أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 33 - صـ 50

جلسة 2 من يناير سنة 1982

برئاسة السيد المستشار/ محمد البنداري العشري نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: دكتور سعيد عبد الماجد، إبراهيم فراج، وليم بدوي، وزكي المصري.

(13)
الطعن رقم 749 لسنة 46 القضائية

(1) عمل. العاملون بشركات القطاع العام. التعيين. عقد "الوعد بالتعاقد".
النشرة الداخلية عن مسابقة للتعيين في وظائف ذات فئات مالية. عدم اعتباره وعداً بالتعاقد. علة ذلك.
(2) محكمة الموضوع. نقض.
تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتفسير المحررات. سلطة محكمة الموضوع في ذلك مطلقة. لا رقابة لمحكمة النقض عليها. مناطه.
(3) عقد "عيوب الرضا". محكمة الموضوع. نقض.
تقدير وسائل الإكراه ومدى تأثيرها في نفس المتعاقد. أمور واقعية تستقل بها محكمة الموضوع بلا رقابة من محكمة النقض. طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة. الجدل فيها غير جائز أمام محكمة النقض.
(4) عقد "عقود الإذعان".
عقد الإذعان. خصائصه. تعلقه بسلع أو مرافق ضرورية واحتكار الموجب لها احتكاراً قانونياً أو فعلياً أو قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها مع صدور الإيجاب للناس كافة وبشروط واحدة ولمدة غير محددة. السلع الضرورية. ماهيتها.
1 - البين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه ابتداء على أن قيام البنك بإجراء نشرة داخلية عن مسابقة لتعيين كتبة قضائيين بالفئة السابعة لا يعتبر وعداً بالتعيين على هذه الفئة لمن ينجح في المسابقة لعدم توافر الشروط التي يتطلبها القانون في الوعد بالتعاقد، إذ أن النشر لا يعتبر إيجاباً باتاً وإنما مجرد دعوة إلى التفاوض لا يرتب القانون عليها أثراً قانونياً وللبنك أن يعدل عنها في أي وقت يشاء، ثم انتهى الحكم إلى أن تعيين الطاعنين على الفئة التاسعة كان منبت الصلة بالإجراءات التي تمت بناء على النشرة الداخلية المشار إليها وأنه تم بناء على نشرة جديدة أعقبها قيام الطاعنين بسحب طلبيهما السابقين وتقديم طلبين جديدين بالتعيين على الفئة التاسعة واستبعد الحكم أن يكون قد وقع عليهما إكراه في ذلك كما نفى عن هذا التعاقد صفة الإذعان.
2 - المقرر طبقاً لما جرى به قضاء محكمة النقض أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في فهم الواقع في الدعوى، وفي تفسير الإقرارات والاتفاقات والمشارطات وسائر المحررات بما تراه أدنى إلى نية عاقديها أو أصحاب الشأن فيها مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها دون رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت لم تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي تحتمله عبارات المحرر وما دام ما انتهت إليه سائغاً مقبولاً بمقتضى الأسباب التي بنته عليها.
3 - من المقرر طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها على نفس المتعاقد هو من الأمور الموضوعية التي تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة وكان فيما ساقه الحكم المطعون فيه ما ينهض أسباباً سائغة تكفي للتدليل على انتفاء الإكراه، فإن مجادلة الطاعنين بعد ذلك في قيام الإكراه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً لا يجوز التحدي به أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن من خصائص عقود الإذعان أنها تتعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضرورات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين، ويكون فيها احتكار الموجب لهذه السلع والمرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً أو تكون سيطرته عليها من شأنها أن تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق وأن يكون صدور الإيجاب منه إلى الناس كافة وبشروط واحدة ولمدة غير محددة. والسلع الضرورية هي التي لا غنى عنها للناس والتي لا تستقيم مصالحهم بدونها بحيث يكونون في وضع يضطرهم إلى التعاقد بشأنها ولا يمكنهم رفض الشروط التي يضعها الموجب ولو كانت جائرة وشديدة. ولما كان ذلك، وكانت هذه الخصائص لا تتوافر في التعاقد الذي تم بين الطاعنين والبنك المطعون ضده على التعيين في وظيفة من الفئة التاسعة، فإن الحكم المطعون فيه إذ نفى عن هذا التعاقد صفة الإذعان يكون متفقاً مع صحيح القانون، وما ينعاه الطاعنان على الحكم بعد ذلك من إخلال بقواعد المساواة فهو نعي يقوم على واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع - هو التحقق من توافر شرط المساواة، ومن ثم فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض ويكون النعي غير مقبول.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاما الدعوى رقم 48 لسنة 1974 عمال كلي جنوب القاهرة على البنك المطعون ضده بطلب الحكم بأحقيتهما في تعديل قرار تعيينهما إلى الفئة المالية السابعة بأول مربوطها وقدره 20 جنيهاً اعتباراً من تاريخ تعيينهما الحاصل في 8/ 3/ 1969 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. وقالا شرحاً لذلك أن البنك المطعون ضده كان قد أعلن في غضون شهر أكتوبر سنة 1968 بموجب نشرة داخلية عن حاجته إلى موظفين للتعيين في الفئة المالية السابعة تتوافر فيهم الخبرة بالأعمال القضائية مدة 15 عاماً، فتقدم كل منهما بطلب مرفقاً به شهادة الخبرة، واجتاز الامتحان في 23/ 11/ 1968، إلا أن البنك أرسل في استدعائهما بتاريخ 17/ 2/ 1969 لسحب طلبيهما والتقدم بطلبين جديدين وقصر مدة الخبرة منهما على ثمان سنوات طبقاً للنشرة التي أعلن عنها بالصحف في غضون شهر يناير سنة 1969، ثم أصدر قراراً بتعيينهما على الفئة المالية التاسعة بأول مربوطها وقدره 12 جنيهاً، فاضطرا إلى قبول هذا التعيين وتسلما العمل فعلاً بتاريخ 18/ 3/ 1969 ولكنهما تظلما إلى رئيس مجلس إدارة البنك، وإلى اللجنة النقابية للعاملين بالبنك لتعديل قرار تعيينهما، وإذ لم تجد الطرق الودية فقد أقاما الدعوى بطلباتهما السابقة. وبجلسة 11/ 6/ 1974 ندبت محكمة أول درجة خبيراً لبيان مدى أحقيتهما في طلباتهما، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت بجلسة 22/ 4/ 1975 برفض الدعوى. استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 982 لسنة 92 ق القاهرة. وبتاريخ 28/ 1/ 1976 قضت محكمة استئناف القاهرة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنان أن البنك المطعون ضده وعدهما بالتعيين في وظيفة من الفئة السابعة ثم عدل عن هذا الوعد وأكرههما على قبول التعيين على وظيفة من الفئة التاسعة. وإذ نفذ هذا الحكم بتاريخ 18/ 3/ 1976 قضت محكمة الاستئناف في 12/ 5/ 1976 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة رأت أنه جدير