أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 963

جلسة 14 من نوفمبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، وقصدي اسكندر عزت، ومحمد صفوت القاضي، ومحمد يونس ثابت.

(198)
الطعن رقم 672 لسنة 47 القضائية

(1) تبديد. محكمة الموضوع . "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الواقعة من أدلتها وعناصرها. شرطه أن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون دليلها قائماً في الأوراق.
(2) تبديد. إثبات. خبرة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
متى يكون طلب الطاعن ندب خبير لفحص المستندات وتصفية الحساب دفاعاً جوهرياً.
1 - من المقرر أنه وإن كان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الواقعة من أدلتها وعناصرها المختلفة إلا أن شرط ذلك أن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون دليلها فيما انتهت إليه قائماً في أوراق الدعوى لأن الأصل أن تبني المحكمة حكمها على الوقائع الثابتة في الدعوى وليس لها أن تقيم قضاءها على أمور لا سند لها من التحقيقات، لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه بنى قضاؤه على اعتبار أن المحرر الصادر من الطاعن هو بمثابة اعتراف مع مخالفة ذلك لعباراته التي لا تنطوي على اعتراف منه باختلاس قيمة العجز وإنما على مجرد إقرار بمسئولية المدنية بسداد العجز الذي قد يظهر في حسابات فرع المؤسسة المدعية بالحقوق المدنية بعد تمكينه من تقديم مستنداته وفحصها وتصفية الحساب بينهما وهو ما لا ينطوي على أي اعتراف بالجريمة لما كان ذلك – فإن الحكم يكون قد استند إلى دعامة غير صحيحة مما يبطله.
2 - عدم استجابة المحكمة لطلب ندب خبير لتحقيق دفاع الطاعن على ضوء المستندات التي قدمها مع جوهرية هذا الدفاع يعيب الحكم ويستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدد المبلغ المبين قدره بالتحقيقات لـ....... وكان قد سلم إليه بصفته وكيلاً عنها لتحصيله وتوريده لحسابها للبنك فاختلسه لنفسه إضراراً بها. وطلبت عقابه بالمادتين 341 و342 من قانون العقوبات وادعت شركة الخطوط الجوية اليمنية مدنياً قبل المتهم بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح عابدين الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادتي الاتهام برفض الدفع المبدى من المتهم وبحبسه ستة أشهر مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لإيقاف التنفيذ مع إلزامه بأن يؤدي إلى المدعية بالحقوق المدنية مبلغ واحداً وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم المصروفات المدنية الاستئنافية. فطعن الأستاذ..... المحامي بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التبديد قد شابه فساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه عول في قضائه بالإدانة على محرر صادر من الطاعن اعتبره الحكم اعترافاً في حين أن مضمونه هو تعهده بسداد العجز الذي قد يظهر في حسابات فرع المؤسسة المدعية بالحقوق المدنية بعد تمكينه من تقديم مستنداته وفحصها وتصفية الحساب بينهما وهو ما لا ينطوي على أي اعتراف بالجريمة، كما أن المحكمة لم تستجب لطلبه ندب خبير لتحقيق دفاعه على ضوء المستندات التي قدمها مع جوهرية هذا الدفاع بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن البين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن المحرر الصادر من الطاعن والذي عول عليه الحكم في الإدانة قد جرى نصه كما يأتي " أقر أنا الموقع على هذا.... بأن العجز الذي ظهر في فرع القاهرة بعد تصفية حسابات الفرع للفترة من أبريل سنة 1970 حتى نوفمبر سنة 1971 مبلغ 5607 ج 663 م خمسة آلاف وستمائة وسبعة جنيهاً و663 مليماً وهو العجز الناتج عن التصفية التي أجريت بواسطة اللجنة المكونة برئاسة السيد.... وعضوية السيد...... والسيد..... وبحضوري وقد حرر هذا الإقرار في صنعاء أمام السيد المدير العام وكوني مسئول أمام الإدارة مباشرة كمدير لفرع القاهرة وسأقوم بدفع المبلغ أعلاه إما نقداً أو على دفعات وذلك بعد تغطية بعض المبلغ بالمستندات إن وجدت وتم هذا دون أي ضغط أو تهديد". كما يبين من الاطلاع على محضر جلسة 9 نوفمبر سنة 1975 أن المدافع عن الطاعن اختتم المرافعة في الدعوى بطلب ندب خبير لتصفية الحساب بين موكله وبين المدعية بالحقوق المدنية. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الواقعة من أدلتها وعناصرها المختلفة إلا أن شرط ذلك أن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون دليلها فيما انتهت إليه قائماً في أوراق الدعوى لأن الأصل أن تبني المحكمة حكمها على الوقائع الثابتة في الدعوى وليس لها أن تقيم قضاءها على أمور لا سند لها من التحقيقات، لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه بنى قضاؤه على اعتبار أن المحرر الصادر من الطاعن هو بمثابة اعتراف مع مخالفة ذلك لعباراته التي لا تنطوي على اعتراف منه باختلاس قيمة العجز وإنما على مجرد إقرار بمسئوليته المدنية بسداد العجز الذي قد يظهر بعد تصفية الحساب وبعد تمكينه من تقديم ما لديه من مستندات يغطي العجز كله أو بعضه، وهو ما لا يتحقق به الاعتراف في القانون إذ الاعتراف هو ما يكون نصاً في اقتراف الجريمة، ومن ثم فإن الحكم إذ عول في الإدانة - فيما عول -على أن اعترافاً صدر من الطاعن بموجب هذا المحرر فإنه يكون قد استند إلى دعامة غير صحيحة مما يبطله، ولا يؤثر في ذلك ما أورده الحكم من أدلة أخرى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة والمحكمة تكون عقيدتها منها مجتمعة بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر الوقوف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. لما كان ذلك، وكان طلب الطاعن ندب خبير لفحص المستندان وتصفية الحساب هو - في خصوصية هذه الدعوى – دفاع جوهري لتعلقه بتحقيق الدليل المقدم فيها مما من شأنه لو ثبت أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ولما كان الحكم قد التفت عن هذا الدفاع ولم يسقطه حقه ولم يعن بتمحيصه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه فإنه يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع فضلاً عن بطلانه لابتنائه على أساس فاسد. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجه لبحث باقي أوجه الطعن.