مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثاني (من فبراير سنة 1956 إلى آخر مايو سنة 1956) - صـ 613

(70)
جلسة 24 من مارس سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 108 لسنة 2 القضائية

جامعة - غش في الامتحان - لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات - خلوها من نص على وجوب إجراء تحقيق مع المتهم بالغش - عدم تحريمها هذا الإجراء الذي تقتضيه العدالة كمبدأ عام في المحاكمات الجنائية أو التأديبية دون حاجة لنص خاص - متى تم هذا التحقيق ترتبت عليه جميع الآثار القانونية الملازمة لوجوده، كعدم صلاحية من تولاه أو اشترك فيه كسلطة تحقيق أو اتهام للجلوس عند الحكم في التهمة التي تناولها - حرمان المحقق من الاشتراك في المحاكمة حتى ولو لم يكن قد أعرب عن رأيه، ما لم يوجد نص صريح يقضي بغير ذلك - حكمة ذلك.
إنه ولئن كانت لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات قد خلت من النص على وجوب إجراء تحقيق ابتدائي مع الطالب المتهم بالغش أو الشروع فيه قبل إحالته إلى لجنة التأديب، إلا أن عميد الكلية، وقد أشر بإحالة الطالب إلى لجنة تحقيق، يكون قد علق الإحالة إلى لجنة التأديب على النتيجة التي يسفر عنها التحقيق الذي أمر به، ورتب للطالب بذلك حقاً في هذا الشأن بتمكينه من إبداء دفاعه في هذه المرحلة التمهيدية، الأمر الذي قد يتيح له إظهار براءته بما يجنبه المحاكمة التأديبية. وإذا كانت اللائحة المتقدم ذكرها قد سكتت عن النص على القيام بتحقيق قبل المحاكمة، فإنها لم تمنع مثل هذا الإجراء الذي تقتضيه العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة إلى نص خاص عليه. ومتى تم إجراء هذا التحقيق بالفعل، فلا سبيل إلى إنكار قيامه أو إهدار أثره بمقولة إنه غير لازم أو كان في الوسع الاستغناء عنه والاكتفاء بما تباشره لجنة التأديب من تحقيق؛ إذ أنه يصبح في هذه الحالة جزءاً متمماً لإجراءات المحاكمة التأديبية، وللجنة مطلق السلطة بعد ذلك في تقديره حسبما يتراءى لها لدى إصدار قرارها. وينتج من وجود هذا التحقيق جميع الآثار القانونية المترتبة عليه لزوماً، ومن هذه الآثار عدم صلاحية من تولاه أو اشترك في إجراء من إجراءاته للجلوس عند الحكم في التهمة التي تناولها، ما دام لم يكن مأموراً به من لجنة التأديب ذاتها ومنوطاً بعضو مندوب منها، بل تم كإجراء سابق في مرحلة مستقلة من هيئة تمثل سلطة الاتهام وتملك إبداء الرأي بتأييد هذا الاتهام أو نفيه، وقد أفصحت عن رأيها فعلاً عندما قررت إحالة الطالب إلى المحاكمة لاقتناعها بثبوت تهمة الغش عليه. وسواء أعرب المحقق عن رأيه أو سكت عنه فإن الأصل أن من يقوم في الدعوى الجنائية أو التأديبية بعمل من أعمال التحقيق يمتنع عليه الاشتراك في نظر الدعوى أو الحكم فيها ما لم يوجد نص صريح لأسباب خاصة يقضي بغير ذلك كما هو الشأن في لجنة التأديب والتظلمات الخاصة برجال القضاء وبأعضاء مجلس الدولة، وهذا أصل من أصول المحاكمات. وحكمة ذلك هي ضمان حيدة القاضي الذي يجلس من المتهم مجلس الحكم بينه وبين سلطة الاتهام؛ حتى يطمئن هذا الأخير إلى عدالة قاضيه وتجرده عن الميل أو التأثر، وحتى لا تساور القاضي أو عضو الهيئة التأديبية - وقت إصدار حكمه أو قراره فتفسده - عقيدة سبق أن كونها عن التهمة موضوع المحاكمة وهو يباشر ولاية التحقيق، أو يتولى سلطة الاتهام، أو يشترك في إصدار قرار الإحالة أو في نظر الدعوى في مرحلة سابقة. فثمة قاعدة مستقرة في الضمير تمليها العدالة المثلى ولا تحتاج إلى نص يقررها، وهي أن من يجلس مجلس القضاء يجب ألا يكون قد كتب أو استمع أو تكلم، حتى تصفو نفسه من كل ما يمكن أن يستشف منه رأيه في المتهم بما يكشف لهذا الأخير مصيره مقدماً بين يديه فيزعزع ثقته فيه أو يقضي على اطمئنانه إليه. ومتى قام وجه عدم الصلاحية لنظر الدعوى امتنع على القاضي الاشتراك في الحكم، وإلا لحق عمله البطلان. وقد رددت هذا المبدأ المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية؛ إذ نصت على أنه يمتنع على القاضي أن يشترك في نظر الدعوى إذا كان قد قام فيها بعمل مأمور الضبط القضائي، أو بوظيفة النيابة العامة، أو المدافع عن أحد الخصوم، أو أدى فيها شهادة أو باشر عملاً من أعمال أهل الخبرة. وأنه يمتنع عليه كذلك أن يشترك في الحكم إذا كان قد قام في الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة. كما بينت المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الأحوال التي يكون القضاء فيها غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها، ورتبت المادة 314 من القانون المشار إليه جزاء البطلان على عمل القاضي أو قضائه في هذه الأحوال ولو تم باتفاق الخصوم. كذلك نصت المادة 87 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على أنه في حالة وجود سبب من أسباب التنحي المنصوص عليها في قانون المرافعات بالنسبة إلى رئيس مجلس التأديب أو أحد عضويه يجب عليه التنحي عن نظر الدعوى التأديبية. ولما كانت هذه الأحكام هي بمثابة القانون العام في هذا الشأن، فإنها تنطبق من طريق القياس الصحيح على النظام التأديبي لطلاب الجامعات وإن خلت لائحة نظامهم الدراسي والتأديبي من نص خاص بالتنحي. ومن ثم تبطل محاكمة الطالب تأديبياً لعيب جوهري في الشكل إذا ما اشترك فيها عضو سبق أن باشر عملاً من أعمال التحقيق في التهمة موضوع المحاكمة لا بتكليف من لجنة التأديب، بل بوصفه سلطة تحقيق اتهام قبل إحالة الطالب إلى المحاكمة، وقام بفحص الأدلة لتكوين عقيدته، ثم قرر الإحالة بعد اقتناعه بثبوت التهمة، وإن التمس له عذراً قد يشفع في تخفيف وزر جريمته.


إجراءات الطعن

في 21 من يناير سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 1064 لسنة 9 القضائية المقامة من محمود محمد نور ضد جامعة القاهرة ووزارة التربية والتعليم، والقاضي: "برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات....". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه: "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الحكومة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن لكل من الحكومة والمطعون لصالحه في 24 من يناير سنة 1956. ولم يقدم أي من الطرفين مذكرة بدفاعه في الميعاد القانوني وإنما أودعت جامعة القاهرة مذكرة بملاحظاتها في 3 من مارس سنة 1956. وقد عين لنظر الطعن جلسة 3 من مارس سنة 1956، وأبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها لم يحضر أي منهما، فقررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أنه بموجب عريضة مودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 24 من يناير سنة 1955 أقام محمود محمد نور الدعوى رقم 1064 لسنة 9 القضائية طالباً فيها الحكم: "بإلغاء القرار الصادر من لجنة التأديب بكلية التجارة بجامعة القاهرة بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1954 فيما تضمنه من فصل المدعي نهائياً من الجامعة ومن إلغاء امتحانه في دور سبتمبر سنة 1954، مع إلزام المدعي عليه بالمصروفات والأتعاب، وحفظ كافة الحقوق الأخرى". وذكر بياناً لدعواه إنه في صبيحة يوم 26 من سبتمبر سنة 1954 تقدم وهو طالب بالسنة الثالثة بكلية التجارة بجامعة القاهرة لأداء الامتحان التحريري في الدور الثاني في مادة إدارة الأعمال، وكان في اليوم السابق يستذكر هذه المادة من مذكرات كتبها بخط يده وحملها معه إلى لجنة الامتحان، ثم دخل اللجنة ونسي أنها ما زالت في جيبه مخالفاً بذلك لوائح الجامعة من غير قصد. وأخذ يجيب على الأسئلة إلى أن فوجئ بدوار شديد تصبب منه عرقاً، فلما أخرج منديله من جيبه ليجفف عرقه سقطت المذكرات التي كانت في جيبه على الأرض، فجمعها ووضعها على كرسيه ثم جلس عليها، بيد أن أحد المراقبين رآه فضبط المذكرات التي كان بعضها ظاهراً، وعندئذ أصيب هو بإغماء نقل معه إلى مستشفى قصر العيني، وبعد يومين أجري بالكلية تحقيق ابتدائي حضره وهو ما زال تحت تأثير العلاج بالصدمات الكهربائية، وقرر أنه لم يحاول الغش. وفي 10 من نوفمبر سنة 1954 دعي للمثول أمام لجنة التأديب وووجه بأنه بمراجعة إجابته على الأوراق المضبوطة اتضح أنها مطابقة لها تماماً. ثم صدر قرار لجنة التأديب بإلغاء امتحانه في دور سبتمبر سنة 1954، وفصله نهائياً من الجامعة، وإبلاغ هذا القرار إلى جميع كليات الجامعة. ونعى على هذا القرار أنه بني على استخلاص غير سليم للوقائع وعلى إغفال ظروفه الخاصة وهي إصابته منذ زهاء أربع سنوات بمرض عصبي لا يزال يعالج منه لدى الأخصائيين هو الشيزوفرنيا، رغم صلتها الوثيقة بما أسند إليه. واستدل على ذلك بأن القرار المشار إليه استند في إدانته له إلى وجود أوراق معه خاصة بمادة الامتحان، وإلى مطابقة إجابته لبعض ما ورد في هذه الأوراق، مع أن جريمة الغش في الامتحان لا تبدأ إلا عندما يشرع الطالب في النقل مما يكون في متناول يده من أوراق سواء كان قد أعدها من قبل أو تلقاها بأية كيفية كانت في مكان الامتحان وزمانه. فالإرادة إذن ركن أساسي لتحقق هذه الجريمة، وبالتالي للعقاب عليها. ومتى انتفت هذه فلا غش ولا شروع فيه. هذا إلى أن أحداً لم يشاهده ممسكاً بالأوراق المضبوطة. أما مطابقة إجابته لبعض ما جاء في هذه الأوراق فهي مطابقة غير كاملة، بل مقصورة على فقرات محدودة، وهذه المطابقة بالنسبة إليه لها مبررات ترجع لحالته وظروفه الخاصة التي تضطره إلى استذكار دروسه بطريق الكتابة، وكثرة الكتابة وتكرارها يساعدان على حفظ الموضوع عن ظهر قلب وبطريقة آلية. ولما كان مرد هذا إلى مرضه النفسي الذي يستوجب الرأفة والعلاج، لا الفصل النهائي من الجامعة، فإن ما ذهبت إليه لجنة التأديب في قرارها من أن مرضه لا دخل له في التهمة المنسوبة إليه، وأن تهمة الغش ثابتة ضده يكون في غير محله، كما أن ما استندت إليه كدليل مادي على تهمة الغش وتوفر القصد هو في الواقع دليل على المرض الذي تبدو عوارضه في اضطراب التفكير وفقدان الذاكرة والسهو. وبجلسة 22 من نوفمبر سنة 1955 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى): "برفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن المدعي اتبعت في حقه الإجراءات المنصوص عليها في لائحة النظام الدراسي لطلاب الجامعات الصادر بها مرسوم 3 من نوفمبر سنة 1950 واللائحة التي تلتها بقرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من أكتوبر سنة 1954، وهي التي كانت سارية وقت المحاكمة التأديبية، وقد أوقعت عليه العقوبة المقررة لجريمته في هذه اللائحة، بعد أن استجابت لجنة التأديب لطلباته في التحقيق وتأكدت من عدم تأثير حالته الصحية في مسئوليته عن تهمة الغش؛ ذلك