الشياخات، وما إذا كان الحكم المطعون فيه قد شابه قصور في التسبيب بسكوته عن التعرض لباقي نقط النزاع وخاصة ما تعلق منها بعملية فرز أصوات الناخبين، وبما قررته لجنة الشياخات في شأن ما حسبته منها لكل من المرشحين المتنافسين باعتبارها أصواتاً صحيحة وما رأت إبطاله وهل فاز أحد بالأغلبية المتطلبة قانوناً، ومن هو الفائز الحقيقي بها؟.
ومن حيث إن المادة العاشرة من قانون العمد والمشايخ رقم 141 لسنة 1947، نصت في فقراتها الثلاث الأولى على أن "تدعو لجنة الشياخات عند النظر في تعيين العمدة للحضور أمامها الأشخاص الذين لهم الحق في اختياره، فإذا زاد عدد هؤلاء الأشخاص على مائة جاز لها الانتقال إلى القرية. ويشترط حضور الأغلبية المطلقة للناخبين، فإذا لم تتوافر أجل الانتخاب إلى جلسة أخرى يعاد فيها إعلان الناخبين، ويكون صحيحاً مهما كان عدد الحاضرين. وتعين اللجنة العمدة الذي يكون حائزاً أغلبية أصوات الحاضرين....."، وظاهر من سياق هذه المادة أنها تقضي بدعوة الأشخاص الذين لهم الحق في اختيار العمدة - وهم جمهور الناخبين الذين نصت عليهم المادة السابعة من القانون المذكور، للحضور أمام لجنة الشياخات، ولا يجري الانتخاب إلا إذا حضرت الأغلبية المطلقة لهؤلاء الناخبين، فإذا لم تتوافر هذه الأغلبية أجل الانتخاب إلى جلسة أخرى وأعيد إعلان الناخبين لهذه الجلسة، وعندئذ لا ينظر لعدد الناخبين، ولا يتطلب حضور أغلبية معينة منهم، بل يجري الانتخاب ويقع صحيحاً أياً كان عدد الحاضرين. وبدهي أن يكون الاعتداد في تقدير الأغلبية عند إعادة الدعوة لا بمجموع الناخبين - من حضر منهم ومن تخلف - بل بأصوات الحاضرين فقط من هؤلاء الناخبين. وإنما عنى الشارع بالتحدث عن الحاضرين ليميز بينهم وبين الناخبين تأكيداً لاستبعاد المتخلفين عن الحضور. أما الأصوات المعدودة في حساب الأغلبية، فهي تلك التي يدلي بها الحاضرون من الناخبين متى وقعت صحيحة؛ إذا نصت المادة 27 من القرار الوزاري الصادر في 26 من نوفمبر سنة 1947 بتنفيذ القانون رقم 141 لسنة 1947 الخاص بالعمد والمشايخ والمعدلة بالقرار الوزاري الصادر في 31 من يوليه سنة 1952 على الحالات التي تبطل فيها آراء الناخبين. ومقتضى إبطال الأصوات المعيبة هو إسقاطها نهائياً من عداد الأصوات المعبرة عن رغبات أصحابها في اختيار العمدة، والتي في نطاقها ينحصر الترجيح بين المرشحين على أساس ما يظفر به كل منهم من هذه الرغبات؛ ذلك أن الأصوات الملغاة لبطلانها ليس لها وجود قانوني، فلا يسوغ بعد استبعادها إعادة إعمال أثرها بإحصائها ضمن الأصوات التي يجرى حساب الأغلبية على مقتضاها. وقد نصت المادة 47 من قانون الانتخاب الصادر به المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1935، والمعدلة بالقانون رقم 25 لسنة 1939 في فقرتها الأولى على أن "ينتخب عضو مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التي أعطيت". وهذا النص التشريعي القائم على حكمة متحققة في انتخاب النائب والعمدة على حد سواء، هو الأصل العام الذي يتلاءم مع الأوضاع القانونية السليمة، والذي يتعين الاستهداء به في تفسير حقيقة المقصود بعبارة "أغلبية أصوات الحاضرين" الواردة في الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من قانون العمد والمشايخ.
