مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثاني (من فبراير سنة 1956 إلى آخر مايو سنة 1956) - صـ 691

(81)
جلسة 21 من أبريل سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

القضية رقم 314 لسنة 1 القضائية

اعتماد مالي - القرارات التنظيمية العامة في شأن الموظفين لا تكون نافذة قانوناً إلا باعتماد السلطة التشريعية للمال اللازم لتنفيذها - مثال بالنسبة لقرار مجلس الوزراء الصادر في 26/ 5/ 1945 بإنصاف خريجي المعلمين الثانوية - القول بأن المال اللازم لتنفيذ هذا القرار كان موجوداً ضمن اعتماد مبلغ مليوني جنيه خصص في ميزانية 1945/ 1946 لإنصاف الموظفين والعمال - لا صحة له - الاعتماد المذكور خصص لإنصاف العمال وحدهم دون خريجي المعلمين الثانوية - دليل ذلك.
إن هذه المحكمة سبق لها أن قضت بأن قرار 16 من مايو سنة 1945 بشأن إنصاف خريجي المعلمين الثانوية ما كان قد استكمل جميع المراحل القانونية اللازمة لتنفيذه، وإنما هذا التنفيذ علق ضمناً على اعتماد المال اللازم ذلك، استناداً إلى أن القرارات التنظيمية العامة في شأن الموظفين لا تكون نافذة قانوناً إلا باعتماد البرلمان للمال اللازم لتنفيذها على خلاف الحال في العقود الإدارية، التي تنعقد صحيحة وتنتج آثارها حتى ولو لم يكن البرلمان قد اعتمد المال اللازم لها. وتأسيساً على ذلك يكون قرار أول يونيه سنة 1947، هو الذي يولد أثره القانوني حالاً ومباشرة؛ لأنه اقترن بفتح الاعتماد الإضافي المخصص لتنفيذه. ولقد أثيرت مجادلة، فحواها أن المال اللازم لتنفيذ قرار 26 من مايو سنة 1945 كان موجوداً فعلاً لدى وزير المالية ضمن اعتماد مبلغ المليوني جنيه الذي خصص في ميزانية 1945/ 1946 لإنصاف الموظفين والعمال، بمقولة إن هذا مستفاد مما ورد في الكتاب الذي أرسله مراقب الميزانية العام في 9 من أغسطس سنة 1945 إلى وكيل وزارة المالية في شأن خريجي مدرسة المعلمين الثانوية لبيان المصرف الذي تسوى عليه حالاتهم طبقاً لقرار 26 من مايو سنة 1945، ولكن هذا الاعتراض مردود عليه: بأنه يبين بصورة جلية من مراجعة محاضر مجلس النواب في الجلسة الثالثة والثلاثين التي انعقدت في يومي 30 من يوليه وأول أغسطس سنة 1945، ومن تتبع المناقشات التي دارت فيهما حول اعتماد المليونين من الجنيهات المشار إليه، أنه إنما خصص لإنصاف العمال وحدهم، ولم يكن لخريجي المعلمين الثانوية أية صلة به.


إجراءات الطعن

في 7 من سبتمبر سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر بجلسة 11 من يوليه سنة 1955 من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 5480 لسنة 8 ق المرفوعة من وزارة التربية والتعليم ضد السيد/ عبد الحميد فوزي محمد، القاضي: "برفض الدعوى وتأييد قرار اللجنة القضائية الصادر بأحقية المتظلم في تسوية حالته بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 26 من مايو سنة 1945 مع ما يترتب على ذلك من آثار". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين: "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وقرار اللجنة القضائية، وبرفض تظلم المدعي عليه، مع إلزامه بالمصاريف".
