أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 976

جلسة 27 من نوفمبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: يعيش محمد رشدي، ومحمد وهبه، وأحمد طاهر خليل، ومحمد عبد الحميد صادق.

(201)
الطعن رقم 684 لسنة 47 القضائية

قتل عمد. اشتراك. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محاماة. إثبات. "خبرة" "شهادة". "اعتراف". حكم. "ما لا يعيبه في نطاق التدليل". نقض. "الصفة والمصلحة في الطعن".
(1) عدم التزام محكمة الموضوع بإجابة طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها حاجة إلى ذلك مثال.
(2) لمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. مثال.
(3) ندب محام واحد للدفاع عن متهمين لا تعارض بين مصالحهم. لا عيب.
استعداد المدافع أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره. وتقاليد مهنته.
(4) لمحكمة الموضوع الأخذ بقول متهم على آخر وإن عدل عنه بعد ذلك. لها الأخذ بقول المتهم في أية مرحلة من مراحل التحقيق.
(5) تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات وصدوره اختياراً من عدمه. موضوعي.
(6) استطراد الحكم إلى ما لا أثر له في تكوين عقيدته. لا يعيبه.
(7) الاشتراك إنما يكون في الجريمة ذاتها. وجود علاقة مباشرة بين الشريك والفاعل الأصلي . غير لازم. المادة 40 عقوبات.
(8) عدم جواز النعي على حكم البراءة. إلا من النيابة العامة.
1 - لما كان البين من الحكم أنه عرض لطلب الطاعن استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في وصف إصابات المجني عليه وما إذا كانت طولية أم عرضية وهل حدثت من فأس أم من بلطة، ورد عليه – بصدد تدليله على صدق أقوال الطاعنين الثلاثة الأول – في قوله: "وقد تأيدت هذه الأقوال أيضاً بما جاء بالتقرير الطبي الشرعي الذي أثبت أن الاعتداء على المجني عليه وقد وقع بآلة حادة ثقيلة نوعاً كسن بلطة أو ما في حكم ذلك ولا شك أن الفأس هي مما يدخل تحت لفظ (ما في حكم ذلك) ولا تجدي منازعة الدفاع من أن الضربة بالفأس تحدث إصابة مستعرضة وأن الإصابة بالبلطة تحدث إصابة طولية ذلك أن إصابة الفأس كما تحدث إصابة مستعرضة يمكنها أيضاً أن تحدث إصابة طولية وحدوث الإصابة على هذا النحو أو ذاك يختلف باختلاف وضع كل من المجني عليه والضارب ولا شك في أن الاثنين كانا في وضع غير ثابت وهذا القول من البديهات التي تطمئن إليها المحكمة دون حاجة في ذلك إلى سماع أقوال الطبيب الشرعي إجابة طلب الدفاع". وإذ كان هذا الذي رد به الحكم على طلب استدعاء الطبيب الشرعي سائغاً في رفض هذا الطلب، لما هو مقرر من أن محكمة الموضوع لا تلتزم بإجابة طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، ولأن البلطة لا تعدو – في حقيقتها – أن تكون فأساً يقطع بها الخشب ونحوه، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد.
2 - لا تثريب على المحكمة إذ هي لم تأته لقالة الطاعن بوجوده برفقة ابنته المصابة في المستشفى يوم الحادث ولم ترد على شهادة المستشفى المقدمة بالجلسة إثباتاً لذلك، لأن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فلمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي ثبتت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، وهي غير ملزمة – من بعد – بالرد صراحة على دفاع المتهم الموضوعي ما دام الرد عليه مستفاداً ضمناً من قضائها بإدانته استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها. هذا إلى أن المحكمة لم تسند إلى الطاعن وجوده على مسرح الجريمة يوم الحادث وإنما دانته لاشتراكه فيها بطريق الاتفاق. ومن ثم فإن ما ينعاه على حكمها في هذا الشأن يكون في غير محله.
3 - لما كان الطاعن لا يدعي بتعارض مصالح الطاعنين الثلاثة الأول وليس في مدونات الحكم ما يشير إلى قيام هذا التعارض، فإنه لا يكون ثمة مانع في القانون من الاكتفاء بندب محام واحد للدفاع عنهم جميعاًُ. وإذ كان ذلك وكان الثابت بمحضر جلسة المرافعة الأخيرة أن المحكمة سلمت هذا المحامي ملف القضية للاطلاع والاستعداد ولم تنظر الدعوى إلا بعد أن استعد فيها، وكان من المقرر أن استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره هو حسبما يمليه عليه ضميره ويوحي به اجتهاده وتقاليد مهنته، فإنه لا يقبل من الطاعن منعاه على الحكم في هذا الخصوص وقوله إن المحامي المنتدب قد ترافع بغير الاطلاع على الملف.
4 - لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع الأخذ بالأقوال التي يدلي بها متهم في حق آخر – وإن عدل عنها بعد ذلك – متى اطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع، كما أن لها أن تعول على رواية للمتهم في التحقيق ولو خالفت رواية أخرى له فيه دون إلزام عليها بأن تعرض لكل من الروايتين أو تذكر العلة في أخذها بإحداها دون الأخرى لأن تعويلها على ما أخذت به – معناه أنها اطمأنت إلى صحته وأطرحت ما عداه، ومن ثم فإن كافة ما يثيره الطاعن في شأن الأقوال التي أدلى بها الطاعنون الثلاثة الأول في حقه وروايات الثاني والثالث منهم يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان البين من الحكم أن قالة التعارض بين اعتراف الطاعنين الثلاثة الأول وبين تقرير الصفة التشريحية منتفية سواء بالنسبة لتعدد الضربات أو للفأس المستعملة في الحادث – وكان الطاعن لا يماري في صحة ما نقلة الحكم في هذا الصدد، فإن الحكم يكون مبرأ من التناقض الذي يعيبه عليه الطاعن.
5- لما كان الحكم قد عرض لما أثير من صدور الاعتراف من الطاعنين الثلاثة الأول تحت تأثير الإكراه الواقع عليهم من رجال المباحث، ورد عليه بقوله: "ولا يغير من صحة هذه الاعترافات "ما أشار إليه الدفاع من أن أحد المتهمين به سحج في صدره قرر أن أحد رجال الشرطة قد أحدثه به للإدلاء بالأقوال التي أدلى بها ذلك أنه فضلاًَ عن أنه ليس في أوراق الدعوى ما يشير إلى أن اعترافات كل من..... الطاعنين الأول والثالث – قد أخذت تحت تأثير الإكراه فإن المحكمة لم تعول في إدانتها على ما قرره المتهم..... الطاعن الثاني – في محضر التحقيق المؤرخ 1/ 11/ 1973 المعاصر لوقت إصابته وإنما عولت في ذلك على أقواله اللاحقة وقد خلت الأوراق من أن أقوال هؤلاء المتهمين جميعاً قد أخذت تحت تأثير الإكراه" وإذ كان هذا الذي رد به الحكم على ما أثير بشأن الإكراه سائغاً في تقييده وفي نفي الصلة بين السحج المشاهد بصدر الطاعن الثاني وبين الاعتراف – الذي أدلى به في التحقيق في وقت لاحق غير معاصر لحدوث ذلك السحج – والذي اطمأن إليه الحكم دون سواه، وكان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها – بهذه المثابة – أن تقرر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة. فإن تعييب الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله.
6 - لما كانت واقعة تلوث الفأس المستعملة في الحادث، وكذلك ملابس الطاعن الأول – المضبوطة بدماء المجني عليه وأن أوردها الحكم في ثنايا سرده شهادة رئيس وحدة المباحث، إلا أنها ليس لها أي أثر في منطق الحكم ولا في تكوين عقيدة المحكمة في الدعوى وقد خلا منها تماماً البيان الذي أورده الحكم للصورة التي ارتسمت في وجدان محكمة الموضوع، ومن ثم فإن الحكم يكون بمنأى عن الفساد في الاستدلال الذي يعيبه عليه الطاعن لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
7 - لما كانت المادة 40 من قانون العقوبات لا تشترط في الشريك أن تكون له علاقة مباشرة مع الفاعل الأصلي للجريمة، ومن ثم يكفي لتحقيق اشتراكه في الجريمة بطريق التحريض أن تكون الجريمة قد وقعت فعلاً بناء على تحريضه على ارتكاب الفعل المكون لها، إذ الشريك إنما هو في الواقع شريك في الجريمة ذاتها يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على اشتراكه. لما كان ذلك فإن ما يقول به الطاعن من أنه لا عقاب على الاشتراك في الاشتراك يكون غير صحيح، ويكون الحكم المطعون فيه قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.