ومن حيث إن الأغلبية المطلقة التي يمكن الاعتداد بها في انتخاب حائزها عمدة طبقاً لما تقدم هي ما زادت على نصف عدد الأصوات الصحيحة، أياً كانت هذه الزيادة لتوافر عنصر الترجيح فيها بما يسمح باختيار من فاز بها لشغل منصب العمدية. فإذا انقسمت الأصوات بين اثنين فقط من المرشحين كانت الأغلبية في جانب من ظفر من الأصوات الصحيحة بعدد يزيد على الثاني ولو بصوت واحد، وإذا تساوت الأصوات عينت لجنة الشياخات واحداً ممن حصلوا على أصوات متساوية وإن تعددوا، مستعينة في ترجيحه بما يكون له من ميزات خاصة، وإذا توزعت الأصوات بحيث لم ينل أحد من المتنافسين الأغلبية المطلقة فللجنة في الجلسة ذاتها أن تعيد الانتخاب بين حائزي أكثر الأصوات، أي أصحاب الأغلبية النسبية، سواء فاز بها شخصان أو أكثر، بأن تساوى مع أقلهما غيره، وعندئذ يكون الترجيح لمن ينال أكبر عدد منها، باعتباره حائز الأغلبية.
ومن حيث إن لجنة الشياخات تملك وفقاً لنص الفقرة 4 من المادة 10 من قانون العمد والمشايخ "أن تعدل عن اختيار حائز الأغلبية لأسباب خطيرة بشرط إبداء الأسباب المبررة لعدولها"، كما أن لوزير الداخلية بمقتضى المادة 11 من القانون المذكور سلطة تقديرية في شأن اعتماد تعيين العمد يترخص في مباشرتها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة ولما تمليه اعتبارات الأمن العام بوصفه المسئول عن استتبابه في البلاد، وذلك بقطع النظر عن نتيجة الانتخاب؛ إذ نصت هذه المادة على أن "يرفع قرار لجنة الشياخات باختيار العمدة أو الشيخ إلى وزير الداخلية لاعتماده. وله ألا يوافق على القرار فيعيده إلى اللجنة مشفوعاً بملاحظاته. وعلى اللجنة في هذه الحالة دعوة الناخبين مرة أخرى لانتخاب العمدة....". بيد أن لجنة الشياخات لم ترد العدول في الحالة المعروضة عن اختيار من اعتبرته حائز الأغلبية، كما أن وزير الداخلية لم يبن قراره بعدم اعتماد محضر اللجنة على أسباب ترجع إلى موجبات الأمن العام أو تستند إلى أمور تتعلق بشخص من اختارته اللجنة، الأمر الذي لم يقم عليه دليل من الأوراق، بل أسسه على ما ذهب إليه من أن "أغلبية أصوات الناخبين يجب أن تكون أكثر من نصف عدد الحاضرين وفقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من القانون رقم 141 لسنة 1947، أي يجب أن تكون 60 صوتاً صحيحاً حتى يمكن تعيين صاحبها في الوظيفة"، وذلك استعمالاً من الوزير لسلطته الرئاسية في الإشراف والرقابة على إجراءات لجنة الشياخات في عملية الانتخاب وفرز الأصوات وتقرير صحتها أو بطلانها. ولما كانت قاعدة حساب الأغلبية التي أخذ بها قرار وزير الداخلية غير صحيحة كما سلف بيانه، وكانت العلة الوحيدة لرفضه التصديق على قرار لجنة الشياخات هي عدم حيازة المرشح لأغلبية الأصوات لا أمراً آخر فإن صحة هذا القرار أو عدم صحته تتوقف على تحديد عدد الأصوات الصحيحة الواجب حسابها لجانب كل من المتنافسين، وتلك الواجب إبطالها لتعيين الفائز الحقيقي بالأغلبية، الأمر الذي قصرت عليه أسباب الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أن محمد هاشم فايد حصل على 57 صوتاً، منها اثنان باسم "محمد هاشم" وثالث باسم "محمد عبد الوهاب فايد" وأن عطية محمد فايد نال 56 صوتاً، منها واحد وعشرون باسم "عطية محمد فايد" وثلاثون باسم "عطية فايد" وأربعة باسم "عطية محمد علي فايد" وواحد باسم "عطية علي فايد". وأن الأصوات التي اعتبرتها لجنة الشياخات باطلة عددها خمس، اثنان منها موقعة من