بالنظر، وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنان بهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب. وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون إذ انتهى إلى أن قيام البنك المطعون ضده بإجراء نشرة داخلية عن مسابقة لتعيين كتبة قضائيين بالفئة السابعة لا يعتبر وعداً منه بتعيين من ينجح في المسابقة على هذه الفئة المالية، خصوصاً وأن الدعوى أحيلت إلى التحقيق لإثبات أن البنك المطعون ضده وعد الطاعنين بالتعيين على الفئة السابعة بأول مربوطها وقدره 20 ج وسمعت محكمة الاستئناف شهادة مدير الإدارة القانونية بالبنك وعضو لجنة الاختبار فجاءت شهادته مثبتة لقيام هذا الوعد، ورغم ذلك انتهى الحكم المطعون فيه إلى تأييد الحكم الابتدائي دون أن يعلق على أقوال الشاهد بل وخرج عن مدلولها فجاء مشوباً بالقصور في التسبيب إلى جانب خطئه في تطبيق القانون. ويستطرد الطاعنان في نعيهما إلى القول بأن قبولهما التعيين في الفئة المالية التاسعة قد جاء نتيجة للإكراه الذي وقع عليهما، واستغلالاً من البنك لضغط الحاجة الملحة، والهوى الجامح الذي دفعهما إلى التعاقد. تحت وطأة الأمر الواقع الذي ترديا فيه بعد قطع صلتهما بأعمالهما السابقة وحصولهما على شهادة الخبرة اللازمة للتعيين في الفئة السابعة طبقاً للوعد الصادر لهما من البنك وبذلك جاء هذا التعاقد متضمناً شرطاً على غير إرادتيهما أقل فائدة مما كان قد وعدهما به البنك سلفاً، ومن ثم يقع الشرط باطلاً ويصح العقد ذلك أن الشرط فضلاً عما تقدم ينطوي على تعسف ظاهر يجعل من العقد عقد إذعان، ويتعين على القضاء إهدار الشرط دون أن يمس ذلك كيان العقد أو وجوده، وهو ما يتحقق به الشرط الباطل في العقد طبقاً لنصوص المواد 129، 143، 149 من القانون المدني المقابلة للمواد 6، 96، 97 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 وهي تنص على بطلان كل شرط يخالف أحكام هذا القانون ولو كان سابقاً على العمل به، أو يخالف حكماً من الأحكام الخاصة بعقد العمل الفردي أو عقد العمل المشترك ما لم يكن أكثر فائدة للعمال. ويضيف الطاعنان أن الحكم المطعون فيه فضلاً عن ذلك أخل بقواعد المساواة لوجود زملاء لهما أقل منهما خبرة وأصغر سناً يشغلون درجات بالإدارة القانونية وصلت إلى الفئة الرابعة رغم أن أعمالهم تقل كثيراً عن أعمال الطاعنين الأمر الذي لا تستقيم معه الأوضاع القانونية حيث يجرى العرف بالمساواة بين العمال الذي يعملون لدى رب عمل واحد، وفي ظروف واحدة وإذ خالف الحكم هذه القاعدة، وأغفل ما انطوى عليه العقد من إكراه وإذعان فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي بكافة وجوهه مردود، ذلك أن البين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه ابتداء على أن قيام البنك بإجراء نشرة داخلية عن مسابقة لتعيين كتبة قضائيين بالفئة السابعة لا يعتبر وعداً بالتعيين على هذه الفئة لمن ينجح في المسابقة لعدم توافر الشروط التي يتطلبها القانون في الوعد بالتعاقد إذ أن النشر لا يعتبر إيجاباً باتاً وإنما مجرد دعوة إلى التفاوض لا يرتب القانون عليها أثراً قانونياً، وللبنك أن يعدل عنها في أي وقت يشاء - ثم انتهى الحكم إلى أن تعيين الطاعنين على الفئة التاسعة كان منبت الصلة بالإجراءات التي تمت بناء على النشرة الداخلية المشار إليها، وأنه تم بناء على نشرة جديدة أعقبها قيام الطاعنين بسحب طلبيهما السابقين وتقديم طلبين جديدين بالتعيين على الفئة التاسعة واستبعد الحكم أن يكون قد وقع عليهما إكراه في ذلك، كما نفى عن هذا التعاقد صفة الإذعان. ولما كان من المقرر - طبقاً لما جرى به قضاء محكمة النقض - أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في فهم الواقع في الدعوى، وفي تفسير الإقرارات والاتفاقات والمشارطات وسائر المحررات بما تراه أدنى إلى نية عاقديها أو أصحاب الشأن فيها مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها دون رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك ما دامت لم تخرج في تفسيرها عن المعنى الذي تحتمله عبارات المحرر وما دام ما انتهت إليه سائغاً ومقبولاً بمقتضى الأسباب التي بنته عليها. وكان ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن النشرة الداخلية بالإعلان عن مسابقة للتعيين في وظيفة بالفئة السابعة لا يعتبر إيجاباً باتاً وإنما مجرد دعوة إلى التعاقد يجوز العدول عنها، وما خلص إليه من أن تعيين الطاعنين في وظيفة بالفئة التاسعة كان منبت الصلة بالإجراءات التي تمت بناء على النشرة المشار إليها نظراً لقيام البنك بإجراء نشرة جديدة في الصحف لوظيفة أخرى بشروط مغايرة - هو في حقيقته فهم سائغ لواقع الدعوى لم تخرج فيه محكمة الموضوع عن المعنى الذي تحتمله عبارات النشرة وما استظهرته من واقع الدعوى طبقاً للأسباب التي بنته عليها. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعنان على قضاء الحكم المطعون فيه في هذا النطاق لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية لا تتسع لها رقابة هذه المحكمة، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استبعد وقوع إكراه على الطاعنين وأخرج تعاقدهما على التعيين بالفئة التاسعة من نطاق عقود الإذعان بقوله: "والثابت من الأوراق بعد أن قام البنك بعمل نشرة بالصحف عن تعيين موظفين بالفئة التاسعة خبرة ثمان سنوات أن تقدم المستأنفان (الطاعنان) بطلبات إلى البنك للتعيين في هذه الفئة، ولم يقم الدليل على وقوع ثمة إكراه على المستأنفين (الطاعنين) بسحب طلباتهما السابقة، وتقديم طلبات جديدة للتعيين على الفئة التاسعة. ولا يمكن اعتبار قبول المستأنفين (الطاعنين) بالتعيين في الفئة التاسعة مجرد إذعان لما يمليه البنك إذ كان في وسعهما أن يرفضا التعيين على هذه الفئة إن شاءا". وكان من المقرر - طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها على نفس المتعاقد هو من الأمور الموضوعية التي تستقل بالفصل فيها محكمة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة، وكان فيما ساقه الحكم المطعون فيه ما ينهض أسباباً سائغة تكفي للتدليل على انتفاء الإكراه، فإن مجادلة الطاعنين بعد ذلك في قيام الإكراه لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً لا يجوز التحدي به أمام محكمة النقض، أما بالنسبة لما ينعاه الطاعنان على الحكم من استبعاد قبولهما التعاقد على التعيين بالفئة التاسعة من نطاق عقود الإذعان فهو نعي غير سديد ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن من خصائص عقود الإذعان أنها تتعلق بسلع أو مرافق تعتبر من الضرورات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفعين، ويكون فيها احتكار الموجب لهذه السلع والمرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً، أو تكون سيطرته عليها من شأنها أن تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق وأن يكون صدور الإيجاب منه إلى الناس كافة وبشروط واحدة ولمدة غير محدودة، والسلع الضرورية هي التي لا غنى عنها للناس والتي لا تستقيم مصالحهم بدونها بحيث يكونون في وضع يضطرهم إلى التعاقد بشأنها ولا يمكنهم رفض الشروط التي يضعها الموجب ولو كانت جائرة وشديدة - لما كان ذلك، وكانت هذه الخصائص لا تتوافر في التعاقد الذي تم بين الطاعنين والبنك المطعون ضده على التعيين في وظيفة من الفئة التاسعة فإن الحكم المطعون فيه إذ نفى عن هذا التعاقد صفة الإذعان يكون متفقاً مع صحيح القانون. وما ينعاه الطاعنان على الحكم بعد ذلك من إخلال بقواعد المساواة فهو نعي يقوم على واقع لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع - هو التحقق من توافر شروط المساواة، ومن ثم فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض ويكون النعي به غير مقبول.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس.