أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 777

جلسة 31 من مايو سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين حسن عزام، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، وأنور أحمد خلف، ومحمود كامل عطيفة، والدكتور أحمد محمد إبراهيم.

(181)
الطعن رقم 634 لسنة 40 القضائية

( أ ) ارتباط. سلاح. سرقة. دعوى جنائية. "نظرها والحكم فيها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "حجيته". قوة الأمر المقضي. دفوع. "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها". إثبات. "قوة الأمر المقضي".
تقدير الارتباط بين الجرائم. موضوعي. ما دام سائغاً.
انتهاء الحكم إلى عدم وجود ارتباط بين جريمتي إحراز السلاح والسرقة. محاكمة المتهم ابتداء عن إحراز السلاح. لا تمنع من محاكمته بعد ذلك عن جريمة السرقة.
(ب، ج، د، هـ) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". "اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفوع. "الدفع بتلفيق التهمة".
(ب) التعويل على قول متهم على آخر. والأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وتجزئته. حق لمحكمة الموضوع.
(ج) الأخذ بأقوال شهود الإثبات. والإعراض عن أقوال شهود النفي. موضوعي.
عدم التزام المحكمة الإشارة إلى أقوال لم تستند إليها في قضائها.
(د) الإسناد إلى قالة الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى. تقديري لمحكمة الموضوع.
(هـ) الدفع بتلفيق التهمة. موضوعي. كفاية الأخذ بأدلة الإثبات رداً عليه.
(و، ز) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محاماة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(و) كفاية حضور محام موكلاً كان أو منتدباً مع المتهم بجناية.
(ز) استعداد المدافع عن المتهم. موكول إلى ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته.
عدم جواز النعي على الحكم بقالة إن المحامي المنتدب لم يوفق في الدفاع عن المتهم.
1 - إن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم أمر يدخل في سلطة محكمة الموضوع، ما دامت تقيم قضاءها على ما يحمله قانوناً، وإذ كان ما تقدم، وكان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن المحكمة دانت الطاعن الثاني بجريمة السرقة بعد استبعاد ظرفها المشدد القائم على حمله السلاح أثناء ارتكابها، وتكون بالتالي قد أنهت - في حدود سلطتها التقديرية - الارتباط المقول به بين جريمة إحراز السلاح بدون ترخيص التي سبق محاكمة الطاعن عنها وجريمة السرقة موضوع المحاكمة، ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها يكون صحيحاً في القانون.
2 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تعول في تكوين معتقدها على قول متهم على آخر متى اطمأنت إليها، وأن لها أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للواقع ولو عدل عنه، كما أن لها أن تجزئ أي دليل ولو كان اعترافاً والأخذ بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
3 - لمحكمة الموضوع أن تعول على أقوال شهود الإثبات وأن تعرض عن قالة شهود النفي، ما دامت لا تثق بما شهدوا به، وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم طالما لم تستند إليها في قضائها.
4 - الأصل أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى متى وثقت بها وارتاحت إليها.
5 - إن الدفع بتلفيق التهمة هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صحيحاً، بل إن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم.
6 - المراد بما اقتضاه القانون من أن كل متهم بجناية يجب أن يكون له من يدافع عنه، يتحقق بحضور محام موكلاً كان أو منتدباً بجانب المتهم أثناء المحاكمة يشهد إجراءاتها ويعاون المتهم بكل ما يرى إمكان تقديمه من وجوه الدفاع.
