أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الحادية والأربعون - صـ 461

جلسة أول مارس سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ حسين كامل حنفى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسن عميره ومحمد زايد نائبى رئيس المحكمة ومحمد حسام الدين الغريانى ومحمد طلعت الرفاعى.

(77)
الطعن رقم 23123 لسنة 59 القضائية

(1) جمارك. مأمورو الضبط القضائى. تفتيش "بغير إذن". اختصاص. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لرجال حرس الحدود صفة الضبط القضائى بالنسبة لجرائم التهريب ومخالفة القوانين واللوائح المعمول بها فى الجهات الخاضعة لاختصاصهم.
حق رجال حرس الحدود تفتيش الداخلين أو الخارجين من مناطق الحدود مدنيين أو عسكريين. دون التقيد بقانون الاجراءات الجنائية. أساس ذلك ؟
العثور أثناء التفتيش على دليل يكشف عن جريمة. صحة الاستدلال به أمام المحاكم. علة ذلك ؟
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الاخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". اثبات "معاينة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة باجابة طلبات التحقيق. متى كانت غير منتجة أو كانت الواقعة قد وضحت لديها.
طلب إجراء المعاينة الذى لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة ولا إلى اثبات استحالة حصول الواقعة. دفاع موضوعى. لا تلتزم المحكمة باجابته.
(3) اثبات "شهود" "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
عدم اشتراط تطابق أقوال الشهود مع الحقيقة بجميع تفاصيلها. كفاية تأدية الشهادة إلى الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به مع عناصر الاثبات الأخرى.
تناقض الشهود فى أقوالهم لا يعيب الحكم. ما دام أنه استخلص الادانة من هذه الأقوال استخلاصا سائغا لا تناقض فيه.
(4) دفوع "الدفع بشيوع التهمة وتلفيقها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بشيوع التهمة أو تلفيقها. موضوعى.
(5) اثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة.
لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل ولو كان اعترافا والأخذ منه بما تطمئن إليه واطراح ما عداه.
(6) مواد مخدرة. قصد جنائى. جريمة "أركانها". اثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع استخلاص العلم بالجوهر المخدر. متى كان ما حصلته لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلى والمنطقى.
(7) مواد مخدرة. قصد جنائى. جريمة "أركانها". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". اثبات "بوجه عام".
الاتجار فى الجوهر المخدر. واقعة مادية. استقلال محكمة الموضوع بحرية التقدير فيها. طالما أنها تقيمها على ما ينتجها.
1 - لما كانت الواقعة كما صار اثباتها بالحكم قد تم ضبطها بمعرفة رجال حرس الحدود، وقد أضفى عليهم القانون رقم 114 لسنة 1953 صفة الضبط القضائى فيما يتعلق بجرائم التهريب ومخالفة القوانين واللوائح المعمول بها فى الجهات الخاضعة لاختصاص حرس الحدود ولهم عملا بنص المادة 20 من القانون رقم 25 لسنة 1966 باصدار قانون الأحكام العسكرية تفتيش الداخلين والخارجين من مناطق الحدود - عسكريين كانوا أم مدنيين - باعتبارهم من أعضاء الضبط العسكرى الذين عددتهم المادة 12 من القانون المار ذكره. ولم يتطلب الشارع بالنسبة للأشخاص توافر قيود القبض والتفتيش المنظمة بقانون الاجراءات الجنائية أو اشتراط وجود المراد تفتيشه فى إحدى الحالات المبررة له فى نطاق الفهم القانونى للمبادئ المقررة فى القانون المذكور، بل أنه يكفى أن يكون الشخص داخلا أو خارجا من مناطق الحدود حتى يثبت لعضو الضبط القضائى العسكرى المختص حق تفتيشه، فإذا هو عثر اثناء التفتيش الذى يجريه على دليل يكشف عن جريمة معاقب عليها فى القانون فإنه يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم فى تلك الجريمة لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع فى ذاته ولم ترتكب فى سبيل الحصول عليه أية مخالفة.