أن من يصاب باضطراب عقلي ينقص من إدراكه بحيث لا يتأتى حسبانه بين العقلاء ولا بين المجانين يعد مسئولاً عن أفعاله، أما الغيبوبة التي راح فيها المدعي عقب ضبطه فلا أثر لها في الواقعة موضوع الدعوى؛ إذ يجب للإعفاء من المسئولية أن يكون الجنون أو العاهة العقلية معاصرة لارتكاب الجريمة، هذا إلى أن ثبوت الجنون أو عاهة العقل هو فصل في أمر موضوعي، فمتى ذكرت لجنة التأديب في قرارها ما يفيد أنها استبانت حالة المدعي العقلية بما تجمع لديها من أدلة، فإن قرارها يكون صحيحاً مستمداً من أصول ثابتة من أوراق التحقيق وفي التقارير الطبية التي تنبئ بأن المرض النفسي الذي يعانيه المدعي لا يصل إلى الدرجة التي يوصف فيها بالجنون أو عاهة العقل. يضاف إلى هذا أن القرار التأديبي لم يستند فقط إلى وجود الأوراق المضبوطة، وإلى مطابقتها لإجابة المذكور في ورقة الامتحان، بل بني على وقائع أخرى منها بلاغ المراقب الذي أثبت فيه ضبط المدعي متلبساً بالغش من الأوراق المشار إليها، ومن ثم يكون هذا القرار قد قام على سبب سليم مطابق للقانون، وتكون الدعوى على غير أساس حقيقة بالرفض. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة، طلب فيها: "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلغاء القرار المطعون فيه، وإلزام الحكومة المصروفات". وأسس طعنه على أن لجنة التأديب التي شكلت لمحاكمة المدعي والتي انتهت إلى إصدار القرار المطعون فيه كان الأستاذ وهيب مسيحة عضواً فيها، في حين أن التحقيق الذي أجرى مع المذكور والذي انتهى إلى إحالته إلى لجنة التأديب قد تولته لجنة شكلت من اثنين من الأساتذة أحدهما هو الأستاذ وهيب مسيحة، وبذا يكون قد قام بهذا الأخير سبب يمتنع عليه معه الحكم في الدعوى التأديبية ويوجب عليه التنحي عن الجلوس لنظرها. ولا يقدح في ذلك خلو لائحة التأديب للطلاب من النص على قواعد خاصة بالتنحي. ومن ثم يكون قد وقع بطلان في تشكيل لجنة التأديب التي أصدرت القرار المطعون فيه، ويكون هذا القرار قد شابه عيب في الشكل يتعين معه إلغاؤه، وبالتالي إلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفته للقانون. وقد أودعت جامعة القاهرة سكرتيرية المحكمة في 3 من مارس سنة 1956 مذكرة بردها على هذا الطعن، قالت فيها إن التحقيق الذي أجرته كلية التجارة بوساطة الأستاذ وهيب مسيحة والدكتور عبد القادر الجمال إنما هو من قبيل تجميع البيانات والمعلومات، وهو تزيد تجريه بعض الكليات لمصلحة الطالب نفسه؛ إذ أنه ليس إجراء واجباً منصوصاً عليه في لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات، وكثيراً ما يكتفي بما تقوم به لجنة التأديب من سماع أقوال الطالب المتهم بالغش وتحقيق دفاعه، وليس صحيحاً أن الأستاذ وهيب مسيحة بعد أن حقق مع الطالب محمود محمد نور كون رأياً في موضوع اتهامه؛ إذ أن أمثال هذا الطالب يحالون إلى لجنة التأديب سواء أجرى معهم تحقيق أم لا، ولم تشر لائحة النظام الدراسي والتأديبي إطلاقاً إلى وجوب إجراء تحقيق أو خلافه.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الاطلاع على الأوراق المقدمة من الجامعة أنه على إثر اتهام الطالب محمود محمد نور بالغش أثناء تأديته الامتحان في مادة إدارة الأعمال للسنة الدراسية الثالثة، في الدور الثاني شعبة المحاسبة بكلية التجارة بجامعة القاهرة في يوم 25 من سبتمبر سنة 1954، أبلغ المراقب الأستاذ أحمد حسن الإسناوي رئيس لجنة الامتحان كتابة، أنه أثناء مروره وجد الطالب المشار إليه يغش من الأوراق التي أرفقها بكتابه هذا، فأحال رئيس اللجنة الأمر إلى الأستاذ عميد الكلية التي قرر في شأن المذكور أن: "يطرد من الامتحان ويلغى امتحانه ويحال على لجنة التحقيق". وقد استدعت لجنة التحقيق - وكان عضواً فيها الأستاذ وهيب مسيحة - الطالب محمود محمد نور، ليوم 26 من سبتمبر سنة 1954 ولكنه لم يحضر، فاطلعت اللجنة على تقرير الأستاذ الإسناوي، وفحصت المذكرات والأوراق المضبوطة، ثم قررت إحالة الطالب المذكور وآخرين "إلى مجلس التأديب بالجامعة لمحاكمتهم على تهم الغش المنسوبة إليهم لاقتناع اللجنة بثبوت هذه التهم عليهم جميعاً". وفي 27 من سبتمبر سنة 1954 اجتمعت بالكلية لجنة التحقيق التي شكلها الأستاذ العميد من كل من الأستاذ وهيب مسيحة رئيس قسم الاقتصاد بالكلية، والدكتور أحمد عبد القادر الجمال الأستاذ بها، وحضر أمامها الطالب محمود نور الذي ناقشته في تهمة الغش المنسوبة إليه. وانتهت إلى قرار في شأنه؛ بأن رأت أن: "يحال على مجلس التأديب مع رجاء التكرم بمراعاة حالته المرضية والتحقق من أنه تنتابه حالات ذهول ونسيان، إذ قد يخفف ذلك من وزر جريمته". وفي 10 من نوفمبر سنة 1954 انعقدت لجنة تأديب طلبة كلية التجارة برياسة الأستاذ حسين عارف وكيل جامعة القاهرة وعضوية الأستاذ وهيب مسيحة وكيل الكلية والأستاذ ملكية عريان، وشرعت في محاكمة الطالب المذكور. وفي 28 من نوفمبر سنة 1954 أصدرت قرارها بعد الاطلاع على التقارير الطبية التي استند إليها في دفاعه بما يأتي: "أولاً - إلغاء امتحان دور سبتمبر سنة 1954، ثانياً - فصله نهائياً من الجامعة، ثالثاً - إعلان القرار داخل الجامعة". وبنت هذا القرار على أنه تبين لها من مناقشة الطالب ومن مطابقة ما جاء بكراسة الامتحان لما جاء بالأوراق المضبوطة، سواء بالإجابات الواردة بها المنقولة حرفياً من الأوراق المضبوطة، أو من الإجابات الأخرى التي لم يستخدم الطالب فيها تلك الأوراق، كما تبين لها من اعترافه الصريح بملكيته للأوراق المضبوطة، ودخوله بها لجنة الامتحان، أن تهمة الغش ثابتة ضده، أما مرضه فلا دخل له في هذه التهمة.
ومن حيث إن لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات الصادر بها مرسوم 24 من أكتوبر سنة 1950 واللائحة التي تلتها بقرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من أكتوبر سنة 1954 قد بينتا في المادة 40 من الأولى والمادة 45 من الثانية العقوبات التأديبية التي يمكن توقيعها على الطلبة وتدرجها بحسب ترتيب جسامتها ابتداء من التوبيخ شفهياً أو كتابة إلى الفصل النهائي من الجامعة. كما أوردتا في المادة 41 والمادة 46 سرداً لما يعتبر على الأخص جرائم تأديبية ومن بينها كل غش في امتحان وكل شروع فيه. ونصتا في المادة 43 والمادة 48 على أن كل طالب يرتكب جريمة الغش في الامتحان أو الشروع فيه ويضبط في حالة تلبس، يخرجه العميد أو من ينوب عنه فوراً من قاعة الامتحان ويحرم من دخول الامتحان في باقي المواد ويصبح امتحانه باطلاً قانوناً، ويحرر مراقب الامتحان محضراً بتفصيل ما وقع يقدمه للعميد أو لمدير المعهد المستقل. وحددتا في المادة 44 والمادة 49 الهيئات المختصة بتوقيع العقوبات على الطلبة ومن بينها لجنة التأديب التي تملك توقيع جميع العقوبات. ثم رسمتا بعد ذلك تشكيل هذه اللجنة، وعينتا الجهة التي تقرر إحالة الطلاب إليه، وسكتتا عن النص على الإجراءات التي تتبع في تحقيق التهم التي يمكن أن يحاكم الطلبة من أجلها أمام اللجنة المذكورة أو غيرها من الهيئات، سواء قبل تقديمهم للمحاكمة أو أثناء هذه المحاكمة أمام الجهة التي تتولاها.