7 - استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره هو حسبما يوحي به ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته، ومن ثم فإن ما ينعي به الطاعن على الحكم من قالة الإخلال بحقه في الدفاع لعدم توفيق المحامي المنتدب في الدفاع عنه لا يكون مقبولاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من 1 - ...... (الطاعن الأول) و2 - ...... و3 - ...... (الطاعن الثاني) بأنهم في ليلة 22 مايو سنة 1964 بدائرة مركز أجا محافظة الدقهلية: المتهم الأول - عرض رشوة على موظف عمومي للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته والإخلال بواجباتها بأن عرض على الشرطي محمد عبد العاطي فايد من قوة مركز شرطة أجا جنيهين على سبيل الرشوة مقابل إخلاء سبيله. والمتهم الثاني: إثر ضبطهما متلبسين بارتكاب جريمة السرقة موضوع التهمة الثانية ولكن الموظف العمومي لم يقبل الرشوة منه. المتهمين جميعاً - سرقوا العجل المبين الوصف والقيمة بالتحقيقات والمملوكة لعبد الغفار أحمد البلتاجي حالة كون المتهم الثالث يحمل سلاحاً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد المبينة بأمر الإحالة. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات المنصورة قضت حضورياً للأول والثالث وغيابياً للثاني عملاً بالمواد 104 و109 مكرر و317/ 1 - 2 - 4 - 5 و32/ 2 و17 من قانون العقوبات (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبتغريمه خمسمائة جنيه (ثانياً) بحبس كل من المتهمين الثاني والثالث بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الأول عبد الحكيم السيد عطية هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتي عرض الرشوة والسرقة قد أخل بحقه في الدفاع وجاء مشوباً بالقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه دفع أمام المحكمة بتلفيق التهمة لأنه في الوقت المقال بوقوع الحادث فيه كان بعيداً عن مكان الجريمة في صحبة آخرين أيدوه في أقواله إلا أن المحكمة التفتت عن تناول هذا الدفاع أو الرد عليه. كما أنها انتدبت للدفاع عن الطاعن محامياً ترافع عنه في ذات الجلسة الأمر الذي لم يتمكن معه من الإلمام بوقائع الدعوى وتكييفها القانوني السليم. هذا إلى أن الحكم دان الطاعن بجريمة عرض رشوة على موظف عام أخذا بشهادة الشرطي محمد عبد العاطي فايد رغم اضطرابها بين روايتين في التحقيقات وأمام المحكمة ودون أن يعني ببيان أركان تلك الجريمة وخاصة توافر ركن القصد الجنائي لدى الطاعن.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن المتهمين الثلاثة......... (الطاعن الأول) و........ و.......... (الطاعن الثاني) اتفقوا على سرقة ماشية عبد الغفار أحمد البلتاجي وفي ليلة 22/ 5/ 1964 توجهوا إلى مسكن المجني عليه بدائرة مركز المنصورة محافظة الدقهلية وتمكن كل من المتهمين الأول والثالث من الدخول من الباب ثم خرجا ومعهما دابة سرقاها وسلماها إلى المتهم الثاني الذي كان يقف خارج المنزل وساروا متوجهين إلى بلدة أجا وفي الطريق عاد المتهم الثالث إلى منزله بينما واصل المتهمان الأول والثاني سيرهما فقابلهما الشرطي محمد عبد العاطي فايد أثناء مروره بدركه بدائرة أجا فلما استفسر عن وجهتيهما أخبره المتهم الأول أن الدابة مسروقة من مكان بدائرة مركز المنصورة وعرض عليه جنيهين في سبيل تركهما وشأنهما فلما رفض جرى المتهم الأول هاربا وتمكن الشرطي من إلقاء القبض على المتهم الثاني الذي كان يمسك بالدابة وأبلغ الحادث إلى النقيب معاون مباحث المديرية الذي تصادف وجوده بديوان مركز أجا والذي تمكن من القبض على المتهم الثالث" ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة، وهي شهادة الشهود في المساق المتقدم واعتراف المتهم الثاني تفصيلاً بتحقيقات الشرطة والنيابة واعتراف المتهم الثالث بتحقيق الشرطة وهي أدلة سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الدفع بتلفيق التهمة هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً بل إن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول على أقوال