8 - لما كان لا صفه للطاعن في النعي على قضاء الحكم بالنسبة للمتهم المحكوم ببراءته، إذ أن الحق في الطعن على هذا القضاء مقصور على النيابة العامة وحدها، ومن ثم يكون منعاه بالخطأ في الإسناد غير مقبول. لما كان ذلك وكان باقي ما يعيبه الطاعن على الحكم قد سبق الرد عليه لدى بحث أوجه الطعن المقدم من الطاعن الرابع، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر حكم ببراءته بأنهم المتهمون الأول والثاني والثالث: قتلوا..... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك فأساً واستدرجوه إلى منزل المتهم الأول وما أن ظفروا به حتى انقضوا عليه بالفأس قاصدين قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. المتهمون الخامس والسادس والسابع اشتركوا بطريق التحريض والاتفاق مع المتهمين الثلاثة سالفي الذكر في ارتكاب الجريمة المنوه عنها بالتهمة الأولى مع علمهم بها بأن حرض المتهمون الخامس والسادس والسابع المتهم الرابع على قتل المجني عليه وقد اتفق الرابع بدوره مع المتهمين الثلاثة الأول على ارتكابها وتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وذلك التحريض. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للمواد 40/ 1 – 2 – 3 – 4 و41 و230 و231 و235 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. وادعت.... (والدة المجني عليه) مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بالنسبة للطاعنين مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين (الطاعنين) الأول والثاني والثالث والرابع بالأشغال الشاقة المؤبدة وبمعاقبة كل من المتهمين (الطاعنين) الخامس والسادس بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما أسند إليهم وبإلزامهم بأن يدفعوا متضامنين للمدعية بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين الثلاثة الأول وإن قرروا بالطعن في الحكم بطريق النقض في الميعاد. إلا أنهم لم يودعوا الأسباب التي بنوا عليها طعنهم. ولما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة بالطعن وأن إيداع أسبابه – في الميعاد الذي حدده القانون - هو شرط
لقبوله. وأن التقرير بالطعن وإيداع الأسباب التي بني عليها يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغني عنه. فإنه يتعين – والحال أن هؤلاء الطاعنين لم يودعوا أسباب الطعن المقدم منهم – القضاء بعدم قبوله شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من كل من الطاعنين الثلاثة الآخرين قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
(أولاً) عن الطعن المقدم من الطاعن الرابع:
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الرابع هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة الاشتراك – في جناية قتل عمد مع سبق الإصرار – بطريق الاتفاق، قد شابه إخلال بحق الدفاع وقصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال. ذلك بأن المحكمة لم تجب طلب الطاعن استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في وصف إصابات المجني عليه وما إذا كانت طولية أم عرضية وهل حدثت من فأس أم من بلطة، وردت على هذا الطلب بما لا يصلح رداً كما أنها أغفلت الرد على ما قاله الطاعن في التحقيق من أنه كان برفقة ابنته المصابة في المستشفى يوم الحادث. مع أنه قدم بالجلسة إثباتاً لذلك شهادة من المستشفى هذا إلى أنها اكتفت بندب محام واحد في جلسة المرافعة الأخيرة للدفاع عن الطاعنين الثلاثة الأول، فترافع بالجلسة ذاتها بغير الاطلاع على الملف ثم أن الحكم أخذ بالأقوال التي أدلى بها هؤلاء الثلاثة في حق الطاعن بالتحقيق، في