أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 884

جلسة 15 من يونيه سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمود العمراوي، وعضوية السادة المستشارين: محمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانة، ومصطفى الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

(209)
الطعن رقم 729 لسنة 40 القضائية

(أ، ب، ج) مواد مخدرة. تفتيش. "إذن التفتيش. إصداره". إثبات. "بوجه عام". "شهود". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
( أ ) تحديد ميقات إرسال برقية تلغرافية من واقع الزمن الثابت فيها. حق لقاضي الموضوع. لا يحتاج في تحديده لخبير. إذ هو من المعلومات العامة.
(ب) حق محكمة الموضوع في تكوين عقيدتها من أدلة الدعوى وعناصرها. حقها في إطراح أقوال شهود النفي. ما دامت لا تثق فيها.
(ج) وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
(د) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير مقبول.
(هـ، و) إثبات. "بوجه عام". إجراءات المحاكمة. محضر الجلسة. تزوير. "الادعاء بالتزوير". حكم. "بياناته". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(هـ) عدم جواز إثبات ما يخالف ما ثبت بمحضر الجلسة أو الحكم. إلا بطريق الطعن بالتزوير. الأصل في الإجراءات الصحة.
(و) الطلب الجازم. ماهيته؟
1 - متى كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن برقية زوجة المتهم قد أرسلت إلى النيابة العامة بعد الساعة الرابعة مساء، أي بعد صدور الإذن بالتفتيش وحصوله، وكان يبين من البرقية التي حوتها المفردات - أنه أثبت بها أن ساعة إرسالها هي الساعة 20/ 50، ومعناها الساعة الثامنة وخمسون دقيقة مساء، وهو وقت لاحق لصدور الإذن والتفتيش، ومن ثم فإنه ينحسر بذلك عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد، وليس بلازم من بعد أن تستعين المحكمة في تحديد ميقات إرسال البرقية إلى فني مختص، ما دام الأمر في ذلك قد وضح لها من واقع ما هو ثابت بها، ومعلوم للكافة، مما لا يحتاج إلى الاستعانة فيه بخبير، إذ للقاضي أن يستند في قضائه إلى المعلومات العامة التي يفترض في كل شخص أن يكون ملماً بها.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، ولها أن تعول على أقوال شهود الإثبات وتعرض عن أقوال شهود النفي، ما دامت لا تثق فيما شهدوا به.
3 - إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم، مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها، وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
4 - إذا كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن مديرية الأمن أفادت أن الدفتر المطلوب ضمه قد أتلف نتيجة تسرب المياه إلى مكان حفظه، وأثبتت المحكمة هذه الإفادة بمحضر الجلسة وترافع الدفاع بعد ذلك، طالباً البراءة، وكان الدفاع لم يطلب أي تحقيق في هذا الشأن، فلا يحق له من بعد أن ينعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه.
5 - الأصل في الإجراءات الصحة، ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت منها سواء في محضر الجلسة أو في الحكم إلا بالطعن بالتزوير.
6 - الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه، هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 11 أبريل سنة 1967 بدائرة قسم عابدين محافظة القاهرة: أحرز وحاز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً "حشيشاً وأفيوناً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1/ 1 و2 و34/ أ و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرافق. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 36 من القانون رقم 40 لسنة 1966 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة مدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ أربعة آلاف جنيه ومصادرة المضبوطات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز مخدر قد أخل بحق الدفاع وشابه البطلان في الإجراءات والخطأ في الإسناد وانطوى على القصور في التسبيب، ذلك بأن المحكمة أعرضت عن طلبه إجراء معاينة الحجرة المقول بوجود صيوان "دولاب" بها عثر بداخله على المخدر لأنها لا تتسع لوجوده وأطرحت دفعه ببطلان التفتيش لحصوله قبل صدور الإذن استناداً إلى إفادة مديرية الأمن بأن دفتر الحجز الذي يثبت ذلك قد أتلف نتيجة تسرب المياه إليه ودون أن يطلع الطاعن على هذه الإفادة وأن البرقية التي أرسلتها زوجة الطاعن إلى النيابة العامة، أرسلت بعد الرابعة مساء، أي بعد صدور الإذن بالتفتيش في حين أنها تحمل ما ينبئ عن أنها أرسلت في الساعة الحادية عشرة صباحاً، أي في وقت سابق على صدور الإذن ودون أن تتحقق من ذلك عن طريق المختص فنياً وأطرحت أقوال شهود النفي بأن التفتيش حصل قبل صدور الإذن، دون بيان العلة في ذلك، هذا إلى تناقض أقوال شاهدي الإثبات في شأن المكان الذي ضبط فيه الطاعن عند البدء في تفتيشه، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن طلب الدفاع معاينة الحجرة التي بها الصيوان لا يفيد معنى الطلب الصريح الجازم. وإنما أثاره بقصد التشكيك في صحة التهمة منتهياً إلى طلب البراءة، ولما كان الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه، هذا فضلاً عن أن المحكمة عرضت لهذا الدفع وردت عليه رداً كافياً وسائغاً لتبرير رفضه، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي في غير محله. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن مديرية الأمن أفادت أن الدفتر المطلوب ضمه قد أتلف نتيجة تسرب المياه إلى مكان حفظه، وأثبتت المحكمة هذه الإفادة بمحضر الجلسة وترافع الدفاع بعد ذلك طالباً البراءة، وكان الدفاع لم يطلب من المحكمة أي تحقيق في هذا الشأن فلا يحق له من بعد أن ينعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه، ومع ذلك فقد عرضت المحكمة لهذا الدفاع وأثبتت في حكمها ما تضمنته إفادة مديرية الأمن، وأضافت أن الثابت من دفتر المأموريات السرية بمكتب المخدرات يوم 11/ 4/ 1967 - يوم الحادث - وهو دفتر رسمي في البند 2 منه الساعة الثانية وخمسة وأربعون دقيقة مساء قيام السادة الضباط في مأمورية سرية، ثم أثبت في البند 3 من هذا الدفتر عودتهم بعد القبض على المتهم - الطاعن - محرزاً لأفيون وحشيش ومتهم آخر محرزاً لأفيون الساعة الرابعة وخمسة وأربعون دقيقة، مما تستشف منه المحكمة أن القبض والتفتيش تما بعد استصدار إذن النيابة، هذا فضلاً عن اطمئنان المحكمة إلى أقوال الضابط وإلى ما جاء بهذا الدفتر فيكون الدفع في غير محله" وهذا الذي أورده الحكم كاف وسائغ لإطراح دفاع الطاعن، ولا محل لما يثيره من عدم علمه بإفادة مديرية الأمن، إذ الأصل في الإجراءات الصحة، ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما أثبت منها سواء في محضر الجلسة أو في الحكم إلا بالطعن بالتزوير، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه انتهى إلى أن برقية زوجة الطاعن للنيابة العامة، أرسلت بعد الساعة الرابعة مساء أي بعد صدور الإذن بالتفتيش وحصوله ويبين من البرقية التي حوتها المفردات - التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - أنه أثبت بها أن ساعة إرسالها هي الساعة 20.50 ومعناها الساعة الثامنة وخمسون دقيقة مساء، وهو وقت لاحق لصدور الإذن والتفتيش، فإنه ينحسر بذلك عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد وليس بلازم من بعد أن تستعين المحكمة في تحديد ميقات إرسال البرقية إلى فني مختص ما دام الأمر في ذلك قد وضح لها من واقع ما هو ثابت بها ومعلوم للكافة مما لا يحتاج إلى الاستعانة فيه بخبير إذ للقاضي أن يستند في قضائه إلى المعلومات العامة التي يفترض في كل شخص أن يكون ملماً بها، مما لا تلتزم المحكمة قانوناً ببيان الدليل عليه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى ولها أن تعول على أقوال شهود الإثبات وتعرض عن أقوال شهود النفي ما دامت لا تثق فيما شهدوا به، فإن هذا الوجه من النعي بشقيه لا يكون على أساس. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد عرضت لما أثاره الطاعن في شأن التناقض بين أقوال الشاهدين وردت عليه في قولها "وحيث إن الدفاع عن المتهم أثار أن الضابط تناقض مع الشرطي السري فيما يختص بمكان وجود المتهم وهذا التناقض البين في واقعة جوهرية يؤكد كذب الضابط وتلفيقه للوقائع، ويبين من التحقيقات أن الشرطي السري الذي سئل هو محمود شاهين الذي قرر أنه لم يدخل إلى المنزل وكان يقف أمام الباب العمومي له ودخل الضابط بمفرده إلى المنزل ثم نزل منه ومعه المتهم، كما نفى واقعة صعوده إلى سطح المنزل والعثور على المخدر به، وقرر الضابط أنه دخل بمفرده إلى المنزل وكان رجال الشرطة السريين خارجه للمحافظة على النظام، فلا يوجد تناقض بين أقوال الضابط والشرطي السري، كما أقر المتهم - الطاعن - في التحقيقات أن الضابط دخل إلى حجرته فعلاً" ويبين من الاطلاع على المفردات أن ما استخلصته المحكمة من أقوال الضابط والشرطي السري له أصله الثابت بالتحقيقات، مما يبرئ الحكم من قاله الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وينحل هذا الوجه من النعي إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.