2 - من المقرر أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لدى المحكمة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة. وإذ عرض الحكم لدفاع الطاعن بشأن طلب إجراء معاينة للسيارة واطرحه للأسباب المتقدم بيانها والتى يستقيم بها اطراحه له، وكان هذا الدفاع - فى صورة الدعوى - لا يتجه الى نفى الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة بل كان المقصود به إثارة الشبهة فى الأدلة التى اطمأنت إليها المحكمة فإنه يعتبر دفاعا موضوعيا لا تلتزم المحكمة باجابته ويكون منعى الطاعن بهذا الصدد على غير أساس.
3 - الأصل أنه لا يشترط أن تتطابق أقوال الشهود على الحقيقة التى وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى ان يكون من شأنها أن تؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الاثبات الأخرى المطروحة أمامها، وكان التناقض فى أقوال الشهود - على فرض وجوده - لا يعيب الحكم ما دام أنه استخلص الادانة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه.
4 - إن الدفع بشيوع التهمة أو تلفيقها موضوعى لا يستوجب ردا على استقلال ما دام الرد يستفاد ضمنا من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم.
5 - لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل ولو كان اعترافا والأخذ منه بما تطمئن اليه واطراحه ما عداه.
6 - من المقرر أنه لا حرج على محكمة الموضوع فى استخلاص العلم بالجوهر المخدر على أى وجه تراه متى كان ما حصلته لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلى والمنطقى.
7 - الأصل أن الاتجار فى الجوهر المخدر إنما هو واقعة مادية تستقل محكمة الموضوع بحرية التقدير فيها طالما أنها تقيمها على ما ينتجها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما: أولا: جلبا إلى أراضى جمهورية مصر العربية جوهرا مخدرا "حشيش" قبل الحصول على ترخيص من الجهة المختصة. ثانيا: حازا بقصد الاتجار وفى غير الأحوال المصرح بها قانون جوهرا مخدرا "حشيش". ثالثا: هربا البضائع المبينة وصفا وقيمة بالتحقيقات وذلك بأن ادخلاها للبلاد بطرق غير مشروعة واخفياها عن أعين السلطات الجمركية بقصد التهريب من الضرائب الجمركية المستحقة عليها. واحالته الى محكمة جنايات أسوان لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الاحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 1، 2، 7/ 1، 34/ أ، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند 57 من الجدول رقم (1) الملحق والمعدل بقرار وزير الصحة مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه عشرة الآف جنيه عن التهمة الثانية وبراءته من التهمتين الأولى والثالثة ومصادرة الجواهر المخدرة والسيارة المضبوطين. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض (وقيد بجدول محكمة النقض برقم.... لسنة 57 القضائية) وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه واحالة القضية إلى محكمة جنايات أسوان لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة المذكورة - مشكلة بهيئة أخرى - قضت حضوريا عملا بالمواد 1، 2، 7، 34/ أ، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل والبند 57 من الجدول رقم (1) الملحق والمعدل بقرار وزير الصحة مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وبتغريمه عشرة آلاف جنيه ومصادرة الجوهر المخدر المضبوط باعبتار أنه حاز بقصد الاتجار جوهرا مخدرا (حشيش) فى غير الأحوال المصرح بها قانونا.