أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 760

جلسة 31 من مايو سنة 1970

برياسة السيد/ المستشار نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، وأنور خلف، ومحمود عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(179)
الطعن رقم 616 لسنة 40 القضائية

(أ، ب) وصف التهمة. إجراءات المحاكمة.
( أ ) تغيير المحكمة وصف الأفعال التي وقع بها القتل على غير ما جاء بأمر الإحالة. لا عيب. التغيير المحظور هو الذي يقع في الأفعال المؤسسة عليها التهمة دون التفصيلات التي يكون الغرض من ذكرها إلمام المتهم بموضوع الاتهام كمحل وقوع الجريمة.
(ب) للمحكمة استبانة الصورة الصحيحة التي وقع بها الحادث من كافة ظروف الدعوى وأدلتها المطروحة.
(ج، د) جريمة. "الجريمة المستحيلة" قتل عمد. "الشروع في القتل". نقض. "المصلحة في الطعن". عقوبة. "العقوبة المبررة". ارتباط.
(ج) متى تعتبر الجريمة في عداد الجرائم المستحيلة؟ مثال في جريمة شروع في قتل عمد.
(د) ما يثيره الطاعن من أن جريمة الشروع في القتل المسندة إليه مستحيلة. لا جدوى منه. طالما أن المحكمة قد دانته في جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد باعتبارها الجريمة الأشد.
(هـ) فاعل أصلي. قتل عمد. مسئولية جنائية.
وجود المتهمين جميعاً على مسرح الجريمة وإطلاقهم النار على المجني عليه تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه. تحقق مسئوليتهم جميعاً عن جريمة قتل المجني عليه عمداً كفاعلين أصليين سواء أكان مطلق الأعيرة التي أودت بحياة المجني عليه معلوماً أو غير معلوم.
(و، ز، ح، ط، ي) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهود". "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(و) لمحكمة الموضوع كامل الحرية في استمداد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه له مأخذه الصحيح من الأوراق.
(ز) للمحكمة أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود المختلفة وإطراح ما لا تثق فيه دون أن تكون ملزمة ببيان العلة.
(ح) وزن أقوال الشهود. موضوعي.
(ط) تناقض الشهود في بعض التفاصيل لا يعيب الحكم. شرط ذلك؟
(ي) لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها.
(ك) دفوع. "الدفع بتلفيق التهمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بتلفيق التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية. عدم لزوم الرد عليه استقلالاً. كفاية الرد الضمني.
1 - لا يعيب الحكم تغييره وصف الأفعال التي وقع بها القتل على غير ما جاء بأمر الإحالة، ذلك بأنه وإن كان لا يجوز للمحكمة أن تغير في التهمة بأن تسند إلى المتهم أفعالاً غير التي رفعت بها الدعوى عليه، إلا أن التغيير المحظور هو الذي يقع في الأفعال المؤسسة عليها التهمة، أما التفصيلات التي يكون الغرض من ذكرها في بيان التهمة هو أن يلم المتهم بموضوع الاتهام كمحل وقوع الجريمة، فإن للمحكمة أن تردها إلى صورتها الصحيحة ما دامت فيما تجريه لا تخرج عن نطاق الواقعة ذاتها التي تضمنها أمر الإحالة والتي كانت مطروحة على بساط البحث.
2 - للمحكمة أن تستبين الصورة الصحيحة التي وقع بها الحادث أخذاً من كافة ظروف الدعوى وأدلتها المطروحة والتي دارت عليها المرافعة.
3 - لا تعتبر الجريمة في عداد الجرائم المستحيلة إلا إذا لم يكن في الإمكان تحققها مطلقاً كأن تكون الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البتة لذلك. أما إذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن لم تتحقق بسبب ظرف آخر خارج عن إرادة الجاني، فإنه لا يصح القول بالاستحالة. فإذا كان الثابت أن الطاعن الأول أطلق النار على المجني عليه من بندقية خرطوش عيار 16 قاصداً قتله فأصابه في أذنه اليسرى، ودل التقرير الطبي الشرعي أنه أصيب بجرح سطحي بأعلى صيوان الأذن اليسرى يحدث من عيار ناري أطلق من مثل أي البندقيتين الخرطوش المضبوطتين عيار 16 وعيار 12 وأن كلاً من البندقيتين صالحة للاستعمال وأطلقت في وقت يتفق وتاريخ الحادث فهذا يكفي لتحقق جريمة الشروع في القتل، أما كون المجني عليه لم يصب إلا برشة واحدة فلا يفيد استحالة ارتكاب الجريمة بها لأنه ظرف خارج عن إرادة الجاني قد يحول دون إتمامها [(1)].
4 - لا جدوى مما يثيره الطاعن، من أن جريمة الشروع في القتل تعتبر مستحيلة ما دامت المحكمة قد دانته في جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد باعتبارها الجريمة الأشد.
5 - متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في منطق سليم وبأدلة سائغة وجود الطاعنين جميعاً على مسرح الجريمة، وإطلاقهم الأعيرة النارية على المجني عليه تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه، فإن في هذا ما تتحقق به مسئولية الطاعنين جميعاً عن جناية قتل المجني عليه عمداً كفاعلين أصليين فيها طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات، يستوي في هذا أن يكون مطلق الأعيرة التي أودت بحياة المجني عليه معلوماً معيناً بالذات أو غير معلوم، ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد.
6 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق.
7 - لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الدليل فلها أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود المختلفة وتطرح أقوال من لا تثق فيه ولا تطمئن إلى صحة روايته وهي إذ تفعل ذلك لا تكون ملزمة ببيان العلة لأن الأمر مرجعه إلى اقتناعها وحدها.
8 - وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه.
9 - إن تناقض الشهود في بعض التفاصيل بفرض وقوعه لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وما دام أنه لم يورد تلك التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته.
10 - لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، ما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك.
11 - الدفع بتلفيق التهمة هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بالرد عليها استقلالاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 21/ 9/ 1963 بدائرة مركز البدرشين محافظة الجيزة: قتلوا محمد عبد الجليل عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا أسلحة نارية وترصدوا مروره في الطريق الذي اعتاد سلوكه حتى إذا ما ظفروا به أطلقوا عليه ثلاثة أعيرة نارية قاصدين قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين أخريين هما أن المتهم الأول في الزمان والمكان سالفي الذكر (أولاً) شرع في قتل محمود رياض عيسى عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج. (ثانياً) شرع في قتل مريم عبد الرؤوف عمداً بأن أطلق عياراً نارياً من بندقية صوب رياض محمود عيسى فأخطأه وأصاب المجني عليها المذكورة وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو إسعاف المجني عليها بالعلاج الأمر المنطبق على المواد 45، 46، 23/ 1 من قانون العقوبات. المتهم الثاني أيضاً ( أ ) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً بندقية لي أنفيلد (ب) أحرز ذخيرة ست طلقات مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر غير المرخص له في حيازته أو إحرازه المتهم الثالث أيضاً ( أ ) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن (بندقية خرطوش) (ب) أحرز ذخيرة (طلقة) مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر غير المرخص له في حيازته أو إحرازه، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 230 و231 و232 و234/ 2 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 1 - 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون 456 لسنة 1954 والجدول المرفق، فقرر بذلك. وادعى والد القتيل مدنياً بمبلغ 2000 جنيه قبل المتهمين على سبيل التعويض مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين (الطاعنين) بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة ومصادرة السلاح والذخيرة المضبوطة وبإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني ألفي جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض وقضى بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الجيزة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة جنايات الجيزة قضت في الدعوى من جديد حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من الطاعنين بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة ومصادرة السلاح والذخيرة المضبوطة وبإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعي بالحق المدني ألف من الجنيهات على سبيل التعويض والمصروفات وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض لثاني مرة... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة قتل عمد مع سبق الإصرار مقترنة بجناية شروع في قتل قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه فساد في الاستدلال وقصور في التسبيب، ذلك بأن المحكمة أهدرت ما ورد بقرار الإحالة تحديداً لمكان الحادث من وقوعه في الطريق الذي اعتاد القتيل سلوكه وانتهت بغير سند مقبول إلى أن الحادث وقع في حظيرة المواشي كما أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن الأول بجريمة الشروع في قتل الشاهد رياض محمود عيسى رغم استحالة حصول الواقعة طبقاً للتصوير الذي رواه هذا الشاهد، إذ من غير المعقول أن يطلق الطاعن الأول النار عليه عن قرب من بندقية خرطوش فلا يصاب إلا برشة واحدة كما دان الحكم الطاعن الثاني بجريمة إحرازه سلاحاً مششخناً "بندقية لي أنفيلد" اعتماداً على أقوال الشاهد رياض محمود عيسى الذي قرر أن هذا الطاعن كان ممسكاً بالبندقية ويطلق النار منها على القتيل في حين أن التقرير الطبي الشرعي أثبت أنه لا يوجد ثمة إصابة بالقتيل أو بأي مصاب أخر حدثت من مقذوفات هذه البندقية، كما دان الحكم الطاعن الثالث بجريمة إحراز بندقية خرطوش عيار 12 اعتماداً على أقوال الشهود الذين ذكروا أن الطاعنين كانوا يطلقون النار على المجني عليه محمد عبد الجليل مع أن إصابات الأخير كانت من مقذوفات بندقية خرطوش عيار 16 ورغم أن البندقية التي عوقب على إحرازها ذلك الطاعن عثر عليها ملقاة بالمزارع على مقربة من مكان الحادث ثم إن الحكم جاء قاصراً في الرد على دفاع الطاعن الأول من أن البندقية عيار 16 المرخصة باسمه والمضبوطة بمنزله لم تستعمل في الحادث وبدليل أن ضابط المباحث لم يثبت في محضر الضبط المحرر في يوم وقوع الحادث أنه اشتم رائحة بارود كما أن وكيل النيابة حين فحصها أثبت أنه اشتم رائحة بارود خفيفة تنبعث من فوهة ماسورتها اليسرى، كما جاء الحكم قاصراً في الرد على دفاع الطاعنين القائم على عدم وجود آثار دماء بالحظيرة محل الحادث مع أن الجروح التي حدثت بجسم القتيل جروح نافذة مما يدل على كذب شهود الإثبات ولم يعرض الحكم بالرد على ما دفع به الطاعنون من تلفيق التهمة لهم ومن تدبير وضع الأدلة القائمة في الدعوى ضدهم من رجال الشرطة بدلالة التراخي في التبليغ عن الحادث وتناقض الشهود في أقوالهم ولم يعول الحكم على أقوال شاهد الإثبات محمد البطاوي الذي زعم المجني عليه أنه كان برفقته وقت الحادث كما لم ترد المحكمة على ما أثاره الدفاع في شأن الخلاف القائم بين ما ذكره الشاهد رياض عيسى في أقواله من أن المجني عليه وقع على الأرض بالحظيرة وأن الطاعنين الثلاثة استمروا في إطلاق النار عليه وبين ما أثبته التقرير الطبي الشرعي من أن الإطلاق كان في مستوى أفقي وفي مواجهة المجني عليه وفضلاً عن ذلك فإن الحكم المطعون فيه دان الطاعنين الثاني والثالث باعتبارهما فاعلين أصليين في جريمة القتل مع أنهما لم يقترفاها ولم يتحدث الحكم بشيء عن اشتراكهما في ارتكابها، وأخيراً فإن الحكم المطعون فيه عول في قضائه بإدانة الطاعنين على الدليلين القولي والفني معاً مع أن محكمة النقض سبق أن نقضت الحكم السابق صدوره في الدعوى لقيام التناقض بين هذين الدليلين.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجناية الشروع في القتل العمد والتي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مردودة إلى أصلها الصحيح ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من أقوال الشهود والتقارير الطبية وتقرير فحص الأسلحة والمعاينة. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم تغييره وصف الأفعال التي وقع بها القتل على غير ما جاء بأمر الإحالة، ذلك بأنه وإن كان لا يجوز للمحكمة أن تغير في التهمة بأن تسند إلى المتهم أفعالاً غير التي رفعت بها الدعوى عليه لأن التغيير المحظور هو الذي يقع في الأفعال المؤسسة عليها التهمة أما التفصيلات التي يكون الغرض من ذكرها في بيان التهمة هو أن يلم المتهم بموضوع الاتهام كمحل وقوع الجريمة فإن للمحكمة أن تردها إلى صورتها الصحيحة ما دامت فيما تجريه لا تخرج عن نطاق الواقعة ذاتها التي تضمنها أمر الإحالة والتي كانت مطروحة على بساط البحث، وعلى ذلك فلا يعيب الحكم المطعون فيه أن ينسب إلى الطاعنين أخذا من أقوال الشهود أن الطاعنين قد خرجوا على المجني عليه محمد عبد الجليل أثناء سيره في الطريق الذي اعتاد أن يسلكه وأطلقوا عليه أعيرة نارية من بنادق يحملونها قاصدين قتله فأخذ يجري مستغيثاً حتى وصل إلى منزل عبد العزيز عيسى ودخل حظيرة المواشي للاحتماء بها وهناك لحقوا به ودخلوا الحظيرة خلفه وهم يطلقون النار عليه فأصابته الأعيرة التي أطلقها الطاعن الأول وما دام الحكم لم يتناول التهمة التي رفعت بها الدعوى بالتعديل وهي تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجناية أخرى فإنه يحق للمحكمة أن تستبين الصورة الصحيحة التي وقع بها الحادث أخذا من كافة ظروف الدعوى وأدلتها المطروحة والتي دارت عليها المرافعة. لما كان ذلك، وكان لا جدوى مما يثيره الطاعن الأول من أن جريمة الشروع في قتل رياض محمود عيسى تعتبر جريمة مستحيلة ما دامت المحكمة قد دانته في جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد باعتبارها الجريمة الأشد، هذا فضلاً عن أن الجريمة لا تعتبر في عداد الجرائم المستحيلة إلا إذا لم يكن في الإمكان تحققها مطلقاً كأن تكون الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البتة لذلك. أما إذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن لم تتحقق الجريمة لسبب ظرف آخر خارج عن إرادة الجاني فإنه لا يصح القول بالاستحالة، فإذا كان الثابت بالحكم أن الطاعن الأول أطلق النار على الشاهد رياض محمود عيسى من بندقية خرطوش عيار 16 قاصداً قتله فأصابه في أذنه اليسرى ودل التقرير الطبي الشرعي أنه أصيب بجرح سطحي بأعلى صيوان الأذن اليسرى يحدث من عيار ناري أطلق من مثل أي البندقيتين الخرطوش المضبوطتين عيار 16 وعيار 12 وأن كلاً من البندقيتين صالحة للاستعمال وأطلقت في وقت يتفق وتاريخ الحادث فهذا يكفي لتحقق جريمة الشروع في القتل، أما كون المجني عليه لم يصب إلا برشة واحدة فلا يفيد استحالة ارتكاب الجريمة بها لأنه ظرف خارج عن إرادة الجاني قد يحول دون إتمامها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنين في شأن عدم وجود ثمة إصابة بالمجني عليه من مقذوفات أي من البندقيتين اللتين نسب إلى الطاعنين الثاني والثالث إحرازهما وفي شأن عدم استعمال الطاعن الأول البندقية المرخصة باسمه في الحادث بقوله "أما أن المجني عليه لم يصب من مقذوفات أطلقت عليه من البندقية لي أنفيلد التي ضبطها الشاهد رياض محمود عيسى مع المتهم الثاني أنور عمران جعفر فتفسره المحكمة بأن هذا المتهم لم يحكم الرماية أثناء التصويب وهو أمر مقبول في المنطق والعقل، ذلك أن المطاردة وكثرة حركة المجني عليه وعدم ثباته يسمح بعدم إصابته من بعض الطلقات التي أطلقت عليه، يؤكد هذا أن طلقات كثيرة أطلقت ومع ذلك فإنه لم يصب إلا من طلقتين وأصيبت ملابسه من طلقة واحدة وفوق ذلك فإن الظروف قد حالت بين هذا المتهم وبين مداومة الإطلاق بعد أن لجأ المجني عليه إلى الحظيرة وبسبب تدخل رياض محمود عيسى وتمكنه من الاستيلاء على البندقية التي كان يحملها هذا المتهم وبذلك لا يمكن أن يؤخذ من عدم إصابة المجني عليه بمقذوفات من البندقية التي كان يحملها المتهم الثاني أنور عمران جعفر أن هذا المتهم لم يكن موجوداً ولم يكن يحمل هذه البندقية وأطلق منها مقذوفات خاصة وقد ضبطت بمكان الحادث ثلاث مقذوفات مطلوقة من طراز لي انفيلد وهو طراز البندقية التي كان يحملها المتهم الثاني أنور عمران جعفر، وما قيل في شأن هذا المتهم يسري علي المتهم الثالث كامل أحمد عمران، ويضاف إليه أن هذا المتهم كلف بالوقوف أمام الحظيرة لمنع أية محاولة ممن يحضر ويريد الدخول إلى الحظيرة ولم يكن مع هذا في ظروف تسمح له بإطلاق