أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 898

جلسة 21 من يونيه سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، ومحمود عطيفة، والدكتور أحمد محمد إبراهيم، والدكتور محمد محمد حسنين.

(212)
الطعن رقم 527 لسنة 40 القضائية

( أ ) حكم. "تسبيبه. بيانات التسبيب". "مادة العقاب".
وجوب تبيان الحكم نص القانون الذي حكم بمقتضاه. لم يرسم القانون شكلاً لصياغة هذا البيان. مثال لتسبيب كاف.
(ب، ج) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
(ب) التناقض الذي يبطل الحكم. ماهيته؟ مثال لتسبيب غير معيب.
(ج) للمحكمة استخلاص الحقيقة من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة.
(د) إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". عدم التزام المحكمة بندب خبير في الدعوى. شرطه؟
1 - إن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، وإن أوجبت على الحكم أن يبين نص القانون الذي حكم بمقتضاه، إلا أن القانون لم يرسم شكلاً يصوغ فيه الحكم هذا البيان. ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها قد أشار إلى نصوص القانون التي آخذ الطاعن بها بقوله: "الأمر المعاقب عليه بالمواد 112، 118، 211، 214 من قانون العقوبات". فإن ما أورده الحكم يكفي في بيان مواد القانون التي حكم بمقتضاها بما يحقق حكم القانون.
2 - التناقض الذي يبطل الحكم هو الذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح معه الاعتماد عليها والأخذ بها.
3 - المحكمة ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة، بل لها أن تستخلص الحقيقة من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
4 - من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بندب خبير في الدعوى ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء. ولما كان الحكم قد رد على طلب الطاعن عرض الإيصال موضوع التزوير على الطبيب الشرعي لإجراء المضاهاة على توقيع الشاهد للتثبت من صحة صدوره منه بقوله: "إنه مردود بما قرره الشاهد نفسه بالجلسة لدى إطلاع المحكمة له على التوقيع المنسوب صدوره منه على الإيصال المزور فاعترف بصحتها وقرر بأنها إمضاؤه، ومن بعد فلا محل لإجابة الدفاع إلى طلبه في هذا الشأن" فإن هذا حسبه ليبرأ من دعوى الإخلال بحق الدفاع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في الفترة من 2/ 12/ 1961 إلى 26/ 10/ 1964 بدائرة قسم أسوان ومحافظتها (أولاً) بصفته موظفاً عمومياً "سكرتير دار المعلمات بأسوان ومن مأموري التحصيل" اختلس المبالغ المبينة بتقرير لجنة الجرد والمسلمة إليه بسبب وظيفته (ثانياً) بصفته موظفاً عمومياً مخصصاً بتحصيل الرسوم. "سكرتير دار المعلمات بأسوان" أخذ من طالبات الدار الواردة أسماؤهن بالتحقيقات المبالغ المبينة بتقرير اللجنة كرسوم أثاث حال كونها غير مستحقة مع علمه بذلك (ثالثاً) بصفته موظفاً عمومياً "سكرتير دار المعلمات بأسوان" ارتكب أثناء تأديته لأعمال وظيفته تزويراً مادياً في محرر رسمي هو إيصال استلام السلفة المبينة بالتحقيقات، وذلك بأن أثبت به على خلاف الحقيقة استلام فوزية علي رءوف ناظرة المعهد لقيمة السلفة المؤقتة، وذيل الإيصال بتوقيع نسبه زوراً إليها (رابعاً) استعمل المحرر المزور سالف البيان بأن قدمه إلى علي خوجلى المفتش المالي وإلى لجنة الجرد أثناء التفتيش على عهدته مع علمه بتزويره. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للمواد 111 و118 و119 من قانون العقوبات فقرر بذلك. ومحكمة جنايات أسوان قضت حضورياً عملاً بالمواد 112 و118 و211 و214 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبالعزل من وظيفته وبرد مبلغ 286 ج و701 م (مائتان وستة وثمانون جنيهاً وسبعمائة وواحد مليماً) وبتغريمه مبلغ 500 ج خمسمائة جنيه. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم اختلاس أموال أميرية وتحصيل رسوم غير مستحقة وتزوير في محرر رسمي واستعماله، قد شابه البطلان والخطأ في الإسناد والتناقض في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه اكتفى بالإشارة إلى مواد القانون المنطبقة على واقعة الدعوى دون أن يفصح عن أخذه بها وأسند إلى بعض الشهود من الطالبات قولهن إن الطاعن تقاضى من كل واحدة منهن مبلغ جنيه مقابل تأمين أثاث وهو ما لا أصل له في الأوراق وأورد في تحصيله لواقعة الدعوى أن الطاعن حرر إيصالاً بخط يده وذيله بتوقيع نسبه زوراً إلى عميدة دار المعلمات بأسوان تقر فيه باستلامها منه مبلغ مائتين وأربعين جنيهاً في الوقت الذي عول الحكم في قضائه على التقرير الطبي الشرعي الذي انتهى إلى أنه لا يمكن نسبة التزوير إلى أي شخص مما يصمه بالتناقض والتفتت المحكمة عن طلب الطاعن عرض الإيصال على الطبيب الشرعي لإجراء المضاهاة على توقيع المفتش الإداري الشاهد في الدعوى للتثبت من صحة صدوره منه وردت عليه رداً غير سائغ.
وحيث إن المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، وإن أوجبت على الحكم أن يبين نص القانون الذي حكم بمقتضاه، إلا أن القانون له يرسم شكلاً يصوغ فيه الحكم هذا البيان. ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، قد أشار إلى نصوص القانون التي آخذ الطاعن بها بقوله: "الأمر المعاقب عليه بالمواد 112 و118 و211 و214 من قانون العقوبات" فإن ما أورده الحكم يكفي في بيان مواد القانون التي حكم بمقتضاها بما يحقق حكم القانون. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن ما أسنده الحكم إلى الشاهدات شوقية رياض وصباح فهمي وإيفون بشارة ميخائيل وحكمت عدلي جبره وزينب محمد أحمد من أن كل واحدة منهن قد دفعت جنيهاً للطاعن سواء بنفسها أو عن طريق ولي أمرها قيمة رسم تأمين أثاث يرتد إلى أصل ثابت في التحقيقات، فإن رمى الحكم بالخطأ في الإسناد يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يبطل الحكم هو الذي من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح معه الاعتماد عليها والأخذ بها. وإذا كان الثابت أن المحكمة قد كونت عقيدتها في شأن تزوير الطاعن للإيصال من جماع أدلة الدعوى وعناصرها وهي في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقيقة من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي وكان ما خلصت إليه المحكمة من اقتراف الطاعن للتزوير لا يتنافر مع مؤدى التقرير الفني إذ ليس فيه ما ينفي أو ينال من صحة ما استخلصته من معتقد في هذا الشأن، فإن دعوى التناقض تكون غير مقبولة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على طلب الطاعن عرض الإيصال على الطبيب الشرعي لإجراء المضاهاة على توقيع الشاهد للتثبت من صحة صدوره منه بقوله "إنه مردود بما قرره الشاهد نفسه بالجلسة لدى اطلاع المحكمة له على التوقيع المنسوب صدوره منه على الإيصال المزور فاعترف بصحتها وقرر بأنها إمضاؤه ومن بعد فلا محل لإجابة الدفاع إلى طلبه في هذا الشأن فإن هذا حسبه ليبرأ من دعوى الإخلال بحق الدفاع لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلزم بندب خبير في الدعوى ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.