أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 951

جلسة 14 من نوفمبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صلاح الرشيدي، وقصدي اسكندر عزت، ودكتور أحمد رفعت خفاجي، وإسماعيل محمود حفيظ.

(196)
الطعن رقم 251 لسنة 47 القضائية

(1) حكم. "بطلانه". "تسبيبه. تسبيب غير معيب". بطلان. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في أن تأخذ من الاعتراف ما تطمئن إليه وأن تطرح ما عداه.
(3) محكمة الموضوع . "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "خبرة". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. موضوعي.
(4) طعن. "الصفة في الطعن". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
عدم قبول أسباب الطعن. التي لا تتصل بشخص الطاعن.
(5) استعراف. إثبات. "قرائن". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع . "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استعراف الكلب البوليسي قرينة معززة لأدلة الدعوى.
الأخذ بهذه القرينة بالنسبة لأحد المتهمين واستبعادها بالنسبة لآخر. لا ينال من سلامة الحكم.
1 - من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.
2 - إذ كان الحكم بعد أن أورد في مدوناته نص اعتراف المتهم الأول قد اجتزأ هذا الاعتراف فأخذ منه ما اطمأنت إليه المحكمة من حصول الاعتداء منه ومن الطاعن على الصورة التي استخلصتها المحكمة وأطرح ما عداه فإن ذلك لا يعد تناقضاً ولا ينال من سلامة استدلال الحكم لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع سلطة تجزئة أي دليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل.
3 - أن تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير من إطلاقات محكمة الموضوع ولا تقبل المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض.
4 - الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن، فإن ما يدعيه الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً.
5 - من المقرر أن استعراف الكلب البوليسي لا يعدو أن يكون قرينة يصح الاستناد إليها في تعزيز الأدلة القائمة في الدعوى دون أن يؤخذ كدليل أساسي على ثبوت التهمة على المتهم. وإذا كانت المحكمة قد استندت إلى استعراف الكلب البوليسي كقرينة تعزز بها الدليل المستمد من اعتراف أحد المتهمين ولم تعتبر هذا الاستعراف كدليل أساسي على ثبوت التهمة قبل متهم آخر فإن استنادها إلى هذه القرينة لا يعيب الاستدلال، كما لا ينال من سلامة الحكم استبعاده لهذه القرينة في مجال القضاء ببراءة المتهم الثالث لما هو مقرر من أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين اعتقادها حسب تقديرها لتلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمتهم آخر.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1)...... (2)........ (الطاعنين) و(3)........ و(4)..... بأنهم (أولاً) المتهمون جميعاً قتلوا..... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك أسلحة نارية وآلة راضة ثقيلة وكمنوا له في الطريق الذي أيقنوا مروره فيه حتى إذا ظفروا به أطلق عليه المتهم الأول عياراً نارياً أصابه بمؤخرة يمين الصدر كما انهالوا عليه ضرباً قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (ثانياً) المتهم الأول ( أ ) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً بندقية لي انفيلد في غير الأحوال المصرح بها قانوناًَ. (ب) أحرز ذخائر الطلقتين المستعملتين في الحادث مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحيازته أو إحرازه. المتهم الثالث. ( أ ) أحرز سلاحاً نارياً مدفع رشاش وهو من الأسلحة غير الجائز الترخيص بحيازتها أو إحرازها. (ب) أحرز ذخائر عشرين طلقة مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر وهو من الأسلحة غير الجائز الترخيص بها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً لمواد الاتهام، فقرر ذلك، وادعت....... مدنياً قبل المتهمين جميعاً بمبلغ مائتين وثمانين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات و1/ 1 و6 و56/ 2 – 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1974 و75 لسنة 1958 والبند (ب) من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرافق بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني والمادتين 304/1 و 307/1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمتهمين الثالث والرابع مع تطبيق المادة 30/ 2 من قانون العقوبات. (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات ومصادرة الذخيرة وإلزامهما متضامنين أن يدفعا للمدعية بالحق المدني مائتين وثمانين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. (ثانياً) ببراءة المتهمين الثالث والرابع مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية قبلهما وإلزام رافعتها مصاريفها. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الأول – وإن قرر بالطعن في الحكم المطعون فيه في الميعاد القانوني – إلا أنه لم يقدم أسباباً فيكون طعنه غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن هذا الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه – إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد – قد شابه تناقص وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك بأنه حصل واقعة الدعوى على أن المجني عليه أصابه عياران ناريان ثم نقل عن تقرير الصفة التشريحية أن إصابة المجني عليه النارية ناشئة عن عيار واحد دون أن يتفطن الحكم إلى هذا التناقض ويرفعه – كما جاء الحكم بصورتين متعارضتين لواقعة الدعوى أورد الصورة الأولى في صدور أسبابه بأن الطاعن والمتهم الأول وآخرين يحملون أسلحة نارية وآلات راضة تربصوا للمجني عليه في طريق عودته إلى بلدته ليلاً وما أن شاهدوه حتى أطلقوا عليه أعيره نارية فأصابه عياران منها ثم انهال عليه المتهم الأول والطاعن ضرباً بعصا وبيد بندقية حتى تحطمت – ثم أورد صورة أخرى مناقضة لها – في معرض الرد على دفاع الطاعن حين قال إن ما قرره المهم الأول من أن المحني عليه اعتدى على الطاعن بآلة حادة يطابق الواقع إذ ثبت من مناظرة وكيل النيابة للآخرين وجود جرح ملتئم بأعلى الذراع الأيسر قرب الكتف وتبين من التقرير الطبي إمكان حدوث هذه الإصابة من الخنجر المضبوط بمكان الحادث، هذا إلى فساد استدلال الحكم في هذا المقام ذلك أن وجود الجرح ملتئم لدى مناظرة وكيل النيابة للطاعن التي تمت في اليوم التالي للحادث يدل على أن هذا الجرح قديم وسابق على الحادث فإذا ما كان الطبيب الشرعي قد وقع الكشف الطبي عليه بعد ذلك بفترة طويلة يصعب معها معرفة وقت الإصابة على وجه التحديد فإنه كان يتعين على المحكمة أن تعول على دلالة مناظرة النيابة للمصاب دون ما أثبته الطبيب الشرعي من جواز حدوث الإصابة في وقت يتفق وتاريخ الحادث، فضلاً عن تناقض الحكم إذ أورد في مدوناته أن إصابة الطاعن حدثت من خنجر مملوك للجناة ثم ذكر في موضع آخر أن الخنجر المضبوط مملوك للمجني عليه فضلاً مما قرره شقيقه......، كما أورد الحكم تارة أن المتهم الأول كان يحمل البندقية المضبوطة المهشمة ودانه عن تهمة إحرازها ثم ذكر الحكم تارة أخرى أن المتهم الأول كان يحمل عصا ثم عاد في معرض رده على دفاعه فقرر أنه كان يحمل عصا وأن الطاعن هو الذي ضرب المجني عليه بالبندقية. وأخيراً فإن الحكم عول في إدانة الطاعن والمتهم الأول على استعراف الكلب البوليسي على أولهما ثم عاد فاستبعد هذا الاستعراف لعدم الثقة به في مقام تبرئته للمتهم الثالث مما يصمه بالتناقض في تقييم الدليل الواحد، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التي دان بها الطاعن وأقام عليها في حقه أدلة مستقاة من أقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية واعتراف المتهم الأول وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان المطعون فيه قد أورد في تحصله للواقعة أن الطاعن والمتهم الأول أطلقا على المجني عليه أعيرة نارية من بندقية لي انفيلد فأصابه عياران منها ثم نقل عن تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه أنه وجد بها جرحاً نارياً (دخول) بمؤخر يمين الصدر وجرحاً نارياً (خروج) بمؤخر يسار الصدر وجرح ناري (دخول) بأنسجة العضد الأيسر مما مفاده أن بالمجني عليه إصابات من عيارين ناريين العيار الأول في الصدر والعيار الثاني في العضد الأيسر، ومن ثم ينحسر عن الحكم قالة التناقض في التسبيب في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون أنه اعتنق صورة واحدة للواقعة حاصلها أن الطاعن والمتهم الأول وآخرين تربصوا بالمجني عليه على جانب الطريق الذي كان يمر فيه حاملين أسلحة نارية وآلات راضة ثقيلة كعصي وقادوم وما أن شاهدوه حتى أطلقوا عليه أعيرة نارية من بندقية لي انفيلد فأصابه عياران منها ثم انهال عليه المتهم الأول والطاعن ضربا بعصا وبيد بندقية حتى تحطمت ثم ساق الحكم أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته ومن بينها اعتراف المتهم الأول، وإذ كان الحكم بعد أن أورد في مدوناته نص اعتراف المتهم الأول قد اجتزأ هذا الاعتراف فأخذ منه ما اطمأنت إليه المحكمة من حصول الاعتداء منه ومن الطاعن على الصورة التي استخلصتها المحكمة وأطرح ما عداه فإن ذلك لا يعد تناقضاً ولا ينال من سلامة استدلال الحكم لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع سلطة تجزئة أي دليل ولو كان اعترافاً فتأخذ منه ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن الطاعن ظل هارباً منذ وقوع الجريمة في 1/5/1972 إلى أن تم ضبطه واستجوابه بمعرفة وكيل النيابة في 1/6/1972 وإذ ناظره المحقق في هذا اليوم ووجد به أثر جرح ملتئم بأعلى الذراع الأيسر قرب الكتف إحالة إلى الطبيب الشرعي الذي أوقع الكشف عليه في 4/6/1977 فإن زعم الطاعن بحصول مناظره وكيل النيابة له في اليوم التالي للحادث مباشرة يكون غير صحيح ولا تثريب على المحكمة إن هي عولت على ما جاء بالدليل الفني من أن إصابة الطاعن يجوز حدوثها من الخنجر المضبوط وفي تاريخ يتفق وتاريخ الحادث واستبعدت تصوير الطاعن في شأنها ذلك أن تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير من إطلاقات محكمة الموضوع ولا تقبل المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم أن ما أورده نقلاً عن معاينة مكان الحادث من العثور به على بندقية محطمة وطلقة لي انفيلد معبأة وخزنة مدفع رشاش بها عدد من الطلقات وطاقية صوف بيضاء بها تمزقات من آلة حادة وقادوم وخنجر ذا حد مدبب مقصود به مجرد بيان المضبوطات بمحل الحادث سواء كانت خاصة بالجناة أو المجني عليه، ومن ثم فلا تعارض بين ما أسفرت عنه المعاينة وبين أقوال الشاهد......... من أن الخنجر المضبوط مملوك للمجني عليه ما دام الجمع بين الأمرين سائغاً. لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم بالتناقض أنه أدان المتهم الأول بجريمة إحرازه السلاح الناري من بعد أن أورد في اعترافه أنه كان يحمل عصا ما دام أن الحكم لم يأخذ بهذا الشق من الاعتراف، وإذ كان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً بشخص الطاعن، فإن ما يدعيه الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن استعراف الكلب البوليسي لا يعدو أن يكون قرينة يصح الاستناد إليها في تعزيز الأدلة القائمة في الدعوى دون أن يؤخذ كدليل أساسي على ثبوت التهمة على المتهم، فإذا كانت المحكمة قد استندت إلى استعراف الكلب البوليسي كقرينة تعزز بها الدليل المستمد من اعتراف أحد المتهمين ولم تعتبر هذا الاستعراف كدليل أساسي على ثبوت التهمة قبل متهم آخر فإن استنادها إلى هذه القرينة لا يعيب الاستدلال، كما لا ينال من سلامة الحكم استبعاده لهذه القرينة في مجال القضاء ببراءة المتهم الثالث لما هو مقرر من أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين اعتقادها حسب تقديرها لتلك الأدلة واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمتهم آخر. ومن ثم فإن الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكن على غير أساس متعيناً رفضه.