أعيرة نارية من البندقية التي كان يحملها أثناء وقوفه أمام الحظيرة، وإذ كانت بندقية المتهم الأول مرخصة فإن ذلك لا يحول دون استعمالها وقد ثبت من التقرير الطبي الشرعي أنها وغيرها مما ضبط استعملت وأطلقت في وقت قد يتفق ووقت الحادث". ولما كان ما أورده الحكم فيما تقدم سديداً وسائغاً عقلاً ومنطقاً، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان الحكم المطعون فيه قد استند في ثبوت جريمتي إحراز السلاحين والذخيرة اللتين عوقب الطاعنان الثاني والثالث من أجلها وفي أن بندقية الطاعن الأول المرخصة باسمه استعملت في الحادث وحدثت إصابات القتيل منها إلى ما استخلصه واطمأن إليه من أقوال شهود الإثبات والتقارير الطبية والفنية، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون في غير محله وينحل في واقع الأمر إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنين في شأن عدم وجود آثار دماء بالحظيرة محل الحادث ورد عليه في قوله: "وحيث إن الدفاع الحاضر مع المتهمين أراد أن يشكك في أقوال شهود الإثبات وفي أنهم لم يروا الحادث بما سجلته النيابة في المعاينة من أنها لم تجد بمكان الحادث ما يفيد التحقيق إذ أن ذلك يدل على أن الحادث لم يقع في المكان الذي حدده هؤلاء الشهود وأنه لم يكن في الطريق العام وأن المجني عليه نقل إلى المكان الذي أجريت معاينته بعد أن أصيب والمحكمة تطرح هذا الدفاع لما ثبت من أن المعاينة تمت بعد أكثر من اثنتي عشرة ساعة من وقوع الحادث ولما سجله الطبيب الشرعي في تقريره التكميلي المؤرخ 16/ 1/ 1969 من أن عدم وجود دماء بمكان الحادث أثناء المعاينة لا ينفي وجود هذه التلوثات وقت وقوع الحادث وأن عدم العثور على الدماء معللة بسرعة تضميد جروح المجني عليه بالملابس بقصد وقف النزيف وطبيعة الأرض التي وقع بها الحادث وقدرتها على تشرب السوائل وهي (حظيرة ماشية) فضلاً عن أن التجمهر الذي يصحب الحوادث عادة في الفترة ما بين لحظة الحادث وساعة المعاينة، إذ أن كل ذلك مؤد إلى طمس هذه التلوثات وعدم ظهورها عند المعاينة وهي أسباب مقبولة في المنطق والعقل وقد اطمأنت إليها المحكمة واعتمدت عليها، هذا فضلاً عن أن الثابت من أقوال شهود الإثبات أن المجني عليه محمد عبد الجليل إبراهيم كان يعدو وأن المتهمين الثلاثة كانوا يعدون خلفه وكانوا يطلقون النار عليه أثناء هذا العدو وأنه لا يوجد بالتحقيقات ما ينفي أنه أصيب أثناء عدوه كما أنه ليس في التقرير الفني ما ينفي هذا الاحتمال بل إن التقرير الطبي الشرعي التكميلي المؤرخ 16/ 10/ 1969 قد تضمن أن إصابة البطن كانت غير مصحوبة بإصابات قاتلة في التو واللحظة وأن إصابة الإلية اليمنى كانت أقل خطورة وأن المجني عليه لم يصب بأعضاء حركة الطرفين السفليين وأن إصاباته هذه وبوصفها المتقدم لا تحول دون بقائه على قيد الحياة فترة من الزمن ولا تحول دون عدوه المسافة التي قررها شهود الإثبات. لما كان ذلك، وكان الحكم قد علل وجود آثار الدماء بالحظيرة تعليلاً مقبولاً أخذا بما جاء بالتقرير الطبي الشرعي الذي اطمأن إليه في حدود سلطته التقديرية وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها وما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن لا يكون له محل، أما النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بالرد على الدفع بتلفيق التهمة، فمردود بأن الدفع بتلفيق التهمة هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بالرد عليها استقلالاً بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنين في شأن التأخير في إبلاغ الحادث ورد عليه في قوله "وحيث إن الدفاع لم يقتصر على التشكيك في مكان الحادث وفي وجود الشهود على مسرحه بل إنه أراد أن يأخذ من التراخي في الإبلاغ الدليل على أن الاتهام ملفق وأن شهود الإثبات من صنيعة رجال المباحث، وهو دفاع تطرحه المحكمة ولا تعول عليه، ذلك أن الثابت أن الحادث وإن كان قد وقع قبل الغروب إلا أنه قد أصيب فيه أربعة وأطلقت فيه الكثير من الأعيرة النارية وأنه في مثل هذه الظروف يتجمع الأهالي ويحاولون إسعاف المصابين وهذا يأخذ بعض الوقت، كما أن نائب العمدة لا يقوم بإبلاغ النقطة بمجرد إبلاغ أي شخص له بالحادث بل إن الأمر يقتضي منه الانتقال والبحث عن أدلة الجريمة وهذا ما حدث فعلاً بدليل أن نائب العمدة قد سلم مأمور المركز بالنيابة ثلاثة مقذوفات مطلقة وطلقة سليمة وجدها بمكان الحادث وبعد كل هذا يأتي دور الإبلاغ وأنه لا يمكن أن يقال بأن مرور فترة من وقت الغروب إلى الساعة 8.10 مساء وقت وصول إشارة الحادث إلى النقطة كان مقصوداً للبحث عن الشهود أو تلقينهم الأقوال التي يدلون بها في التحقيق إذ لم يثبت أن العمدة له صالح معين في اتهام شخص معين بارتكاب الحادث كما أن رجال الشرطة لم يصلوا إلى مكان الحادث إلا بعد الإبلاغ ولا يمكن مع هذا القول بأن الشهود هم صنيعة رجال المباحث وجميعهم قد أصيب في الحادث وكانت الرؤية ممكنة ولم يقم دليل على أنهم ذكروا أقوالاً تتفق مع الحقيقة بل إن المحكمة قد اطمأنت تمام الاطمئنان إلى أقوالهم التي أدلوا بها التعبير الصادق لما حدث فعلاً" ولما كان ما أورده الحكم كاف ويسوغ به إطراح دفاع الطاعنين وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وكان تناقض الشهود في بعض التفاصيل بفرض وقوعه لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وما دام أنه لم يورد تلك التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته، فإن ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه في هذا الشأن يكون غير سديد، أما ما يثيره الطاعنون بشأن عدم استناد الحكم إلى أقوال محمد البطاوي، فمردود بأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تقدير الدليل فلها أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود المختلفة وتطرح أقوال من لا تثق فيه ولا تطمئن إلى صحة روايته وهي إذ تفعل ذلك لا تكون ملزمة ببيان العلة لأن الأمر مرجعه إلى اقتناعها وحدها. لما كان ذلك، وكان البين من سياق الحكم المطعون فيه أن استدلاله بأقوال الشاهد رياض محمود عيسى إنما كان بصدد واقعة سماعه الأعيرة ورؤيته الطاعنين على مسرح الجريمة حاملين أسلحتهم وإطلاق الطاعن الأول النار على الشاهد لدى استخلاصه البندقية من يد الطاعن الثاني وإطلاقه مقذوفاً آخر أخطأه وأصاب مريم عبد الرءوف دون واقعة إطلاق الطاعن الأول للنار على المجني عليه محمد عبد الجليل بالحظيرة، مما مفاده أن الحكم لم يعول على تصوير الشاهد لواقعة إطلاق النار على المجني عليه بهذا المكان فضلاً عن أنه لم ينقل عن الشاهد المذكور تحديداً معيناً للوضع الذي كان عليه القتيل وقت إطلاق الطاعن الأول النار عليه ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون بشأن قيام التناقض بين الدليل القولي المستمد من أقوال الشاهد رياض محمود عيسى والدليل الفني المستمد من التقرير الطبي الشرعي الخاص بإصابات القتيل لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في منطق سليم وبأدلة سائغة وجود الطاعنين جميعاً على مسرح الجريمة وإطلاقهم الأعيرة النارية على المجني عليه محمد عبد الجليل تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه فإن في هذا ما تتحقق به مسئولية الطاعنين جميعاً عن جناية قتل المجني عليه عمداً كفاعلين أصليين فيها طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون العقوبات يستوي في هذا أن يكون مطلق الأعيرة التي أودت بحياة المجني عليه معلوماً معيناً بالذات أو غير معلوم ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه عمل في استدلال سائغ على رفع التناقض بين الدليلين القولي والفني الذي اشتمل عليه الحكم الأول الصادر في الدعوى والذي سبق نقضه من هذه المحكمة بعد أن أورد في مدوناته أن القتيل قد أصيب من الأعيرة النارية التي أطلقها عليه الطاعن الأول من بندقيته الخرطوش عيار 16 مما يتفق والتقرير الطبي الشرعي الذي أثبت أن إصابات القتيل تحدث من مثل هذه البندقية وبعد أن علل الحكم عدم إصابة القتيل من الأعيرة التي أطلقها عليه الطاعنان الثاني والثالث بعدم إحكام الرماية أثناء التصويب فإن النعي على الحكم في هذا الوجه بدوره يكون في غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


[(1)] راجع أيضاً نقض جنائي السنة 16 ص 308.