شهود الإثبات وأن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم طالما لم تستند إليها في قضائها، فإن ما ينعاه الطاعن الأول في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة ندبت الأستاذ منصور الجنيدي للدفاع عن الطاعن الأول وبعد أن أطلع على ملف الدعوى ترافع فيها على الوجه المبين بمحضر الجلسة بغير اعتراض من الطاعن، وكان المراد بما اقتضاه القانون من أن كل متهم بجناية يجب أن يكون له من يدافع عنه يتحقق بحضور محام موكلاً كان أو منتدباً بجانب المتهم أثناء المحاكمة يشهد إجراءاتها ويعاون المتهم بكل ما يرى إمكان تقديمه من وجوه الدفاع، وكان استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمراً موكولاً إلى تقديره هو حسبما يوحي به ضميره واجتهاده وتقاليد مهنته، فإن ما ينعي به الطاعن على الحكم من قالة الإخلال بحقه في الدفاع لعدم توفيق المحامي المنتدب في الدفاع عنه لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى متى وثقت بها وارتاحت إليها، وكان ما حصله الحكم من شهادة الشرطي محمد عبد العاطي فايد لا تناقض فيه وله أصله الثابت في الأوراق، كما أنه بما أورده في مدوناته من وقائع الدعوى وأدلتها قد استظهر جريمة عرض رشوة على موظف عام التي دان الطاعن بها بكافة أركانها القانونية ومن ثم فإنه ينحسر عن الحكم قالة القصور في التسبيب ويكون الطعن المقدم من الطاعن الأول برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن مبنى تقريري الطعن المقدمين من الطاعن الثاني....... هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة السرقة قد أخطأ في تطبيق القانون وجاء مشوباً بالقصور في التسبيب، ذلك بأن الحاضر مع الطاعن دفع بعدم جواز نظر الدعوى بالنسبة له تأسيساً على سبق محاكمته عن حيازة السلاح في الجناية رقم 554 لسنة 1964 كلي المنصورة ونظراً للارتباط الذي لا يقبل التجزئة بين الجريمتين: السرقة وحيازة السلاح، غير أن الحكم رفض ذلك الدفع مكتفياً باستبعاد ظرف حمل السلاح من تهمة السرقة بمقولة عدم توافر الدليل على أن الطاعن كان يحمله وقت السرقة. هذا إلى أن الحكم عول في إدانته للطاعن على أقوال المتهم الثاني قبله مع عدم صلاحيتها لكونها قول متهم على آخر وعلى الاعتراف المنسوب إليه في محضر الشرطة رغم إنكاره له في المراحل التالية من الدعوى، وقد ناقض الحكم نفسه بأخذه بذلك الاعتراف لأنه أخذ به في الشق الخاص بالسرقة وأطرحه في الشق المتعلق بواقعة حيازة السلاح.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة السرقة التي دان الطاعن الثاني بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من شهادة الشرطي محمد عبد العاطي فايد والنقيب مفيد علي حسن المصري والمجني عليه عبد الغفار أحمد البلتاجي ومن اعتراف المتهم الثاني صلاح محمد إبراهيم عجيلة بتحقيقات الشرطة والنيابة ومن اعتراف الطاعن بمحضر الشرطة، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان تقدير قيام الارتباط بين الجرائم أمر يدخل في سلطة محكمة الموضوع ما دامت تقيم قضاءها على ما يحمله قانوناً، وكان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن المحكمة دانت الطاعن الثاني بجريمة السرقة بعد استبعاد ظرفها المشدد القائم على حمله لسلاح ناري أثناء ارتكابها، وتكون بالتالي قد أنهت - في حدود سلطتها التقديرية - الارتباط المقول به بين جريمة إحراز السلاح بدون ترخيص التي سبق محاكمة الطاعن عنها وجريمة السرقة موضوع المحاكمة ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها يكون صحيحاً في القانون ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص على غير سند. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تعول في تكوين معتقدها على قول متهم على آخر متى اطمأنت إليها وأن لها أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للواقع ولو عدل عنه كما أن لها تجزئة أي دليل ولو كان اعترافاً والأخذ منه بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً ويكون الطعن برمته في غير محله متعيناً رفضه موضوعاً.