ومن حيث إن الطالب محمود محمد نور - وقد ضبطه مراقب الامتحان في حالة تلبس بالغش - يكون تصرف العميد إزاءه بإخراجه من قاعة الامتحان، وحرمانه من دخول الامتحان، في باقي المواد، تصرفاً صحيحاً مطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه ولئن كانت لائحة النظام الدراسي والتأديبي لطلاب الجامعات قد خلت من النص على وجوب إجراء تحقيق ابتدائي مع الطالب المتهم بالغش أو الشروع فيه قبل إحالته إلى لجنة التأديب، إلا أن عميد الكلية - وقد أشر بإحالة الطالب إلى لجنة تحقيق - يكون قد علق الإحالة إلى لجنة التأديب على النتيجة التي يسفر عنها التحقيق الذي أمر به، ورتب للطالب بذلك حقاً في هذا الضمان بتمكينه من إبداء دفاعه في هذه المرحلة التمهيدية، الأمر الذي قد يتيح له إظهار براءته بما يجنبه المحاكمة التأديبية. وإذا كانت اللائحة المتقدم ذكرها قد سكتت عن النص على القيام بتحقيق قبل المحاكمة، فإنها لم تمنع مثل هذا الإجراء الذي تقتضيه العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة إلى نص خاص عليه. ومتى تم إجراء هذا التحقيق بالفعل فلا سبيل إلى إنكار قيامه أو إهدار أثره بمقولة إنه غير لازم أو كان في الوسع الاستغناء عنه والاكتفاء بما تباشره لجنة التأديب من تحقيق؛ إذ أنه يصبح في هذه الحالة جزءاً متمماً لإجراءات المحاكمة التأديبية، وللجنة مطلق السلطة بعد ذلك في تقديره حسبما يتراءى لها لدى إصدار قرارها. وينتج من وجود هذا التحقيق جميع الآثار القانونية المترتبة عليه لزوماً، ومن هذه الآثار عدم صلاحية من تولاه أو اشترك في إجراءاته للجلوس عند الحكم في التهمة التي تناولها، ما دام لم يكن مأموراً به من لجنة التأديب ذاتها ومنوطاً بعضو مندوب منها، بل تم كإجراء سابق، في مرحلة مستقلة، من هيئة تمثل سلطة الاتهام، وتملك إبداء الرأي بتأييد هذا الاتهام أو نفيه، وقد أفصحت عن رأيها فعلاً عندما قررت إحالة الطالب إلى المحاكمة لاقتناعها بثبوت تهمة الغش عليه. وسواء أعرب المحقق عن رأيه أو سكت عنه فإن الأصل أن من يقوم في الدعوى الجنائية أو التأديبية بعمل من أعمال التحقيق يمتنع عليه الاشتراك في نظر الدعوى أو الحكم فيها، ما لم يوجد نص صريح لأسباب خاصة يقضي بغير ذلك كما هو الشأن في لجنة التأديب والتظلمات الخاصة برجال القضاء وبأعضاء مجلس الدولة، وهذا أصل من أصول المحاكمات؛ وحكمة ذلك هي ضمان حيدة القاضي الذي يجلس من المتهم مجلس الحكم بينه وبين سلطة الاتهام حتى يطمئن هذا الأخير إلى عدالة قاضيه وتجرده عن الميل أو التأثر، وحتى لا تساور القاضي أو عضو الهيئة التأديبية - وقت إصدار حكمه أو قراره فتفسده - عقيدة سبق أن كونها عن التهمة موضوع المحاكمة وهو يباشر ولاية التحقيق، أو يتولى سلطة الاتهام، أو يشترك في إصدار قرار الإحالة، أو في نظر الدعوى في مرحلة سابقة. فثمة قاعدة مستقرة في الضمير تمليها العدالة المثلى ولا تحتاج إلى نص يقررها؛ وهي أن من يجلس مجلس القضاء يجب ألا يكون قد كتب أو استمع أو تكلم، حتى تصفو نفسه من كل ما يمكن أن يستشف منه رأيه في المتهم بما يكشف لهذا الأخير مصيره