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)....... الخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة حيازة جوهر مخدر بقصد الاتجار أخل بحقه فى الدفاع وشابه التناقض والقصور فى التسبيب مع الفساد فى الاستدلال ذلك بأنه جوّز القبض على الطاعن وتفتيش سيارته بمقولة أن ذلك جرى بدائرة قسم حدود أسوان دون أن يدلل على وقوع مكان الضبط بتلك الدائرة، كما خلص إلى صحة القبض بزعم أن لطاعن أتى بما يبرر ذلك حينما حاول الفرار من الكمين وهو ما لا سند له من الأوراق، وأعرضت المحكمة عن طلب ضم الحرز ومعاينة السيارة لبيان مدى إمكانية وضع الجوهر المخدر فى المكان الذى قيل بضبطه فيه ورد الحكم على هذا الطلب وعلى الدفع بشيوع الاتهام بما لا يصلح، وعول على أقوال شهود الإثبات مع ما شابها من تناقض فى شأن الحالة التى ظلت عليها السيارة منذ ضبطها وحتى العثور على المخدر بها، واطرح قول الطاعن بأن المخدر يخص شخصا آخر وضعه فى مكان ضبطه ثم عاد وآخذه بهذا القول فى مقام التدليل على علمه بوجود المخدر بذلك المكان، واستظهر قصد الاتجار بالمخدر فى حق الطاعن بما لا ينتجه، وذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصّل واقعة الدعوى بقوله "أنه صباح يوم..... خرجت إحدى دوريات مكتب مخابرات حرس حدود أسوان بأمر من رئيس المكتب لتفتيش الصحراء الشرقية حيث أعدت كمينا بوادى تتش وفى حوالى الساعة الخامسة مساء شاهدت الدورية سيارة تيوتا قادمة من الجنوب إلى الشمال فطاردتها بسيارة وتبين أن المتهم.... يقودها وإلى جواره اخر سبق الحكم عليه والسيارة محملة بأجولة اللب وإذ شاهدت الدورية سيارتين آخريين قامت بمطاردتهما حيث تولى قائد القوة - الشاهد الثانى - قيادة السيارة المضبوطة وإلى جواره المتهم والشخص الآخر الذى كان معه ثم عادت القوة بالسيارات الثلاث إلى مكان الكمين وتم التحفظ عليها واثناء تردد الشخص الآخر الذى كان مع المتهم على سيارتهما لأخذ متعلقات له لاحظ قائد الدورية - الشاهد الثانى - أنه يمد يده أسفل كرسى السائق المتهم ليدفع شيئا بعيدا عن انتباه ونظر القائد فاسترعى ذلك انتباه هذا الآخير ومد يده أسفل الكرسى المذكور للكشف عن كنه هذا الشئ فاكتشف أنه كيس بلاستك بداخله كيسين بكل منهما مادة يشتبه أن تكون من مخدر الحشيش فأجرى تشديد الحراسة على المتهم ومن معه وأبلغ رئاسته فى أسوان حيث هرع الرائد..... قائد المكتب إلى مكان الضبط وأجرى تفتيش السيارة فعثر أسفل الكرسى المذكور على الكيس البلاستك وبداخله كيسين بهما قطعتين كبيرتين ثبت أنهما من مخدر الحشيش وتزنان صافيا 1224.420 جرام"، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على الصورة أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها مستمدة من أقوال رئيس مكتب مخابرات حدود أسوان والمساعد...... رئيس الدورية وزميله المساعد..... ومن تحريات مخابرات الحدود وتقرير المعمل الكيماوى ثم عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش واطرحه بقوله "ذلك بأن الثابت بالأوراق والتحقيقات وشهادة الشهود أن الشاهد الثانى المساعد........ هو قائد الدورية التى قامت بمطاردة سيارة المتهم وقام بضبطها عند اشتباهه فى تصرفات المتهم الثانى - السابق الحكم عليه - والمساعد المذكور من أعضاء الضبط القضائى العسكرى الذين لهم هذا الحق وفقا للمادة 12 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 فهو من ضباط صف المخابرات الحربية المشار إليهم بالفقرة الأولى من المادة المذكورة، كما أنه قائد الدورية وفقا للمادة 13/ 2 من القانون المذكور ومن سلطته عملا بالمادة 20 منه تفتيش الداخلين إلى مناطق الحدود والخارجين منها، ومما لا مراء فيه أن الصحراء الشرقية وهي من مناطق الحدود التي لا يخضع التفتيش داخلها للضمانات والمبررات المنصوص عليها بقانون الاجراءات الجنائية وبالتالى يحق للشاهد الثانى إجراء القبض على السيارة المضبوطة وتفتيشها بغير إذن مسبق بذلك ودون ما شرط لتوافر إحدى حالات التلبس بالجريمة". لما كان ذلك، وكانت الواقعة كما صار اثباتها بالحكم قد تم ضبطها بمعرفة رجال حرس الحدود، وقد أضفى عليهم القانون رقم 114 لسنة 1953 صفة الضبط القضائى فيما يتعلق بجرائم التهريب ومخالفة القوانين واللوائح المعمول بها فى الجهات الخاضعة لاختصاص حرس الحدود ولهم عملا بنص المادة 20 من القانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية تفتيش الداخلين والخارجين من مناطق الحدود - عسكريين كانوا أم مدنيين - باعتبارهم من أعضاء الضبط العسكرى الذين عددتهم المادة 12 من القانون المار ذكره، ولم يتطلب الشارع بالنسبة للأشخاص توافر قيود القبض والتفتيش المنظمة بقانون