الناخبين، وواحد باسم "الشيخ عطية" وآخر باسم "الشيخ محمد فايد" والأخير قررت لجنة الشياخات أنه غير مقروء. ولما كان كشف المرشحين للعمدية لم يرد به اسم هاشم سوى محمد هاشم فايد، فلا شبهة في انصراف الاختيار إلى المذكور في الورقتين اللتين أثبت فيهما "محمد هاشم" - كما أن الصوت الممنوح "لمحمد عبد الوهاب فايد" لم تتردد اللجنة في حسابه له، ولم تتشكك في أنه المقصود به وقد تأيد رأيها في ذلك بحسب الظاهر من الإعلام الشرعي المقدم منه والصادر من محكمة منيا القمح الجزئية الشرعية في 10 من أبريل سنة 1916 تحت رقم 167 متابعة صحيفة 53 جزء أول/ 108، ولم يثر بشأن هذا الإعلام اعتراض ما. وإذا خلا كشف المرشحين من اسم "عطية" فيما عدا عطية محمد فايد، فإن الأصوات التي حسبتها لجنة الشياخات لهذا الأخير، والتي أعطيت سواء باسم "عطية فايد" أو "عطية محمد علي فايد" أو "عطية علي فايد" تكون ثابتة له بحق لتضمنها تعييناً كافياً لشخصه، اسماً ولقباً، بما لا لبس فيه أو تجهيل. ومن ثم تكون الأصوات الصحيحة التي حسبتها اللجنة لكل من المرشحين في محلها.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالأصوات التي أبطلتها لجنة الشياخات، فإن المشرع لم يدع أمر إبطال هذه الأصوات الناخبين لمطلق سلطان لجنة الشياخات تترخص فيه بسلطة تقديرية لا معقب عليها، بل رسم لها في ذلك حدوداً وضوابط يتعين عليها التزامها، وبين الحالات التي تعتبر فيها أصوات الناخبين باطلة، وإلا وقع قرارها مخالفاً للقانون، وكان لوزير الداخلية - إعمالاً لسلطته الإشرافية - مراجعة تصرفها في هذا الشأن لكونه يؤثر في نتيجة الانتخاب بعدم إقراره إذا ما شابه عيب، ثم للقضاء الإداري من بعد ذلك التعقيب والرقابة القانونية على شرعية قرار الوزير من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون نصاً وروحاً، كما أن الشارع حرص على سلامة الانتخاب وبعده عن المؤثرات والعبث، وعلى ضمان حرية إبداء الرأي، فأوجب السرية سواء فيما يتعلق بالآراء التحريرية أو الشفوية أو فيما يختص بشخصية الناخب؛ إذ نص في الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 15 من القرار الوزاري الصادر في 26 من نوفمبر سنة 1947 بتنفيذ قانون العمد والمشايخ رقم 141 لسنة 1947 على أن "يدخل الناخبون أمام اللجنة الواحد بعد الآخر وبعد تحقق عضو اللجنة عن المركز التابعة له القرية هو ومن معه من الأعضاء من أن اسم الناخب وارد في الكشف يتسلم الناخب من يد الرئيس ورقة وقلماً وينتحي خلف ستر ليدون بالورقة اسم من يختاره للعمدية، ثم يثنيها مرتين ويناولها للرئيس الذي يضعها في الصندوق. ولكل ناخب يرغب إعطاء صوته شفاها أن يسر إلى الرئيس باسم من يختاره على مسمع ممن يجاوره من الأعضاء، ويتولى الرئيس تدوين الاسم ويوقع تحته إمضائه إثباتاً لذلك". كما قضى في المادة 27 من القرار المشار إليه - وهي المعدلة بالقرار الوزاري الصادر في 31 من يوليه سنة 1951 - بأنه "في جميع أعمال الانتخاب التي تقدم ذكرها تعتبر باطلة جميع الآراء المعلقة على شرط، وكذلك الآراء التي تعطي لشخص لم يكن اسمه مدرجاً في كشف المرشحين، والتي تعطى لأكثر من شخصين في ورقة واحدة، والتي تثبت على ورقة غير التي سلمت من اللجنة أو على ورقة أمضاها الناخب الذي أبدى رأيه، أو على ورقة فيها أي علامة أو إشارة قد تدل عليه"، ومن ثم تكون لجنة الشياخات قد أصابت فيما ارتأته من إبطال الصوتين الموقعين من الناخبين اللذين أبديا رأيهما.
ومن حيث إن الصوت المعطى للمرشح يكون صحيحاً ويتعين إضافته إلى جانبه ولو لم يتناول بيان اسمه بالكامل متى تخصص به تخصيصاً قاطعاً في الدلالة عليه أو تضمن تمييزاً كافياً لتعيين شخصه على وجه يقيني لا يحتمل الانصراف إلى سواه. فإذا تطرق إليه الشك لأسباب جدية أو احتمل التأويل، وجب استبعاده وبطل الاستدلال به على ما اتجه إليه اختيار الناخب، والقول بخلاف ذلك مؤداه إحلال تقدير لجنة الشياخات محل إدارة الناخب، وهو ما لا يسوغ، لاحتمال الانحراف بهذه الإرادة إلى غير قصدها الحقيقي من طريق الاجتهاد في تفسير نية الناخب. ولما كان لا يوجد بين المرشحين للعمدية من يحمل اسم "عطية" سوى عطية محمد فايد، فإن الصوت الذي اقتصر الناخب فيه على تدوين اسم "الشيخ عطية" ينصرف دون شبهة إلى المذكور. ومن ثم يكون استبعاد لجنة الشياخات لهذا الصوت وإبطالها إياه قد جانب الصواب، ويكون من المتعين حسابه لهذا الأخير.
ومن حيث إن الصوت الممنوح للشيخ "محمد فايد" هو صوت غير جازم في تعيين شخص المقصود به من بين المرشحين للعمدية، ولا سيما أن من هؤلاء المرشحين من يحمل اسم الشيخ "محمد تهامي محمد فايد" والشيخ "محمد عبد الرحمن فايد" و"محمد شوقي فايد" و"محمد عبد المنعم فايد" والشيح "محمد عبد الحميد فايد" وجميعهم صالحون للتعيين في منصب العمدية وقابلون لأن يقع عليهم اختيار الناخبين. فهذا الاسم ليس مشتركاً بين المرشحين المتنافسين فحسب بل شائع بينهما وبين بعض المرشحين الآخرين شيوعاً يجعله مكتنفاً بالإبهام والتجهيل بما لا يقوم الترجيح فيه لصالح أي من المرشحين دون الآخر على أساس يمكن الاطمئنان إليه. وإذا عد هذا الصوت معطى لأكثر من شخص في ورقة واحدة، فإنه يقع باطلاً بالتطبيق لحكم المادة 47 من قرار وزير الداخلية الصادر بتنفيذ قانون العمد والمشايخ، وبذا تكون لجنة الشياخات على حق فيما ذهبت إليه من استبعاد هذا الصوت.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالصوت الذي رأت لجنة الشياخات أنه غير مقروء، فقد بان للمحكمة من الاطلاع على ورقة الانتخاب الخاصة به وعلى المحضر المضموم رقم 35 حصر تحقيق نيابة الجيزة الكلية سنة 1954 أن اللجنة استبعدته لعدم وضوحه، وأن ظلاً من الشك ألقي عليه بعد ذلك، وهو شك لما ينحسم أمره. ومهما يكن من أمر في شأن نتيجته فإنه كاف بذاته لإطراح هذا الصوت، ما دامت اللجنة التي اطلعت عليه وقت فرز الأصوات وقبل أن يقوم به الشك قد قررت بالإجماع أنه غير مقروء، وما دام ما هو معزو إليه من تحوير وإضافة هو مثار شبهة تجرح الثقة فيه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم، وباستبعاد الصوتين الموقع عليهما والصوت المعطى باسم "محمد فايد" وكذا الصوت غير المقروء وإضافة الصوت الممنوح للشيخ "عطية" إلى محمد فايد يكون عدد الأصوات، الصحيحة التي نالها كل من هذا الأخير ومنافسه محمد هاشم فايد هو 57 صوتاً. وبذلك يكونان متكافئين لا ترجيح لأحدهما على الآخر من حيث الفوز بأغلبية الأصوات، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء قرار وزير الداخلية الصادر في 25 من مارس سنة 1953 بعدم اعتماد قرار لجنة الشياخات بمديرية الشرقية الصادر في 3 من مارس سنة 1953 بتعيين محمد هاشم فايد عمدة لبلدة بيشة عامر مركز منيا القمح مع ما يترتب على ذلك من آثار، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، فضلاً عما شاب أسبابه من قصور، ومن ثم يكون حقيقاً بالإلغاء. وبهذا تصبح طلبات عطية محمد فايد غير ذات موضوع متعيناً رفضها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 568 لسنة 2 القضائية، وقبولها، وفي موضوع الطعن بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الدعوى رقم 569 لسنة 2 القضائية، وبرفضها، وتأييده فيما قضى به من رفض الدعوى رقم 567 لسنة 2 القضائية، وألزمت كل مدعٍ بمصروفات دعواه.