أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 21 - صـ 905

جلسة 22 يونيه سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ محمد أبو الفضل حفني، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، وطه الصديق دنانه، ومصطفى محمود الأسيوطي.

(214)
الطعن رقم 506 لسنة 40 القضائية

(أ، ب، ج) إثبات. "اعتراف". دفوع. "الدفع ببطلان الاعتراف". رجال السلطة العامة. نيابة عامة. سجون. بطلان. "اعتراف".
( أ ) حظر السماح لرجل السلطة بالاتصال بالمتهم المحبوس احتياطياً إلا بإذن من النيابة. مقصور على ذات الدعوى المحبوس على ذمتها. مخالفة هذا الحظر. لا بطلان. أساس ذلك. المادة 79 من القانون رقم 376 لسنة 1956. عدم امتداد هذا الحظر إلى المحبوس حبساً تنفيذياً.
(ب) مجرد وجود المتهم في السجن. لا أثر له على اعترافه.
(ج) عدم كفاية التذرع بوجود المتهم بالسجن للتحلل من اعترافه. ما دام أن هذا الاعتراف اختيارياً.
(د، هـ، و، ز، ح) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". قوة الأمر المقضي.
(د) تقدير المحكمة لدليل في دعوى. لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى. ولا يحوز قوة الأمر المقضي. أساس ذلك؟
(هـ) حق المحكمة في الأخذ بأقوال الشاهد في أية مرحلة. ولو عدل عنها.
(و) كفاية الأدلة كوحدة مؤدية إلى قصد الحكم ومنتجه في اقتناع المحكمة واطمئنانها.
(ز) استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
(ح) عدم التزام المحكمة بالتحدث عن الأدلة غير المؤثرة في عقيدتها.
1 - إن المادة 79 من القانون رقم 376 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون، إذ جرى نصها على أنه لا يسمح لأحد رجال السلطة بالاتصال بالمحبوس احتياطياً داخل السجن إلا بإذن كتابي من النيابة العامة، فقد دلت على أن هذا المنع قاصر على المحبوس احتياطياً على ذمة القضية ذاتها، سداً لذريعة التأثير عليهم، ومنعاً لمظنة إكراههم على الاعتراف وهم في قبضة السلطة العامة، ولا كذلك من كان محبوساً حبساً تنفيذياً على ذمة قضية أخرى، فضلاً عن أن القانون لم يرتب البطلان على مخالفة حكم هذه المادة، لأنه لم يقصد منها سوى تنظيم الإجراءات داخل السجن، بدلالة ورودها في باب الإدارة والنظام داخل السجن، منبتة الصلة بإجراءات التحقيق.
2 - إن مجرد وجود المتهم في السجن تنفيذاً لحكم، لا أثر له في صحة اعترافه.
3 - من المقرر أن الاعتراف الذي يعول عليه يجب أن يكون اختيارياً، ويعتبر الاعتراف غير اختياري وبالتالي غير مقبول إذا حصل تحت تأثير التهديد أو الخوف، وإنما يجب أن يكون التهديد أو الخوف وليد أمر غير مشروع، فلا يكفي بالتذرع بوجود المقر في السجن تنفيذاً لحكم صدر ضده، حتى يتحلل من إقراره، متى كان حبسه وقع صحيحاً وفقاً للقانون.
4 - إن تقدير المحكمة لدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى [(1)]. ما دامت لم تطمئن إلى الدليل المقدم فيها، لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقه دون الأدلة المقدمة في الدعوى، ولانتفاء الحجية بين حكمين في دعويين مختلفتين موضوعاً وسبباً.
5 - للمحكمة أن تأخذ بقول الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى، ولو عدل عنها بعد ذلك.
6 - لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
7 - الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث، الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، ما دام استخلاصها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، ولها في سبيل ذلك أن تعول على أقوال شهود الإثبات في أي مرحلة من مراحل الدعوى وتعرض عما سواه، إذ مرجع الأمر إلى تقديرها للدليل، فما اطمأنت إليه أخذت به وما لم تطمئن إليه أعرضت عنه.
8 - إن المحكمة لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 -...... (الطاعن) 2 - وآخر بأنهما في يوم 6 يناير سنة 1967 بدائرة قسم طنطا محافظة الغربية: (المتهم الأول) سرق المنقولات المبينة وصفاً وقيمة بالمحضر لجمال الدين أحمد علي (المتهم الثاني) أخفى أشياء مسروقة مع علمه بأنها متحصلة من جريمة السرقة سالفة الذكر. وطلبت عقابهما بالمادتين 44 مكرر 317/ 4 من قانون العقوبات. ومحكمة طنطا الجزئية قضت غيابياً عملاً بالمادة 417/ 4 عقوبات بالنسبة للمتهم الأول والمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة للمتهم الثاني بحبس المتهم الأول شهرين مع الشغل والنفاذ وببراءة المتهم الثاني مما نسب إليه بلا مصاريف. فعارض المحكوم عليه في هذا الحكم وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه، فاستأنف، ومحكمة طنطا الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة السرقة قد شابه البطلان في الإجراءات والقصور في التسبيب وانطوى على التناقض والفساد في الاستدلال، ذلك أن المدافع عن الطاعن دفع أمام درجتي التقاضي ببطلان الاعتراف المنسوب إليه تأسيساً على أنه كان مقيد الحرية إذ كان محبوساً تنفيذاً لحكم صدر ضده في قضية أخرى، ولم يحصل الضابط الذي أثبت هذا الاعتراف على إذن النيابة العامة بدخول السجن والاتصال بالمتهم لسؤاله حسبما تقضي المادة 79 من القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم لائحة السجون، وقد عول الحكم المطعون فيه - فيما عول - على هذا الاعتراف دون أن يعني بمناقشة هذا الدفاع الجوهري أو يرد عليه. فضلاً عن أن الطاعن دفع بذات الدفع أمام محكمة الدرجة الثانية في قضية أخرى مماثلة وأخذت به المحكمة وقضت بالبراءة تأسيساً عليه ولكنها أغفلته في خصوصية هذه الدعوى. كما أن الحكم المطعون فيه عول في الإدانة على هذا الاعتراف الباطل على الرغم مما وجه إليه من مطاعن الأمر الذي يعيب الحكم بما يبطله ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ثم أطرح دفاع الطاعن في مختلف وجوهه بما يتفق وصحيح القانون. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف الذي يعول عليه يجب أن يكون اختيارياً، ويعتبر الاعتراف غير اختياري وبالتالي غير مقبول إذا حصل تحت تأثير التهديد أو الخوف، إنما يجب أن يكون التهديد أو الخوف وليد أمر غير مشروع، فلا يكفي التذرع بوجود المقر في السجن تنفيذاً لحكم صدر ضده حتى يتحلل من إقراره متى كان حبسه وقع صحيحاً وفقاً للقانون. ولما كان مجرد وجود الطاعن في السجن تنفيذاً لحكم - على فرض صحته - لا أثر له في صحة اعترافه. وكانت المادة 79 من القانون رقم 376 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون إذ جرى نصها على أنه لا يسمح لأحد رجال السلطة بالاتصال بالمحبوس احتياطياً داخل السجن إلا بإذن كتابي من النيابة العامة، فقد دلت على أن هذا المنع قاصر على المحبوس احتياطياً على ذمة القضية ذاتها سداً لذريعة التأثير عليهم، ومنعاً لمظنة إكراههم على الاعتراف وهم في قبضة السلطة العامة، ولا كذلك من كان محبوساً حبساً تنفيذياً على ذمة قضية أخرى، فضلاً عن أن القانون لم يرتب البطلان على مخالفة حكم هذه المادة، لأنه لم يقصد منها سوى تنظيم الإجراءات داخل السجن، بدلالة ورودها في باب الإدارة والنظام داخل السجن، منبتة الصلة بإجراءات التحقيق، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي بشقيه على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير المحكمة لدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى، ما دامت لم تطمئن إلى الدليل المقدم فيها، لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقه دون الأدلة المقدمة في الدعوى، ولانتفاء الحجية بين حكمين في دعويين مختلفتين موضوعاً وسبباً. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه عول في الإدانة على اعتراف الطاعن وحصله في أنه قام بكسر زجاج سيارة المجني عليه وسرق جهاز تسجيل وحلة كان بداخلها، وعلى أقوال نبيل محمد القشطى الذي قرر أن الطاعن باع جهاز التسجيل ليحيى محمد شلبي - المتهم الآخر الذي قضى ببراءته - وعلى أقوال المجني عليه الذي قرر أنه ترك سيارته ولما عاد إليها اكتشف كسر زجاجها وسرقة جهاز التسجيل والحلة وقد تعرف على الجهاز المسروق بعد ضبطه، ولما كان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من أقوال الشاهد نبيل محمد القشطى - وإن عدل عنها بعد ذلك - وكان من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بقول الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنه بعد ذلك، وكان من المقرر أيضاً أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة. بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. لما كان ذلك، وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها ما دام استخلاصها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، ولها في سبيل ذلك أن تعول على أقوال شهود الإثبات في أي مرحلة من مراحل الدعوى وتعرض عما سواها، إذ مرجع الأمر إلى تقديرها للدليل، فما اطمأنت إليه أخذت به وما لم تطمئن إليه أعرضت عنه، وهي لا تلزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أورد أدلة الثبوت التي اعتمد عليها في الإدانة بما لا تناقض فيه، فإن هذا الوجه الأخير من النعي ينحل إلى مجرد جدل موضوعي يهدف إلى التشكيك فيما خلصت إليه المحكمة - في يقين - مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن النعي كله يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


[(1)] راجع أيضاً نقض جنائي السنة 12 ص 888، والسنة 19 ص 228