حين أنهم عدلوا عنها بالجلسة. بل أنه عول على رواية للطاعنين الثاني والثالث دون أن يعرض لرواية أخرى لهما مخالفة في التحقيق ذاته، فضلاً عن أنه جمع بين اعتراف الطاعنين الثلاثة الأول وبين تقرير الصفة التشريحية رغم ما بينهما من تعارض في خصوص عدد الضربات والآلة المستعملة في الحادث. كل ذلك بالإضافة إلى قصور الحكم في الرد على ما أثير من أن هذا الاعتراف قد صدر منهم تحت تأثير الإكراه الواقع عليهم من رجال المباحث – والذي قام دليله من الإصابة التي شوهدت بالطاعن الثاني منهم – وإلى استدلاله على ثبوت الجريمة بما قرره رئيس وحدة المباحث من إخفاء الطاعن الأول الفأس المستعملة في الحادث بمنزله وضبطها ملوثة بدماء المجني عليه، وإخفائه ملابسه بمنزل ابنة شقيقه وضبطها ملوثة بدماء المجني عليه، في حين أن الأوراق خلت مما يثبت تلوث الفأس والملابس بدماء آدمية فضلاً عن كونها دماء المجني عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعنين الخامس والسادس حرضا الطاعن الرابع على استئجار من يقتل المجني عليه – أخذاً بثأر قريبهما زوج ابنة الطاعن السادس – فاتفق بدوره مع الطاعنين الثلاثة الأول على ارتكاب هذه الجريمة لقاء مبلغ مائة جنيه قبض منه الطاعنون الأربعة الأول مبلغ ثلاثين جنيهاً اقتسموه فيما بينهم، وبناء على هذا الاتفاق وذلك التحريض استدرج الطاعنان الثاني والثالث المجني عليه إلى منزل الطاعن الأول حيث ضربه الطاعنان الأول والثاني بفأس على رأسه فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة مستمدة من شهادة كل من رئيس وحدة المباحث وابنة الطاعن الأول، ومن اعتراف الطاعنين الثلاثة الأول في التحقيق – والذي ردده أثناء إجراء المعاينة بحضورهم على الطبيعة – ومما جاء بتقرير الصفة التشريحية. لما كان ذلك وكان البين من الحكم أنه عرض لطلب الطاعن استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في وصف إصابات المجني عليه وما إذا كانت طولية أم عرضية وهل حدثت من فأس أم من بلطة، ورد عليه – بصدد تدليله على صدق أقوال الطاعنين الثلاثة الأول – في قوله: "وقد تأيدت هذه الأقوال أيضاً بما جاء بالتقرير الطبي الشرعي الذي أثبت أن الاعتداء على المجني عليه وقد وقع بآلة حادة ثقيلة نوعاً كسن بلطة أو ما في حكم ذلك ولا شك أن الفأس هي مما يدخل تحت لفظ (ما في حكم ذلك) ولا تجدي منازعة الدفاع من أن الضربة بالفأس تحدث إصابة مستعرضة وأن الإصابة بالبلطة تحدث إصابة طولية ذلك أن إصابة الفأس كما تحدث إصابة مستعرضة يمكنها أيضاً أن تحدث إصابة طولية وحدوث الإصابة على هذا النحو أو ذلك يختلف باختلاف وضع كل من المجني عليه والضارب ولا شك في أن الاثنين كانا في وضع غير ثابت وهذا القول من البديهيات التي تطمئن إليها المحكمة دون حاجة في ذلك إلى سماع أقوال الطبيب الشرعي إجابة إلى طلب الدفاع". وإذ كان هذا الذي رد به الحكم على طلب استدعاء الطبيب الشرعي سائغاً في رفض هذا الطلب، لما هو مقرر من أن محكمة الموضوع لا تلتزم بإجابة طلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، ولأن البلطة لا تعدو – في حقيقتها – أن تكون فأساً يقطع بها الخشب ونحوه، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان لا تثريب على المحكمة إذ هي لم تأبه لقالة الطاعن بوجوده برفقة ابنته المصابة في المستشفى يوم الحادث ولم ترد على شهادة المستشفى المقدمة بالجلسة إثباتاً لذلك، لأن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية فلمحكمة الموضوع أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي ثبتت لديها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، وهي غير ملزمة – من بعد – بالرد صراحة على دفاع المتهم الموضوعي ما دام الرد عليه مستفاداً ضمناً من قضائها بإدانته استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها. هذا إلى أن المحكمة لم تسند إلى الطاعن وجوده على مسرح الجريمة يوم الحادث وإنما دانته لاشتراكه فيها بطريق الاتفاق. ومن ثم فإن ما ينعاه على حكمها في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يدعي بتعارض مصالح الطاعنين الثلاثة الأول وليس في مدونات الحكم ما يشير إلى قيام هذا التعارض، فإنه لا يكون ثمة مانع في القانون من الاكتفاء بندب محام واحد للدفاع عنهم جميعاًُ. وإذ كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة المرافعة الأخيرة أن المحكمة سلمت هذا المحامي ملف القضية للاطلاع والاستعداد ولم تنظر الدعوى إلا بعد أن استعد فيها، وكان من المقرر أن استعداد المدافع عن المتهم أو عدم استعداده أمر موكول إلى تقديره هو حسبما يمليه عليه ضميره ويوحي به اجتهاده وتقاليد مهنته، فإنه لا يقبل من الطاعن منعاه على الحكم في هذا الخصوص وقوله إن المحامي المنتدب قد ترافع بغير الاطلاع على الملف. لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع الأخذ بالأقوال التي يدلي بها متهم في حق آخر – وأن عدل عنها بعد ذلك – متى اطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع، كما أن لها أن تعول على رواية للمتهم في التحقيق ولو خالفت رواية أخرى له فيه دون إلزام عليها بأن تعرض لكل من الروايتين أو تذكر العلة في أخذها بإحداها دون الأخرى لأن تعويلها على ما أخذت به – معناه أنها اطمأنت إلى صحته وأطرحت ما عداه، ومن ثم فإن كافة ما يثيره الطاعن في شأن الأقوال التي أدلى بها الطاعنون الثلاثة الأول في حقه وروايات الثاني والثالث منهم يكون على غير أساس لما كان ذلك وكان البين من الحكم أن قالة التعارض بين اعتراف الطاعنين الثلاثة الأول وبين تقرير الصفة التشريحية منتفية - سواء بالنسبة لتعدد الضربات أو للفأس المستعملة في الحادث – وكان الطاعن لا يماري في صحة ما نقلة الحكم في هذا الصدد، فإن الحكم يكون مبرأ من التناقض الذي يعيبه عليه الطاعن. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثير من صدور الاعتراف من الطاعنين الثلاثة الأول تحت تأثير الإكراه الواقع عليهم من رجال المباحث، ورد عليه بقوله: "ولا يغير من صحة هذه الاعترافات ما أشار إليه الدفاع من أن أحد المتهمين به سحج في صدره قرر أن أحد رجال الشرطة قد أحدثه به للإدلاء بالأقوال التي أدلى بها ذلك أنه فضلاًَ عن أنه ليس في أوراق الدعوى ما يشير إلى أن اعترافات كل من..... - الطاعنين الأول والثالث – قد أخذت تحت تأثير الإكراه فإن المحكمة لم تعول في إدانتها على ما قرره المتهم..... - الطاعن الثاني – في محضر التحقيق المؤرخ 1/ 11/ 1973 المعاصر لوقت إصابته وإنما عولت في ذلك على أقوله اللاحقة وقد خلت الأوراق من أن أقوال هؤلاء المتهمين جميعاً قد أخذت تحت تأثير الإكراه". وإذ كان هذا الذي رد به الحكم على ما أثير بشأن الإكراه سائغاً في تقييده وفي نفي الصلة بين السحج المشاهد بصدر الطاعن الثاني وبين الاعتراف – الذي أدلى به في التحقيق في وقت لاحق غير معاصر لحدوث ذلك السحج – والذي اطمأن إليه الحكم دون سواه، وكان من المقرر أن الاعتراف في المواد الجنائية هو من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها – بهذه المثابة – أن تقرر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المغزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة. فإن تعييب الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكانت واقعة تلوث الفأس المستعملة في الحادث، وكذلك ملابس الطاعن الأول – المضبوطة بدماء المجني عليه وإن أوردها الحكم في ثنايا سرده شهادة رئيس وحدة المباحث، إلا أنها ليس لها أي أثر في منطق الحكم ولا في تكوين عقيدة المحكمة في الدعوى وقد خلا منها تماماً البيان الذي أورده الحكم للصورة التي ارتسمت في وجدان محكمة الموضوع، ومن ثم فإن الحكم يكون بمنأى عن الفساد في الاستدلال الذي يعيبه عليه الطاعن. لما كان ما تقدم، فإن هذا الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
(ثانياً) عن الطعن المقدم من الطاعن الخامس:
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الخامس هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة الاشتراك – في جناية القتل – بطريق التحريض، قد شابه قصور في الرد على ما أثير من أن الاعتراف المعزو إلى الطاعنين الثلاثة الأول قد صدر منهم تحت وطأة الإكراه الواقع عليهم من رجال المباحث والذي قام دليله من الإصابة التي شوهدت بالطاعن الثاني منهم.
وحيث إن هذا النعي قد سبق الرد عليه عند بحث أوجه الطعن المقدم من الطاعن الرابع، ومن ثم فإن تعييب الحكم بالقصور يكون في غير محله، ويكون هذا الطعن – كسابقه – على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
(ثالثاً) عن الطعن المقدم من الطاعن السادس:
حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن السادس هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمة الاشتراك – في جناية القتل – بطريق التحريض، قد أخطأ في تطبيق القانون وشابة خطأ في الإسناد وإخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب، ذلك بأنه أقام قضاءه على أن الطاعنين الخامس والسادس قد حرضا الطاعن الرابع على قتل المجني عليه، فاتفق بدوره مع الطاعنين الثلاثة الأول على ارتكاب هذه الجريمة، مع أن الاشتراك في الجريمة لا يكون - في صحيح القانون – إلا مع فاعلها الأصلي مباشرة ومن ثم فلا عقاب على الاشتراك في الاشتراك، كما أن الحكم أقام قضاءه – بالنسبة للمتهم المحكوم ببراءته – على قوله أن اتهامه بالاشتراك في الجريمة سواء من جانب الطاعنين أو في التحريات، إنما كان على سبيل الظن والتخمين وهو قول يخالف الثابت في الأوراق. هذا إلى عدم إجابة المحكمة طلب الطاعن الرابع استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته وردها على هذا الطلب بما لا يصلح رداً، وإلى اكتفائها بندب محام واحد للدفاع عن الطاعنين الثلاثة الأول وترافعه بغير الاطلاع على الملف.
وحيث إنه لما كانت المادة 40 من قانون العقوبات لا تشترط في الشريك أن تكون له علاقة مباشرة مع الفاعل الأصلي للجريمة، وممن ثم يكفي لتحقيق اشتراكه في الجريمة بطريق التحريض أن تكون الجريمة قد وقعت فعلاً بناء على تحريضه على ارتكاب الفعل المكون لها، إذ الشريك إنما هو في الواقع شريك في الجريمة ذاتها يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على اشتراكه. لما كان ذلك، فإن ما يقول به الطاعن من أنه لا عقاب على الاشتراك في الاشتراك يكون غير صحيح، ويكون الحكم المطعون فيه قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً. لما كان ذلك، وكان لا صفه للطاعن في النعي على قضاء الحكم بالنسبة للمتهم المحكوم ببراءته، إذ أن الحق في الطعن على هذا القضاء مقصور على النيابة العامة وحدها، ومن ثم يكون منعاه بالخطأ في الإسناد غير مقبول. لما كان ذلك، وكان باقي ما يعيبه الطاعن على الحكم قد سبق الرد عليه لدى بحث أوجه الطعن المقدم من الطاعن الرابع، ومن ثم فإن النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.