أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 969

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: يعيش محمد رشدي، ومحمد وهبه، وأحمد طاهر خليل، ومحمد عبد الحميد صادق.

(200)
الطعن رقم 683 لسنة 47 القضائية

إهانة محكمة. جريمة. "أركانها". قذف. سب. قصد جنائي. إثبات. "بوجه عام". استعراف. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". ظروف مخففة.
(1) تحقق جريمة المادة 133/ 2 عقوبات متى كانت الأفعال أو العبارات تحمل معنى الإساءة أو المساس بالشعور أو الغض من الكرامة ولو لم تبلغ حد السب أو القذف.
تعمد توجيه ألفاظ تحمل بذاتها معنى الإهانة. كفايته لتوافر القصد الجنائي في تلك الجريمة.
(2) عدم رسم القانون صورة خاصة للتعرف على المتهم.
(3) الرد على أوجه الدفاع الموضوعية. غير لازم.
(4) للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود. إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحةً أو ضمناً.
(5) حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى.
(6) تقدير قيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها. موضوعي.
1 - لا يشترط لتوفر جريمة الإهانة المنصوص عليها في المادة 133 من قانون العقوبات أن تكون الأفعال والعبارات المستعملة مشتملة على قذف أو سب أو إسناد أمر معين، بل يكفي أن تحمل معنى الإساءة أو المساس بالشعور أو الغض من الكرامة، وأنه يكفي لتوفر القصد الجنائي فيها تعمد توجيه ألفاظ تحمل بذاتها معنى الإهانة إلى الموظف سواء أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها بغض النظر عن الباعث على توجيهها فمتى ثبت للمحكمة صدور الألفاظ المهينة فلا حاجة لها بعد ذلك للتدليل صراحة في حكمها على أن الجاني قصد بها الإساءة أو الإهانة. ولما كانت العبارات التي أثبت الحكم صدورها من الطاعن للمحكمة المعتدى عليها أثناء انعقادها بالجلسة تفيد بذاتها قصد الإهانة، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في بيان ألفاظ الإهانة والقصد الجنائي منها لا يكون له أساس.
2 - لما كان القانون لم يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه ما دامت قد اطمأنت إليه إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه، فلا على المحكمة أن هي اعتمدت على الدليل المستمد من تعرف المحكمة المعتدى عليها على الطاعن ما دام تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها وتكون المجادلة في هذا الخصوص غير مقبولة.
3 - محكمة الموضوع لا تلتزم بحسب الأصل بالرد على أوجه دفاع المتهم الموضوعية إنما يستفاد الرد عليها دلالة على قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت، وكان الحكم المطعون فيه – مع هذا قد عرض لما أثاره الدفاع من حصول التعرف بإرشاد الضابط وأطرحه اطمئناناً منه لما أنبته رئيس المحكمة المتعدى عليها في مذكرته من أنه هو الذي أرشد الضابط إلى المتهمين، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بالفصل فيه بغير معقب عليها.
4 - لما كان لا يبين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة بدرجتيها أن الطاعن أو المدافع عنه قد طلب سماع أقوال أحد من الشهود، وكان يجوز للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، يستوي في ذلك أن يكون صريحاً أو ضمنياً، وكان الأصل أن محكمة ثاني درجة إنما تحكم على مقتضى الأوراق وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه، ولا تلتزم بسماع الشهود إلا من كان يجب على محكمة أول درجة سماعهم فإذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم، وكان الطاعن قد عد متنازلاً عن حقه بسكوته عن التمسك بهذا الطلب أمام محكمة أول درجة، فإن ما ينعاه على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع لعدم سماع أقوال أعضاء المحكمة المعتدى عليها يكون غير سديد.
5 - من حق محكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أدلتها وسائر العناصر المطروحة عليها، وإذ كان الطاعن لا يماري في صحة الواقعة كما استخلصتها المحكمة وصار إثباتها في الحكم من وقوع الإهانة منه على هيئة المحكمة المعتدى عليها أثناء انعقاد الجلسة مما دعاها إلى رفعها، فإن ما يرمي به الطاعن الحكم في هذا الصدد بدعوى الخطأ في الإسناد أو في تطبيق القانون لا يكون له محل.
6 - تقدير قيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها موكول لقاضي الموضوع دون معقب عليه في ذلك، إذ كانت العقوبة التي أنزلها الحكم بالطاعن تدخل في نطاق العقوبة المقررة للجريمة التي دين بها وكان تقدير العقوبة في الحدود المقررة هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع وهي غير ملزمة ببيان الأسباب التي دعتها لتوقيع العقوبة بالقدر الذي رأته، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له وجه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: (1)...... (الطاعن) و(2)....... و(3)...... بأنهم أهانوا بالقول والتهديد هيئة محكمة القاهرة التجارية أثناء وبسبب تأدية المحكمة وظيفتها بأن وجهوا إليها الألفاظ الواردة بالمحضر، وطلبت عقابهم بالمادة 133/ 1 من قانون العقوبات. ومحكمة عابدين الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بحبس كل من المتهمين...... (الطاعن) و....... بالحبس سنة مع الشغل والنفاذ وبعدم اختصاصها بالنسبة للمتهم الحدث........ فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول استئناف المتهمين شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس لمدة شهرين مع الشغل بلا مصاريف جنائية. فطعن الأستاذ ..... المحامي نائباً عن الأستاذ....... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إهانة محكمة قضائية قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع وانطوى على خطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم لم يبين ألفاظ الإهانة التي بدرت من الطاعن على وجه التخصيص ولم يستظهر توفر قصد الإهانة لديه. وعول في الإدانة على تعرف هيئة المحكمة المعتدى عليها عليه وعلى المتهمين الآخرين مع أنه تم بإرشاد الضابط الذي حضر لضبط الواقعة بعد حدوثها. وقد أثار الدفاع تعذر تمييز قالة كل منهم بين جمهرة الحاضرين بساحة المحكمة وطلب سماع أقوال أعضاء الهيئة في هذا الشأن إلا أن المحكمة أعرضت عما أثاره من دفاع أو طلب ولم ترد عليه، وانتهت في قضائها إلى أن الإهانة قد وقعت أثناء انعقاد الجلسة على خلاف الثابت بالأوراق وبمدونات الحكم من وقوعها بعد رفع الجلسة مما لا محل معه لعقاب الطاعن طبقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 133 من قانون العقوبات لأن مناط تطبيقها أن تقع الإهانة على المحكمة أثناء انعقاد الجلسة، هذا وقد نحت المحكمة إلى إنزال عقوبة الحبس عليه مع أن الحرص على مستقبله بوصفه مدرساً كان يقتضي الاكتفاء في عقابه بالغرامة. وأخيراً فإن الحكم قد أهاب بوزارة العدل إنشاء شرطة قضائية لحماية أمن المحاكم والقضاء وهو ما يخرج عن نطاق الدعوى المطروحة، وكل ذلك مما يعيبه ويوجب نقضه.
حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل في أسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أنه بتاريخ 30/ 7/ 1973 فوجئت محكمة القاهرة الابتدائية – الهيئة التجارية – أثناء انعقاد جلساتها بحشد من الناس ومن بينهم الطاعن والمتهم الثاني – المحكوم بإدانته – والمتهم الثالث – الحدث المحكوم بعدم الاختصاص بالنسبة له – يقتحمون قاعة الجلسة ويوجهون إليها التهديد والإهانة في قولهم "مش طالعين من المحكمة إلا يا قاتل يا مقتول" وإذ استبانت أنهم دائنو شركة قاصد خير في القضية التي سبق نظرها بذات الجلسة وطلبت إليهم مغادرة قاعة الجلسة تعرضوا لها بقولهم "مش معقول أن المحكمة تقعد على ترابيزة جربانة وفي حجره زي الحاصل" ثم هددوها بالقتل إن لم تعطهم حقوقهم وما لهم من ديون قبل الشركة المدينة وازداد صياحهم عند ما حاول موظفوا المحكمة إخراجهم من القاعة مما اضطر المحكمة إلى رفع الجلسة زهاء الساعة، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن والمتهم الثاني أدلة سائغة مستمدة مما ورد بمذكرة رئيس المحكمة التي وقعت الإهانة عليها وما تضمنه المحضر المحرر عقب الحادث بمعرفة نائب مأمور قسم الشرطة من إثبات تعرف هيئة المحكمة على المتهمين وضبطهم في ساحة المحكمة. لما كان ذلك، وكان الحكم في بيانه لواقعة الدعوى قد أورد ألفاظ الإهانة التي بدرت من الطاعن وبين أنها وجهت منه إلى محكمة قضائية أثناء انعقادها وإذ كان لا يشترط توفر جريمة الإهانة المنصوص عليها في المادة 133 من قانون العقوبات أن تكون