أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 795

جلسة أول يونيه سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوي، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم الديواني، وطه محمد دنانة، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(185)
الطعن رقم 626 لسنة 40 القضائية

مسئولية جنائية. موانع العقاب. "عاهة العقل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "إثبات بوجه عام". "خبرة". اختلاس أموال أميرية.
مثال لإخلال بدفاع جوهري أثير حول امتناع مسئولية المتهم عن جرمه لإصابته بمرض عقلي. ليس للمحكمة أن تحل نفسها محل الخبير في مسألة فنية بحتة.
متى كان الثابت أن الدفاع عن الطاعن طلب إعادة فحص حالته العقلية على ضوء الكشوف الطبية والتذاكر العلاجية المودعة بملف خدمته، والمرفقة بأوراق الدعوى والتي تحوي ما يقطع بمرضه العقلي فترة وقوع الجريمة، فقد كان متعيناً على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهري الذي يسانده الواقع عن طريق المختص فنياً، أما وهي لم تفعل اكتفاء بما قالته بأن الأوراق المقدمة لا تدل على أن المتهم كان مصاباً خلال هذه المدة بمرض عقلي يمنع من أن يكون مسئولاً عن عمله الإجرامي الذي ارتكبه خلال تلك الفترة، فإنها بذلك تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفني في مسألة فنية بحتة. ومن ثم يكون حكمها معيباً بالإخلال بحق الدفاع مما يتعين معه نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 26 يونيه سنة 1961 بدائرة قسم إمبابة محافظة الجيزة: بصفته موظفاً عمومياً ومن مأموري التحصيل سكرتير مركز دراسات شئون الطائرات - اختلس مبلغ 519 ج و827 مليماً سلمت إليه بهذه الصفة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر بذلك، ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112/ 1 و2، و118، 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة مدة ثلاث سنوات، وعزله من وظيفته وبتغريمه مبلغ 519 ج و827 مليماً وبإلزامه مبلغ 519 ج و827 مليماً. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخل بحقه في الدفاع، ذلك بأن المحكمة لم تستجب إلى ما طلبه الدفاع عنه من إعادة فحص حالته العقلية على ضوء الكشوف الطبية والتذاكر العلاجية المودعة بملف خدمته - والتي وردت للمحكمة أخيراً - مع أنهما تحويان ما يقطع بمرضه العقلي فترة وقوع الجريمة ولم تكن تحت نظر الخبير الذي ندبته المحكمة، وردت عليه بما لا يسوغ إطراحه بما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أورد في مدوناته "أن الدفاع طلب إعادة هذا التقرير إلى مدير مستشفى الأمراض العقلية لإعادة فحص حالة المتهم في الفترة السابق تحديدها - وهي المدة من أول مارس سنة 1961 حتى آخر يونيه سنة 1961 - وخاصة لأنه ورد من وزارة الداخلية في 4 يونيه سنة 1969 أوراق طويت على كشوف طبية وعلاجية تدل على أن المتهم كان مصاباً بآفة عقلية من مارس سنة 1961" وحين عرض الحكم للرد على هذا الدفاع قال: "إن المحكمة ترى عدم التعويل على هذا الطلب بعد ما اطمأنت إلى تقرير الخبير المنتدب، أما الأوراق التي قدمها والتي قال عنها إنها كشوف طبية وعلاجية تدل على أن المتهم كان مصاباً بآفة عقلية في مارس سنة 1961، فلا تعدو أن تكون عدداً من التذاكر الطبية التي وإن كان بعضها يحمل تاريخاً يقع خلال المدة السابق تحديدها، فإنها لا تدل على أن المتهم كان مصاباً خلال تلك الفترة بمرض عقلي..." لما كان ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن، أن الطاعن تقدم بطلب لإدارة شئون العاملين بوزارة الداخلية لاستخراج تذاكر العلاج الطبية الخاصة به، والصادرة من السادة أطباء الأمراض النفسية والعصبية عن الفترة من سنة 1950 حتى سنة 1970، والمودعة بملف خدمته، فأرسل المدير للإدارة المذكورة إلى نيابة الجيزة بعضاً من هذه التذاكر بخطابه المؤرخ 3 يونيه سنة 1969 وهي صادرة جميعها من أطباء متخصصين في الأمراض النفسية والعصبية مثبتة لتردده عليهم في الفترة من سنة 1950 حتى سنة 1967، ولم تكن هذه الأوراق تحت بصر مدير مستشفى الأمراض العقلية الذي فحص الطاعن ووضع تقريره عن حالته العقلية. لما كان ما تقدم، فقد كان متعيناً على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهري الذي يسانده الواقع، عن طريق المختص فنياً - أما وهي لم تفعل، اكتفاء بما قالته بأن الأوراق المتقدمة لا تدل على أن المتهم كان مصاباً خلال هذه المدة بمرض عقلي يمنع من أن يكون مسئولاً عن عمله الإجرامي الذي ارتكبه خلال تلك الفترة، فإنها بذلك تكن قد أحلت نفسها محل الخبير الفني في مسألة فنية بحتة. ومن ثم يكون حكمها معيباً بالإخلال بحق الدفاع مما يتعين معه نقضه والإحالة.