مقدماً بين يديه فيزعزع ثقته فيه أو يقضي على اطمئنانه إليه. ومتى قام وجه عدم الصلاحية لنظر الدعوى، امتنع على القاضي الاشتراك في الحكم، وإلا لحق عمله البطلان. وقد رددت هذا المبدأ المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية؛ إذ نصت على أنه يمتنع على القاضي أن يشترك في نظر الدعوى إذا كان قد قام فيها بعمل مأمور الضبط القضائي، أو بوظيفة النيابة العامة، أو المدافع عن أحد الخصوم، أو أدى فيها شهادة، أو باشر عملاً من أعمال أهل الخبرة. وأنه يمتنع عليه كذلك أن يشترك في الحكم إذا كان قد قام في الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة. كما بينت المادة 313 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الأحوال التي يكون القضاء فيها غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها، ورتبت المادة 314 من القانون المشار إليه جزاء البطلان على عمل القاضي أو قضائه في هذه الأحوال ولو تم باتفاق الخصوم. كذلك نصت المادة 87 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على أنه في حالة وجود سبب من أسباب التنحي المنصوص عليها في قانون المرافعات بالنسبة إلى رئيس مجلس التأديب أو أحد عضويه يجب عليه التنحي عن نظر الدعوى التأديبية. ولما كانت هذه الأحكام هي بمثابة القانون العام في هذا الشأن، فإنها تنطبق من طريق القياس الصحيح على النظام التأديبي لطلاب الجامعات وإن خلت لائحة نظامهم الدراسي والتأديبي من نص خاص بالتنحي. ومن ثم تبطل محاكمة الطالب تأديبياً لعيب جوهري في الشكل إذا ما اشترك فيها عضو سبق أن باشر عملاً من أعمال التحقيق في التهمة موضوع المحاكمة، لا بتكليف من لجنة التأديب، بل بوصفه سلطة تحقيق اتهام قبل إحالة الطالب إلى المحاكمة، وقام بفحص الأدلة لتكوين عقيدته، ثم قرر الإحالة بعد اقتناعه بثبوت التهمة ضده، وإن التمس له عذراً قد يشفع في تخفيف وزر جريمته.
ومن حيث إنه مهما يكن من أمر في موضوع التهمة ذاتها المسندة إلى الطالب محمود محمد نور، وفي شأن ثبوتها أو عدم ثبوتها ضده، وفي نوع العقوبة التي يحق توقيعها عليه، فإن القرار الصادر من لجنة التأديب قد شابه عيب في تشكيل هذه اللجنة ينبني عليه بطلان القرار وكافة إجراءات المحاكمة التي تمت أمام اللجنة المذكورة، بسبب عدم صلاحية أحد أعضائها للاشتراك فيها لقيام المانع لديه من سماع الدعوى بعد سبق مباشرته التحقيق وإبداء رأيه بالإحالة، ويتعين - والحالة هذه - إعادة محاكمة الطالب المذكور بوساطة لجنة تأديب مشكلة تشكيلاً صحيحاً، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه - إذ انتهى إلى أن قرار لجنة التأديب هو قرار صحيح مطابق للقانون، وقضى برفض الدعوى تأسيساً على ذلك - يكون قد بني على غير أساس سليم من القانون، وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين الحكم بإلغائه، وبالتالي بإلغاء القرار المطعون فيه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار الصادر من لجنة التأديب بكلية التجارة بجامعة القاهرة في 28 من نوفمبر سنة 1954، وألزمت الحكومة بالمصروفات.