أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 724

جلسة 24 من مايو سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين حسن عزام، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، ومحمود كامل عطيفة، والدكتور أحمد محمد إبراهيم، والدكتور محمد محمد حسنين.

(171)
الطعن رقم 528 لسنة 40 القضائية

(أ، ب، ج) مسئولية جنائية. رابطة السببية. ضرب. "ضرب أفضى إلى موت". إثبات. "إثبات بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير توافر علاقة السببية".
( أ ) صحة مساءلة المتهم عن جميع النتائج الناشئة عما أحدثه من إصابة. ولو كانت عن طريق غير مباشر. إلا إذا ثبت تعمد المجني عليه تجسيم مسئولية المتهم.
(ب) تقدير علاقة السببية. موضوعي. ما دام سائغاً.
(ج) توافر علاقة السببية بين إصابة المجني عليه. ووفاته الناشئة عن هذه الإصابة.
(د، هـ) إثبات. "بوجه عام". "خبرة". حكم. "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(د) عدم التزام المحكمة بالرد على التقرير الاستشاري. عند أخذها بالتقرير الفني المقدم في الدعوى. أساس ذلك؟
(هـ) إحالة الحكم إلى الأدلة التي سبق أن سردها. لا عيب.
1 - الأصل أن المتهم يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة التي أحدثها، ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه، ما لم يثبت أنه كان متعمداً ذلك لتجسيم المسئولية.
2 - إن علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد بتقديرها قاضي الموضوع، فلا تجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض، ما دام الحكم قد أقام قضاءه على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.
3 - ما قاله الحكم من أن المتهم طعن المجني عليه بمطواة في بطنه فحدثت به الإصابة التي أودت بحياته، يوفر في حق المتهم ارتكابه فعلاً عمدياً ارتبط بوفاة المجني عليه ارتباط السبب بالمسبب، لأنه لولا هذه الطعنة بالمدية لما حدثت تلك الإصابة.
4 - من المقرر أن استناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى، يفيد إطراحها للتقرير الاستشاري المقدم فيها، وليس بلازم عليها أن ترد على هذا التقرير استقلالاً.
5 - إذا كان مفاد مساق الحكم حين تحدث عن "الأدلة الأخرى" لم يقصد من هذه العبارة سوى الإحالة إلى أدلة الثبوت التي سبق أن سردها وحصل مؤداها، فإن النعي عليه بأنه لم يبين مؤدى بعض الأدلة يكون على غير سند من الواقع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 29/ 12/ 1968 بدائرة مركز إطسا محافظة الفيوم: قتل عبد الله علي ميهوب عمداً بأن طعنه بمدية كان يحملها قاصداً من ذلك قتله، فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الفيوم قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وذلك على اعتبار أن التهمة هي ضرب أفضى إلى الموت. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد انطوى على إخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الطاعن تمسك في دفاعه بأنه غير مسئول عن وفاة المجني عليه، إذ هي لم تنشأ إلا عن إهماله العلاج عن عمد وسوء قصد حين غادر المستشفى ورفض استكمال العلاج بها بعد أن أجريت له العملية الجراحية فأصيب بخراج أدى إلى وفاته، وقدم الطاعن تقريراً طبياً استشارياً مؤيداً لذلك، إلا أن الحكم لم يأخذ بهذا الدفاع ورد عليه بما لا يصلح رداً وأغفل كلية مناقشة التقرير الاستشاري. هذا إلى أن الحكم لم يبين مؤدى بعض الأدلة التي اعتمد عليها في قضائه بالإدانة مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من شهادة كل من المجني عليه وباقي شهود الإثبات ومن تقرير الصفة التشريحية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. عرض إلى ما أثاره الدفاع عن الطاعن من أن وفاة المجني عليه لم تحدث نتيجة الإصابة وإنما نتيجة سوء العلاج لرفضه البقاء في المستشفى حتى تمام شفائه ورد عليه في قوله: "وحيث إن هذا الذي ذهب إليه المتهم فضلاً عن عدم جدواه في مساءلته عن النتيجة المباشرة للإصابة التي أحدثها بالمجني عليه، فالثابت بالأوراق أن المجني عليه لم ينفك عن معالجة نفسه تحت إشراف طبيب، استعجالاً منه للشفاء وما قصد من ذلك قتل نفسه حتى يسيء إلى المتهم إلى ما أثبته السيد الطبيب الشرعي في تقريره الأخير المؤرخ 19/ 12/ 1968 أن وفاة المجني عليه كانت نتيجة مباشرة للإصابة الطعنية حسبما سلف البيان، فإذا ما تقرر ذلك وقد ثبت للمحكمة يقيناً من أقوال الشهود التي اطمأنت إليها ومن سائر أوراق الدعوى أن المتهم هو الذي أحدث طعن المجني عليه بمطواة في بطنه محدثاً الإصابة التي أودت بحياته، فإن دفاع المتهم وإنكاره يكون لا سند له مما يتعين معه إهداره" وما أورده الحكم فيما تقدم يتفق وصحيح القانون، ذلك أن الأصل أن المتهم يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التي أحدثها ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه، ما لم يثبت أنه كان متعمداً ذلك لتجسيم المسئولية، الأمر الذي لم يقل به الطاعن في دفاعه أمام محكمة الموضوع ولا سند له من أوراق الدعوى. لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم من أن الطاعن طعن المجني عليه بمطواة في بطنه فحدثت به الإصابة التي أودت بحياته يوفر في حق الطاعن ارتكابه فعلاً عمدياً ارتبط بوفاة المجني عليه ارتباط السبب بالمسبب، لأنه لولا هذه الطعنة بالمدية لما حدثت تلك الإصابة، وكان إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد بتقديرها قاضي الموضوع فلا تجوز المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض ما دام الحكم قد أقام قضاءه على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وكان ما قاله الحكم يسوغ إطراح ما دفع به الطاعن من انتفاء مسئوليته لإهمال المجني عليه في العلاج بمغادرته المستشفى قبل تمام شفائه، فإن منعي الطاعن على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن استناد المحكمة إلى التقرير الفني المقدم في الدعوى يفيد إطراحها للتقرير الاستشاري المقدم فيها، وليس بلازم عليها أن ترد على هذا التقرير استقلالاً، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من إغفاله مناقشة التقرير الطبي الاستشاري لا يكون له محل. أما ما يثيره الطاعن في صدد عدم بيان الحكم لمؤدى بعض الأدلة التي اعتمد عليها في قضائه بالإدانة فمردود بما يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه من أنه بعد أن بين مؤدى كل دليل من أدلة الثبوت التي اعتمد عليها في قضائه بالإدانة، عرض لنية القتل وأفصح من عدم اقتناع المحكمة بتوافرها بحق الطاعن مستدلاً على ذلك بأدلة عددها وانتهى إلى الاكتفاء بمساءلته عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت في قوله "وحيث إنه لما تقدم، ولما اطمأنت إليه المحكمة من أدلة أخرى يكون قد ثبت ثبوتاً قاطعاً أن المتهم...... في الزمان والمكان آنفي الذكر أحدث بالمجني عليه عبد الله ميهوب الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكنها أفضت إلى موته، الأمر المعاقب عليه بمقتضى المادة 236/ 1 من قانون العقوبات، ومفاد المساق المتقدم أن الحكم حين تحدث عن "الأدلة الأخرى" لم يقصد من تلك العبارة سوى الإحالة إلى أدلة الثبوت التي سبق أن سردها وحصل مؤداها قبل تعرضه لنية القتل وأدلة انتفائها بالنسبة للطاعن.
وحيث إنه لما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً