أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 848

جلسة 8 من يونيه سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، وطه الصديق دنانة، ومصطفى محمود الأسيوطي، ومحمد ماهر محمد حسن.

(200)
الطعن رقم 571 لسنة 40 القضائية

(أ، ب، ج، د) دعوى جنائية. "تحريكها. قيودها". نيابة عامة. "القيود الواردة على حقها في تحريك الدعوى الجنائية". بلاغ كاذب. جريمة. "أركانها".
( أ ) قيود حرية النيابة في تحريك الدعوى الجنائية. استثناء قاصر على الحالات المنصوص عليها قانوناً.
(ب) عدم توقف تحريك الدعوى الجنائية في جريمة البلاغ الكاذب. على شكوى.
(ج) توافر التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب. ولو لم يحصل التبليغ مباشرة. بل جاء في صيغة رد على سؤال المحقق. ما دام أن الجاني قد هيأ المظاهر الدالة على وقوع جريمة. قاصداً إيصال خبرها للسلطة العامة.
(د) عدم اشتراط تقديم البلاغ إلى الموظف المختص. كفاية إرساله إلى الموظف المكلف عادة بإيصاله إلى الجهة المختصة.
(هـ، و) حكم. "حجيته". قوة الأمر المقضي. نيابة عامة. أمر حفظ. إثبات. "بوجه عام". " قوة الأمر المقضي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". بلاغ كاذب.
(هـ) إنسباغ قوة الأمر المقضي على الأحكام النهائية الباتة. فحسب. البحث في كذب البلاغ أو صحته. موكول لمحكمة الموضوع.
(و) عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم في كل جزئية من دفاعه.
أخذ المحكمة بالأدلة. مؤداه إطراح ما ساقه الدفاع لحملها على عدم الأخذ بتلك الأدلة.
(ز) إجراءات المحاكمة. محكمة ثاني درجة. "الإجراءات أمامها". إثبات. "شهادة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
نطاق الإجراءات أمام محكمة ثاني درجة؟
الاستغناء عن سماع الشاهد. جواز أن يكون صراحة أو ضمناً.
(ع) حكم. "وصف الحكم". "ما لا يعيب الحكم في نطاق التدليل". "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
انتهاء المحكمة إلى وصف الحكم بأنه حضوري نزولاً على حكم الواقع. لا يعيبه إثبات كاتب الجلسة خطأ. عدم حضور المتهمين.
1 - الأصل أن القيود الواردة على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية أمر استثنائي ينبغي عدم التوسع في تفسيره وقصره في أضيق نطاق على الجريمة التي خصها القانون بضرورة تقديم الشكوى، دون الجرائم الأخرى التي قد ترتبط بها.
2 - إن جريمة البلاغ الكاذب المعاقب عليها بمقتضى المادة 305 من قانون العقوبات ليست في عداد الجرائم المشار إليها في المادة الثالثة من قانون الإجراءات والتي يتوقف رفع الدعوى بشأنها على شكوى.
3 - من المقرر أن التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب يعتبر متوافراً ولو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة، متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة بقصد إيصال خبرها إلى السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل، ولا يؤثر في ذلك أنه، إنما أبدى أقواله بالتحقيقات بناء على سؤال وجهه إليه المحقق، ما دام هو قصد أن يجئ التبليغ على هذه الصورة.
4 - لا يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يقدم البلاغ إلى الموظف المختص مباشرة، بل يكفي لاعتبار البلاغ مقدماً لجهة مختصة، أن يكون من أرسل إليه البلاغ مكلفاً عادة بإيصاله إلى الجهة المختصة.
5 - من المقرر بنص المادتين 454، 455 من قانون الإجراءات الجنائية أن قوة الأمر المقضي سواء أمام المحاكم الجنائية أو المحاكم المدنية، لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها باتة متى توافرت شرائطها الأخرى، ومن ثم فليس للقيد الذي انتهت إليه النيابة ولا لأمر الحفظ الصادر منها حجية في جريمة البلاغ الكاذب المرفوع بشأنها الدعوى أمام المحكمة الجنائية عن الجريمة المبلغ بها كذباً في حقه إذ البحث في كذب البلاغ أو صحته وتحقيق ذلك إنما هو أمر موكول إلى المحكمة تفصل فيه حسبما ينتهي إليه اقتناعها.
6 - إن المحكمة غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي، إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها.
7 - الأصل أن محكمة ثاني درجة إنما تقضي، على مقتضى الأوراق ولا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه، وإذ كان ذلك، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 أجازت الاستغناء عن سماع شهود الإثبات، إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، يستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل على ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة في أي من درجتيها سماع أحد من الشهود، وكانت شهادتهم مطروحة على بساط البحث، فلا محل لما أثاره الطاعن من أن محكمة أول درجة وكذلك محكمة ثاني درجة لم تسمع أيهما شهوداً ولم تجر تحقيقاً.
8 - لا على المحكمة إذا هي انتهت إلى أن الحكم حضوري، ما دام ذلك يتفق والثابت بمحاضر الجلسات، ولو أخطأت في موضع آخر وقالت في ديباجة حكمها أن الطاعن وآخرين لم يحضروا، طالما أنه محض سهو وقع فيه الكاتب ولا أثر له على النتيجة الصحيحة التي انتهت إليها المحكمة.


الوقائع

أقام المدعى بالحق المدني (عبد الحق شعبان محمد عبد الله) دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة المنشية الجزئية ضد كلاً من 1 -...... 2 -...... (الطاعن) 3 -...... متهماً إياهم بأنهم في يوم 21 يناير سنة 1968 بدائرة قسم المنشية محافظة الإسكندرية: المتهمان الأول والثاني: ارتكبا جريمة البلاغ الكاذب الموضحة بعريضة الجنحة المباشرة. المتهم الثالث: ارتكب جريمة الشهادة الزور الموضحة بالعريضة. وطلب عقاب المتهمين الأول والثاني بالمواد 303 و304 و305 من قانون العقوبات ومعاقبة المتهم الثالث بالمواد من 294 إلى 299 من قانون العقوبات وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت عملاً بمواد الاتهام بالنسبة للمتهم الثاني والمادة 304/ أ من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمتهمين الأول والثالث حضورياً اعتبارياً للمتهم الأول وحضورياً للباقين (أولاً) في الدعوى الجنائية - ببراءة المتهمين الأول والثالث (ثانياً) بحبس المتهم الثاني سنتين مع الشغل وغرامة مائتي جنيه وكفالة 10 ج لوقف تنفيذ عقوبة الحبس وألزمته المصاريف الجنائية. (ثالثاً) في الدعوى المدنية برفضها بالنسبة للمتهم الأول وألزمت المدعى مصاريف اختصامه وإلزام المتهمين الثاني والثالث بأن يدفعا متضامنين للمدعى بالحق المدني مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومبلغ 5 ج مقابل أتعاب المحاماة وأمرت بالنفاذ المعجل بغير كفالة. فاستأنف المتهم الثاني هذا الحكم كما استأنفه المدعى بالحق المدني. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وألزمت كل من المستأنفين بالمصروفات الاستئنافية للدعوى المدنية فطعن وكيل المحكوم عليه الثاني في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه، إذ دان الطاعن بجريمة البلاغ الكاذب قد أخطأ في تطبيق القانون، وشابه قصور في التسبيب وانطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المدافع عن الطاعن دفع أمام محكمة الموضوع بعدم قبول الدعوى تأسيساً على تخلف الشرائط المنصوص عليها في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية، إلا أن المحكمة رفضت هذا الدفع على غير سند من صحيح القانون وذهب حكمها إلى القول - على خلاف الواقع - بتخلف الطاعن عن الحضور والتفتت عن دفاعه بانتفاء جريمة البلاغ الكاذب في حقهما إذ انتهت مذكرة نيابة شرق إسكندرية الكلية إلى قيد الواقعة جنحة نصب ضد المدعى المدني، ولا يؤثر في هذا ما انتهت إليه نيابة أمن الدولة العليا من قيد الواقعة بدفتر الشكاوى وحفظها لأن واقعة النصب لا تدخل في اختصاصها وكانت مقيدة في قرارها بواقعة الرشوة وحدها، هذا وقد دان الحكم الطاعن دون توافر أركان جريمة البلاغ الكاذب في حقه، إذ أن محاميه هو الذي أبلغ وكيل النيابة. ولم يكن يقصد من ذلك سوى تنبيهه ولكن وكيل النيابة ورئيس النيابة هما اللذان أمرا محاميه بتدوين بلاغه، ولم يكن أيهما مختصاً بالواقعة المبلغ عنها، والتي انتهت نيابة شرق إسكندرية الكلية إلى صحتها، مما ينفي فعل التبليغ وكذب البلاغ وتوافر نية الإضرار لدى الطاعن، يضاف إلى ما تقدم أن محكمة أول درجة وكذلك محكمة ثاني درجة لم تسمع أيهما شهوداً ولم تجر تحقيقاً، مما يعيب الحكم بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى، بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، ثم أطرح دفاع الطاعن في مختلف وجوهه وعرض للدفع بعدم قبول الدعوى وانتهى إلى رفضه وما انتهى إليه يتفق وصحيح القانون، ذلك بأن جريمة البلاغ الكاذب المعاقب عليها بمقتضى المادة 305 من قانون العقوبات ليست في عداد الجرائم المشار إليها في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية والتي يتوقف رفع الدعوى بشأنها على شكوى، والأصل أن القيود الواردة على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية أمر استثنائي ينبغي عدم التوسع في تفسيره وقصره في أضيق نطاق على الجريمة التي خصها القانون بضرورة تقديم الشكوى دون الجرائم الأخرى التي قد ترتبط بها. ولما كانت جريمة البلاغ الكاذب التي أقامها المدعى المدني ضد الطاعن بالطريق المباشر وحركتها النيابة العامة بالجلسة ودين الطاعن بها مستقلة في أركانها وكافة عناصرها القانونية عن جريمة القذف التي تلزم الشكوى لرفع الدعوى بها، فلا حرج على النيابة العامة إن هي باشرت حقها القانوني في الاتهام وقامت بتحريك الدعوى العمومية عن جريمة البلاغ الكاذب رجوعاً إلى حكم الأصل في الإطلاق، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي غير سديد. أما ما أثاره الطاعن في شأن إثبات الحكم تخلفه عن الحضور على خلاف الواقع، فإن المحكمة لم تخالف الواقع إذ انتهت إلى أن الحكم حضوري وهو ما يتفق والثابت بمحاضر الجلسات، ولا عليها إن هي أخطأت في موضع آخر وقالت في ديباجة حكمها إن الطاعن وآخرين لم يحضروا طالما أنه محض سهو وقع فيه الكاتب ولا أثر له في النتيجة الصحيحة التي انتهت إليها المحكمة، ومن المقرر بنص المادتين 454، 455 من قانون الإجراءات الجنائية أن قوة الأمر المقضي سواء أمام المحاكم الجنائية أو المحاكم المدنية لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها باتة متى توافرت شرائطها الأخرى، ومن ثم فليس للقيد الذي انتهت إليه النيابة ولا لأمر الحفظ الصادر منها حجية في جريمة البلاغ الكاذب المرفوع بشأنها الجنحة أمام المحكمة الجنائية، عن الجريمة المبلغ بها كذباً في حقه إذ البحث في كذب البلاغ أو صحته وتحقيق ذلك إنما هو أمر موكول إلى المحكمة تفصل فيه حسبما ينتهي إليه اقتناعها ويبين من مطالعة الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه بإدانة الطاعن على سند من البلاغ الذي قدمه للنيابة وأقواله بتحقيقاتها من أن المدعى بالحق المدني عرض عليه الوساطة في رشوة موظف عام الأمر المستوجب لعقاب المدعى المدني طبقاً للمادة 109 مكرر من قانون العقوبات ولو لم تقم الدعوى به. وأن هذا البلاغ كاذب اختلق الطاعن واقعته ونسبها إلى المدعى المدني بقصد الإضرار به، ومن ثم يكون الحكم قد استظهر جريمة البلاغ الكاذب بأركانها القانونية كافة وأورد على ثبوتها أدلة سائغة مقبولة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي رتبها عليها. هذا إلى أن الحكم المطعون فيه أثبت في حق الطاعن الأفعال والأقوال التي قصد أن يصل خبرها إلى السلطة العامة ليتهم المدعي المدني أمامها بالباطل، ولما كان من المقرر أن التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب يعتبر متوافراً ولو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة بقصد إيصال خبرها إلى السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل ولا يؤثر في ذلك أنه إنما أبدى أقواله بالتحقيقات بناء على سؤال وجهه إليه المحقق، ما دام هو قصد أن يجيء التبليغ على هذه الصورة، وكان من المقرر أيضاً أنه لا يشترط في جريمة البلاغ الكاذب أن يقدم البلاغ إلى الموظف المختص مباشرة بل يكفي لاعتبار البلاغ مقدماً لجهة مختصة أن يكون من أرسل إليه البلاغ مكلفاً عادة بإيصاله إلى الجهة المختصة كما هو الشأن في واقعة الدعوى. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي، إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي بشقيه على غير أساس. ولما كان الأصل أن محكمة ثاني درجة إنما تقضي على مقتضى الأوراق ولا تجري من التحقيقات إلا ما ترى لزوماً لإجرائه، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 أجازت الاستغناء عن سماع شهود الإثبات إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، يستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل على ذلك، وكان الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة في أي من درجتيها سماع أحد من الشهود وكانت شهادتهم مطروحة على بساط البحث، فلا محل لما أثاره الطاعن في هذا الصدد ولا وجه لما نعاه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن كله يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.