أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 1023

جلسة 4 من ديسمبر سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين محمد وهبه، ومحمد عبد الحميد صادق، ومحمد علي بليغ، ومحمد حلمي راغب.

(210)
الطعن رقم 831 لسنة 47 القضائية

(1 – 5) ضرب أفضى إلى الموت. رابطة السببية. مسئولية جنائية. سبق الإصرار. اختصاص. أحداث. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات "شهادة". "خبرة". "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(1) مسئولية المتهم في جريمة الضرب وإحداث الجرح عمداً. عن جميع النتائج المألوفة لفعله. ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج ما لم تكن وليدة تعمد من جانب المجني عليه. مثال.
(2) تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. موضوعي.
عدم التزام المحكمة بطلب مناقشة الطبيب الشرعي. متى كانت الواقعة قد وضحت لديها.
قرار المحكمة في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. تحضيري. للمحكمة العدول عنه.
(3) حق محكمة الموضوع في استخلاص الحقيقة من الدليلين القولي والفني.
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من كافة عناصرها. موضوعي.
(4) سبق الإصرار. ماهيته؟ استخلاصه. موضوعي.
(5) إبداء الدفع بعدم اختصاص محكمة الجنايات بمحاكمة الحدث لأول مرة أمام محكمة النقض. غير جائز. ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره.
1 - لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنة المبني على أن وفاة المجني عليه لم تحدث نتيجة الإصابة وإنما نتيجة الإهمال في العلاج وأطرح في منطق سائغ هذا الدفاع على أساس أن المتهم مسئول عن جميع النتائج المحتمل حدوثها عن الإصابة التي أحدثها ولو كانت بطريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية وهو ما لم يدفع به الدفاع. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم سديداً في القانون ويستقيم به إطراح دفاع الطاعنة، ذلك بأنه من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها فمتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه. وكان الحكم اعتماداً على الأدلة السائغة التي أوردها والتي لا تماري الطاعنة أن لها معينها الصحيح من الأوراق قد خلص إلى إحداث الطاعنة جروحاً عمدية بالمجني عليه بقيامها بإلقاء المادة الكاوية عليه، ودلل على توافر رابطة السببية بين هذه الإصابات والوفاة بما استخلصه من تقرير الصفة التشريحية وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنة وفنده وأطرحه بأسباب سائغة التزم فيها التطبيق القانوني الصحيح، فإن الطاعنة تكون مسئولة عن جناية الضرب المفضي إلى الموت التي أثبت الحكم مقارفتها إياها. ولا يجدي الطاعنة ما تثيره عن الإهمال في علاج المجني عليه أو التراخي فيه، لأنه فضلاً عن أنه لا يعدو القول المرسل الذي سيق مرسلاً بغير دليل، فإنه – بفرض صحته – لا يقطع، كما قال الحكم بحق، رابطة السببية، لأن المتهم في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية وهو ما لم تقل به الطاعنة ولا سند له من الأوراق، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يضحى ولا محل له.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى وطالما أن استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق أو القانون، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن طلب دعوة الطبيب الشرعي وضم أوراق علاج المجني عليه لتحقيق دفاع الطاعنة المبني على انقطاع رابطة السببية للتراخي والإهمال في علاج المجني عليه ما دام أنه غير منتج في نفي التهمة عنها على ما سلف بيانه – ومن ثم فإن النعي على الحكم بقالة لإخلال بحق الدفاع لهذا السبب يكون في غير محله. وليس بذي شأن أن تكون المحكمة قد أصدرت قرارات بضم أوراق علاج المجني عليه واستدعاء الطبيب الشرعي ثم عدلت عن ذلك لما هو مقرر من أن القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق.
3 - لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنة من استحالة حصول الواقعة طبقاً لتصوير المجني عليه والشهود وأطرحه في منطق سائغ في قوله "كما لا يغير من الأمر شيئاً ما قاله دفاع المتهمة من أن إصابات المجني عليه لا يمكن أن تحدث من الواجهة لارتفاع قامة المجني عليه عن قامة المتهمة القصيرة إذ أن الثابت من أقوال المجني عليه أن المتهمة ألقت عليه زجاجة مملوءة بالسائل الكاوي، ومن طبيعة السائل النفاذ والسيولة ومن أثار السائل الكاوي الانتشار مما يمكن أن يلحق برأسه وخلف عنقه، يؤكد ذلك أن أشد إصابات المجني عليه في الصدر والبطن والذراعين والفخذين وكلها لا تحدث بهذا الشكل إلا إذا ألقي السائل في المواجهة وليس من أعلا وإلا لانحصرت معظم الإصابات وبلغت أشدها بالرأس والكتفين الأمر الذي لم يثبت حسب الثابت من تقرير الصفة التشريحية". وكان ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع الدليل الفني بل يتطابق معه، فإن ما تثيره الطاعنة من وجود تناقض بينهما لا يكون له محل، ولا على المحكمة إن هي التفتت عن استدعاء الطبيب الشرعي لاستطلاع رأيه في هذا الصدد ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وهى بعد غير ملزمة بإجراء مزيد من التحقيقات في أمر تبينته من عناصر الدعوى وما بوشر فيها من تحقيقات لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليه وشهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما تثيره الطاعنة من منازعة حول التصوير الذي أخذت به المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال الشهود أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
4 - لما كان الحكم قد عرض لظرف سبق الإصرار واستظهر توافره في حق الطاعنة في قوله "وبما أن سبق الإصرار متوافر في حق المتهمة من حقدها على المجني عليه لرفضه الزواج منها في سن ذلك كما هو ثابت من كتاب قسم المواليد بمنطقة وسط القاهرة المؤرخ 2/ 3/ 1976 وإعدادها مادة كاوية تحدث جروحاً ألقتها عليه بمجرد أن وقع بصرها عليه لتشويهه انتقاماً منه على فعلته وإشفاء لغليلها" وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم سائغاً ويتحقق به ظرف سبق الإصرار، كما هو معرف به في القانون، ذلك بأن ظرف سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة، وإنما هو يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره – ومن ثم كان النعي على الحكم بالقصور والفساد في الاستدلال في هذا الشأن غير سديد، على أنه لا جدوى للطاعنة من المنازعة في توافر هذا الظرف في حقها لأن العقوبة التي أنزلها الحكم بها وهى الحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات بعد استعمال المادة 17 من قانون العقوبات، تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت المجردة من توافر ظرف سبق الإصرار – وفقاً للفقرة الأولى من المادة 326/ 1 من القانون المذكور.
5 - لما كان شقيق الطاعنة قدم بتاريخ 6/ 8/ 1977 مذكرة مذيلة بتوقيعه لقلم كتاب محكمة النقض بعد فوات الميعاد القانوني ضمنها سبباً جديداً للطعن يقوم على أن الطاعنة كانت وقت الحادث حدثاً فلا تختص محكمة الجنايات بمحاكمتها وإنما تختص بذلك محكمة الأحداث فيكون الحكم قد خالف القانون لصدوره من محكمة غير مختصة وأرفق بها صورة شمسية من شهادة ميلاد باسم الطاعنة تفيد إنها من مواليد 20/ 3/ 1957. ولما كان من المقرر أنه فضلاً عن أنه لا يجوز إبداء أسباب أخرى أمام محكمة النقض غير الأسباب التي سبق بيانها في الميعاد المحدد في المادة 34 من القانون رقم 57 سنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وإن الطعن في الأحكام منوط بالخصوم أنفسهم ومن شأن المحكوم عليهم دون غيرهم فإن المادة 34 سالفة الذكر بعد أن نصت على وجوب التقرير بالطعن بالنقض وإيداع أسبابه في أجل غايته أربعون يوماً من تاريخ النطق بالحكم أوجبت في فقرتها الأخيرة بالنسبة للطعون التي يرفعها المحكوم عليهم أن يوقع أسبابها محام مقبول أمام محكمة النقض، وبهذا التنصيص على الوجوب يكون المشرع قد دل على أن تقرير الأسباب ورقة رسمية من أوراق الإجراءات في الخصومة والتي يجب أن يراعى في وضعها أن يكون محررها على درجة معينة من الثقافة القانونية وأن تحمل بذاتها مقومات وجودها وأن يكون موقعاً عليها من صاحب الشأن فيها وإلا غدت ورقة عديمة الأثر وكانت لغواً لا قيمة له، ولما كان السبب الجديد قد تضمنته مذكرة مقدمة من شقيق الطاعنة ومذيلة بتوقيعه ولم يوقع عليها محام مقبول، ومن ثم فلا يلتفت إلى ما أثاره شقيق الطاعنة في هذا الشأن بعد الميعاد القانوني للطعن ويجب قصر الطعن على الأسباب المحددة به، ولا يغير من ذلك القول بأن عدم اختصاص محكمة الجنايات بمحاكمة الحدث هو مما يتصل بالولاية وأنه متعلق بالنظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولها أن تقضي هي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب وتنقض الحكم لمصلحة المتهم طبقاً للحق المقرر لها بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض – إذ أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة إلى إجراء تحقيق موضوعي، ولما كانت مدونات الحكم فضلاً عن أنها خاليه مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة الجنايات قانوناً بمحاكمة الطاعنة وليس فيها ما يظاهر ما يدعيه شقيقها من إنها كانت حدثاً وقت مقارفتها الجريمة المسندة إليها، فإن الثابت بمدونات الحكم ومحاضر جلسات المحاكمة يفيد على العكس من ذلك أن الطاعنة من مواليد 26 من يوليه سنة 1954 وإن عمرها بلغ من واقع شهادة ميلادها الرسمية خمسة وعشرون سنة وقت ارتكابها الجريمة التي دينت بها، ومن ثم فإن إجراءات المحاكمة تكون قد تمت صحيحة ويكون الحكم قد صدر من المحكمة المختصة بمحاكمتها ويصبح الطعن على الحكم من هذه الناحية فضلاً عن عدم قبوله غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها: أحدثت عمداً بـ....... الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم تكن تقصد من ذلك قتله ولكن الإصابات أفضت إلى موته. وكان ذلك مع سبق الإصرار. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمتها بالقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك وادعى والد المجني عليه مدنياً قبل المتهمة بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 236/ 1 و2 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمة بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات وإلزامها بأن تؤدي إلى المدعي بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من المحكوم عليها هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانها بجناية الضرب المفضي إلى الموت قد خالف القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المدافع عن الطاعنة طلب إلى المحكمة سماع شهود الإثبات ورغم التمسك بهذا الطلب وتأجيل الدعوى عدة مرات لسماع الشهود فقد فصلت المحكمة في الدعوى دون سماعهم كما أن الطاعنة بنت دفاعها على انقطاع رابطة السببية بين الفعل المسند إليها وبين وفاة المجني عليه تأسيساً على أن المستفاد من تقرير الطبيب الشرعي أن المجني عليه أدخل مستشفي المعادي في 19/ 7/ 1972 ولم يتم تضميد جروحه إلا في 1/ 8/ 1972 وأن هذا الإهمال الجسيم في علاجه كان هو السبب المباشر في حدوث المضاعفات التي أدت إلى الوفاة، وطلبت الطاعنة ضم أوراق علاج المجني عليه واستدعاء الطبيب الشرعي لاستجلاء هذا الدفاع، ورغم تأجيل الدعوى لهذا السبب فقد عادت المحكمة وفصلت فيها دون أن ترد على هذا الدفاع بما يفنده، ودون أن تحققه على الرغم من أهميته في إظهار وجه الحق في الدعوى كما أن المدافع عن الطاعنة أثار في دفاعه استحالة تصوير شهود الإثبات للحادث من إلقاء الطاعنة المادة الكاوية على الطاعن في مواجهته لارتفاع قامة المجني عليه عن قامة الطاعنة القصيرة إذ الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن إصابات الطاعن بالرأس والظهر وأعلى الكتفين مما يكشف عن أن المادة الكاوية ألقيت على المجني عليه من علو وبما يكذب شهود الإثبات في تصويرهم للواقعة، وطلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته إلا أن المحكمة لم تستجب لهذا الطلب ولم تعن بتحقيق هذا الدفاع وردت عليه رداً معيباً. هذا إلى أن الحكم جاء قاصراً في استظهار ظرف سبق الإصرار ولم يورد من الأدلة ما يؤدي إلى توافره وكل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أنه قد أثبت بمحضر جلسة المحاكمة بتاريخ 31/ 3/ 1977 أن شهود الإثبات تخلفوا عن الحضور وأن أقوالهم تليت في الجلسة. بموافقة النيابة والدفاع وقد ترافع الدفاع عن الطاعنة في الجلسة المذكورة وختم مرافعته بطلب الحكم بالبراءة ثم أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه في ذات الجلسة. لما كان ذلك، وكانت المحاكمة قد وقعت في ظل التعديل المدخل في المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 113 سنة 1957 التي خولت المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، ويستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع بما يدل عليه كالحاصل في الدعوى المطروحة، ومن ثم فلا يحق للطاعنة – من بعد – النعي على المحكمة عدم سماعها شهود الإثبات الذين تنازلت هي عن سماعهم ولا يقدح في ذلك ما ورد بمحضر تلك الجلسة على لسان المدافع عن الطاعنة في مستهل مرافعته من قوله "كان مؤدى أن يمثل الشهود أمام عدالتكم" لأن الواضح من عبارته أنها لا تفيد معنى الطلب الصريح الجازم مما لا تكون معه المحكمة ملزمة بإجابة مثل هذا الطلب أو الرد عليه ما دام أن الدفاع لم يتقدم به في صورة الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة بل صاغه في صيغة رجاء كما لا يغير من الأمر شيئاً أن تكون المحكمة قد أجلت الدعوى لإعلان شهود الإثبات ثم عدلت عن ذلك، لأن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن لا يكون له من وجه ولا يعتد به. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما مؤداه أنه الخلاف بين الطاعنة والمجني عليه لرفضه الزوج منها وقيامه بخطبة غيرها حقدت عليه وأصرت على الانتقام منه فاعتدت عليه بمادة كاوية "ماء نار" وما أن ظفرت به حتى ألقتها عليه فأصابته المادة الكاوية بحروق في الصدر والبطن والفخذين والذراعين وتم نقل المجني عليه على الفور إلى معهد الحروق وظل يعالج به حتى نقل إلى مستشفي الحلمية العسكري في 1/ 3/ 1972 ومكث بها حتى 19/ 7/ 1972 ثم نقل إلى مستشفي المعادي حيث وافته المنية في 21/ 8/ 1972 متأثراً بجراحه. أورد الحكم أقوال المجني عليه قبل وفاته وأقوال باقي شهود الإثبات ونقل عن تقرير الصفة التشريحية، أن المجني عليه أصيب بصدمة شديدة ناتجة عن حروق كيماوية حديثة بالرأس عميقة بالرقبة والصدر والبطن والأطراف الأربعة بنسبة 25% وأن هذه الحروق تخلفت عنها قروح متسعة شاملة لمعظم سطح الجسم وأنها قد أدت إلى الوفاة بما ضاعفها من امتصاص نوكسيمي مزمن والتهاب رئوي شعبي وقرح خراشية عميقة، وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعنة بها – ثم عرض الحكم بعد ذلك لدفاع الطاعنة المبني على أن وفاة المجني عليه لم تحدث نتيجة الإصابة وإنما نتيجة الإهمال في العلاج وأطرح في منطق سائغ هذا الدفاع على أساس أن المتهم مسئول عن جميع النتائج المحتمل حدوثها عن الإصابة التي أحدثها ولو كانت بطريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية وهو ما لم يدفع به الدفاع. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم سديداً في القانون ويستقيم به إطراح دفاع الطاعنة. ذلك بأنه من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها فمتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه. وكان الحكم اعتماداً على الأدلة السائغة التي أوردها والتي لا تماري الطاعنة أن لها معينها الصحيح من الأوراق قد خلص إلى إحداث الطاعنة جروحاً عمدية بالمجني عليه بقيامها بإلقاء المادة الكاوية عليه ودلل على توافر رابطة السببية بين هذه الإصابات والوفاة بما استخلصه من تقرير الصفة التشريحية، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنة وفنده وأطرحه بأسباب سائغة التزم فيها التطبيق القانوني الصحيح، فإن الطاعنة تكون مسئولية عن جناية الضرب المفضي إلى الموت التي أثبت الحكم مقارفتها إياها. ولا يجدي الطاعنة ما تثيره عن الإهمال في علاج المجني عليه أو التراخي فيه، لأنه فضلاً عن أنه لا يعدو القول المرسل الذي سيق مرسلاً بغير دليل، فإنه – بفرض صحته – لا يقطع – كما قال الحكم بحق رابطة السببية، لأن المتهم في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه ما لم يثبت أنه كان متعمداً لتجسيم المسئولية، وهو ما لم تقل به الطاعنة ولا سند له من الأوراق، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يضحى ولا محل له، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات وأنها لا تلتزم باستدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى وطالما أن استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق أو القانون، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة أن هي التفتت عن طلب دعوة الطبيب الشرعي وضم أوراق علاج المجني عليه لتحقيق دفاع الطاعنة المبني على انقطاع رابطة السببية للتراخي والإهمال في علاج المجني عليه ما دام أنه غير منتج في نفي التهمة عنها على ما سلف بيانه – ومن ثم فإن النعي على الحكم بقالة الإخلال بحق الدفاع لهذا السبب يكون في غير محله. وليس بذي شأن أن تكون المحكمة قد أصدرت قرارات بضم أوراق علاج المجني عليه واستدعاء الطبيب الشرعي ثم عدلت عن ذلك لما هو مقرر من أن القرار الذي تصدره المحكمة في مجال تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنة من استحالة حصول الواقعة طبقاً لتصوير المجني عليه والشهود وإطرحه في منطق سائغ في قوله "كما لا يغير من الأمر شيئاً ما قاله دفاع التهمة من أن إصابات المجني عليه لا يمكن أن تحدث من المواجهة لارتفاع قامة المجني عليه عن قامة المتهمة القصيرة إذ أن الثابت من أقوال المجني عليه إن المتهمة ألقت عليه زجاجة مملوءة بالسائل الكاوي، ومن طبيعة السائل النفاذ والسيولة ومن آثار السائل الكاوي في الانتشار مما يمكن أن يلحق برأسه وخلف عنقه، يؤكد ذلك أن أشد إصابات المجني عليه في الصدر والبطن والذراعين والفخذين وكلها لا تحدث بهذا الشكل إلا إذا ألقى السائل في المواجهة وليس من أعلا وإلا لانحصرت معظم الإصابات وبلغت أشدها بالرأس والكتفين الأمر الذي لم يثبت حسب الثابت من تقرير الصفة التشريحية". وكان ما أورده الحكم من الدليل القولي لا يتناقض مع الدليل الفني بل يتطابق معه، فإن ما تثيره الطاعنة من وجود تناقض بينهما لا يكون له محل، ولا على المحكمة إن هي التفتت عن استدعاء الطبيب الشرعي لاستطلاع رأيه في هذا الصدد ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء، وهى بعد غير ملزمة بإجراء مزيد من التحقيقات في أمر تبينته من عناصر الدعوى وما بوشر فيها من تحقيقات. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليه وشهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة فإن ما تثيره الطاعنة من منازعة حول التصوير الذي أخذت به المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال الشهود أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لظرف سبق الإصرار واستظهر توافره في حق الطاعنة في قوله "وبما أن سبق الإصرار متوافر في حق المتهمة من حقدها على المجني عليه لرفضه الزواج منها وهى في سن تسمح لها بذلك كما هو ثابت من كتاب قسم المواليد بمنطقة وسط القاهرة المؤرخ 2/ 3/ 1976 وإعدادها مادة كاوية تحدث جروحاً ألقتها عليه بمجرد أن وقع بصرها عليه لتشويهه انتقاماً منه على فعلته وإشفاء لغليلها وكان ما ساقه الحكم فيما تقدم سائغ ويتحقق به ظرف سبق الإصرار، كما هو معرف به في القانون، ذلك بأن ظرف سبق الإصرار حالة ذهنية بنفس الجاني قد لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة، وإنما هو يستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلص منها القاضي توافره ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره – ومن ثم كان النعي على الحكم بالقصور والفساد في الاستدلال في هذا الشأن غير سديد. على أنه لا جدوى للطاعنة من المنازعة في توافر هذا الظرف في حقها لأن العقوبة التي أنزلها الحكم بها وهى الحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات بعد استعمال المادة 17 من قانون العقوبات، تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت المجردة من توافر ظرف سبق الإصرار – وفقاً للفقرة الأولى من المادة 236/ 1 من القانون المذكور، لما كان ذلك، وكان شقيق الطاعنة قدم بتاريخ 6/ 8/ 1977 مذكرة مذيلة بتوقيعه لقلم كتاب محكمة النقض بعد فوات الميعاد القانوني ضمنها سبباً جديداً للطعن يقوم على أن الطاعنة كانت وقت الحادث حدثاً فلا تختص محكمة الجنايات بمحاكمتها وإنما تختص بذلك محكمة الأحداث فيكون الحكم قد خالف القانون لصدوره من محكمة غير مختصة وأرفق بها صورة شمسية من شهادة ميلاد باسم الطاعنة تفيد أنها من مواليد 20/ 3/ 1957. ولما كان من المقرر أنه فضلاً عن أنه لا يجوز إبداء أسباب أخرى أمام محكمة النقض غير الأسباب التي سبق في بيانها الميعاد المحدد في المادة 34 من القانون رقم 57 سنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وأن الطعن في الأحكام منوط بالخصوم أنفسهم ومن شأن المحكوم عليهم دون غيرهم فإن المادة 34 سالفة الذكر بعد أن نصت على وجوب التقرير بالطعن بالنقض وإيداع أسبابه في أجل غايته أربعون يوماً من تاريخ النطق بالحكم أوجبت في فقرتها الأخيرة بالنسبة للطعون التي يرفعها المحكوم عليهم أن يوقع أسبابها محام مقبول أمام محكمة النقض، وبهذا التنصيص على الوجوب يكون المشرع قد دل على أن تقرير الأسباب ورقة شكلية من أوراق الإجراءات في الخصومة والتي يجب أن يراعى في وضعها أن يكون محررها على درجة معينة من الثقافة القانونية وأن تحمل بذاتها مقومات وجودها وأن يكون موقعاً عليها من صاحب الشأن فيها وإلا عدت ورقة عديمة الأثر وكانت لغواً لا قيمة له ولما كان السبب الجديد قد تضمنته مذكرة مقدمة من شقيق الطاعنة ومذيلة بتوقيعه ولم يوقع عليها محام مقبول، ومن ثم فلا يلتفت إلى ما أثاره شقيق الطاعنة في هذا الشأن بعد الميعاد القانوني للطعن ويجب قصر الطعن على الأسباب المحددة به، ولا يغير من ذلك القول بأن عدم اختصاص محكمة الجنايات بمحاكمة الحدث هو مما يتصل بالولاية وأنه متعلق بالنظام العام، ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ولها أن تقضي هي فيه من تلقاء نفسها بغير طلب وتنقض الحكم لمصلحة المتهم طبقاً للحق المقرر لها بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 سنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض – إذ أن ذلك مشروط بأن تكون عناصر المخالفة ثابتة في الحكم المطعون فيه بغير حاجة إلى إجراء تحقيق موضوعي، ولما كانت مدونات الحكم فضلاً عن أنها خالية مما ينتفي به موجب اختصاص محكمة الجنايات قانوناً بمحاكمة الطاعنة وليس فيها ما يظاهر ما يدعيه شقيقها من أنها كانت حدثاً وقت مقارفتها الجريمة المسندة إليها، فإن الثابت بمدونات الحكم وبمحاضر جلسات المحاكمة يفيد على العكس من ذلك أن الطاعنة من مواليد 26 من يوليو سنة 1945 وأن عمرها بلغ من واقع شهادة ميلادها خمساً وعشرين سنة وقت ارتكابها الجريمة التي دينت بها، ومن ثم فإن إجراءات المحاكمة تكون قد تمت صحيحة ويكون الحكم قد صدر من المحكمة المختصة بمحاكمتها ويصبح الطعن على الحكم من هذه الناحية فضلاً عن عدم قبوله غير سديد لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعين الرفض.