مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثاني (من فبراير سنة 1956 إلى آخر مايو سنة 1956) - صـ 657

(76)
جلسة 7 من أبريل سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

القضية رقم 753 لسنة 2 القضائية

أجنبي - إقامته العارضة لا تعدو أن تكون صلة وقتية عابرة لا تقوم إلا على مجرد التسامح من جانب الدولة - الترخيص أو عدم الترخيص له بالإقامة ومد أو عدم مد إقامته - ترخص الإدارة في تقدير ذلك بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقاً مع الصالح العام - عدم التزامها بالسماح له بالدخول، أو بمد إقامته، إلا إذا كانت تشريعاتها ترتب له حقاً في ذلك.
إن المادة 9 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب صريحة في أنه "يجب على كل أجنبي أن يكون حاصلاً على ترخيص في الإقامة وأن يغادر الأراضي المصرية عند انتهاء مدة إقامته ما لم يكن قد حصل قبل ذلك على ترخيص من وزارة الداخلية في مد إقامته". فالترخيص أو عدم الترخيص للأجنبي بالإقامة، ومد أو عدم مد إقامته بعد ذلك، هو على مقتضى المادة المذكورة من المسائل التي تترخص الإدارة في تقديرها بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقاً مع الصالح العام، وليست سلطتها هذه مقيدة بقيود أو آثار قانونية معينة فرضها القانون مقدماً؛ ومرد ذلك إلى أن الدولة بحكم ما لها من سيادة إقليمية تتمتع بسلطة عامة مطلقة في تقدير مناسبات إقامة أو عدم إقامة الأجنبي في أراضيها، ولا تلتزم قانوناً لا بالسماح له بالدخول فيها ولا بمد إقامته بها، إلا إذا كانت تشريعاتها ترتب له حقاً من هذا القبيل بحسب الأوضاع والشروط التي تقررها، فإن لم يوجد، وجب عليه مغادرة البلاد مهما تكن الأعذار أو الذرائع التي يتعلل بها أو يتمحل لها، حتى ولو لم يكن به سبب يدل على خطورته على الأمن أو الآداب؛ إذ إقامته العارضة لا تعدو أن تكون صلة وقتية عابرة لا تقوم إلا على مجرد التسامح الودي من جانب الدولة، وأمر ذلك كله متروك تقديره لسلطتها المطلقة استناداً إلى سيادتها على إقليمها وحقها في اتخاذ ما تراه لازماً من الوسائل للمحافظة على كيانها ومصالح رعاياها حسبما يتراءى لها أنه محقق للمصلحة العامة بأوسع معانيها. وعلى هدى ما تقدم، فإن الإدارة إذ أصرت على مغادرة المطعون عليها للبلاد بعد انتهاء مدة إقامتها التي كانت قد رخصت لها بها، وإذ رفضت مدها بما لها من سلطة تقديرية مطلقة في هذا الشأن بمراعاة أن سلوكها مقترناً بماضيها في فترة إقامتها الأخيرة التي انتهت لا يبرر هذا المد بصرف النظر عن تعللها لهذا المد بحجة الاستشفاء بحمامات حلوان لمدة قد ظهر للمحكمة أنها مع ذلك قد انقضت - إن الإدارة إذ تصرفت على هذا النحو لا تكون قد خالفت القانون أو أساءت استعمال سلطتها في شيء، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفاً للقانون، فيتعين إلغاؤه ورفض طلب وقف التنفيذ، وهذا كله مع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء.


إجراءات الطعن

أقامت المدعية الدعوى رقم 777 لسنة 10 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتارية المحكمة في 9 من يناير سنة 1956 تطلب وقف تنفيذ القرار الصادر من وزارة الداخلية بإبعادها وبإلغاء هذا القرار مع المصروفات، وقضت المحكمة في 7 فبراير سنة 1956 بوقفه، فطعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية العليا في 7 من مارس سنة 1956 طالباً قبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف التنفيذ. وأعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 27 من مارس سنة 1956، وإلى المطعون عليها في 29 من مارس سنة 1956، وعين لنظره جلسة اليوم وفيها سمعت إيضاحات الطرفين على الوجه المبين بالمحضر، ثم أرجئ الحكم إلى آخر الجلسة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن المدعية تستند في دعواها إلى أنها حضرت إلى القاهرة كسائحة بجواز سفر فرنسي رقم 161213 في 11 من نوفمبر سنة 1955، ومنحت إقامة مدة شهرين تنتهي في 11 من يناير سنة 1956 غير أنها أصيبت بمرض الروماتيزم فقرر الأطباء علاجها بمياه حلوان المعدنية لمدة شهرين، ولكن وزارة الداخلية رفضت مدة إقامتها وقررت إبعادها، وتقول المدعية إنه لما كان القرار مشوباً بإساءة استعمال السلطة وكان تنفيذه يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها، إذ يعرض صحتها للخطر، فهي تطلب وقف تنفيذه.
ومن حيث إن الحكومة تدفع الدعوى بأن المدعية سبق أن حضرت في 23 من مارس سنة 1955 للعمل بملهى التيباران بالقاهرة، وكانت تمد إقامتها بتلك الذريعة لغاية 29 من سبتمبر سنة 1955، ثم غادرت البلاد بعد انتهاء مدة إقامتها ولكنها عادت مرة أخرى في 11 من نوفمبر سنة 1955 بتأشيرة سياحية لمدة شهرين، ثم ورد كتاب من إدارة بوليس الآداب العامة يتضمن أنها تعرفت منذ كانت بملهى التيباران على أحد ذوي الأملاك وكان يقوم بإنفاق مبالغ طائلة عليها وأنه يعاشرها معاشرة الأزواج، ولما حضرت أخيراً أقامت لديه، وطلبت إدارة بوليس الآداب عدم مد إقامتها لخطورتها على الآداب العامة، ولذلك لم توافق إدارة الجوازات والجنسية على مد إقامتها التي تنتهي في 11 من يناير سنة 1952. ونبهت عليها بمغادرة البلاد طبقاً للمادة 9 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 حرصاً على الصالح العام.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على أنه "وإن كانت السلطة الإدارية غير ملزمة بتجديد الإقامة المؤقتة عند انتهاء مدتها، إلا أن شرط ذلك ألا تسيء استعمال سلطتها فلا تحرم أجنبياً من تجديد إقامته المؤقتة كلما كان هناك مبرر قوي إلى ذلك كحالة العلاج مع مرض الروماتيزم الذي يداوي في حمامات حلوان ذات الشهرة العالمية في علاجه، ومن ثم كان القرار الصادر بتكليف المدعية السفر لانتهاء مدة إقامتها وعدم إجابتها إلى طلب تجديدها بالرغم من حاجتها إلى استكمال علاجها في الحمامات المذكورة ينطوي على مجاوزة لحدود السلطة ويتنافى مع دواعي الإنسانية خصوصاً وأن قسم حماية الآداب العامة لم يلاحظ على المدعية أثناء إقامتها لسنة 1955 ما يخالف الآداب العامة، ولا يؤثر في ذلك القول بأنها على اتصال بأحد أعيان البلاد، إذ ليس في ذلك ما يدل على خطورتها على الآداب العامة.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الإدارة قد أساءت استعمال سلطتها؛ إذ حرمت المدعية من مد إقامتها مع قيام حاجتها إلى العلاج بحمامات حلوان، التي قدرت التقارير الطبية المقدمة منها مدة هذا العلاج بثمانية أسابيع من 30 من ديسمبر سنة 1955، ولأن اتصالها بأحد الأثرياء لا يدل بذاته على خطورتها على الآداب العامة - لا وجه لذلك؛ لأن المادة 9 من المرسوم بقانون رقم 74 لسنة 1952 في شأن جوازات السفر وإقامة الأجانب صريحة في أنه "يجب على كل أجنبي أن يكون حاصلاً على ترخيص في الإقامة، وأن يغادر الأراضي المصرية عند انتهاء مدة إقامته ما لم يكن قد حصل قبل ذلك على ترخيص من وزارة الداخلية في مد إقامته". فالترخيص أو عدم الترخيص للأجنبي بالإقامة، ومد أو عدم مد إقامته بعد ذلك، هو على مقتضى المادة المذكورة من المسائل التي تترخص الإدارة في تقديرها بسلطة مطلقة في حدود ما تراه متفقاً مع الصالح العام، وليست سلطتها هذه مقيدة بقيود أو آثار قانونية معينة فرضها القانون مقدماً، ومرد ذلك إلى أن الدولة بحكم ما لها من سيادة إقليمية تتمتع بسلطة عامة مطلقة في تقدير مناسبات إقامة أو عدم إقامة الأجنبي في أراضيها، ولا تلتزم قانوناً لا بالسماح له بالدخول فيها ولا بمد إقامته بها، إلا إذا كانت تشريعاتها ترتب له حقاً من هذا القبيل بحسب الأوضاع والشروط التي تقررها، فإن لم يوجد، وجب عليه مغادرة البلاد مهما تكن الأعذار أو الذرائع التي يتعلل بها أو يتمحل لها، حتى ولو لم يكن به سبب يدل على خطورته على الأمن أو الآداب؛ إذ إقامته العارضة لا تعدو أن تكون صلة وقتية عابرة لا تقوم إلا على مجرد التسامح الودي من جانب الدولة، وأمر ذلك كله متروك تقديره لسلطتها المطلقة استناداً إلى سيادتها على إقليمها وحقها في اتخاذ ما تراه لازماً من الوسائل للمحافظة على كيانها ومصالح رعاياها حسبما يتراءى لها أنه محقق للمصلحة العامة بأوسع معانيها.
ومن حيث إنه على هدى ما تقدم، فإن الإدارة إذ أصرت على مغادرة المطعون عليها للبلاد بعد انتهاء مدة إقامتها التي كانت قد رخصت لها فيها، وإذ رفضت مدها بما لها من سلطة تقديرية مطلقة في هذا الشأن بمراعاة أن سلوكها مقترناً بماضيها في فترة إقامتها الأخيرة التي انتهت، لا يبرر هذا المد بصرف النظر عن تعللها لهذا المد بحجة الاستشفاء بحمامات حلوان لمدة قد ظهر للمحكمة أنها مع ذلك قد انقضت - إن الإدارة إذ تصرفت على هذا النحو لا تكون قد خالفت القانون أو أساءت استعمال سلطتها في شيء، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفاً للقانون، فيتعين إلغاؤه ورفض طلب وقف التنفيذ، وهذا كله مع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف التنفيذ، وألزمت المدعية بمصروفات هذا الطلب.