أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 713

جلسة 11 من مايو سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: محمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(168)
الطعن رقم 624 لسنة 40 القضائية

( أ ) مواد مخدرة. جريمة. "أركانها". قصد جنائي. إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفوع. "الدفع بانتفاء قصد تداول المخدر". جلب.
المراد بجلب المواد المخدرة في حكم المادة 33 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل. هو استيراده بالذات أو بالواسطة بقصد طرحه للتداول بين الناس. أساس ذلك؟
عدم اعتبار فعل الجلب متوافراً فيه قصد التداول بين الناس. إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله. أو دفع المتهم بقيام قصد التعاطي لديه أو لدى من ينقل لحسابه وكان الظاهر والملابسات يشهد له.
إثبات الحكم أن الحشيش المضبوط اثنتان وخمسون طربه. يتحقق به معنى الجلب قانوناً. عدم التزام الحكم في هذه الحالة باستظهار قصد التداول صراحة ولو دفع بانتفائه.
(ب) إثبات. "بوجه عام". "شهادة". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
إيراد الحكم في أسبابه أن الشهود أجمعوا على أن المتهمين قرروا لهم أن الطاعن كان سيتسلم حقائب الحشيش المضبوط. في حين أن أحد هؤلاء نفي ما تقدم. خطأ في الإسناد. يعيب الحكم.
1 - إن المشرع إذ عاقب في المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل، على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة، ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس، سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره، متى تجاوز بفعله الخط الجمركي، قصدا من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي، وهذا المعنى يلابس الفعل المادي المكون للجريمة ولا يحتاج في تقريره إلى بيان، ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال، إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصي، أو دفع المتهم بقيام قصد التعاطي لديه أو لدى من نقل المخدر لحسابه، وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها يشهد له، يدل على ذلك فوق دلالة المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ الجلب أن المشرع نفسه لم يقرن في نصه الجلب بالإشارة إلى القصد منه، بعكس ما استنه في الحيازة أو الإحراز، لأن ذكره يكون ترديداً للمعنى المتضمن في الفعل، مما يتنزه عنه الشارع، إذ الجلب بطبيعته لا يقبل تفاوت القصود، ولا كذلك حيازة المخدر أو إحرازه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن المخدر المجلوب اثنتان وخمسون طربة من الحشيش خبئت في جيوب سرية لحقائب أعدت من قبل خصيصاً لنقله. فإن ما أثبته الحكم من ذلك هو الجلب بعينه كما هو معرف به في القانون بما يتضمنه من طرح الجوهر في التعامل، ومن ثم فإن الحكم لم يكن ملزماً من بعد باستظهار القصد الملابس لهذا الفعل صراحة - ولو دفع بانتفائه - ما دام مستفاداً بدلالة الاقتضاء من تقريره واستدلاله.
2 - إذا كان يبين من مطالعة الأوراق والمفردات أن من بين الأدلة التي حصلها الحكم من أقوال رجال الجمارك وعول عليها في التدليل على صلة الطاعن بالمخدر المضبوط قوله "وشهد هؤلاء جميعاً أربعتهم" بما قرره المتهمون الثلاثة الأول من أن اللبناني... هو مرسل هذه الحقائب ليقوم المتهمون بتوصيلها إلى القاهرة وأن الذي كان سيتسلمها منهم هو المتهم الرابع، وكان ما أورده الحكم بشأن ما أسنده رجال الجمرك الأربعة لا يرتد إلى أصلي ثابت في التحقيقات ذلك أن أحد الشهود المذكورين الذي تولى تفتيش حقائب المتهم الأول، سئل عما قرره له هذا المتهم عند مواجهته بالمضبوطات فأجاب بأنه استلم الحقيبتين من شخص يدعى..... لتوصيلها للقاهرة، ثم إن هذا الشاهد سئل صراحة عما إذا كان المتهم قد ذكر له أن المتهم الرابع" هو الذي يقوم بإرساله وسفره إلى لبنان لإحضار بضائع له فنفى ذلك، ومن ثم فإن الحكم، إذ أورد في أسبابه أن شهود الجمارك الأربعة قد أجمعوا على أن المتهمين الثلاثة قرروا لهم أن الطاعن كان سيستلم الحقائب التي ضبطت معهم، يكون قد أخطأ في الإسناد، فلم يكن هناك إجماع على هذه الواقعة، وإذ كان لا يعرف مبلغ الأثر الذي كان لهذا الخطأ في عقيدة المحكمة لو تفطنت إليه، وكانت الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه، بالنسبة للطاعن الثاني والطاعن الأول الذي لم يقدم أسباباً لطعنه وذلك لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - ......... 2 - ......... 3 - ......... 4 - ......... بأنهم في يوم أول مارس سنة 1969 بدائرة قسم النزهة محافظة القاهرة: جلبوا جوهراً مخدراً (حشيشاً) إلى الجمهورية العربية المتحدة قبل الحصول على ترخيص. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 1/ 1، 2، 33 ( أ ) و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 12 من الجدول رقم 1 المرافق، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهمين الثالث والرابع (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريم كل منهما مبلغ خمسة آلاف جنيه وقدرت مبلغ عشرة جنيهات للمحامي المنتدب للدفاع عن المتهم الثالث أتعاباً له. (ثانياً) براءة كل من المتهمين الثالث والرابع (ثالثاً) مصادرة المضبوطات. فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه. كما طعن وكيل المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن الثاني على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة جلب جوهر مخدر بغير ترخيص قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في الإسناد ذلك بأن الحكم خلا من استظهار القصد الجنائي في جريمة الجلب وهو دفع المواد المخدرة إلى التعامل كما خلا من التدليل على ثبوت هذا القصد في حق الطاعن وخالف في تحصيله أدلة الإدانة مع ما هو ثابت في الأوراق وآية ذلك ما قال به - على غير سند - من أن رجال الجمرك الأربعة شهدوا جميعاً بما قرره المتهمون الثلاثة الأول من أن الطاعن هو الذي كان سيتسلم الحقائب المضبوطة.
وحيث إن القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المواد المخدرة وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 إذ عاقب في المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس، سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره، متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي وهذا المعنى يلابس الفعل المادي المكون للجريمة ولا يحتاج في تقريره إلى بيان، ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصي أو دفع المتهم بقيام قصد التعاطي لديه أو لدى من نقل المخدر لحسابه، وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها يشهد له، يدل على ذلك فوق دلالة المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ الجلب أن المشرع نفسه لم يقرن في نصه الجلب بالإشارة إلى القصد منه بعكس ما استنه في الحيازة أو الإحراز لأن ذكره يكون ترديداً للمعنى المتضمن في الفعل مما يتنزه عنه الشارع إذ الجلب بطبيعته لا يقبل تفاوت القصود، ولا كذلك حيازة المخدر أو إحرازه. ولما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه أثبت أن المخدر المجلوب اثنتان وخمسون طربة من الحشيش خبئت في جيوب سرية لحقائب أعدت من قبل خصيصاً لنقله، فإن ما أثبته من ذلك هو الجلب بعينه كما هو معرف به في القانون بما يتضمنه من طرح الجوهر في التعامل، ومن ثم فإن الحكم لم يكن ملزماً من بعد باستظهار القصد الملابس لهذا الفعل صراحة - ولو دفع بانتفائه - ما دام مستفاداً بدلالة الاقتضاء من تقريره واستدلاله، ومن ثم فإن هذا الطعن يكون حرياً بالرفض.
وحيث إنه يبين من مطالعة الأوراق والمفردات المضمومة أنه من بين الأدلة التي حصلها الحكم من أقوال رجال الجمرك وعول عليها في التدليل على صلة الطاعن بالمخدر المضبوط قوله "وشهد هؤلاء جميعاً أربعتهم (مساعدي الجمرك صلاح الدين صفوت عثمان ومحمد سمير السيد وسعيد ميكوس جيد والمأمور عبد الحميد قاسم الملطاوي) بما قرره المتهمون الثلاثة الأول من أن اللبناني...... هو مرسل هذه الحقائب ليقوم المتهمون بتوصيلها إلى القاهرة وأن الذي كان سيتسلمها منهم هو المتهم الرابع. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم بشأن ما أسنده إلى رجال الجمرك الأربعة لا يرتد إلى أصل ثابت في التحقيقات ذلك أن أحدهم وهو صلاح الدين صوفي عثمان مساعد إداري بالجمرك والذي تولى تفتيش حقائب المتهم...... (المتهم الأول) سئل عما قرره له هذا المتهم عند مواجهته بالمضبوطات فأجاب بأنه استلم الحقيبتين من شخص يدعى...... لتوصيلها للقاهرة - ثم إن هذا الشاهد سئل صراحة عما إذا كان المتهم قد ذكر له أن شخصاً يدعى...... (الطاعن) هو الذي يقوم بإرساله وسفره إلى لبنان لإحضار بضائع له فنفى ذلك، ومن ثم فإن الحكم إذا أورد في أسبابه أن شهود الجمارك الأربعة قد أجمعوا على أن المتهمين الثلاثة قد قرروا لهم أن الطاعن كان سيستلم الحقائب التي ضبطت معهم يكون قد أخطأ في الإسناد، فلم يكن هناك إجماع على هذه الواقعة وإذ كان لا يعرف مبلغ الأثر الذي كان لهذا الخطأ في عقيدة المحكمة لو تفطنت إليه، وكانت الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة لهذه العلة وذلك بالنسبة للطاعن الثاني والطاعن الأول الذي لم يقدم أسباباً لطعنه وذلك لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.