الأفعال والعبارات المستعملة مشتملة على قذف أو سب أو إسناد أمر معين، بل يكفي أن تحمل معنى الإساءة أو المساس بالشعور أو الغض من الكرامة، وأنه يكفي لتوفر القصد الجنائي فيها تعمد توجيه ألفاظ تحمل بذاتها معنى الإهانة إلى الموظف سواء أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها بغض النظر عن الباعث على توجيهها، فمتى ثبت للمحكمة صدور الألفاظ المهينة فلا حاجة لها بعد ذلك للتدليل صراحة في حكمها على أن الجاني قصد بها الإساءة أو الإهانة ولما كانت العبارات التي أثبت الحكم صدورها من الطاعن للمحكمة المعتدى عليها أثناء انعقادها بالجلسة تفيد بذاتها قصد الإهانة، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في بيان ألفاظ الإهانة والقصد الجنائي منها لا يكون له أساس. لما كان ذلك، وكان القانون لم يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم إليها. وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه ما دامت قد اطمأنت إليه إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه، فلا على المحكمة إن هي اعتمدت على الدليل المستمد من تعرف المحكمة المعتدى عليها على الطاعن ما دام تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها وتكون المجادلة في هذا الخصوص غير مقبولة. ولما كانت محكمة الموضوع لا تلتزم بحسب الأصل بالرد على أوجه دفاع المتهم الموضوعية إنما يستفاد الرد عليها دلالة من قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت، وكان الحكم المطعون فيه – مع هذا قد عرض لما أثاره الدفاع من حصول التعرف بإرشاد الضابط وأطرحه اطمئناناً منه لما أثبته رئيس المحكمة المتعدى عليها في مذكرته من أنه هو الذي أرشد الضابط إلى المتهمين، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بالفصل فيه بغير معقب عليها. لما كان ذلك، وكان لا يبين من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة بدرجتيها أن الطاعن أو المدافع عنه قد طلب سماع أقوال أحد من الشهود، وكان يجوز للمحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، يستوي في ذلك أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً، وكان الأصل أن محكمة ثاني درجة إنما تحكم على مقتضى الأوراق وهي لا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه، ولا تلتزم بسماع الشهود إلا من كان يجب على محكمة أول درجة سماعهم، فإذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم وكان الطاعن قد عد متنازلاً عن حقه بسكوته عن التمسك بهذا الطلب أمام محكمة أول درجة، فإن ما ينعاه على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع لعدم سماع أقوال أعضاء المحكمة المعتدى عليها يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أدلتها وسائر العناصر المطروحة عليها، وإذ كان الطاعن لا يماري في صحة الواقعة كما استخلصتها المحكمة وصار إثباتها في الحكم من وقوع الإهانة منه على هيئة المحكمة المعتدى عليها أثناء انعقاد الجلسة مما دعاها إلى رفعها، فإن ما رمي به الطاعن الحكم في هذا الصدد بدعوى الخطأ في الإسناد أو في تطبيق القانون لا يكون له محل، فضلاً عن أنه لا مصلحة له من هذا المنعي ما دامت العقوبة التي أوقعتها المحكمة عليه وهي الحبس مع الشغل لمدة شهرين في نطاق العقوبة المقررة بالفقرة الأولى من المادة 133 من قانون العقوبات لجريمة إهانة الموظف أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها. لما كان ذلك، وكان تقدير قيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها موكول لقاضي الموضوع دون معقب عليه في ذلك، وإذ كانت العقوبة التي أنزلها الحكم بالطاعن تدخل في نطاق العقوبة المقررة للجريمة التي دين بها، وكان تقدير العقوبة في الحدود المقررة هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع وهي غير ملزمة ببيان الأسباب التي دعتها لتوقيع العقوبة بالقدر الذي رأته، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له وجه. لما كان ذلك، وكان ما تضمنه الحكم من نداء لوزارة العدل بإنشاء شرطة قضائية لحماية أمن المحاكم والقضاة لا يعدو أن يكون تزيداً خارجاً عن استدلال الحكم غير فادح في صحته ولا تأثير له على سلامته. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.