الاجراءات الجنائية أو اشتراط وجود المراد تفتيشه فى إحدى الحالات المبررة له فى نطاق الفهم القانونى للمبادئ المقررة فى القانون المذكور، بل أنه يكفى أن يكون الشخص داخلا أو خارجا من مناطق الحدود حتى يثبت لعضو الضبط القضائى العسكرى المختص حق تفتيشه، فإذا هو عثر أثناء التفتيش الذى يجريه على دليل يكشف عن جريمة معاقب عليها فى القانون فإنه يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم فى تلك الجريمة لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع فى ذاته ولم ترتكب فى سبيل الحصول عليه أية مخالفة. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم ينازع فى أن الضبط تم بدائرة قسم حدود اسوان وكان لا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض وكان مؤدى ما أورده الحكم أن الطاعن كان يعبر منطقة الحدود عند القبض عليه وتفتيش سيارته بمعرفة قائد دورية الحدود فإن تفتيش السيارة يكون صحيحا ويكون الحكم إذ قضى برفض الدفع ببطلان الضبط والتفتيش على أساس ذلك قد اقترن بالصواب، ولا جدوى من بعد لما يثيره الطاعن عن خطأ الحكم فيما أثبته من أنه كان يحاول الفرار قبل ضبطه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لطلب ضم الحرز وإجراء المعاينة ورفضه بقوله: "إذ أجمع شهود الاثبات على أن المخدر تم ضبطه أسفل مقعد السيارة التى كان المتهم يقودها وهو جالس عليه كما أن هذا الطلب يجافى ما أقر به المتهم ذاته بمحضر الضبط من أن الكيس الذى يحوى المخدر المضبوط كان موضوعا فى ذلك المكان..." لما كان ذلك , وكان من المقرر أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لدى المحكمة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وإذ عرض الحكم لدفاع الطاعن بشأن طلب إجراء معاينة للسيارة واطرحه للأسباب المتقدم بيانها والتى يستقيم بها اطراحه له، وكان هذا الدفاع - فى صورة الدعوى - لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة بل كان المقصود به إثارة الشبهة فى الأدلة التى اطمأنت إليها المحكمة فإنه يعتبر دفاعا موضوعيا لا تلتزم المحكمة باجابته ويكون منعى الطاعن بهذا الصدد على غير أساس. ولما كان الأصل أنه لا يشترط أن تتطابق أقوال الشهود على الحقيقة التى وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون من شأنها أن تؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الاثبات الأخرى المطروحة أمامها، وكان التناقض فى أقوال الشهود - على فرض وجوده - لا يعيب الحكم ما دام أنه استخلص الادانة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه، هذا إلى أن الدفع بشيوع التهمة أو تلفيقها موضوعى لا يستوجب ردا على استقلال ما دام الرد يستفاد ضمنا من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم، وذلك فضلا عن أن المحكمة قد عرضت لما يثيره الطاعن فى هذا الشأن واطرحته فى منطق سائغ، ومن ثم فإن منعى الطاعن فى هذا الصدد لا يكون سديدا. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع تجزئة الدليل ولو كان اعترافا والأخذ منه بما تطمئن اليه واطراح ما عداه، ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أخذ بما اطمأن إليه من أقوال الطاعن فى شأن وجود المخدر بمكان ضبطه بالسيارة واطرح ما عداه فى شأن سبب وجود ذلك المخدر فإن ما ينعاه على الحكم من دعوى التناقض فى التسبيب فى هذا الشأن لا يكون لها محل. ولما كان من المقرر أنه لا حرج على محكمة الموضوع فى استخلاص العلم بالجوهر المخدر على أنه وجه تراه متى كان ما حصلته لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلى والمنطقى - وهو ما يلم يخطئ الحكم فى تقديره - كما أن الأصل أن الاتجار فى الجوهر المخدر إنما هو واقعة مادية تستقل محكمة الموضوع بحرية التقدير فيها طالما أنها تقيمها على ما ينتجها، وإذ ما كان الحكم قد استخلص ذلك القصد من ضخامة كمية المخدر المضبوط ومن أقوال الشهود وما كشفت عنه التحريات وهو تدليل سائغ يحمل قضاء الحكم، فإن النعى عليه بالقصور يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.