وقد أعلن هذا الطعن لوزارة التربية والتعليم في 11 من سبتمبر سنة 1955، وإلى عبد الحميد فوزي محمد في 7 من فبراير سنة 1956. وعين لنظر الطعن جلسة 17 من مارس سنة 1956، ثم حجزت الدعوى لإصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن السيد/ عبد الحميد فوزي محمد كان قد قدم التظلم رقم9450 سنة 1 ق ضد وزارة التربية والتعليم، وقال في بيانه إنه تخرج من مدرسة المعلمين الثانوية، ثم عين في وزارة التربية والتعليم بمرتب شهري قدره عشرة جنيهات في الدرجة السابعة، وأن مجلس الوزراء أصدر بعد ذلك قراره المتضمن قواعد الإنصاف في 30 من يناير سنة 1944 دون أن يدرج به مؤهل المتخرجين في هذا المعهد؛ لأنه كان قد ألغي في سنة 1932، وترتب على هذا الوضع أن حملة هذا المؤهل حرموا من الإنصاف، ولكن وزارة المعارف إذ ذاك استجابت لشكواهم، فاقترحت إنصافهم على أساس جعل تعيينهم في الدرجة السادسة بماهية مقدارها عشرة جنيهات ونصف شهرياً، ووافق مجلس الوزراء في 26 من مايو سنة 1945 على هذا الاقتراح، وتقدمت وزارة المالية إلى البرلمان بطلب الاعتماد المالي اللازم للتنفيذ، ولكن تأخر فتح هذا الاعتماد حتى صدر قانون التنسيق في أول يونيه سنة 1947، متضمناً وضع أساس جديد لإنصاف طائفة المتخرجين في هذا المعهد، وهو أن يوضعوا في الدرجة السابعة بمرتب قدره عشرة جنيهات شهرياً ثم ينقلوا إلى الدرجة السادسة بعد ثلاث سنوات من تعيينهم بمرتب قدره عشرة جنيهات ونصف، وقد قامت وزارة التربية والتعليم بتسوية حالة المدعي على هذا الأساس. ولما كان هو يرى أن حقه قد تعلق بقرار 26 من مايو سنة 1945 فإنه رفع دعواه المشار إليها طالباً تسوية حالته على مقتضى هذا القرار مع جميع ما يترتب على ذلك من آثار. فقضت اللجنة القضائية (في 21 من نوفمبر سنة 1953) لصالحه بهذه الطلبات استناداً إلى أن قرار 26 من مايو سنة 1945 صدر طليقاً من كل قيد، فهو بهذه المثابة واجب التنفيذ فوراً، وعلى جهة الإدارة أن تعمل على تدبير المال اللازم لهذا التنفيذ، وأن القيد الذي أوردته وزارة المالية بعد ذلك على هذا القرار - حين رأت تعليق تنفيذه على اعتماد المبلغ اللازم لهذا التنفيذ من البرلمان - هو قيد لا يعتد به ولا يترتب عليه أي أثر؛ لأنه لا يجوز لسلطة دنيا - كوزارة المالية - أن تحد من قوة قرار أصدرته سلطة عليا، كمجلس الوزراء. وطعنت وزارة التربية والتعليم في هذا القرار (في 17 من مارس سنة 1954) طالبة إلغاءه؛ على أساس أن قرار 26 من مايو سنة 1945 لم يستكمل مقوماته باعتماد المبلغ اللازم لتنفيذه، ولذلك لا يجوز للمدعي عليه أن يطالب بالانتفاع بأحكامه، فقضت محكمة القضاء الإداري في 11 من يوليه سنة 1955 - على ما هو مبين في إجراءات الطعن - برفض الدعوى، وتأييد قرار اللجنة القضائية المشار إليه. وقد طعن السيد رئيس هيئة المفوضين في هذا الحكم، ناعياً عليه أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، ولذلك طلب الحكم بإلغائه وبرفض التظلم؛ مستنداً في ذلك إلى الأسباب التي أوردها في عريضة الطعن، وحاصلها أن قرار 26 من مايو سنة 1945 لا يصلح أساساً لإنشاء مراكز قانونية بسبب عدم فتح الاعتماد المالي اللازم لتنفيذه.
أ - عن الدفع بعدم قبول الطعن أمام محكمة القضاء الإداري:
من حيث إن المطعون عليه دفع في مذكرته المودعة في 31 من مارس سنة 1956 بعدم قبول الطعن أمام محكمة القضاء الإداري؛ بمقولة إن وزارة التربية والتعليم كانت قد قبلت قرار اللجنة القضائية قبل الطعن فيه، وقال في بيان ذلك إنه عقب صدور هذا القرار في 21 من نوفمبر سنة 1953 كتب مراقب عام المستخدمين لوزارة التربية والتعليم يستفتي شعبة الشئون الاجتماعية والثقافية بمجلس الدولة في ملاءمة الطعن في هذا القرار من عدمه، فأفتته بأنه لا وجه للطعن فيه، وأن على الوزارة تنفيذه، فرجع في ذلك أيضاً إلى ديوان الموظفين، وكتب في الوقت ذاته (في 17 من يونيه سنة 1954) إلى إدارة قضايا الحكومة لوقف إجراءات الطعن في قرار اللجنة القضائية. وفي 24 من يونيه سنة 1954 تلقى رد الديوان بأنه يجوز للوزارة أن تنفذ رأي الشعبة، فأصدرت مراقبة المستخدمين في 27 من يونيه سنة 1954 الإذن رقم 2906 بتسوية حالة المدعي طبقاً لقرار اللجنة القضائية، وبذلك تكون وزارة التربية والتعليم قد قامت من تلقاء نفسها بتنفيذ قرار اللجنة القضائية، دون أن تكون ملزمة بتنفيذه، وأن ذلك يعتبر منها قبولاً للقرار وتنازلاً عن الطعن فيه.
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة، وهي تملك قانوناً حق تقدير ملاءمة الطعن في القرار من عدمه، كانت قد طعنت فيه فعلاً في 17 من مارس سنة 1954، ولم تأبه لكتاب مراقب المستخدمين المؤرخ 17 من يونيه سنة 1954 الذي طلب فيه وقف إجراءات الطعن، ولم يحصل بعد ذلك تنازل عن هذا الطعن ممن يملكه قانوناً، فيعتبر - والحالة هذه - قائماً حتى فصل فيه بالحكم المطعون فيه، ومن ثم يكون هذا الدفع في غير محله متعيناً رفضه.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ب - عن الموضوع:
من حيث إن هذه المحكمة سبق لها أن قضت بأن قرار 26 من مايو سنة 1945 ما كان قد استكمل جميع المراحل القانونية اللازمة لتنفيذه، وإنما علق هذا التنفيذ ضمناً على اعتماد المال اللازم لذلك؛ استناداً إلى أن القرارات التنظيمية العامة في شأن الموظفين لا تكون نافذة قانوناً إلا باعتماد البرلمان للمال اللازم لتنفيذها، على خلاف الحال في العقود الإدارية التي تنعقد صحيحة وتنتج آثارها حتى ولو لم يكن البرلمان قد اعتماد المال اللازم لها. وتأسيساً على ذلك يكون قرار أول يونيه سنة 1947 هو الذي يولد أثره القانوني حالاً ومباشرة؛ لأنه اقترن بفتح الاعتماد الإضافي المخصص لتنفيذه.
ومن حيث إنه عند نظر هذه الدعوى أثيرت مجادلة جديدة؛ فحواها أن المال اللازم لتنفيذ قرار 26 من مايو سنة 1945 كان موجوداً فعلاً لدى وزارة المالية ضمن اعتماد مبلغ المليوني جنيه الذي خصص في ميزانية 1945/ 1946 لإنصاف الموظفين والعمال، بمقولة إن هذا مستفاد مما ورد في الكتاب الذي أرسله مراقب الميزانية العام في 9 من أغسطس سنة 1945 إلى وكيل وزارة المالية في شأن خريجي مدرسة المعلمين الثانوية لبيان المصرف الذي تسوى عليه حالاتهم طبقاً لقرار 26 من مايو سنة 1945؛ إذ جاء في هذا الخطاب ما يلي: "ولما كانت ميزانية السنة الحالية (1945/ 1946) تتضمن اعتماداً قدره 2.000.000ج في القسم 24 تكاليف إنصاف العمال وكافة طوائف الموظفين الأخرى التي لم يتناولها الإنصاف الذي تقرر في 30 من يناير سنة 1944، فإن صرف المبلغ المشار إليه يكون خصماً على ميزانية القسم المذكور".
ومن حيث إنه يبين بصورة جلية من مراجعة مضبطة مجلس النواب في الجلسة الثالثة والثلاثين التي انعقدت في يومي 30 من يوليه وأول أغسطس سنة 1945، ومن تتبع المناقشات التي دارت فيهما حول اعتماد المليونين من الجنيهات المشار إليه، أنه إنما خصص لإنصاف العمال وحدهم، ولم يكن لخريجي المعلمين الثانوية أية صلة به، فقد سجلت المضبطة الاستفسار التالي ورد الحكومة عليه:
"حضرة النائب المحترم مصطفى عبد الهادي: هل الاعتماد المطلوب يراد به إنصاف العمال فقط؟
- المقرر:.............. - نعم
- حضرة النائب المحترم مصطفى العسال: بما أنه قد اتضح أن هذا الإنصاف يشمل العمال فقط وليس له صلة بالموظفين، فأول ملاحظة لي قد انتهت، وأما الملاحظة الثانية.... إلخ.
- حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس الوزراء: الإنصاف كان لطائفة من العمال ونحن الآن ننصف باقيهم".
ومن حيث إنه - في ضوء هذا البيان - يتضح أن الاقتراح الذي تقدم به مراقب الميزانية في كتابه سالف الذكر كان اقتراحاً خاطئاً؛ إذ يخرج عن الغرض الذي خصص من أجله ذلك الاعتماد، وهو كما سلف القول لإنصاف العمال فقط، أما إنصاف طائفة المعلمين الثانوية، فكان قد اتخذ طريقاً آخر؛ إذ ما كاد يصدر قرار 26 من مايو سنة 1945، حتى وجهت وزارة المالية (في يونيه 1945) إلى وزارات الحكومة ومصالحها كتاباً دورياً بمضمون القرار المذكور، طالبة إلى هذه الجهات أن تقوم بحصر التكاليف اللازمة لتنفيذه، فحصرتها الوزارات المختلفة، فبلغت 23700 ج في السنة، ومبلغ 22000 ج في المدة من 26 من مايو سنة 1945 إلى نهاية السنة المالية. على أن وزارة المالية، عقب وصول هذه البيانات إليها، رأت أن تربطها باعتمادات أخرى كانت مطلوبة لإنصاف طوائف أخرى، ثم انتهت إلى التقدم إلى البرلمان بمشروع قانون بفتح اعتماد إضافي بمبلغ 643000 ج في ميزانية السنة المالية 1945/ 1946 في القسم 24. ويظهر من كل ما سبق، أن خطاب مراقب الميزانية لا يعدو أن يكون مجرد اقتراح من لدن هذا المراقب لبيان المصرف الذي يخصم عليه بهذا التكاليف فيما لو أريد تنفيذ القرار قبل الحصول على اعتماد خاص لمواجهة تكاليفه، وهو اقتراح يخرج عن الغرض المخصص له هذا الاعتماد، حسبما سلف إيضاحه؛ ولذلك لم يفت وكيل وزارة المالية المختص أن يؤشر على هذا الاقتراح بتساؤله الآتي: "وهل الخصم بالتكاليف على اعتماد الإنصاف يغني عن ضرورة استئذان البرلمان في ترقية هؤلاء الخريجين إلى الدرجة السادسة الشخصية؟"
وأياً ما كان رأي مراقب الميزانية أو رأي وكيل وزارة المالية، فإن البرلمان لم يعتمد التكاليف المقدرة لسنة كاملة في سبيل تنفيذ قرار 26 من مايو سنة 1945 وهي 23700 ج، كما أنه لم يعتمد التكاليف المقدرة لما بقي من السنة وهي 22000 ج، ولكنه انتهى (في أول يونيه سنة 1947) إلى إقرار الإنصاف على الأساس الجديد الذي رؤى فيه أن يوضع أفراد هذه الطائفة في الدرجة السابعة براتب قدره عشرة جنيهات شهرياً، ثم ينقلوا إلى الدرجة السادسة بعد ثلاث سنوات من تعيينهم بمرتب قدره عشرة جنيهات ونصف، واعتمد المبلغ اللازم لتنفيذ هذا الإنصاف الجديد قدره 15000 ج، فأصبح ذلك هو الأساس النهائي لتسوية حالة أفراد تلك الطائفة.
ومن حيث إنه لما سبق جميعه، يكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى بتسوية حالة المدعي عليه على أساس القرار الأول الصادر في 26 من مايو سنة 1945 - قد بني على مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ويتعين لذلك إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.