مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثاني (من فبراير سنة 1956 إلى آخر مايو سنة 1956) - صـ 765

(94)
جلسة 26 من مايو سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 354 لسنة 2 القضائية

أقدمية - القانون رقم 210 لسنة 1951 - تفويضه مجلس الوزراء في تحديد أقدمية الموظف الذي قضى فترة بإحدى الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة التي يفيد منها خبرة - لمجلس الوزراء هذا الحق بالنسبة للموظفين الذين اكتسبوا خبرة في عملهم بالحكومة.
يبين من مطالعة المادتين 23 و24 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أن المشرع عني بتحديد أقدمية الموظف إذا كان قد أمضى الفترة التي قضاها خارج الحكومة مشتغلاً بإحدى الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة التي يفيد منها خبرة، وفوض مجلس الوزراء - باعتباره الجهة الأصلية في تنظيم شئون الموظفين - في تحديد أقدمية هذا الموظف بمراعاة مدة خدمته في الهيئات أو المؤسسات المشار إليها، فمن باب أولى - وبحكم اللزوم - يكون لمجلس الوزراء هذه السلطة بالنسبة إلى الموظفين الذين اكتسبوا خبرة من ممارسة عملهم داخل الحكومة بتوجيهها وتحت إشرافها ورقابتها، وبهذه المثابة هم أولى بالتقدير في هذا الخصوص، ولا يتصور أن يكون الشارع قد فوض مجلس الوزراء في هذه السلطة بالنسبة لأولئك وحرمه منها بالنسبة لهؤلاء؛ ويؤكد هذا النظر ما نصت عليه المادة 12 من القانون رقم 210 لسنة 1951 سالف الذكر حيث أجازت إعفاء المرشح لوظيفة من الدرجة الثامنة الفنية من شرط الحصول على المؤهل العلمي إذا كان قد مارس بنجاح مدة سبع سنوات على الأقل في المصالح الحكومية أعمالاً فنية مماثلة لأعمال الوظيفة المرشح لها، في حين أن الخبرة الفنية خارج العمل الحكومي مهما طالت لا تسوغ هذا الإعفاء؛ مما يقطع بأن الشارع يعتد بالخبرة في العمل الحكومي أكثر مما يعتد بها خارجه.


إجراءات الطعن

في 20 من فبراير سنة 1956 أودع رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الدائرة الخامسة) بجلسة 25 من ديسمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 3751 لسنة 8 ق المرفوعة من وزارة المواصلات ضد إمام علي، القاضي: "برفض الطعن وإلزام الحكومة بالمصروفات"، وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن: "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء قرار اللجنة القضائية، والقضاء برفض التظلم، وإلزام المتظلم بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 24 من مارس سنة 1956، وإلى المطعون ضده في أول أبريل سنة 1956، وعين لنظر الطعن جلسة 21 من أبريل سنة 1956، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المطعون ضده قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة المواصلات قيد برقم 5977 لسنة 1 ق جاء به أنه التحق بخدمة مصلحة التلغرافات والتليفونات باليومية في أول أغسطس سنة 1918، وعين بالشهرية في أول ديسمبر سنة 1932، ثم رقي إلى الدرجة الثامنة المخصصة لوظيفة مساعد فني في 23 من أبريل سنة 1951. وقد قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في 6 من مايو سنة 1953 اعتبار أقدمية موظفي الدرجة الثامنة الفنيين الحاليين من غير ذوي المؤهلات الدراسية بعد مضي سبع سنوات من تاريخ تعيينهم في وظائف عمال اليومية إذا كانت مدة العمل بها غير منقطعة وكانت أعمالهم مماثلة لأعمال وظائفهم في الدرجة الثامنة الفنية. وطلب المطعون ضده استناداً إلى قرار مجلس الوزراء سالف الذكر تعديل أقدميته في الدرجة الثامنة بجعلها راجعة إلى 11 من أكتوبر سنة 1930 بدلاً من 23 من أبريل سنة 1951 ثم اعتباره مرقى إلى الدرجة السابعة الفنية اعتباراً من 18 من ديسمبر سنة 1952 وهو التاريخ التالي لانقضاء خمس عشرة سنة عليه في الدرجة الثامنة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 329 لسنة 1952. وبجلسة 15 من سبتمبر سنة 1953 "قررت اللجنة القضائية اعتبار أقدمية المتظلم في الدرجة الثامنة من أول أغسطس سنة 1925 واستحقاقه الترقية للدرجة السابعة بصفة شخصية اعتباراً من اليوم التالي لانقضاء خمس عشرة سنة عليه في الدرجة الثامنة وذلك بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من مايو سنة 1953 وللقانون رقم 94 لسنة 1953"؛ استناداً إلى أن الشروط الواردة بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من مايو سنة 1953 منطبقة على المتظلم، ومن ثم تكون أقدميته في الدرجة الثامنة بعد سبع سنوات من التحاقه بالخدمة أي في أول أغسطس سنة 1925، ويكن مستحقاً للترقية إلى الدرجة التالية بصفة شخصية طبقاً للمادة 40 مكررة من القانون رقم 94 لسنة 1953؛ وذلك لأنه يكون قد أمضى في درجته الحالية أكثر من خمس عشرة سنة. وبصحيفة أوعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 4 من فبراير سنة 1954 طعنت الحكومة في قرار اللجنة القضائية سالف الذكر طالبة إلغاءه؛ على أساس أن اللجنة القضائية قد وقعت في خطأ مادي؛ إذا حسبت للمطعون ضده مدة السبع السنوات الواردة في قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من مايو سنة 1953 من تاريخ تعيينه مع أنه عين في وظيفته قبل بلوغه سن الثامنة عشرة مما يتنافى مع القوانين المالية المعمول بها، وأنه كان يجب حساب مدة السبع السنوات بعد بلوغه السن القانوني حتى يكون القرار سليماً صحيحاً. وبجلسة 25 من ديسمبر سنة 1955 قضت المحكمة: "برفض الطعن وألزمت الحكومة بالمصروفات"، وأقامت قضاءها على: "أن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده التحق بالخدمة في أول أغسطس سنة 1918 أي أنه عين قبل صدور كادر سنة 1939 ولم تك ثمة قيود مقررة بالنسبة لسن الالتحاق بالخدمة وبذلك يكون المطعون ضده قد اكتسب مركزاً ذاتياً في ظل القوانين واللوائح السابقة ولا يتسنى المساس بهذا المركز الذي نشأ وتم قبل صدور كادر سنة 1939 فلا وجه بعد ذلك لعدم احتساب المدد التي قضاها المطعون ضده في الخدمة قبل بلوغه سن الثامنة عشرة في تقدير أقدميته في الدرجة الثامنة"، وبذلك تعتبر أقدميته في الدرجة الثامنة من أول أغسطس سنة 1925، أي بعد سبع سنوات من التحاقه بالخدمة الحاصل في أول أغسطس سنة 1918 وأنه: "متى اعتبرت أقدمية المطعون ضده في الدرجة الثامنة راجعة إلى أول أغسطس سنة 1925 فإنه يكون مستحقاً للترقية إلى الدرجة التالية بصفة شخصية طبقاً للمادة 40 مكررة من القانون رقم 94 لسنة 1953؛ لأنه يكون قد أمضى في الدرجة الثامنة أكثر من خمس عشرة سنة".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن وزارة المالية تقدمت إلى مجلس الوزراء بمذكرة مؤرخة 25 من أبريل سنة 1953 استعرضت فيها نص المادة 12 من قانون التوظف والمادة 9 من كادر سنة 1939 والمادة 24 من القانون المذكور وقرار المجلس في 17 من ديسمبر سنة 1952 تنفيذاً لها، ولما كان القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن موظفي الدولة في مادته الثانية عشرة يجعل الخبرة الفنية معادلة للشهادة الفنية المتوسطة، فمن العدالة تعديل أقدمية الموظفين الحاليين بالدرجة الثامنة الفنية غير المؤهلين طبقاً للقواعد الآتية: 1 - تعتبر أقدمية موظفي الدرجة الثامنة الفنية الحاليين من غير ذوي المؤهلات الدراسية بعد مضي سبع سنوات من تاريخ تعيينهم في وظائف عمال اليومية إذا كانت مدة العمل بها غير منقطعة وكانت أعمالهم مماثلة لأعمال وظائفهم بالدرجة الثامنة الفنية. 2 - لا يترتب على تعديل الأقدمية أية زيادة في الماهية. وقد وافق مجلس الوزراء على ما جاء بهذه المذكرة في 6 من مايو سنة 1953. وفي 17 من أغسطس سنة 1953 وافق مجلس الوزراء على تعديل القاعدة الأولى الواردة بالمذكرة التي وافق عليها في 6 من مايو سنة 1953 على النحو الآتي: (تعتبر أقدمية موظفي الدرجة الثامنة الفنية الحاليين من ذوي المؤهلات الدراسية التي لا تجيز التعيين في هذه الدرجة وغير ذوي المؤهلات بعد مضي سبع سنوات من تاريخ تعيينهم في وظائف خارج الهيئة أو باليومية أو بمكافأة أو بمربوط ثابت أو على درجة تاسعة إذا كانت مدة العمل بها غير منقطعة وكانت أعمالهم مماثلة لأعمال وظائفهم بالدرجة الثامنة الفنية). وفي 24 من نوفمبر سنة 1954 وافق مجلس الوزراء على مذكرة لوزارة المالية بعدم حساب الأقدمية الاعتبارية المقررة بقراريه الصادرين في 6 من مايو سنة 1953 و17 من أغسطس سنة 1953 ضمن المدد التي يجوز إدخالها في تطبيق المادة 40 مكررة من القانون رقم 210 لسنة 1951. وظاهر مما سبق بيانه أن تنظيم الأقدمية في الدرجة الثامنة الفنية قد صدرت بها قرارات مجلس الوزراء في 6 من مايو و17 من أغسطس سنة 1953 و24 من نوفمبر سنة 1954، أي في ظل قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951، وهي تتضمن تنظيم أقدمية المعينين في الدرجة الثامنة قبل صدور قانون التوظف، ومن عين منهم بعد صدور ذلك القانون، أما بالنسبة للمعينين قبل صدور قانون التوظف فإن تنظيم أقدميتهم وردها إلى تاريخ سابق بقرار من مجلس الوزراء لا بقانون قد جاء مخالفاً لروح قانون التوظف، فهو تنظيم منحرف في هذا الصدد عن الغاية الكبرى التي هدف إليها التشريع البرلماني الأصلي للموظف والوظيفة، وبالتالي فهو تنظيم غير مشروع قانوناً، وأما بالنسبة لمن عين بعد صدور قانون التوظف فإن هذا التنظيم قد جاء مخالفاً للمادة 25 من قانون التوظف التي تنص على اعتبار الأقدمية في الدرجة من تاريخ التعيين مخالفة صريحة، فهو أيضاً في هذه الناحية غير مشروع قانوناً. ولعل هذه المخالفة في صورتيها هي التي أوحت إلى وزارة المالية استصدار قرار 24 من نوفمبر سنة 1954، بحيث لا يترتب على هذه الأقدمية الاعتبارية أي أثر في الترقيات الحتمية طبقاً للمادة 40 مكررة من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 حتى تبعد أثرها عن مجال تنظيمات القانون المستقرة تشريعياً. حقيقة إن اختصاص مجلس الوزراء في تنظيم شئون الموظفين اختصاص أصيل ولم ينزع قانون التوظف منه هذا الاختصاص، إلا أن هذا القانون - من ناحية أخرى - قد هدف إلى غرض عام هو تثبيت شئون الموظفين التي تولاها بالتنظيم، ومن ثم فلا يجوز قانوناً لمجلس الوزراء أن يعود لينظم مسائل سابقة على نفاذ ذلك القانون؛ لأن في هذا التنظيم مخالفة للغرض الذي رمى إليه المشرع، وهو تثبيت مسائل الموظفين التي نظمها بقانون اعتباراً من أول يوليه سنة 1951، وهذا هو الانحراف بالقرار الإداري الصادر من مجلس الوزراء عن المصلحة العامة التي ارتآها قانون التوظف من استقرار تنظيماته في قالب تشريعي. وبناء على ما تقدم، فإن المطعون ضده لم يتولد له حق في رد أقدميته في الدرجة الثامنة إلى تاريخ سابق؛ لأنه القرار الذي يستند إليه لا يملك - في ظل قانون التوظف - أن ينشئ هذا الحق عن طريق تعديل المراكز القانونية التي كانت قائمة.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة المادتين 23 و24 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، أن المشرع عني بتحديد أقدمية الموظف إذا كان قد أمضى الفترة التي قضاها خارج الحكومة مشتغلاً بإحدى الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة التي يفيد منها خبرة، وفوض مجلس الوزراء - باعتباره الجهة الأصلية في تنظيم شئون الموظفين - في تحديد أقدمية هذا الموظف بمراعاة مدة خدمته في الهيئات أو المؤسسات المشار إليها، فمن باب أولى - وبحكم اللزوم - يكون لمجلس الوزراء هذه السلطة بالنسبة إلى الموظفين الذين اكتسبوا خبرة من ممارسة عملهم داخل الحكومة بتوجيهها وتحت إشرافها ورقابتها، وبهذه المثابة هم أولى بالتقدير في هذا الخصوص. ولا يتصور أن يكون الشارع قد فوض مجلس الوزراء في هذه السلطة بالنسبة لأولئك وحرمه منها بالنسبة لهؤلاء؛ ويؤكد هذا النظر ما نصت عليه المادة 12 من القانون رقم 210 لسنة 1951 سالف الذكر؛ حيث أجازت إعفاء المرشح لوظيفة من الدرجة الثامنة الفنية من شرط الحصول على المؤهل العلمي إذا كان قد مارس بنجاح مدة سبع سنوات على الأقل في المصالح الحكومية أعمالاً فنية مماثلة لأعمال الوظيفة المرشح لها، في حين أن الخبرة الفنية خارج العمل الحكومي مهما طالت لا تسوغ هذا الإعفاء؛ مما يقطع بأن الشارع يعتد بالخبرة في العمل الحكومي أكثر مما يعتد بها خارجه.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.