أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 732

جلسة 25 من مايو سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومصطفى محمود الأسيوطي.

(173)
الطعن رقم 540 لسنة 40 القضائية

( أ ) إجراءات المحاكمة. حكم. "وصف الحكم". وكالة. دعوى مدنية. "نظرها والحكم فيها".
إجازة المادة 237 إجراءات للمتهم في غير حالة الاتهام بجنحة عقوبتها الحبس - إنابة وكيل عنه يحضر المحاكمة. حضور هذا الوكيل. صدور الحكم حضورياً. صحيح.
انحصار النزاع أمام المحكمة الجنائية في مسألة مدنية. إنابة المتهم وكيلاً عنه في هذا النزاع. جائزة.
(ب، ج) تهريب جمركي. دخان. جريمة. "أركانها". قصد جنائي. اشتراك. عقوبة. "تطبيقها". إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(ب) اشتراك المتهمتين في تهريب الدخان. القضاء عليهم بالتضامن. صحيح.
(ج) حق محكمة الموضوع في استخلاص ركن العلم من ظروف الدعوى وملابساتها دون التحدث صراحة عن هذا الركن. ما دام استخلاصها سائغاً.
(د، هـ) إجراءات المحاكمة. محكمة ثاني درجة. "الإجراءات أمامها". إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
(د) عدم التزام محكمة ثاني درجة بإجراء تحقيق أو سماع شهود. نطاقه؟
سكوت المتهم عن التمسك بسماع الشهود أمام محكمة أول درجة. اعتباره نازلاً عن سماعهم.
(هـ) أخذ محكمة الموضوع بأقوال طاعن على طاعن آخر. جائز. ولو لم يكن في الدعوى دليل غيرها. أساس ذلك؟
1 - توجب المادة 237 فقرة أولى من قانون الإجراءات الجنائية على المتهم بفعل جنحة، الحضور بنفسه إذا ما استوجب هذا الفعل عقوبة الحبس، وأجازت له في الأحوال الأخرى أن يرسل وكيلاً عنه. وإذ كان ما تقدم، وكان النزاع المعروض على المحكمة الاستئنافية قد انحصر في مسألة مدنية، وكان الطاعن قد أناب وكيلاً عنه حضر بالجلسة، وكان توكيل الأخير مصرحاً فيه بالمرافعة في القضايا مدنية كانت أم جنائية، فإن الحكم الصادر ضد الطاعن المذكور في مواجهة الوكيل يكون حضورياً في حقه، ويكون النعي عليه ببطلان الإجراءات - بفرض وقوع خطأ مادي في إثبات حضور الطاعن المذكور بجلسة المحاكمة - في غير محله.
2 - تنص المادة 34 من اللائحة الجمركية المنطبقة على واقعة الدعوى على أنه "تكون العقوبات في مواد التهريب مستوجبة بطريق التضامن على الفاعلين والمشتركين في الاحتيال أياً كانوا وعلى أصحاب البضائع" ولما كان الحكم قد انتهى في استخلاص سائغ إلى أن الطاعنين كانا على علم بأمر الدخان المضبوط بالسيارة وبمسكن المتهم الرابع وبما يجري في شأنه، على نحو يكشف عن مساهمتهما في واقعة تهريبه بالاتفاق والمساعدة، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل.
3 - لمحكمة الموضوع أن تتبين ركن العلم من ظروف الدعوى وما توحي به ملابساتها ولا يشترط أن تتحدث عنه صراحة وعلى استقلال، ما دامت الوقائع كما أثبتتها تفيد بذاتها توافره، ومن ثم فإن النعي على الحكم بقصوره في التدليل على توافر هذا العلم يكون في غير محله.
4 - إن محكمة ثاني درجة تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق، وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه ولا تلتزم إلا بسماع الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة، فإذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم، وكان الطاعن قد عد نازلاً عن هذا الطلب بسكوته عن التمسك به أمام محكمة أول درجة، فإن النعي على الحكم من هذه الناحية يكون غير سديد.
5 - ليس في القانون ما يمنع المحكمة من أن تأخذ طاعن بأقوال طاعن آخر، متى كانت قد اطمأنت إليها ولو لم يكن عليه من دليل إثبات غيرها، والقول بغير ذلك فيه مساس بسلطة القاضي في تقدير الدليل وحريته في اقتناعه وتكوين عقيدته من أي دليل يطرح أمامه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كل من (1)...... (2)...... (3)...... (4)...... (5)...... بأنهم في يوم 2 نوفمبر سنة 1955 بدائرة قسم أول طنطا: أدخلوا دخاناً إلى أراضي الجمهورية العربية المتحدة بطريقة غير مشروعة دون أداء الرسوم الجمركية المقررة عليه. وطلبت عقابهم بالمادتين 1 و2 من القانون رقم 623 لسنة 1955 وأمام محكمة قسم أول طنطا الجزئية ادعت مصلحة الجمارك مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 5658 ج و100 م ودفع المتهم الرابع بعدم جواز رفع الدعوى أو اتخاذ أي إجراء فيها لعدم تقديم طلب كتابي من مدير مصلحة الجمارك أو من ينوب عنه كما دفع بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى وانضم إليه في دفعه الأخير المتهمون الأول والثالث والخامس. وطلبت النيابة العامة تعديل القيد بإضافة المادة الثانية من اللائحة الجمركية الصادرة في أبريل سنة 1884 إلى مواد القيد المرفوعة بها الدعوى، ثم قضت المحكمة بتاريخ 29 يناير سنة 1966 عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية غيابياً بالنسبة إلى المتهم الأول وحضورياً للثاني والرابع والخامس وحضورياً اعتبارياً للباقين ببراءة المتهمين مما أسند إليهم ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها مصاريفها. فاستأنفت مصلحة الجمارك هذا الحكم. ومحكمة طنطا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المدعية بالحقوق المدنية المصروفات المدنية الاستئنافية ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعنت مصلحة الجمارك في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 6 نوفمبر سنة 1967 قضت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الدعوى المدنية وإحالة القضية إلى محكمة طنطا الابتدائية لتفصل فيها من جديد دائرة استئنافية أخرى وإلزام المطعون ضدهم المصاريف المدنية ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. والمحكمة المذكورة سمعت الدعوى من جديد وقضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام المستأنف عليهم جميعاً بأن يدفعوا متضامنين إلى المدعي بالحق المدني بصفته مبلغ 2658 ج و10 م والمصروفات ومبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن وكيل الطاعنين في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعنين وآخرين بأداء التعويض المدني لمصلحة الجمارك وقدره 5658 جنيهاً و10 مليمات قد بني على البطلان في الإجراءات وأخطأ في تطبيق القانون وانطوى على الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك أنه قضى في الدعوى المدنية بالحكم الصادر بتاريخ 17 يونيه سنة 1969 تأسيساً على أن الطاعن الثاني......... حضر بجلسة المحاكمة، ورتب على ذلك أن الحكم
حضوري في حين أنه لم يحضر بالجلسة، وكان متغيباً في الأقطار الحجازية، الأمر البين من جواز سفره، فضلاً عن أن المحكمة قضت في الدعوى دون أن تجري فيها تحقيقاً. كما أن الحكم أثبت في حق الطاعن الأول........ واقعة التهريب دون أن يدلل على توافر ركن العلم في حقه، وقضى بمسئولية الطاعن الثاني استناداً إلى خطاب لا يعرف عنه شيئاً، هذا فضلاً عن أن الحكم أثبت أن كمية 528.400 كيلو جرام من الدخان ضبطت بالسيارة النقل، وأن كمية 398.200 كيلو جرام من الدخان ضبطت بمنزل..........، وانتهى الحكم إلى إلزام الطاعنين بالتضامن مع الباقين بمبلغ التعويض كله دون أن يوضح مدى صلة كل منهم بكل كمية على حدة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنها تتحصل فيما أثبته محمد زكي ماهر مفتش إنتاج طنطا في محضره المؤرخ 2 نوفمبر سنة 1955 من أنه تناهى إلى علمه من التحريات السرية. أن بعض رسائل الدخان المهربة من الرسوم الجمركية قد رحلت بالسيارة 962 نقل غربية اليوم إلى بندر طنطا فانتقل برفقته الصاغ صلاح متولي مفتش مباحث المديرية وقوة من رجال الشرطة إلى محل وقوف السيارة ثم قاموا بمراقبتها حتى حضر قائدها......... ثم جلس بجواره كل،........ و.......... - الطاعن الأول - وقبل تحرك السيارة قاموا بضبطها وبالقبض على الركاب، وقد تبين أن البضاعة التي بالسيارة عبارة عن دخان داخل جوالات وأنها تزن 528.400 كيلو جرام" وإذ سئل الطاعن الأول قرر أن عبد الصادق أمين عوض هو الذي كلفه وزميله......... بتوصيل هذا الدخان إلى......... - الطاعن الثاني - وقدم دليلاً على ذلك خطاباً صادراً من..........، وموجه إلى......... يخطره فيه بأن لديه كمية أخرى زنتها 161 أقة، 14 أقة من النوع الناعم وأثبت محقق المحضر أنه استصدر إذناً من النيابة بتفتيش محل وسكن.......... وبتفتيش مسكنه عثر على جوالات تسعة بها دخان ويزن 398.200 كيلو جرام ثم استطرد الحكم إلى استخلاص واقعة الدعوى في قوله "وحيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق أن أحمد عبد الصمد كان يقوم بإحضار الدخان المهرب من الرسوم الجمركية ويودعه لدى......... وأن محمود محمد عجيزة وحامد حسنين النقيلي........ (الطاعنان) كانوا يقومون بتوزيع هذا الدخان على عملائهم مقابل أجر معين. وقد ثبتت هذه الوقائع من اعتراف محمود محمد عجيزة وحامد حسنين النقيلي وعبد الصادق أمين عوض في محضر ضبط الواقعة ومن ضبط محمود محمد عجيزة وحامد حسنين النقيلي داخل السيارة النقل المضبوطة وعليها الدخان المهرب ومن أقوال سائق السيارة المذكورة......... والتابع....... من أن........ و......... طلباً منهما توصيل البضائع المضبوطة من شنيارة إلى طنطا وتأيدت هذه الوقائع أيضاً من ضبط تسع جوالات من الدخان المهرب بمسكن....... ومن الخطاب المضبوط مع...... والصادر من......... والموجه إلى........... والمتضمن إخطاره بأن لديه كميات أخرى تزن 161 أقة من النوع الناعم وبظهر هذا الخطاب خطاب صادر من.......... والموجه إلى.......... يخطره فيه بأنه سوف يحضر استلام البضاعة ويكلفه بإحضار باقي النقود". ولما كان يبين من ذلك أن الحكم بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جميع العناصر القانونية لفعل التهريب وكان قد أورد على ثبوته في حق الطاعنين أدلة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي رتبها الحكم عليها، من ذلك أقوال الطاعن الأول التي أوردت المحكمة مؤداها وانتهت في التدليل بها على ثبوت الفعل في حق الطاعن الثاني مؤيداً بالخطاب الموجه من.......... إلى الأخير إذ ليس في القانون ما يمنع المحكمة من أن تأخذ الطاعن الثاني بأقوال الطاعن الأول متى كانت قد اطمأنت إليها ولو لم يكن عليه من دليل إثبات غيرها والقول بغير ذلك فيه مساس بسلطة القاضي في تقدير الدليل وحرية في إقناعه وتكوين عقيدته من أي دليل يطرح أمامه. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تتبين ركن العلم من ظروف الدعوى وما توحي به ملابساتها ولا يشترط أن تتحدث عنه صراحة وعلى استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتتها تفيد بذاتها توافره، فإن النعي على الحكم بقصوره في التدليل على توافر هذا العلم يكون في غير محله. ولما كانت المادة 34 من اللائحة الجمركية المنطبقة على الواقعة تنص على أنه "تكون العقوبات في مواد التهريب مستوجبة بطريق التضامن على الفاعلين والمشتركين في الاحتيال أياً كانوا وعلى أصحاب البضائع". وكان الحكم قد انتهى في استخلاص سائغ إلى أن الطاعنين كانا على علم بأمر الدخان المضبوط بالسيارة وبمسكن....... وبما يجري في شأنه على نحو يكشف عن مساهمتها في واقعة تهريبه بالاتفاق والمساعدة، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحكمة الاستئنافية أن الدعوى نظرت بجلسة 14 يناير سنة 1969 وفيها حضر الطاعن الثاني......... وآخرين، وأجلت لجلسة 18 مارس سنة 1969 للرد على مذكرة الخزانة العامة، وأثبتت بمحضر هذه الجلسة أن المتهمين حضروا كما أثبت حضور الأستاذ إبراهيم فرج حسن عن الطاعن الثاني........ وبعد أن سمعت المحكمة الدعوى أمرت بحجزها للحكم بجلسة 22 أبريل سنة 1969 وصرحت بتقديم مذكرات في ثلاثة أسابيع وخلال تلك الفترة تقدم الحاضر عن الطاعن الثاني بمذكرته انتهى فيها إلى طلب رفض الدعوى. لما كان ذلك، وكانت المادة 237 فقرة أولى من قانون الإجراءات الجنائية إنما توجب على المتهم بفعل جنحة الحضور بنفسه إذا ما استوجب هذا الفعل عقوبة الحبس، وأجازت له في الأحوال الأخرى أن يرسل وكيلاً عنه - وإذ انحصر النزاع المعروض على المحكمة الاستئنافية في مسألة مدنية وكان الطاعن قد أناب وكيلاً عنه حضر بالجلسة، وكان توكيل الأخير وهو الأستاذ إبراهيم فرج حسن مودعاً بأوراق الدعوى ومصرحاً له فيه بالمرافعة عنه في القضايا مدنية كانت أم جنائية. وبذا فإن الحكم الصادر ضد الطاعن الثاني في مواجهة الوكيل يكون حضورياً في حقه. ومن ثم فإن النعي على الحكم ببطلان الإجراءات. بفرض وقوع خطأ مادي في إثبات حضور الطاعن الثاني بجلسة المحاكمة - يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة محاضر جلسات محكمة أول درجة أن الطاعنين أو المدافع عنهما لم يطلب أي منهما في هذه المرحلة سماع شهود، وكانت إجراءات المحاكمة قد تمت في ظل التعديل المدخل على المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية بالقانون 113 لسنة 1957 بما يخوله للمحكمة من الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك - يستوي في ذلك أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل على ذلك - فإن المحكمة لا تكون مخطئة إذا هي عولت على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة. لما كان ما تقدم، وكانت محكمة ثاني درجة إنما تحكم في الأصل على مقتضى الأوراق وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه ولا تلتزم إلا بسماع الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة - فإذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم وكان الطاعن قد عد نازلاً عن هذا الطلب بسكوته عن التمسك به أمام محكمة أول درجة فإن النعي على الحكم من هذه الناحية يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن كله يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً