أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 935

جلسة 13 من نوفمبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: يعيش محمد رشدي، ومحمد وهبه، وأحمد طاهر خليل، ومحمد علي بليغ.

(194)
الطعن رقم 667 لسنة 47 القضائية

(1 و2 و3) تزوير. دعوى مدنية. "سقوط حق المدعي المدني في الالتجاء إلى الطريق الجنائي". اختصاص. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(1) إقامة دعوى الطرد الغصب أمام القضاء المدني. لا يسقط الحق في إقامة دعوى التعويض عن تزوير عقد إيجار العين المغتصبة أمام القضاء الجنائي. علة ذلك. اختلاف موضوع الدعويين.
(2) طلب ضم القضية لا يستلزم رفضه رداً صريحاً. ما دام لا يترتب عليه القضاء بالبراءة أو نفي القوة التدليلية القائمة في الدعوى.
(3) استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
الأدلة في المواد الجنائية ضمائم متساندة. عدم جواز مناقشتها كل على حدة.
1 - لما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى في قوله: "حيث إن وقائع الدعوى حسبما تبين من أوراقها حاصلها أن المدعي بالحق المدني...... أقام الدعوى الماثلة بطريق الجنحة المباشرة بعريضة أعلنت قانوناً للمدعي عليها في 19/ 10/ 1971 طلب في ختامها الحكم على المدعى عليه الأول – الطاعن بالعقوبة المقررة بالمادة 215 ع بوصف أنه زور عقد الإيجار المؤرخ 6/ 10/ 1971 بأن وقع على العقد المذكور بتوقيعين مزورين نسب صدورهما للمدعي وزور عليه العقد جملة وتفصيلاً بأن ادعى صدوره من المدعي واستعمل العقد المذكور بأن قدمه في الشكوى 3190 إداري سنة 1971 وبإلزام المدعى عليه الأول بأن يدفع مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت وإلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع النفاذ المعجل وبلا كفالة، وقال شرحاً لدعواه أن المدعى عليه الأول...... كان قد تأخر عليه قيمة إيجار دكان من ملكه بشارع سعد زغلول بندر بلبيس وأنه حكم لصالح المدعي في الدعوى رقم 108 سنة 13 ق المنصورة بجلسة 9/ 1/ 1970 بإخلاء الدكان وتسليمه للمدعي ولما أراد المدعي التنفيذ بالإخلاء والتسليم بعد عدة إشكالات قضي فيها بالرفض وبالاستمرار في التنفيذ وبعد الإخلاء والتسليم نفاذاً للحكم سالف الذكر اغتصب المدعي عليه الأول العين مع شقيقه وآخرين فقدم المدعي شكوى عن ذلك. وفي تحقيقات الشكوى تقدم المدعى عليه الأول بعقد إيجار مؤرخ 6/ 10/ 1971 نسب صدوره للمدعي مدعياً أنه بعد أن تسلم الدكان أجره إليه بالعقد الذي تقدم به وأنه استلم منه مبلغ 50 ج مقدم إيجار وذلك في الشكوى رقم 3190 إداري سنة 1971 بلبيس، وأنه لما كان قد أصيب بأضرار جسيمة من جراء فعل المدعى عليه الأول فهو يقيم الدعوى وطلب في ختام صحيفتها الحكم بالطلبات سالفة الذكر"، عرض إلى الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى وأطرحه على أساس أن المدعي بالحق المدني لم يطلب في الدعوى المستعجلة المرفوعة منه أمام المحكمة المدنية إلا طرد الطاعن وهي تختلف في موضوعها عن دعواه المباشرة أمام محكمة الجنح بطلب تعويض الضرر الناشئ عن تزوير عقد الإيجار واستعماله. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم وأسس عليه قضاءه صحيحاً في القانون إذ دل الحكم على أن موضوع الدعوى أمام القضاء المستعجل هي طرد أساسه الغصب فإن هذا النزاع لا يمنع من طلب تعويض الضرر الناشئ عن تزوير عقد الإيجار ولو كان هذا العقد مرتبطاً بدعوى الغصب لاختلاف موضوع الدعويين ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله.
2 - لما كان النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع لالتفاته عن طلب ضم القضية رقم 951 سنة 1971 مدني مستعجل بلبيس مردوداً بأن الثابت بالأوراق أن قصد الدفاع من هذا الطلب لم يكن إلا إثبات مقومات دفعه بعدم قبول الدعوى لسقوط حق المدعي المدني في اختيار الطريق الجنائي، وكان الطاعن قد قدم للمحكمة صورة من الحكم الصادر في تلك الدعوى على ما أثبتته المحكمة في حكمها فإنها لم تكن في حاجة إلى أكثر من الاطلاع على هذه الصورة لكي تفصل في هذا الدفع إذ فيها غناء عن ضم القضية، ومن ثم فلا يحق للطاعن – من بعد – إثارة دعوى الإخلال بحقه في الدفاع لالتفات المحكمة عن طلب ضم القضية المذكورة ما دامت قد رأت في حدود حقها عدم حاجة الدعوى إلى هذا الإجراء، هذا فضلاً عما هو مقرر من أن طلب الدفاع ضم القضية لا يستلزم عند رفضه رداً صريحاً ما دام الدليل الذي قد يستمد منه ليس من شأنه أن يؤدي إلى البراءة أو ينفي القوة التدليلية القائمة في الدعوى – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فقد بات هذا الوجه من النعي في غير محله متعين الرفض.
3 - لما كان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن في دفاعه من أنه استلم عقد الإيجار بحالته من المطعون ضده وأطرح هذا الدفاع مدللاً على ثبوت مساهمة الطاعن في ارتكاب التزوير بما ساقه من عناصر أو قرائن سائغة اقتنع بها وجدانه خلص منها إلى أن الطاعن لابد ضالع في تزوير عقد الإيجار وأنه مسئول عن هذه الجريمة ولو أنه لم يرتكب التزوير بنفسه لأنه يكفي اشتراكه فيها، وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم من قبيل فهم الواقع في الدعوى مما يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع التي لها أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة التي تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ولا شأن لمحكمة النقض فيما تستخلصه ما دام استخلاصها سائغاً، لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع لا تلتزم ببيان سبب إعراضها عن أقوال شهود النفي، وكان ما ساقه الطاعن في شأن اطراح المحكمة لأقوال شاهدي نفيه لا يعدو المجادلة في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في شأن الدليل المستمد من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير في غير محله، ذلك أن الحكم لم يقتصر في إثبات التهمة قبل الطاعن على مجرد الدليل المستمد من ذلك التقرير، بل ارتكن على العناصر الأخرى التي أوردها والتي تساند ذلك التقرير، ومن ثم فلا يقبل من الطاعن الاكتفاء بمناقشة دليل بعينه دون باقي الأدلة، ذلك أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعه تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه – وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يجادل في وجه طعنه إن ما استند إليه الحكم له أصله الثابت بالأوراق بل يتجه منعاه في واقع الأمر إلى النعي على المحكمة إطراحها أقوال شاهدي النفي وأخذها بأدلة الثبوت في الدعوى مما يعد نعياً على تقدير الدليل، ومحاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح، وهو ما لا يقبل أمام محكمة النقض لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض.


الوقائع

أقام المدعي بالحقوق المدنية دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة جنح بلبيس الجزئية ضد الطاعن بوصف أنه زور عقد الإيجار المؤرخ 6 من أكتوبر سنة 1971 بأن وقع عليه بتوقيعين مزورين نسب صدورهما إليه كما استعمل العقد المزور المذكور بأن قدمه في الشكوى رقم 3190 إداري سنة 1971. وطلب معاقبته بالمادة 215 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع إليه مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام والمادة 32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر وكفالة خمسمائة قرش لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. فاستأنف المحكوم عليه، ومحكمة الزقازيق الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت اعتبارياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات وتأييده فيما عدا ذلك، عارض، وقضي في معارضته بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً وتأييد الحكم المعارض فيه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والفساد في الاستدلال، فقد دفع الطاعن بسقوط حق المدعي – المطعون ضده – في تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر لسبق التجائه إلى الطريق المدني برفع الدعوى رقم 959 سنة 1971 مدني مستعجل بلبيس على الطاعن ومع اتحاد الدعويين في السبب والموضوع والخصوم إذ كلاهما يستند إلى العقد المزور فإن المحكمة لم تأخذ بذلك وذهبت خطأ إلى وجود اختلاف في موضوع الدعويين على أساس أن الأولى دعوى طرد مستعجلة والثانية دعوى تعويض عن الضرر الناشئ عن تزوير عقد الإيجار، كما طلب الدفاع عن الطاعن ضم الدعوى المستعجلة على أساس أنها تدل على أن المطعون ضده لجأ إلى القضاء المدني أولاً ثم عاد فرفع دعواه المباشرة، إلا أن المحكمة أطرحت هذا الطلب ولم ترد عليه هذا وقد دفع الطاعن تهمة التزوير بأنه تسلم عقد الإيجار بحالته من المطعون ضده وأن أقوال شاهدي النفي أمام المحكمة قطعت في الدلالة على صحة هذا الدفاع وتبرئة ساحته إلا أن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفاع ملتفتاً عن دلالة هذه الحقائق الثابتة بالأوراق وعول في إدانة الطاعن على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير مع أنه لا يصلح دليلاً على ثبوت الاتهام المسند إلى الطاعن إذ انتهى هذا التقرير إلى أن التوقيعات المزورة على عقد الإيجار لم تكتب بخط الطاعن وكل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى في قوله: "حيث إن وقائع الدعوى حسبما تبين من أوراقها حاصلها أن المدعي بالحق المدني...... أقام الدعوى الماثلة بطريق الجنحة المباشرة بعريضة أعلنت قانوناً للمدعي عليهما في 19/ 10/ 1971 طلب في ختامها الحكم على المدعى عليه الأول – الطاعن - بالعقوبة المقررة بالمادة 215 ع بوصف أنه زور عقد الإيجار المؤرخ 6/ 10/ 1971 بأن وقع على العقد المذكور بتوقيعين مزورين نسب صدورهما للمدعي وزور عليه العقد جملة وتفصيلاً بأن ادعى صدوره من المدعي واستعمل العقد المذكور بأن قدمه في الشكوى 3190 إداري سنة 1971 وبإلزام المدعى عليه الأول بأن يدفع مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت وإلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع النفاذ المعجل وبلا كفالة، وقال شرحاً لدعواه أن المدعى عليه الأول...... كان قد تأخر عليه قيمة إيجار دكان من ملكه بشارع سعد زغلول بندر بلبيس وأنه حكم لصالح المدعي في الدعوى رقم 108 سنة 13 ق المنصورة بجلسة 9/ 1/ 1970 بإخلاء الدكان وتسليمه للمدعي ولما أراد المدعي التنفيذ بالإخلاء والتسليم بعد عدة إشكالات قضي فيها بالرفض والاستمرار في التنفيذ وبعد الإخلاء والتسليم نفاذاً للحكم سالف الذكر اغتصب المدعى عليه الأول العين مع شقيقه وآخرين فقدم المدعي شكوى عن ذلك. وفي تحقيقات الشكوى تقدم المدعى عليه الأول بعقد إيجار مؤرخ 6/ 10/ 1971 نسب صدوره للمدعي مدعياً أنه بعد أن تسلم الدكان أجره إليه بالعقد الذي تقدم به وأنه استلم منه مبلغ 50 جنيهاً مقدم إيجار وذلك في الشكوى رقم 3190 إداري سنة 1971 بلبيس، وأنه لما كان قد أصيب بأضرار جسيمة من جراء فعل المدعى عليه الأول فهو يقيم الدعوى وطلب في ختام صحيفتها الحكم بالطلبات سالفة الذكر". عرض إلى الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى وأطرحه على أساس أن المدعي بالحق المدني لم يطلب في الدعوى المستعجلة المرفوعة منه أمام المحكمة المدنية إلا طرد الطاعن وهي تختلف في موضوعها عن دعواه المباشرة أمام محكمة الجنح بطلب تعويض الضرر الناشئ عن تزوير عقد الإيجار واستعماله، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم وأسس عليه قضاءه صحيحاً في القانون إذ دل الحكم على أن موضوع الدعوى أمام القضاء المستعجل هي طرد أساسه الغصب فإن هذا النزاع لا يمنع من طلب تعويض الضرر الناشئ عن تزوير عقد الإيجار ولو كان هذا العقد مرتبطاً بدعوى الغصب لاختلاف موضوع الدعويين ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله، لما كان ذلك، وكان النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع لالتفاته عن طلب ضم القضية رقم 951 سنة 1971 مدني مستعجل بلبيس مردوداً بأن الثابت بالأوراق أن مقصد الدفاع من هذا الطلب لم يكن إلا إثبات مقومات دفعه بعدم قبول الدعوى لسقوط حق المدعي المدني في اختيار الطريق الجنائي، وكان الطاعن قد قدم للمحكمة صورة من الحكم الصادر في تلك الدعوى على ما أثبتته المحكمة في حكمها فإنها لم تكن في حاجة إلى أكثر من الاطلاع على هذه الصورة لكي تفصل في هذا الدفع إذ فيها غناء عن ضم القضية، ومن ثم فلا يحق للطاعن – من بعد – إثارة دعوى الإخلال بحقه في الدفاع لالتفات المحكمة عن طلب ضم القضية المذكورة ما دامت قد رأت في حدود حقها عدم حاجة الدعوى إلى هذا الإجراء، هذا فضلاً عما هو مقرر من أن طلب الدفاع ضم القضية لا يستلزم عند رفضه رداً صريحاً ما دام الدليل الذي قد يستمد منه ليس من شأنه أن يؤدي إلى البراءة أو ينفي القوة التدليلية القائمة في الدعوى – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ومن ثم فقد بات هذا الوجه من النعي في غير محله متعين الرفض. لما كان ذلك،و كان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن في دفاعه من أنه استلم عقد الإيجار بحالته من المطعون ضده وأطرح هذا الدفاع مدللاً على ثبوت مساهمة الطاعن في ارتكاب التزوير بما ساقه من عناصر أو قرائن سائغة اقتنع بها وجدانه خلص منها إلى أن الطاعن لا بد ضالع في تزوير عقد الإيجار وأنه مسئول عن هذه الجريمة ولو أنه لم يرتكب التزوير بنفسه لأنه يكفي اشتراكه فيها، وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم من قبيل فهم الواقع في الدعوى مما يدخل في نطاق سلطة محكمة الموضوع التي لها أن تتبين حقيقة الواقعة وتردها إلى صورتها الصحيحة التي تستخلصها من جماع الأدلة المطروحة عليها متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ولا شأن لمحكمة النقض فيما تستخلصه ما دام استخلاصها سائغاً، لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع لا تلتزم ببيان سبب إعراضها عن أقوال شهود النفي، وكان ما ساقه الطاعن في شأن اطراح المحكمة لأقوال شاهدي نفيه لا يعدو المجادلة في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن في شأن الدليل المستمد من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير في غير محله، ذلك أن الحكم لم يقتصر في إثبات التهمة قبل الطاعن على مجرد الدليل المستمد من ذلك التقرير، بل ارتكن على العناصر الأخرى التي أوردها والتي تساند ذلك التقرير، ومن ثم فلا يقبل من الطاعن الاكتفاء بمناقشة دليل بعينه دون باقي الأدلة، ذلك أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعه تكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه – وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره، لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يجادل في وجه طعنه أن ما استند إليه الحكم له أصله الثابت بالأوراق، بل يتجه منعاه في واقع الأمر إلى النعي على المحكمة إطراحها أقوال شاهدي النفي وأخذها بأدلة الثبوت في الدعوى ما يعد نعياً على تقدير الدليل، ومحاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح، وهو ما لا يقبل أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد اطمأن إلى أدلة الدعوى التي كون منها عقيدته ورتب عليها النتائج السائغة التي انتهى إليها والتي تتوافر بها العناصر القانونية لجريمتي التزوير والاستعمال التي دان الطاعن بهما ورد على دفاعه بما يفنده، فإن النعي على الحكم بالقصور والفساد في الاستدلال لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض.