أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الحادية والأربعون - صـ 453

جلسة أول مارس سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ محمد رفيق البسطويسى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعبداللطيف أبو النيل وعمار ابراهيم ومحمد حسين مصطفى.

(75)
الطعن رقم 11611 لسنة 59 القضائية

(1) تزوير. اثبات "قرائن". اشتراك. جريمة "أركانها". محكمة النقض "سلطتها".
جواز اثبات الاشتراك بطريق الاستنتاج استنادا إلى القرائن. مناطه ؟
حق محكمة النقض أن تتدخل وتصحح استخلاص الحكم لعناصر الاشتراك بما يتفق مع المنطق والقانون.
(2) حكم "بيانات التسبيب".
وجوب بناء الأحكام الجنائية على الجزم واليقين. لا على الظن والاحتمال.
1 - لما كان مناط جواز اثبات الاشتراك بطريق الاستنتاج استنادا إلى القرائن، أن تكون هذه القرائن منصبة على واقعة التحريض أو الاتفاق أو المساعدة فى ذاتها، وأن يكون استخلاص الحكم للدليل المستمد منها سائغا لا يتجافى مع المنطق أو القانون، فإذا كانت الأسباب التى اعتمد عليها الحكم فى إدانة المتهم والعناصر التى استخلص منها وجود الاشتراك لا تؤدى إلى ما انتهى إليه، فعندئذ يكون لمحكمة النقض، بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون.
2 - من المقرر أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذى يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه وهو ليس من أرباب الوظائف العمومية اشترك مع آخر مجهول فى ارتكاب تزوير فى محرر لأحد الناس (شهادة إدارة الجوازات والهجرة الخاصة بالجمهورية العربية الليبية) بأن اتفق معه على ذلك وساعده بأن أمده بصلب المحرر المراد تزويره، وقام ذلك المجهول بتحرير بيانات الشهادة، ولصق عليها محرر آخر ثابت عليه بصمة خاتم الادارة العامة للهجرة والجوازات بالجمهورية العربية الليبية فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. 2 - استعمل المحرر المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن تقدم بصورته الفوتوغرافية لمصلحة الجمارك. وطلبت عقابه بالمواد 40/ 2، 3، 41، 215 من قانون العقوبات والمادتين 1، 15 من القانون رقم 118 لسنة 1975. ومحكمة جنح الميناء قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام بحبس المتهم أربعة أشهر مع الشغل وكفالة خمسين جنيها. استأنف، ومحكمة الاسكندرية الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس المتهم شهرا مع الشغل.
فطعن الأستاذ/ ...... المحامى نيابة عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتى الاشتراك فى تزوير محرر عرفى واستعماله مع العلم بتزويره قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال، ذلك بأنه لم يورد بيانا كافيا لواقعة الدعوى بما تتوافر به الأركان القانونية للجريمتين اللتين دين الطاعن بهما، ولم يعن ببيان الطريقة التى تم بها التزوير ودور الطاعن فى ذلك، هذا إلى أن الحكم عول فى قضائه بإدانة الطاعن على تحريات الشرطة واقوال المتهم الاخر رغم عدم صلاحيتها وكفايتها لما رتبه عليها. مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى فى قوله: "أن واقعة الدعوى تتحصل فيما اثبته المقدم.... بقسم مكافحة جرائم الأموال العامة بمحضره بتاريخ 25 مارس سنة 1986 من ورود معلومات للقسم المذكور مفادها قيام المتهم الأول - المحكوم عليه الاخر - بانهاء الاجراءات الجمركية والافراج عن السيارة تعلقه برقم....... ملاكى اسكندرية بموجب مستندات مزورة للتحايل على أحكام قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 6 لسنة 1985 فيما يتعلق بشرط السنة على الأقل إقامة بالخارج بالنسبة للمستورد, بأن تقدم لجمارك الاسكندرية بمستند مزور منسوب الى الادارة العامة للهجرة والجوازات والجنسية يفيد أنه قد دخل الجمهورية الليبية فى 21/ 8/ 1984 وخرج فى 27/ 6/ 1985 فى حين أنه فى تلك الفترة كان محبوسا تنفيذا للحكم الصادر فى الدعوى رقم...... لسنة 1978 جنايات المنتزة بسجنه خمس سنوات ولم يفرج عنه إلا بتاريخ 7/ 2/ 1985 وقد وافقت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على تحريك الدعوى العمومية وبسؤال المتهم سالف الذكر بتحقيقات النيابة اقر بمباشرته لإجراءات الافراج عن السيارة خاصته موضوع الدعوى بمعاونة المتهم الثانى - الطاعن - وبأنه لم يكن متواجدا بليبيا فى الفترة المحرر عنها الشهادة المزورة وأنه كان مسجونا بمصر ولم يفرج عنه إلا فى 7/ 2/ 1985 وأن المتهم الثانى قد أفهمه بأنه سوف يغير فى مضمون الشهادة الخاصة بالاقامة فى الخارج، وبسؤال المتهم الثانى فى التحقيقات انكر ما نسب إليه وقرر بأن دوره فى مباشرة إجراءات الافراج عن السيارة محل الدعوى قد توقف عند مرحلة التثمين". خلص إلى القول: "أن التهم المسندة لكل من المتهمين ثابته قبلهما ثبوتا كافيا لإدانتهما بما شهد المقدم........ وبما اعترف به المتهم الأول بتحقيقات النيابة العامة، لما كان ذلك وكانت وتحريات الشرطة وشهادة مجريها قد انصبت جميعها على المحكوم عليه الآخر ولم تنصرف دلالتها إلى ثمة دور للطاعن فى مقارفة جريمتى تزوير المحرر واستعماله أو الاشتراك فى ذلك، وأن ما استدل به الحكم من أقوال المتهم الآخر والذى مؤداه أن الطاعن قد عاونه فى مباشرة إجراءات الافراج عن السيارة وأنه سوف يغير فى مضمون الشهادة الخاصة بالاقامة فى الخارج لا ينهض بذاته دليلا على مقارفة الطاعن لجريمة التزوير فى المحرر محلها أو استعماله وفوق هذا وذاك فإن الحكم المطعون فيه خلا من بيان الطريقة والكيفية التى تم بها تزوير المحرر حتى يمكن معه الوقوف على دور الطاعن فى ارتكاب هذه الجريمة ومدى علمه بتزويره ما دام ينكر ارتكابه لها. وخلا الحكم مما يفيد أن للطاعن توقيعا أو كتابة على المحرر آنف الذكر. لما كان ذلك، وكان مناط جواز اثبات الاشتراك بطريق الاستنتاج استنادا إلى القرائن، أن تكون هذه القرائن منصبة على واقعة التحريض أو الاتفاق أو المساعدة فى ذاتها، وأن يكون استخلاص الحكم للدليل المستمد منها سائغا لا يتجافى مع المنطق أو القانون، فإذا كانت الأسباب التى اعتمد عليها الحكم فى إدانة المتهم والعناصر التى استخلص منها وجود الاشتراك،لا تؤدى إلى ما انتهى إليه، فعندئذ يكون لمحكمة النقض، بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون، وكان من المقرر كذلك أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذى يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة، وكان ما أورده الحكم - على النحو السالف بسطه - لا ينصب على واقعة الاتفاق أو المساعدة فى ارتكاب جريمة التزوير، ولا يكفى بمجرده فى ثبوت اشتراكه فى التزوير والعلم به، فإن الحكم يكون فوق ما شابه من قصور فى التسبيب معيبا بالفساد فى الاستدلال بما يوجب نقضه والاعادة دون حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن.